تمهيد :

لقد شهدت مهنة التعليم تطورا سريعا في مجال التكنولوجيا، وازداد الاهتمام بدورها في العملية التعليمية التعلمية في السنوات الأخيرة بشكل كبير من قبل المهتمين بأمور التدريس والتعليم في الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية التربوية ، ويتم استخدام التكنولوجيا والتقنيات التعليمية الحديثة المختلفة حاليا دون معرفة المفاهيم الأساسية لمفهوم تكنولوجيا التعليم، التي تسعى إلى إيجاد أفضل الأساليب للإفادة منها في تطوير التعليم ورفع مستواه ومعالجة مشكلاته للوصول إلى تعليم أكثر كفاءة وفاعلية ،وسنحاول في الصفحات التالية تسليط الضوء على هذا المفهوم " تكنولوجيا التربية أو تكنولوجيا التعليم " ،وكذا استخدامات هذه التكنولوجيا في قطاع التعليم العالي .

1-مفهوم التكنولوجيا :

اشتقت كلمة تكنولوجيا "Technology " والتي عربت "تقنيات "، من الكلمة اليونانية "Techne" وتعني فنا أو مهارة ، والكلمة اللاتينية "Texere" وتعني تركيبا أو منتجا ، والكلمة "Logos" وتعني علما أو دراسة ، وبذلك فإن كلمة تقنيات تعني علم المهارات أو الفنون أي دراسة المهارات بشكل منطقي لتأدية وظيفة محددة (1)، ويرى" روانتري " Rowntree " (1967) أن كلمة تكنولوجيا هي كلمة إغريقية يقصد بها معالجة فن،معالجة منظمة (2) .

وتفيد القواميس الانجليزية بأن معنى التكنولوجيا يعني المعالجة النظامية للفن ، أو جميع الوسائل التي تستخدم لإنتاج الأشياء الضرورية لراحة الإنسان واستمرارية وجوده ، وهي طريقة فنية لأداء أو إنجاز أغراض علمية (3) ، ويذكر "كارترجود " "Carter good " (1973) أن المقصود بالتكنولوجيا هو تطبيقات العلم لحل المشاكل العلمية ، أي معالجة النظريات والحقائق العلمية والقوانين بطريقة منظمة شاملة ، وتتم هذه المعالجة على أساس الاستفادة من هذه النظريات والحقائق في الحياة العامة (4) .

ويرى بعض الباحثين أن التكنولوجيا هي عبارة عن منتجات Products كالأدوات أو المواد التعليمية ، في حين يرى البعض الآخر أنها عبارة عن عمليات Processes أي أسلوب في التفكير والعمل يؤدي إلى الحصول على هذه المنتجات ...

ويرى آخرون أن التكنولوجيا هي عبارة عن نظام System تتفاعل فيه المنتجات مع العمليات ، ولا يمكن الفصل بينهما ، فتكنولوجيا الحاسوب مثلا تجمع بين الأدوات والمعدات Hard ware والمواد والبرمجيات Soft ware والمشكلات التي تواجه المتعلم وأسلوب العمل ، كل ذلك في إطار أو نظام شامل واحد (1) .

فالتكنولوجيا هي طريقة في التفكير وطريقة في التخطيط والتصميم والتنفيذ والتقويم ، ولكي يتم هذا الأسلوب العلمي المنظم فلابد أن يكون داخل نظام متكامل System يشمل على المدخلات Input التي تتفاعل مع بعضها البعض في مرحلة لاحقة تسمى مرحلة العلميات Processes وينتج عن هذا التفاعل أو العمليات نواتج معينة هي مخرجات النظام Output (2) .

وفي ضوء ما تقدم يمكن الاستنتاج بأن التكنولوجيا طريقة نظامية تسير على وفق المعارف المنظمة ، وتستخدم جميع الإمكانيات المتاحة ، مادية كانت أم غير مادية،بأسلوب فعال لإنجاز العمل المرغوب فيه إلى درجة عالية من الإتقان أو الكفاية ، وبذلك فإن للتكنولوجيا ثلاثة معان ، يفهم من خلال كل من النص أو السياق التي وردت فيه (3) .

أ‌. التكنولوجيا كعمليات Processes :وتعني التطبيق النظامي للمعرفة العلمية أو أي معرفة منظمة لأجل مهمات أو أغراض عملية .

ب‌. التكنولوجيا كنواتج products :وتعني الأدوات والأجهزة والمواد الناتجة عن تطبيق المعرفة العلمية

جـ . التكنولوجيا كعملية ونواتج معا : وتستعمل بهذا المعنى عندما يشير النص إلى العمليات ونواتجها معا ، مثل تقنيات الحاسوب .

2- مفهوم تكنولوجيا التربية :

عرب مصطلح التقنيات التربوية عن المصطلح الانجليزي Technology Educations ومصطلح تقنيات التربية عن المصطلح الانجليزيTechnology of Education ،إذ أن هذين المصطلحين قد استخدمهما كثيرون من قادة التقنيات التربوية بالمعنى نفسه،ولو أن "كلارك"(1983) Clark قد ميز بينهما بقوله:أن مصطلح تقنيات التربية شبيهة بمصطلح تقنيات تكييف الهواء وتقنيات صناعة الورق وهكذا ، وقد فضل استعمال مصطلح التقنيات التربوية،لأنه لا يمكن التحكم بالسلوك الإنساني وضبطه بدقة ، وتطبيق المعارف العلمية أو المنطقية على الإنسان بشكل دقيق مرغوب فيه ، وكذلك قد يحدث التباس بين معنى مصطلح "تقنيات التربية " Technology of Education .

ومعنى المصطلح " التقنيـات في التربـية" Technology In Education فتقنيات التربية هي الأسلوب العملي المنظم والمواد المستخدمة للتعلم،أما التقنيات في التربية فهي استخدام الأجهزة والأدوات في التربية ، فالتقنيات في التربية عبارة عن تطبيق التقنيات كنواتج واستخدامها في أي من تلك العمليات التي تسهم في إدارة المؤسسات وتشغيلها،التي تهتم بالمرافق التربوية ومشاريعها،وتشمل تطبيق التكنولوجيا في التغذية والصحة والشؤون المالية والبرمجة (تنظيم الجداول )ووضع الدرجات وغير ذلك من العمليات التي تساعد التربية داخل هذه المؤسسات وبذلك فإن التقنيات التربوية ليست التقنيات في التربية (1) ،وكما أن هناك وجهات نظر اختلفت قليلا في تعريف التقنيات فإنه يتوقع أن يحدث الشيء نفسه بخصوص تعريف التقنيات التربوية .

عرفت جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا (1977) تكنولوجيا التربية على أنها عملية متكاملة معقدة وتشمل الأفراد والأفكار والأدوات والتنظيمات والإجراءات بغرض تحليل المشكلات التعليمية التربوية ذات العلاقة بجميع مجالات التعليم البشري ثم استنباط الحلول المناسبة لها ، وتنفيذها وتقويمها وإدارتها (2) ، ويرى " روانتري " Rowntree (1982) أن التقنيات التربوية اصطلاح واسع اتساع التربية ذاتها ، وتهتم بتصميم التعليم وبالتطوير التربوي ، وهي بشكل رئيسي منحى منطقي لحل مشكلات التربية ، بالإضافة إلى أنها طريقة للتفكير في التدريس والتعليم تفكيرا نظاميا واعيا (3) .

أما "براون " (1984) فيرى أن تكنولوجيا التربية طريقة منظومية لتصميم العملية الكاملة للتعليم والتعلم ، وتنفيذها وتقويمها وفق أهداف خاصة محددة ومعتمدة على نتائج البحوث الخاصة بالتعليم والاتصالات وتستخدم مجموعة من المصادر البشرية وغير البشرية ، بغية الوصول إلى تعلم فعال (1) .

ولقد تبنى المؤتمر السابع عشر للتربية والذي عقد بمدينة الكويت في الفترة من :17-21 مارس 1987 التعريف التالي لمفهوم التقنيات التربوية :

التقنيات التربوية طريقة منهجية تكون نظاما متكاملا وتحاول من خلال تحديد المشكلات التي تتصل ببعض نواحي التعلم الإنساني وتحليلها ثم الإسهام في إيجاد الحلول المناسبة لها لتحقيق أهداف تربوية محددة ، وكذلك الإسهام في العمل على التخطيط لهذه الحلول وتنفيذها وتقويم نتائجها (2) ، وهذا التعريف يشبه كثيرا التعريف الذي اقترحته جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا عام 1977 .

من خلال ما سبق يمكن القول أن التعاريف السابقة رغم اختلافها إلا أنها اشتركت ولو في نقطة من النقاط التالية :

1. إن تكنولوجيا التربية هي نظام .

2. إن تكنولوجيا التربية لا تقتصر على استخدام الأجهزة والأدوات في التربية بل تتعدى هذا المفهوم لتشمل الأفكار والأفراد والإجراءات والتنظيمات .

3. تعنى بتصميم العملية التعليمية وتطويرها وتقويمها .

4. تهتم بحل المشكلات التعليمية التربوية والتي لها علاقة بالتعليم البشري وتنفيذ هذه الحلول وتقويمها.

3-مفهوم تكنولوجيا التعليم :

سنعرض أهم تعريفات تكنولوجيا التعليم وكيف تعرضت لتعديلات إلى أن تم الوصول إلى تعريف متفق عليه من قبل معظم العاملين والمنظرين بالمجال وذلك بفضل جهود جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا (1) .

1-تعريف جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا عام 1963 :

تكنولوجيا التعليم هي الاتصالات السمعية والبصرية ، التي تهتم بتصميم واستخدام الوسائل التي تتحكم في عملية التعلم .

2-تعريف جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا عام 1967 :

تكنولوجيا التعليم هي مجال تطوير التطبيق وتقييم الأنظمة والأساليب والوسائل من أجل تطوير عملية التعلم الإنساني .

3-تعريف لجنة الرئيس لتكنولوجيا التعليم عام 1970 :

تكنولوجيا التعليم هي الوسائل التي تولدت عن صورة الاتصالات والتي تستخدم لتحقيق أهداف تعليمية بمصاحبة المعلم والكتاب والسبورة ، ومن تلك الوسائل التلفزيون والأفلام والفيديو وأجهزة العرض فوق الرأس وكذلك الكمبيوتر ، فتكنولوجيا التعليم هي طريقة منظمة لتصميم عملية التعليم وتنفيذها في ضوء أهداف محددة وتوظف مزيجا من الموارد البشرية وغير البشرية .

4-تعريف جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا عام 1972 :

إنها مجال يعمل على تسيير التعليم الإنساني من خلال تحديد مصادر التعليم وتطويرها ، وتنظيمها ، واستخدامها وإداراتها .

5-تعريف جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا عام 1977 :

تكنولوجيا التعليم هي عملية معقدة تشمل الناس والإجراءات والأفكار وكذلك الأدوات والتنظيم من أجل تحليل المشكلات وتصميم وتنفيذ وتقويم الحلول المتعلقة بالتعلم الإنساني .

6-تعريف جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا عام 1994 :

تكنولوجيا التعليم هي النظرية والتطبيق في تصميم العمليات والمصادر وتطويرها واستخدامها وإدارتها وتقويمها من أجل التعليم ، فبعد سبعة عشر عاما من تعريف 1977 وضع تعريف جديد حظي باتفاق عام حتى أن "باردل وروبرت " قالا عنه :أنه يكون حجر الزاوية في كل الأبحاث والمناقشات في هذا المجال ، حيث ضم هذا التعريف النظرية والتطبيق وليس فقط الأدوار التي يؤديها المتخصصون في هذا المجال كما في تعريف عام 1977 ،إذ يجب أن يكون لأي مهنة قاعدة معرفية تدعم التطبيق وبناء عليه فإن لكل مكون من مكونات تكنولوجيا التعليم وعاءا معرفيا يقوم على البحث والخبرة .

كما أشار هذا التعريف إلى مفهوم " الفعالية" أي أن هدف تكنولوجيا التعليم هو تفعيل التعليم ، وبالرغم من تعدد التعريفات التي تناولت مصطلح تكنولوجيا التعليم إلا أنها اشتركت فيما يلي :

1- أنها أسلوب نظامي .

2- أنها تركز على دراسة الوسائل .

3- أنها مجال موجه نحو تحقيق هدف معين

4-الفرق بين تكنولوجيا التربية وتكنولوجيا التعليم :

من الجدير بالذكر أن العديد من الدراسات والبحـــــــوث المتخصـصـة في مجال التقنيــــــــــات التعليميةInstructional Technology والتقنيات التربوية لم تفرق بين المصطلحين واستخدمتهما بالمعنى نفسه،إلا أنه من الملاحظ ظهور اتجاه متزايد للتمييز بينهما ، بحيث يطلق مصطلح التقنيات التعليمية على العمليات التي تتعلق بتصميم عملية التعلم والتعليم وتنفيذها وتقويمها،لذلك فإن التقنيات التعليمية هي مجموعة فرعية من التقنيات التربوية ،وبناءً على أن مفهوم التعليم " التصميم المنظم المقصود للخبرة أو الخبرات التي تساعد المتعلم على انجاز التغير المرغوب فيه في الأداء " وهو أيضا إدارة التعلم التي يقودها المعلم (1) .

وهو مجموعة جزئية من مفهوم التربية ،فإن التقنيات التعليمية ، عملية متكاملة معقدة (مركبة) تشمل الأفراد (العاملين) والأساليب والأفكار والأدوات والتنظيمات التي تتبع في تحليل المشكلات واستنباط الحلول المناسبة لها ، وتنفيذها وتقويمها وإدارتها في مواقف يكون التعلم فيها هادفا وموجها ويمكن التحكم فيه(2) ،هذا ما أشار إليه أيضا كل من "ماجد عبد الكريم أبو جابر " و"عمر موسى سرحان" حيث اعتبرا تكنولوجيا التعليم جزء من تكنولوجيا التربية ، منطلقين من فكرة أن التعليم جزء فرعي من التربية ، حيث أن مفهوم تكنولوجيا التربية يعمل على حل المشكلات في جميع مجالات التعلم الإنساني في حين أم مفهوم "تكنولوجيا التعليم" يعمل على حل المشكلات ، حيث يكون التعليم هادفا وموجها . وفي تكنولوجيا التعليم تأخذ حلول هذه المشكلات شكل مكونات النظام التعليمي التي صممت سابقا واختيرت واستخدمت وجمعت في أنظمة تعليمية متكاملة ، وتتحدد هذه المكونات على أنها رسائل وأفراد ومواد و أدوات و أساليب ودور تعلم،كما تحدد عمليات تحليل هذه المشكلات واستنباط الحلول المناسبة لها وتنفيذها وتقويمها من خلال وظائف التطوير التعليمي الخاصة بالبحث ، النظرية والتصميم والإنتاج والتقويم والاختيار والتزويد والاستخدام ونشر الاستخدام ، ويتم تحديد عمليات توجيه واحدة أو أكثر من هذه الوظائف وتنسيقها عن طريق وظائف الإدارة التعليمية الخاصة بإدارة المنظمة وإدارة شؤون العاملين