تأثير تقنية المعلومات في التعليم العالي



أدى التقدم لمستمر في تقنية المعلومات والاتصالات الى زيادة التواصل بين كافة المؤسسات الصناعية والخدمية، وسوف يتأثر النظام التعليمي نتيجة لذلك اذ شجع عصر المعلومات على ايجاد مصادر للمعلومات لا نهاية لها وهي حاضرة بانتضار استغلالها من قبل الطلاب والباحثين القادرين على فهمها، واستخدمت مصطلحات عديده لوصف هذا التغيير مثل التعليم الافتراضي virtual education والتعلم المباشر online learning والجامعات العالميه Global universities و زوال طرق التعلم التقليدية وغير ذلك من المفاهيم، و برزت نماذج حديثه للتعليم والتعلم مدفوعة بالوسائط الجديدة وصار دور المعلم والمدرب مجرد مساعد في عملية التحصيل العلمي

تناقش هذه الورقة تأثير تقنية المعلومات والتغير في الفصل الدراسي التقليدي


















المقدمة





لقد كانت وسوف تستمر تقنية المعلومات عملا مهما ومؤثرا في نجاح المؤسسات التعليمية ، فالقدرة الاستيعابية للمتعلمين وانتشار المعرفة يزداد بشكل اضطرادي، وللتمكن من توفير بنية تعليم فعّالة في الجماهيرية الليبية يحتم علينا الموقف وضع خطة استراتيجية بكافة مؤسسات السلم التعليمي و تحديد دور التقنية في العملية التعليمية بأكملها، وهذا يعني الاجابة على عدد من التساؤلات التي أهمها

· هل يحتاج التعليم الى التقنية المعلوماتيه ولماذا ؟

· ما هي آثار التقنية على التعليم في وضعه الحالي؟

· ما ي القيمة التي تضيفها التقنية للتعلم وهل هذه القيمة هي اعلى من تكلفة استخدام التقنية ؟



رغم ان هذه الاسئلة قد تبدو غريبة وان الاجابة عليها بسيطة، الا ان الواقع يشير الى انه ثمة آراء اخرى تعمل على تحديد القرارات الاستراتيجية التي من شأنها اعاقة تقدم الاستخدام التقني في العملية التعليمية. ومهما كانت الاسباب يبرز تساؤل آخر عما اذا كان التعليم بشكله الحالي يرقى الى متطلبات عصر المعلومات فمنذ عدة عقود تولدت لدى المؤسسات الصناعية قناعة بأنه لا يمكنها البقاء والحياة الا اذا احتضنت وتبنت التقنية كجزء مهم في العملية الصناعية. واليوم تجد المؤسسات التعليمية- مدادر وكليات ومعاهد و مراكز نفسها مجبرة لدمج التقنية لتصبح جزءا مهما في العملية التعليمية.

ومن بين المجالات التي تتطلب التغيير هو ما يتعلق بوجهة نظر المعلمين حيال التقنية واستخدامه في التعليم، ونجد ان كافة استخدامات الانظمة التقنية هي ذحركة ( او ميكنة) الاجراءات القائمة- فقد استخدمت الحواسيب لمعدات حسابية او بديلا للآلة الكاتبة في العمل الاداريه، وتوفر الآن تقنية المعلومات منصات تعليمية جديده، وتعيد تشكيل الطريقة التي يتعلم بواسطتها الطلاب، فالوصول الى المعلومات عبر العالم يتطور باستمرار، فمثلا يتلقى طلاب علم التشريح محاضرات ويقرؤن الكتب عن تركيب الحيوانات او النباتات وقديكونوا محضوضين اذا كانت لديهم جثة بشرية للتشريح بالمعمل، ولكن باستخدام الحاسوب يمكن للطلاب تشريح وتحليل الجسم البشري والتمرين على اجراءات العمليات الجراحية. وبدلا من التمعن في شرائح الخلايا مرة بالمعمل او النظر اليها في هيئة صور ثابتة في الكتب ، يمكن للطلاب وعلى مدار الساعة الوصول الى شرائح غير ساكنه ويمكن القيام بعمليات مخبرية عليها بواسطة الحاسوب. ويتيح التعلم عن بعد Distance Learning للطلاب مشاهدة اعمال حية ولأول مرة والتي لا يمكنهم التعرض لها ، وان يستمعوا الى محاضرات لأساتذة حائزين على جائزة نوبل وهم جالسون في فصولهم . ونظرا لأن العديد من الجامعات صارت تقدم المحاضرات الجامعية بها على شبكة الانترنت فان الطلاب يكتسبون العديد من وجهات النظر في موضوع ما ويمكنهم ايضا التواصل بشكل الكتروني مع العديد من نظرائهم الطلاب والعلماء بشكل اسرع مما تقدمه المنشورات التقليدية. لذا فإن افضل منفعة للتقنية في مجال التعلم تكمن في الكم الهائل والمتزايد عالميا من المعرفة، ففي كل المجالات يوجد انفجار داخلي للمعلومات يتطلب امكانيات تقنية لإيصالها او بثها في شكل معلومات مفيده.

لقد بدأ العصر الصناعي بالتركيز على فهم المادة والذرة، وأدى التطور العلمي الى تأسيس البنية التحتية و ظهور المجتمعات التي تتعامل بتصنيع و توزيع المصنوعات كالسيارات والمحركات الكهربائية والثلاجات والكتب التي تتكون من الورق والحبر. و تركز التقنية والعلوم في عصر المعلومات على المعلومات الممثلة في ارقام ثنائية Bits وتتضمن البنية التحتية الطرق السريعة للمعلومات والحواسيب التي تعمل على تخزين ومعالجة المعلومات اضافة الى علوم الحاسوب وعلم المعلومات (متضمنة تقنيات الذكاء الاصطناعي).

لقد كانت القراءة نادرة و ذلك لقلة عدد الناس الذين يتلقون التعليم والجهد الذي يتطلبه ليكون الانسان كفؤ في القراءة والكتابة، ومع ذلك فقد ساهمت مجهودات اولئك بشكل كبير في تجميع المعرفة الانسانية رغم انها كانت بطيئة ولأن نقل المعرفة كان بطيئا ولم تكن انظمة الاتصالات التي نعرفها اليوم موجودة آنذاك. ومن المهم التأكيد على نقطتين هامتين وهما: اولا، ادى التقدم في االتقنية والعلوم لبزوغ الثورة الصناعية والتي عمت العالم بشكل تدريجي. ثانيا، شجع ظهور الآلة البخارية على نشأة العصر الصناعي وكان بداية لكثير من الصناعات والاجهزة مثل الهاتف و التلغراف والمحركات الكهربية والمصابيح الكهربية والسيارات والطائرات واجهزة الاذاعة المسموعة والمرئية. ومن المهم هنا ان نشير الى ان ذلك العصر احتاج الى تشكيل وظائف تتطلب مستوى بسيط من التعليم، فخطوط الانتاج صممت لمستويات عملية بسيطة اذ ان مسألة صنع القرار كانت بيد المستوى الأعلى في الإدارة وهم ذوي المؤهلات العلمية العليا، واستخدم اسلوب الادارة الهرمي (من أعلى الى أسفل)، وهذا يشير الى تواضع النظام التعليمي الحالي لأنه صمم لمجتمع العصر الصناعي ويستخدم اسلوب الادارة الهرمية واعداد المناهج الدراسية التقليدية

ويتضح مما سبق شرحه ان الانسان طور العديد من الادوات المساندة للجسم البشري وعقله ايضا، وان الانسان وادواته هي ما جعل القراءة والكتابة واجراء العمليات الرياضيه واقمار الاتصالات وانظمة الحاسوب الذكية أشياء ممكنة ، ويعتمد عصر المعلومات على التقدم السريع في العلم والتقنية مدعوما بالتطور السريع في الحاسوب والتقنيات المرتبطة به، حتى انه يمكننا القول ان هذه التقنيات هي عون العقل البشري وهذه الادوات هي التي تغير عالمنا اليوم.

التغير في البنية التنظيمية للجامعة

يعمل التغير السريع لبيئة تقنية المعلومات على احداث تغييرات في البنية التنظيمية للجامعة والتي تبدو انها تدريجية ولكنها في الواقع تحويل جذري فالبعض يعتقد ان عصر المركبات الجامعية قد بدأ في الزوال وعلى الجامعات تبني اسلوب اكثر قربا من الاسلوب التجاري في التعليم والايفاء بالحاجة العلمية للطلاب او المتعلمين ، وذلك من خلال تأسيس برنامج التعلم عن بعد واحتضان الآلاف من الطلاب عبر الانترنت والحصول على ارباح مادية اكبر. ويضن البعض ان زيادة التركيز على الربح لن يكون له اثر سلبي على مخرجات التعليم ومستوى التحصيل العلمي.

وتحتاج بنية الجامعات للتغيير استجابة الى ضرورات التطور التقني والتغير في حاجة المستهلكين (الطلاب والنتعلمين) ودمج تقنية المعلومات في البنية الاساسية للجامعة. ونظرا لعدم قدرة كل من الاساتذة والموظفين بالمؤسسة التعليمية- الهروب من التغيير وخاصة اذا ما ارادت الجامعة تجاوز مركباتها المحصورة بمنطقة جغرافية معيتة فإن عصر المعلومات يجلب لنا مفاهيم جديدة مثل العمل عن بعد tele working حيث يعين المظف عند الحاجة اليه فقط، ويعمل الناس في مجموعات لفترة زمنيه كافية لاتمام المهمة او المهام المناطة بهم مثل انتاج المادة العلمية لمقرر معين، ويتم تعيين هيئة التدريس على اساس الدعم support وليس للألقاء المحاضرات أي ميسرا للتحصيل بدلا من مقدم للمادة العلمية، وبالتالي تتمتع الجامعات بمزايا الحجم الصغير والكبير في ذات الوقت.

وبدون انتهاج الاسلوب التعاوني سيكون من الصعب حل مسألة اضمحلال المقتنيات المكتبية، فالمكتبة هي احدى الامكانيات الاساسية بالجامعة والتي تتطلب موارد مشتركة، وفي ظل القدرات التخزينية العالية للحواسيب ومللحقاتها يصبح من الضروري رقمنة هذه المحتويات .......... .......


التحول في دور عضو هيئة التدريس



يعتقد بعض الباحثين انه نتيجة للزيادة في اعداد الطلاب فإن المعلمين بحاجة الى التكيف مع هذا الوضع الجديد، وبعتقد البعض الآخر انه يمكن الغاء المعلم (المحاضر) من لفصل الدراسي حيث انه لم يعد هو المصدر الوحيد للمعلومات بالنسبة للطلاب اذ انه بمجرد استخدام المادة العلمية لمرة واحدة فانها تصبح متاحة لأي شخص وبالتالي تضمحل قيمتها، ويقل الحضور بالفصول الدراسية ويقتصر لقاء الطلاب مع المرشدين لهم فقط على حل مسائل غامضة او غير مفهومة وتتطلب حلا آنيا، وبالتالي فإن لمحاضر الذي يقتصر دوره على نقل المعلومة شفويا يقدم قيمة اضافية، ويمكن للطلاب دراسة وتعلم المنهاج باستخدام الكتب المنهجية. وبناء على ذلك يتحرر المعلمون من الطباشير(او القلم) والسبورة ويمكنهم بذل وقت افتراضي مع اولئك الطلاب الذين هم بحاجة الى مساعدة و تدريس فردي مباشر او ما يعرف بالارشاد عن بعد tele tutoring اذ يقدم المرشد للطلاب التوجيه في استخدام مادة علمية معينة او مكتبات علميه.


التغيير في اساليب التدريس



قد تكون التغيرات التي ستحدث بتقنيات التعليم التقليدية كما تخيلها العديد من الكتاب مؤشرا لتحول قاس للتعليم، وربما يتبدل الفصل الدراسي التقليدي الذي اعتدنا عليه الى تبادل للأفكار والمعلومات بشكل مختلف والذي يكون بواسطة الاتصال على الخط online ، وهذا لا يعني ان الحاسوب يهدد بإزالة المعلم ولكن تقنية المعلومات تحفز الابداع وتجعل المتعلم راض عن نفسه. ومن ناحية اخرى فإن الكم الهائل من المعلومات يجعل الطلاب اقل قناعة بفكرة ن المعلم هو الخبير المطلق، كما انه لا توجد سلطة للمعلمين لايقاف سيل المعلومات امام الطلاب وبالتالي تصير علاقة الطالب بالمعلم علاقة تكافؤية، وسوف يستفيد الطلاب من التحول من " ثقافة المطبوعات" التقليدية الى ثقافة اكثر حسية والتي تساعد الطلاب على التعامل مع وصلات (للمعلومات) ذات صور يمكن رؤيتها وتذكرها، وقد تجعل شبكة الانترنت محتوى المحاضرات اكثر حيوية فتحفز الذاكرة وتوفر المزيد من الارتباط بالموضوع.

ومن وجهة نظر الادارة والسيطرة المجتمعية يعتقد بعض الباحثين ان الحكومات سوف تفقد السيطرة على محتويات المناهج الدراسية واساليب التدريس كلما زادت استقلالية المؤسسات التعليمية وسيكون لهذا كبير الأثر.



الذكاء الاصطناعي في التعليم

يواصل علم الحاسوب التقدم لانتاج حواسيب تكون اكثر ذكاء، بمعنى ان قدرتها في انجاز اعمال تتطلب ذكاء وسيتمكن الانسان من ايجاد حلول لمسائل فقط بالتعبير عن هذه المسائل بصيغة تلائم قدرات فهم الحاسوب، وستعمل واجهات الاتصال بين الحاسوب والانسان على تسهيل هذه العملية وسوف تستخدم واجهات الاتصال هذه نتائج التطور العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي. وتوجد اليوم الآلاف من النظم الخبيرة ذات الاستخدام اليومي في العديد من المجالات مثل الطب والكيمياء والرياضيات والجيولوجيا وغيرها

يحتاج التعامل مع المسائل اليومية الى فرق عمل تتألف من الانسان والحاسوب والمعدات المحوسبة مثل القن الآلي robot والمصانع الآلية وسوف يتطلب ذلك من الانسان معرفة كبيرة وخبرة حتى يكون عضوا فاعلا في هذا الفريق، وسوف تستمر قدرات كل من الحاسوب والآلات ذاتية الحركة في التطور مما يضيف عبئا آخر على العنصر البشري بالفريق، فهو الذي يحدد الهدف العام والاهداف الفرعية ويحدد لعمل برمته وهذا الدور لا غنى عنه.

ويواجه التعليم مهمة تثقيف وتعليم الناس لأن يكونوا اعضاء فاعلين في الفريق الساف الذكر والمتكون من الحواسيب والناس والآلات المحوسبة، وهذه ليست بالمهمة السهلة. وللذكاء الاصطناعي وجه آخر سيكون له تأثير كبير في التعليم مثل تمييز الاصوات فقد استخدم الصوت بشكل موسع في البنية التجارية وعلينا التركيز على استخدام الصوت في تعليم القراءة والكتابة ايضا باللغة الطبيعية.

احد الامور التي يجب معرفتها في ظل التطور التقني السريع هو تحديد النصف العمري half life للمعلم، بمعنى لنفترض ان شخصا ما تحصل على معرفة ومهارات ليكون مؤهلا للمهنة، ولنفترض ان هذا الشخص لم يتحصل على اية معارف جديدة او مهارات بينما استمر المستوى التعليمي في الارتفاع، فبعد كم سنة يكون هذا الشخص نصف كفؤ؟ لقد اضافت تقنية المعلومات بعدا آخر في هذه الصورة وهي توفر كل من المحتوى العلمي و كذلك اسلوب التدريس في كل المجالات وفي كل المستويات .