pm

.إشكالية الشراكة في منظومة التربية والتكوين
مقاربة من زاوية التوجيه التربوي

إذا كان الفعل التشاركي أصبح اليوم مطلبا ضروريا وأساسيا لتفعيل أوراش الإصلاح المأمولة، فإن ذلك لايمكن أن يتم في غياب التأطير العلمي والحيطة والحدر الضرورين للتعامل مع هذا المفهوم/ الإشكال الذي يكتنفه الكثير من الغموض. ولتسليط الضوء على بعض جوانب هذا المفهوم، ارتأينا تهيئ هذه الورقة/ الدراسة التي تروم تقديم بعض عناصر اجابة عن الأسئلة التالية:
• كيف نشأ وتطور مفهوم الشراكة؟
• ماهي صيغ الشراكة؟
• من هم شركاء المؤسسة التعليمية؟
• ماهي فوائد المسعى التشاركي؟
• وأخير ماهي القواعد والضوابط الأخلاقية للشراكة؟
1.في النشأة والمفهوم :
برزت الإرهاصات الأولى لمفهوم الشراكة في نهاية مرحلة الستينات، وكان ذلك تحت مسميات: التشارك؛ التعاون... وهي مفاهيم تندرج كلها في مفهوم أوسع ألا وهوالمشاركة بكل مظاهرها. وقد استعمل مفهوم الشراكة على نطاق واسع هذه السنوات الأخيرة من طرف بعض المؤسسات الدولية، حيث ما فتئ تقرير اليونسكو المعنون" التعليم ذلك الكنز المكنون" يؤكد على هذا المفهوم في عدة محطات.
وإذا كان من شيء ثابت يمكن رصده في استعمال هذا المفهوم هو بدون شك ذلك"البعد الانفتاحي على المحيط". وتؤكد زاي ZAY أن بروز مفهوم الشراكة يندرج في إطار التحولات التي عرفتها أدوار كل من المؤسسة التعليمية ومختلف الفعاليات المتواجدة في محيطها. وبالتالي، هي دعوة للفاعلين التربويين والاجتماعيين والمهنيين للعب أدوار طلائعية وحيوية في وظائف المرافق العمومية للنظام التربوي .
وتستعمل الشراكة في توزيع السلط والمعاونة بين مختلف الفاعلين داخل النسق التعليمي في أفق خلق دينامية جديدة. ويطال هذا الإشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين والمهنيين والمنتخبين خارج المؤسسة التعليمية، وهكذا يصبح لهذه الشراكة ذلك المنحى التعبيئي المنشط لانخراط الأفراد في إنجاز مهامهم وتطوير التعاون وتحسين جودة الخدمات التربوية وإغناء المشاريع والبرامج.
وإذا كان مفهوم الشراكة يكتنفه الكثير من الغموض والجدل كما يؤكد ذلك بيلتيي G.PELLETIER، فإن تحديد هذا المفهوم يصبح ضرورة منهجية لاعتماده بشكل إجرائي في هذه الورقة. وتعد "الشراكة اتفاق تعاون بين شركاء متكافئين نسبيا يعملون من أجل مصالحهم الخاصة، وفي نفس الوقت لحل مشكلات مشتركة"(1). وتستعمل أحيانا "للتعبير عن العلاقة بين أعضاء ينتمون إلى مؤسسات مختلفة"(2). وعليه، نقصد بالشراكة في منطق هذا الورقة، تلك السيرورة العلائقية التواصلية التعاونية المفضلة بين شريكين أو أكثر، والتي تتمظهر من خلال التبادل المنظم للموارد والأشخاص والمعلومات والأفكار.
نخلص من خلال التعاريف السالفة إلى مجموعة من المبادئ الأساسية الضرورية لكل فعل تشاركي، أهمها : مبدأ المصلحة المتبادلة بين الشركاء؛ التكافؤ؛الاستقلالية؛ التعاون؛ وأخيرا مبدأ التطور بين الشركاء. وتلتقي هذه المبادئ كلها ضمن إطار عام هو إطار انفتاح المؤسسة على محيطها الثقافي والاقتصادي والبشري والطبيعي.
وأهم ما أتى به نظام الشراكة هو العمل على تحقيق مدرسة منسجمة مع محيطها وتغيير الرؤية لعلاقة المدرسة مع كل من كان يعتبر شريكا لها من قبل.
2. صيغ الشراكة :
للشراكة عدة صيغ نذكر منها:
• بناء علاقات بين أشخاص ينتمون إلى مؤسسات مختلفة، ويتبادلون خدمات شخصية؛
• الالتزام الشخصي بين شركاء لهم إمكانية تنفيذ هذا الإلتزام داخل مؤسساتهم، دون انخراط فعلي للمؤسسات المنتمين إليها؛
• دعم مؤسساتي للمساعدة في تنفيذ بعض النصوص القانونية والتنظيمية؛
التدخل الظرفي لمهنيين من الخارج (خبراء في مجال معين)لمساعدة بعض الفاعلين التربوين لإنجاح خطة عمل؛
• اللجوء الى متخصصين في نشاط معين، أومهنة معينة لبسط تجاربهم وتقديم الجانب العملي والواقعي منها؛
• التعاون بين شركاء خارجيين عن المؤسسة التعليمية لبناء وقيادة الفعل التربوي والمساهمة في إنجازوإنجاح مشاريع عمل.
• ولتجسيد الصيغ السالفة، يطرح ميرينيC. MERINI، صنافة للشراكة Typologie du partenariat من خلال ثلاث شبكات كبرى، أطلق عليها شبكات الانفتاح والتعاون Réseaux d' Ouverture et de Collaboration ٌ: (ROC)

• الصنف الأول(ROC1): يتجلى من خلال تدخل لحظي لمهنيين داخل أو خارج المؤسسة (خبراء في مجال معين ) لتقديم خدمة في مرحلة من مراحل برنامج العمل؛
• الصنف الثاني(ROC2): اللجوء الى متخصصين في نشاط معين، أو مهنة معينة لتقديم تجربتهم في الميدان، وتستمر هذه العملية لفترة محدودة نسبيا؛
• الصنف الثالث (ROC3): يتم من خلالها توزيع المسؤوليات وتحديد المهام بين شركاء متعددين، مما يقود إلى بناء شراكة حقيقية تتجسد من خلال القيادة الجماعية وتنويع العلاقات وتستمر لفترة طويلة.
وإذا كان الصنف الأول والثاني يتم اللجوء إليه قصد الحصول على بعض الخدمات الظرفية، فإن الصنف الثالث \"يتطلب تفاوضا حقيقيا لتحديد الأهداف والمهام والوسائل\".
وتختلف طبيعة التعاقد بين الشركاء، حيث يمكن أن يكون ضمنيا في بعض الحالات التي تنحصر في تحديد تواريخ لإنجاز تدخلات معينة، أومصرحا به من خلال سيرورة من التفاوض المستمر حول خطط عمل ومشاريع مشتركة يتم تجديدها وتطويرها انطلاقا من التقويم والتنظيم المرحلي.
3 . شركاء المؤسسة التعليمية:
يمكن رصد أهم شركاء المؤسسة التعليمية من خلال ما يلي:

أ. الأسرة وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ:

تتدخل الأسرة في الحياة المدرسية بصفتها معنية بتتبع المسار الدراسي لأولادها، ويتم ذلك بكيفية مباشرة وفي تكامل وانسجام مع المدرسة، ويكون هذا التتبع مفيدا في تشخيص التعثرات في حينها واتخاذ التدابير المناسبة لتجاوزها.ومن جهة أخرى، تساهم الأسرة في توضيح اختيارات التلميذ وتوجهاته الدراسية والمساهمة في بلورتها انطلاقا من ميوله ومؤهلاته لإعداد مشروعه الشخصي.
أما جمعية الآباء وأولياء التلاميذ، فتعتبر هيئة مساهمة في تنظيم وتنشيط الحياة المدرسية وطرفا مساهما في تدبيرها. كما أن دورها أساسي في ربط الأسرة بالمدرسة والمشاركة في أنشطتها ومشاريعها.

ب. الجماعة المحلية:

تعتبر الجماعة المحلية من الشركاء المعنيين بأمر المؤسسة التعليمية بحكم أنها تمثل السكان، وبحكم أن المؤسسة تقع ضمن نفوذها الترابي. وعلى هذا الأساس، فهي حاضرة في مجالس المؤسسة، وبالتالي مساهمة في خدمة هذه الأخيرة عن طريق دعم مشاريعها وأنشطتها المختلفة وتوفير الظروف المناسبة لإشعاعها.
ج. الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون:
يعتبر دور الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين أساسيا في تحقيق التنمية الاجتماعية وربط المؤسسة التعليمية بمحيطها. لذا فإن المؤسسة التعليمية مدعوة لإقامة شراكات مع الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، في أفق توفير الشروط الداعمة لانفتاحها على محيطها، وتمكين المتعلم من التعرف على بيئته والاندماج فيها.
4. فوائد المسعى التشاركي:
يسمى المسعى تشاركيا عندما يتم إشراك مجموع الفرقاء سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات ليس فقط في برمجة وإعداد الأنشطة والخدمات، وإنما كذلك في سيرورة التنفيذ والضبط والتعديل لهذه الخدمات. ويكتسي المسعى التشاركي أربع فوائد أساسية:
• ضمان اقتسام المعلومات وتحيين المعرفة بالحقائق وبانتظارات الشركاء وبحاجيات المستهدفين؛
• الرفع من فعالية وجودة الخدمات وضمان تقوية انخراط الشركاء؛
• إقامة دينامية جديدة مبنية على مقاومة الحدود التقليدية المقامة بين المؤسسات والمنظمات والأفراد؛
• إرساء أطر هيكلية وسلوكية وأنشطة جديدة توفر الفوائد لكل الأطراف المتعاونة.

5. القواعد الأساسية للشراكة:
إذا كانت الشراكة من أهم المبادئ التي بني عليها" الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، وتشكل في نفس الوقت تحديا وانشغالا لجميع الفرقاء لما لها من أهمية في تنظيم الحياة المدرسية، فإننا نعتقد أن الشراكة الناجحة تتطلب مجموعة من القواعد الأساسية والمواثيق الأخلاقية التي يجب أن تحكم كل تعاون وتشارك بين الهيئات والإطارات ذات الطبيعة التربوية والاجتماعية والاقتصادية. ويمكن حصر هذه القواعد في ما يلي:
• إن تحقيق الأهداف التربوية يجب أن يكون حاضرا في مختلف مشاريع وبرامج الشراكة سواء بشكل ضمني أو بشكل صريح؛
• أثناء الانفتاح على المحيط، لايجوز إعطاء الأولوية لطرف على حساب الآخر، فتنوع الشركاء وتعددهم يجعل الجهود تتكامل والطاقات تتساند؛
• يجب دعم التجارب الانفتاحية الناجحة، والبحث عن أخرى من خلال بناء علاقات مع شركاء خارجيين وتنظيم لقاءات للتفكير والتشاور والنقاش المفتوح حول هذه المسألة داخل المؤسسة التعليمية؛
• تحديد المعايير المؤسسية من أجل تأطير أحسن لعمليات الانفتاح والوقوف على الإيجابيات والسلبيات، وتصويب العملية التشاركية للبحث عن حلول لبعض المشاكل التربوية والاجتماعية، خاصة المشاكل المتعلقة بالتعثر والدعم الدراسيين بكل أشكالهما؛
• لايجوز أن تتم العملية التشاركية على حساب الوظيفة التعليمية، بل يجب أن تصبح مصدرا إضافيا للتعلم والتأهيل، وربحا حقيقيا للمجهودات المستثمرة والمبذولة؛
• كل أشكال وأنماط التعاون يجب أن تحترم استقلالية المؤسسة التعليمية والهوية المهنية لمختلف الفاعلين بداخلها ولا"يجوزبأي حال من الأحوال أن يدخل هذا الانفتاح المؤسسة التعليمية في حركية سوسيوتربوية وثقافية زائدة تفقدها هويتها التربوية والاجتماعية..."

نخلص من خلال ما سبق، إلى اعتبار الشراكة آلية من آليات التدبير الحديثة للتبادل والتفاعل المنظم ليس فقط بين المؤسسات والمنظمات ولكن أيضا بين الأفراد والجماعات، تقوم أساسا على التقاء إرادة أو إرادات في مجالات معينة قصد تنفيذ أنشطة أوخدمات.

إعداد: عبدالعزيز سنهجي.