التوجيه التربوي Educational guidance Orientation éducative

التوجيه التربوي



التوجيه التربوي Educational Guidance هو عملية مساعدة الفرد بوسائل مختلفة ليصل إلى أقصى نمو له في مجال الدراسة، ويتمثل ذلك في مساعدة الطالب على أن يرسم خطط الدراسة بطريقة حكيمة وأن يتابع هذه الخطط بنجاح.

وتطورت عملية التوجيه التربوي مع تطور الحياة الإنسانية لتصبح في نهاية القرن التاسع عشر عملية منظمة تهدف إلى مساعدة الطلبة في التغلب على مشكلاتهم المهنية والاجتماعية. ولم تصل هذه العملية إلى مستوى الاحتراف والتطبيق المهني إلا بعد أن قام المهندس فرانك بارسونس Frank Parsons عام 1908 بافتتاح أول مكتب متخصص للتوجيه المهني في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية ونشر تقريره عن التوجيه المهني، وفي عام 1909 تم اعتماد التوجيه المهني في مدارس بوسطن الثانوية، وساعد مركز بارسونس على تأسيس أول جمعية وطنية للتوجيه المهني في الولايات المتحدة الأمريكية التي تحملت مسؤولية تنظيم مهنة التوجيه المهني وإصدار مجلة التوجيه المهني الوطنية.

وبعد الحرب العالمية الأولى تقدم الأمريكي ترومان كيلي Truman Kelley عام 1914 بأطروحته للدكتوراه عن التوجيه التربوي إلى كلية المعلمين في جامعة كولومبية كان غرضها إيجاد معيار علمي يساعد الطلاب على اختيار المواد الدراسية التي قد يكون احتمال النجاح فيها أعلى من غيرها، وبالتالي تصنيفهم على هذا الأساس. واعتقد كيلي أن التوجيه التربوي مرحلة ينبغي أن تسبق مرحلة التوجيه المهني على خلاف المشتغلين في التوجيه والإرشاد في الوقت الحاضر.

لم يعد مصطلح التوجيه Guidance متداولاً في أمريكة الشمالية منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحل محله مصطلح آخر هو الإرشاد Counseling، أما في البلاد العربية فمازال التوجيه مستخدماً وكثيراً ما يرد مصطلح الإرشاد ملازماً لمصطلح التوجيه كما هي الحال في الكثير من الكتب والمؤلفات العربية التي تحمل عنوان «التوجيه والإرشاد النفسي».

اعتمد التوجيه والإرشاد التربوي منذ عام 1940 على نظرية السمات والعوامل المستمدة من القياس النفسي، وظهر بموجبها أول أسلوب رسمي للتوجيه التربوي عُرف باسم الإرشاد المباشر أو الموجه أو المتمركز حول المرشد Directive Counseling وكان رائد هذا الأسلوب إليس وليامسون E.Williamson الذي سار على خطى بارسونس وغيره من الموجهين الأولين. عد وليامسون هذا الأسلوب في توجيه الأفراد الأسلوب العيادي وأقامه على المقاييس والاختبارات الموضوعية وجمع المعلومات، ورأى أن عملية التوجيه والإرشاد يجب أن تحتوي على ستة عناصر رئيسة هي:

- التحليل: وفيه يتم جمع المعطيات والحقائق اللازمة عن المسترشد.

- التركيب: وفيه يتم تلخيص المعطيات التي تم الحصول عليها من نقاط القوة والضعف لدى المسترشد وتنظيمها.

- التشخيص: وفيه يتم تحديد المشكلة التي يعاني منها المسترشد والعوامل التي أدت إليها وتعريفها.

- التنبؤ: وفيه يتم توقع مآل المشكلة.

- التشاور: وفيه يتم تقديم المشورة حول المشكلة المعروضة إلى المسترشد.

- المتابعة: وفيها تتم متابعة التطورات المتعلقة بالمشكلة وبغيرها عند المسترشد، ويقوم الموجه أو المرشد التربوي وفقاً لهذا الأسلوب بإعطاء النصح للمسترشد وإرشاده إلى الحل الأنسب لمشكلته مع مقارنته بالحلول الأخرى الممكنة وتقويم كل منها. هذا ويتيح المرشد للمسترشد أن يناقش إجراءات الحل، ويحتاج كلام المرشد أن يكون مقنعاً ومؤثراً وواضحاً حتى يتقبل المسترشد الحل المقترح.

ويلاحظ في هذا الأسلوب المباشر من التوجيه والإرشاد أن المرشد يتخذ دور الشخص الخبير الذي يهيمن على عملية التوجيه، لذلك يكون دور الموجه أو المرشد فعالاً وإيجابياً، بينما يكون دور المسترشد سلبياً.

وفي نهاية عقد الأربعينيات من القرن العشرين تم استبدال أسلوب التوجيه أو الإرشاد المباشر بالأسلوب العلاجي أو غير المباشر. وكان للتغيّرات الاجتماعية التي نجمت عن فترة الاكتئاب بسبب انهيار الاقتصاد وسوق الأسهم والعمل في الولايات المتحدة الأمريكية ونشوب الحرب العالمية الثانية والآثار النفسية والاجتماعية التي خلفتها على المحاربين وأسرهم والمجتمع بأسره، الأثر في التحولات الاجتماعية فسادت روح الفردية مقابل روح التسلط والإملاء والتصلب التي كانت وليدة الماضي. ضمن هذه الأجواء الجديدة تحدى كارل روجرز Carl Rogers الأسلوب المباشر في التوجيه والإرشاد كطريقة تسهل عملية جمع المعلومات الدقيقة وتساعد على صنع القرار في المجالات التربوية والمهنية، متجاوزاً حدود المشكلات الدراسية والمهنية حينما ركّز على المشكلات الفردية ذات الصبغة الانفعالية وذات الاستقلال النسبي عن المجتمع، وإنشاء علاقة إرشادية أو علاجية مع تجنب التأثير المباشر على المسترشد. ويحمل هذا الأسلوب غير المباشر في التوجيه والإرشاد بعداً إنسانياً. ويرى روجرز أن ما يمارسه الموجهون والمرشدون مثل الإجراءات المعتمدة على النموذج الطبي كالتشخيص المباشر والتقويم وإسداء النصح تؤدي إلى تعطيل عملية اكتشاف المسترشد نفسه بنفسه ومعرفة مواطن القوة والضعف لديه. ومع ذلك لا يلغي روجرز دور الروز النفسي وتطبيق الاختبارات على المسترشدين في عملية التوجيه والإرشاد، بل يضع لها ضوابط وموجهات تسهل إدراك المسترشد للنتائج وتتيح المجال له لأن يناقشها بحرية ويعبر عن رأيه فيها. وينحصر دور المرشد في الأسلوب غير المباشر في تسهيل عملية الإرشاد وتشجيع المسترشد على فهم نفسه ومشكلاته الخاصة واكتشاف الحلول الممكنة لها بنفسه وتحمل مسؤولية قراراته واختياراته بحرية تامة. لذلك يتسم دور المسترشد في هذا الأسلوب في أنه فعال وإيجابي ويهدف إلى تحقيق الذات، ثم أجرى روجرز على هذا الأسلوب بعض التعديلات وأطلق عليه الإرشاد أو العلاج المتمركز حول المسترشد، وفيما بعد أطلق عليه اسم الإرشاد أو العلاج المتمركز حول الشخص تكريماً لشخص المسترشد.

وفي عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين أعاد التوجيه والإرشاد اهتمامه بقضايا المدرسة والعمل نظراً لظهور جمعيات مهنية وتربوية في أمريكة أكدت أهمية إعادة التأهيل التربوي والمهني. ومن ناحية أخرى أدى التنافس على تقديم الخدمات النفسية والعلاجية بين أقسام علم النفس الإرشادي وعلم النفس العيادي في الجامعات الأمريكية إلى تقليص تقاليد التوجيه والإرشاد لصالح العلاج النفسي.

لا يزال دور الموجهين والمرشدين في المؤسسات التربوية والتعليم العالي خاصة مركّزاً على التوجيه والإرشاد في إطار التكيف الشخصي والتربوي والمهني للأفراد، بينما اتجه آخرون إلى مؤسسات غير تقليدية بالنسبة للتوجيه والإرشاد مثل العيادات العلاجية الخاصة، والمشافي العامة، والشركات التجارية ووسائل الإعلام. ومهما تنوعت أنشطة التوجيه والإرشاد تبقى هناك سمات جوهرية مميزة لهذه المهنة تبدو في تبني الطريقة العلمية ونتائج البحث العلمي في التطبيق، والتركيز على الفرد وعلى تغذية قدراته بدل التأكيد على التشخيص المرضي ثم التأكيد على قضايا التطور والتكيف الاجتماعي، إضافة إلى التأكيد على كفاءات الموجهين والمرشدين المهنية التي تتطلب مهارات ومعارف مناسبة لإقامة العلاقة الإرشادية وتقويم المشكلات وإحداث التغيير والحفاظ عليه وتقويم النتائج وآخرها استمرار سعي التوجيه والإرشاد إلى تكوين هوية مهنية متميزة عن سائر الاختصاصات الأخرى.

ويبدو أن تداخلاً وظيفياً قد حصل بين المتخصصين في التوجيه التربوي وعلم النفس العيادي والطب النفسي في مجالي التشخيص والعلاج، ويعود ذلك إلى الولاءات المختلفة للتوجيه التربوي والإرشاد النفسي في الجامعات حيث ينتمي بعضها إلى التربية ويركز على إعداد الموجهين التربويين، بينما ينتمي بعضها الآخر إلى علم النفس التطبيقي الذي يتبنى النموذج العلاجي في إعداد المدرسين.

وتقوم خدمة التوجيه والإرشاد التربوي على عدد من المسلمات التي ترى أن سلوك الإنسان ثابت نسبياً ويمكن التنبؤ به وأن سلوك الفرد في المستقبل يشبه إلى درجة كبيرة سلوكه في الماضي من ناحية، ومن ناحية أخرى هو سلوك مرن يقبل التغيير والتعديل بفعل التعلم الذي يقوم بدوره على مبادئ وقوانين. كما أن هناك فروقاً فردية بين الأفراد في السمات الشخصية والقدرات والميول والاهتمامات التي تبعث عند الأفراد التوجهات السلوكية المختلفة في الحياة.

وتعتمد خدمة التوجيه والإرشاد على عدد من المبادئ الأخلاقية التي تتسع وتتطور بتطور الحياة الاجتماعية بغية الحفاظ على مصلحة المستفيدين من هذه الخدمة، وكذلك الحفاظ على سمعة مهنة التوجيه والإرشاد التربوي ومصلحة القائمين عليها، ومن هذه المبادئ المحافظة على أسرار الأفراد المستفيدين من التوجيه والإرشاد وحصول هؤلاء الأفراد على أعلى مستوى ممكن من الخدمة، وتوفر علاقة مهنية مسؤولة معهم، وعدم التعرض لكرامتهم أو مصالحهم كما يتوجب على الموجهين والمرشدين اتباع سلوك مهني محترف يتفق مع كرامة هذه المهنة.

سامر عرار

الرابط الاصلي للموضوع :
http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=4322&m=1

ملاحظة: نحن نستعمل كلمة orientation لنقصد بها التوجيه وكلمة guidance نقصد بها الارشاد
ولكن في هذا المقالة كلمة guidance هي التوجيه وكلمة Counseling يقصد بها الارشاد