الأتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية


أ / محمود الفرماوى

إن من أهم العوامل المعاصرة التي تؤثر في المناهج هي التقدم العلمي والتقني والتطور في الفكر التربوي وفي البحث العلمي والتجريب التربوي والاتجاه إلي الدراسات المستقبلية علي وجه الخصوص لذلك سوف نتناول فيما يلي الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بهذه المجالات :
1- الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالتطور في الفكر التربوي
2- الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالبحث العلمي والتجريب التربوي
3- الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق في الدراسات المستقبلية


أولا : الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالتطور في الفكر التربوي:



إن الأبحاث التربوية في مجال المناهج الدراسية كانت بالأمس تبحث عن إجابات مبدئية مثل ماذا وكيف ومن نعلم ودارت العملية التعليمية حول ماذا وكيف ومن ردحا من الزمان إلي أن أصبحت ميول المتعلم في منتصف النصف الأول من القرن العشرين الميلادي هي الركيزة الأولي للمناهج وظهرت بناء علي هذا المفهوم مناهج النشاط التي بنيت علي ميول المتعلم واستخدمت أسلوب حل المشكلات في التعلم إلا انه سرعان ما اتضحت لهذه المناهج عيوب عدة منها أن الميول ليست مستقرة بحيث تبني عليها مناهج مستقرة وان تحديدها أمر صعب وان الميول التي يعبر عنها المتعلم لا تتوافق مع حقيقة قدراته كما لوحظ أن هذه المناهج لا تقدم منظومة خبرية متصلة تتابع وتتواصل فيها الخبرات وتغير التركيز في أسس المناهج من الميول إلي الحاجات في أواخر الخمسينات وبداية الستينات كما تحررت طرائق التدريس هي الأخرى من البحث عن المداخل والمواقف التدريسية التي تتفق مع ميول التلاميذ ورغباتهم وانتقلت إلي مبدأ آخر في التعليم مؤداه انه يمكن تعليم أية خبرة لأي فرد إذ أمكن اختيار المدخل والأسلوب المناسب لتعليمه ويلاحظ هنا تغيير كبير في تربويات التعليم فبعد أن كانت نقطة البداية ومركز الاهتمام تتعلق بالمتعلم ورغباته وأصبحت نقطة البداية ومركز الاهتمام هي حاجة المتعلم من الخبرات وسواء نبعت هذه الحاجة من شخصه أو من المجتمع فان عليه أن يكتسبها بشرط ألا يكون في عملية التعلم قسر أو قهر له ويوظف فيها من طرائق التعليم وأساليبه ووسائله وتقنيته ما يجعلها مقبولة وميسورة الاكتساب بقدر المستطاع بالنسبة للمتعلم لذلك اخذ البحث والتجديد التربوي يتناولان الأهداف والطرائق والأساليب المختلفة لصياغة خبرات المنهج وتنظيمها بحيث يمكن تطويعها للمتعلم فظهر التنظيم الحلزوني لخبرات المناهج الذي يمكن من معالجة خبرات الموضوع نفسه بمستويات مختلفة بحيث يعمق ويتسع في كل مستوي عن المستوي السابق له وهذا يساعد علي اتصال المتعلم بالموقف في أوقات مختلفة ومرات متعددة فيحدث تعلم مجزأ للخبرات المراد تعلمها بل ظهرت مناهج جديدة مثل المنهج التقني والمنهج الإنساني وظهر أيضا مفهوم البنية المعرفية وهي تركيب أو نسق لبناته هي المفاهيم الأساسية يكون إطارا مرجعيا للتفاصيل التي يمكن أن يستنتجها المتعلم من هذا النسق وقد أنقذ هذا المفهوم المتعلم من الغرق في تفاصيل تفك أصول النسق وتخفي المبادئ التي توحده (والتنظيم المبرمج للخبرات) تنظيم آخر ظهر فيها يسمي ( التعليم المبرمج) ويمكن أن يوصف هذا النوع من التنظيم بأنه إعداد للمادة التعليمية في خطوات قصيرة متتابعة في تسلسل بحيث تقود فيه كل خطوة إلي التي تليها , وتساعد المتعلم علي التعليم الذاتي , وتوفر تعزيزا فوريا لنجاحه .
أما من حيث الأهداف فقد ظهرت فيها اهتمامات جيدة مثل :
- أن يتجه التعليم إلي تنمية مواهب الجميع إلي أقصي قدراتهم .وتحقيق ذلك الهدف يتطلب أن نعين كل الطلاب علي بذل الجهد إلي آخر حدود قدراتهم.
- التعلم للعيش مع الآخرين . ويتطلب هذا فهمهم وفهم تاريخهم وتقاليدهم وقيمهم الروحية
- التعلم للعمل . وقد أصبح هذا يتطلب إلي جانب الإعداد ممارسة عمل معين , اكتساب المهارة في مواجهة تشكيلة من المواقف غير المتوقعة , و العمل مع فرق من الآخرين .
- التعلم لتحقيق الذات. ويتطلب هذا حتمية أن يفهم الإنسان شخصيته بصورة أفضل , وألا تترك أية موهبة مخبأة عنده دون أن تستثمر إلي أقصي حد
- إذكاء القدرة علي التخيل . وذلك لأن مجتمع الغد يحتاج إلي أن يسبق التخيل التقنية لكي نتجنب مزيدا من البطالة وعدم المساواة في التنمية والعدل الاجتماعي
- العناية بكل من : ( التعليم للمستقبل )و(التنمية الاقتصادية ) و(المشاركة السياسية ) فتحقيق هذا الثالوث هو شرط الضرورة , والتنمية الاقتصادية والمشاركة السياسية هما شرط الكفاية .
ولا يزال هناك تطورات أخري تتعلق بمفهوم طرائق التعليم ووظيفتها .فقد ظهر التأكيد علي التعليم الذاتي وعلي الوصول بالتعلم إلي الحد الأقصى . بمعني أن فترة التعليم لم تعد محدودة بأية حدود زمنية أو مكانية , وأصبحت تشمل حياة الإنسان كلها , فما دام كان الإنسان حيا فلا ينبغي أن يتوقف علي التعلم , كما أن المدى الذي يذهب إليه التعلم ينبغي أن يصل بالمتعلم إلي الحد الأقصى من إمكاناته , أي يستنفد جميع قدراته ومهاراته التي يمكن أن يوظفها في عملية التعلم .
وفي عالم سريع التغير , مليء بالأحداث مفعم بالتطورات والمشكلات , لابد من أن تمد التربية المتعلم بباقة متنوعة من الخيارات في التخصصات والمقررات الدراسية , لكي يتسع مدي الخبرات وتتنوع بما يقابل الفروق الفردية بين المتعلمين .بل , وان تيسر التعلم للجميع , ليس فقط داخل المدرسة ولكن خارجها أيضا . فهذا هو أهم ما يمكن أن تقدمه في هذا العصر السريع الخطي نحو التغير . فان الثورة العلمية التقنية وسيل المعلومات الهائل المتيسر الآن للإنسان , ووجود شبكات هائلة للإعلام , مع عديد من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية , قد عدلت كثيرا مع صيغ وأشكال ونظم التعليم التقليدية , مظهرة ضعف بعضها وقوة البعض الأخر .كما وسعت من نطاق التعلم الذاتي , ويسرت فكرة الاكتساب الواعي النشيط للمعرفة , بحيث أصبح التعليم الخاص للصغار والشباب والكبار يستدعي وجود عدد كبير متنوع من أشكال وأنماط التعليم الخارجة عن نطاق المدرسة .
وأخذت طرائق التدريس طريقها للتقدم .

فمن أمثلة المستحدثات فيها (التدريس بالفريق ) بغية تكثيف الخبرات للمتعلم , وتوسيع نطاق التفاعل الإنساني في الموقف التعليمي وقد ثبت من نتائج الدراسات التي أجريت في مجال تطبيق التعليم الفريقي , إن الجو الجماعي في المؤسسات التعليمية يساعد أفراد المجموعة في ترقية عواطفهم وميولهم وتقليل التطورات والمشكلات النفسية , ويقود إلي تحسين علاقاتهم بالمدرسين , وتوسيع دائرة خبراتهم وازدياد شعورهم بالمسؤولية الاجتماعية . كما أن التعليم الفريقي يساعد الأفراد في التغلب علي أزماتهم والصعوبات التي تواجههم والقيام بوظائف عمليات تعليمية لا تتاح لهم عادة في النظام التقليدي ( مدرس وصف ) كالاشتراك في الملاحظة العلمية والتحليل والتشخيص والتقويم
وتهدف التربية الحديثة إلي تكوين المجتمع الشامل فإضافة إلي تكوين مجتمع يأخذ أفراده بأسباب التعلم الذاتي المستمر فانه يستثمر جميع فئاته استثمارا كاملا فتعمل التربية علي اكتشاف الموهوبين والمتفوقين وتربية العلماء والمخترعين من بينهم كما تعمل في الوقت نفسه علي توجيه المتوسطين والمعوقين والأقليات والمحرومين اقتصاديا إلي انسب ما يمكنهم تعلمه وأفضل ما يمكنهم عمله فهؤلاء من موارد المجتمع التي يقع استثمار قدراتها إلي أقصي ما تمكنها استعداداتها علي عاتق المنهج وما لم تنهض المناهج بهؤلاء يصبحون عبئا ثقيلا علي المجتمع ولكي يتكون المجتمع المنشود وتتاح الفرصة للأفراد بان يعطوا جميع ما عندهم ويستنفدوا كل ما لديهم من قدرات واستعدادات ومواهب فان الاتجاهات الحديثة في التعليم تقضي بان يصل التعليم في المدرسة إلي أقصي كفاءته ويظل كذلك كما ينبغي أن يصل التعليم خارج المدرسة قمته ويستمر عندها ومن بين ما يحقق ذلك أن يمتد اليوم المدرسي إلي أن يكون يوم دراسيا كاملا كما يمتد العام الدراسي إلي أقصي مدة علي أن يخصص بعد ذلك أوقات للفئات الخاصة .
وقد ظهر في عالم التربية والعلوم الأخرى عدد كبير من المكتشفات والابتكارات والاختراعات تستطيع تطوير النظم التربوية فالأبحاث الجارية في مجال دراسة الدماغ البشري وكيفية اكتساب المعرفة وتنظيمها والتقدم في نظرية المعلومات ونتائج التجريب في علم النفس الفردي والجماعي والنماذج البنائية في العلوم بعامة وعلوم الإدارة والاقتصاد بخاصة كما تقدم للتربية دفعا جديدا نحو التطوير .
ويكون في موطن القلب من هذا التغيير الالتزام بمجموعة من القيم ونظم التعلم تمكن أعضاء المجتمع أن يمدوا تفكيرهم إلي أقصى قدراتهم منذ بواكر الطفولة وطوال فترة النضج كالبالغين ليتعلموا أكثر كلما تغير العالم من حولهم بشكل اكبر وتتوقف الاستفادة من هذه التطورات كلها علي المناهج الدراسية ذلك لان تخطيط المناهج وتطويرها في المجتمع ينبغي أن يلاحق هذه التطورات لكي تسهم في تربية الأجيال القادرة علي صياغة الحياة وفق معطيات العصر دون تجاوز لحدود المنهج الرباني .


ثانيا : الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية فيما تتعلق بالبحث العلمي والتجريب التربوي :

لم تعد شئون الأمة بعامة وشئونها التعليمية بخاصة تخضع لاتجاهات شخصية أو تصورات فردية أو جماعية كما أنها لم تعد تعتمد علي الحدث وبالقطع فإنها لا تترك هكذا للصدفة أو كيفما تسيرها ردود أفعال الآخرين من البشر أو الأمم وانه لمن نافلة القول أن نذكر أن منبع الأساليب والتطبيقات الحديثة ومنصة الانطلاق نحو الآفاق الرحيبة لكل جديد مبتكر هو البحث العلمي والدراسات الكاشفة عن مكنونات الكون التي غيبها الله سبحانه وتعالي عن عباده إلي حين فالبحث العلمي أسلوب موثق فيه لحل المشكلات التي تواجهها مختلف المجتمعات علي أسس موضوعية ومن خلاله يمكن تقديم البدائل المختلفة لحلولها واقتراح الصيغ المتعددة لتوظيف المستجدات في هذه الحلول وفي غيرها من ساحات التجديد والابتكار والتحديث إضافة إلي انه الوسيلة الموضوعية لإنتاج المعلومات والتقنية .
وفي المجالات التربوية البحث العلمي ضرورة لا غني عنها لان فيه الأساس المكين لكل بنيه تربوية جديدة سواء تعلقت هذه البنية بالنظم والخطط أم بالمناهج وأساليب العمل وخطواته ولكل تطوير في هذا البناء بل من خلال تطبيق نتائج البحوث التربوية يتحقق لكل تطوير تربوي مقوماته الأساسية .
وتتعدد أنواع البحوث التربوية لتعدد مجالاتها فهناك بحوث الواقع التي تتناول مكونات الواقع وتحلله إلي عناصره وتكشف عن ايجابياته وسلبياته ولنضرب لذلك مثال يتعلق بتخطيط المناهج فإذا كان هدفنا تخطيط منهج فانه لا بديل لنا عن بحوث كشفية تكشف واقع المجتمع والبيئة المحلية والعوامل المؤثرة فيهما .
والي جانب أهمية البحوث العلمية في تخطيط المناهج وبنائها فان التجريب يحتل أهمية خاصة إذ بدون البحوث التجريبية لا يمكن استقصاء مختلف العوامل التي تؤثر علي التطبيق العملي وما يكتنفه من صعوبات علي وجه العموم فان التصدي للتوجيه الشامل للنظم التربوية والخطط والمناهج نحو استيعاب المتغيرات في كل من المتعلم والمجتمع والمادة الدراسية والاتجاهات التربوية المعاصرة لا يمكن تحقيقه بدون العمل العلمي المتجدد المستمر القائم علي رؤية الواقع وحاجاته وعل البحث العلمي والدراسة الموضوعية والتخطيط والتجريب قبل الانتقال إلي التطبيق والتعميم بهذا فقط يمكن توقع فعالية المنهج وتحسن مخرجاته ومواكبته لمتطلبات المجتمع الشاملة ليس فقط بالنسبة للتنمية البشرية للمجتمع ولكن أيضا بالنسبة لجميع جوانب العملية التعليمية .
خلاصة القول إن البحث والتجريب هما الضمان الأكيد للتحقق من بلوغ الأهداف المحددة وهو في الوقت نفسه منصة لتطوير المنهج فيما بعد بناء علي نتائج تقويم التجريب.



ثالثا :الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالدراسات المستقبلة :


في العصر الحاضر لا يمكن إغفال التطورات المتلاحقة في مختلف المجالات فقد أصبحت المستحدثات الجديدة المتوقع منها وغير المتوقع مادة أساسية في وسائل الإعلام ولقد انتقلت حلبة السباق العلمي والتقني من الكره الأرضية إلي الكواكب الأخرى واستحدثت علوم جديدة مثل علوم الاتصالات وعلوم البيئة وهذه كلها تخطو الخطوات الأولي من نشأتها وتتطور هي وغيرها بصورة سريعة وتفعل فعلها في حياة البشر والبقية آتية بحول الله .
وفي العصر الحاضر قفزة التقنية بالعالم إلي أفاق لم تكن في الحسبان ونضرب لهذا مثال بالتحكم عن بعد ومراكب الفضاء والأقمار الصناعية والإنسان الآلي والبقية تأتي لتسهم مع التقدم في تغير نمط الحياة .
وفي العصر الحاضر تواجه الإنسان تحديات أخلاقية ليس فقط في التعامل اليومي فيما نشهده اليوم من غبش في العقيدة ونكوص في العبادات وجور في المعاملات وتفلت في الأخلاق ولكن أيضا فيما يتعلق بتوجيه البحث العلمي كما في الهندسة الحيوية علي سبيل المثال وجهة غي أخلاقية والبقية آتية .
وفي العصر الحاضر نلاحظ تلوثا للبيئة كبير ونتيجة لهذا يتسع ثقب طبقة الأوزون ولاتساعه عواقب وخيمة من حيث التغير في مناخ الكرة الأرضية ومن حيث ما يترتب عي اتساعه من كوارث طبيعية لا قبل للإنسان بها وقد يحدث غدا تغيرات جديدة تضيف مخاطر جديدة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالي .
وفي العصر الحاضر نعلم أن الشتاء النووي الذي يعقب التفجير النووي يبيد الحياة علي وجه الأرض فمن لم يمت من الأحياء بفعل التفجير سوف يقضي عليه إن شاء الله له هذا بفعل الشتاء النووي ومن ثم فان مصير البشرية أصبح يتعلق بمن بيدهم قرار الحرب النووية من البشر بعد مشيئة الله عز وجل .
وفي العصر الحاضر يتحول العالم إلي كيانات كبري والملاحظ في هذا الأمر أن الذي يتكتل ويتوحد هي الكيانات الكبيرة التي تملك ناصية التقدم العلمي والتقني والاقتصادي إما الكيانات الصغيرة غير القادرة فلم تجد سبيل إلي التوحد بعد وجود هذه الكيانات الجديدة يزيد المسيطر سيطرة والتابع تبعية .
وفي هذا العصر ينقسم العالم قسمين الأول متقدم في مختلف المجالات والثاني متخلف في مختلف المجالات وللتسارع في التقدم تزداد الفجوة بين القسمين وحيث أننا ننتمي في الوقت الحاضر إلي المتخلفين فماذا نحن فاعلون؟
إجابة مثل هذا السؤال تنتمي للمستقبل الأمر الذي يجعل من أهداف التعليم أن يعد المتعلم للأخذ بأسباب السلوك الايجابي هذا مع المستقبل بمعني أن نعده لتشوف المستقبل علي أساس من الماضي والحاضر وان يتخيل صوره المحتملة انطلاق من معطيات الواقع المعاصر والماضي المعاش وان يستخدم في سبيل ذلك مختلف الأساليب العلمية للاستطلاع والتحكم والتوجيه الكمي والنوعي وصولا إلي تحديد ملامح المستقبل وإعداد المتعلمين للحياة فيه وفيما يلي نحاول إلقاء بعض الضوء علي أهم جوانب هذا الإعداد

- الملامح العامة للتغيرات المستقبلة ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لمجال التعليم علي وجه العموم :

الدراسات المستقبلة امتداد للدراسات التاريخية وهي ليست تنبؤا يقوم علي الرجم بالغيب ولكنها توقعات علمية يحتمل حدوثها من حيث كونها نتيجة منطقية لدراسة الماضي والحاضر والتعرف علي سنن الكون والانطلاق إلي استشراف المستقبل وتشوفه وصولا إلي بلورة رؤية عنه وهي توقعات يحتمل وقوعها استمرارا لحركة التاريخ التي تحكم الواقع كما أنها تتضمن بدائل وخيارات وأحلاما نتطلع إلي تحقيقها بالفعل ولا تغيب هنا إرادة العقل وترجيح بديل علي آخر كما لا يغيب دور الحكم عند الإنسان والمثل العليا عند المجتمع الإنساني ويمكن تحديد


- أهم ملامح التغير المتوقعة في مجال التعليم علي النحو التالي :

1- يتوقع أن تكون المعرفة من العوامل الفارقة بشدة بين المجتمعات فالتغيرات الهائلة التي تميز عصرنا الحالي تعرض مستقبل الإنسان للخطر : وليس ما يخشي هو مجرد انقسام العالم إلي من يملكون ومن لا يملكون بل الاتجاه الحالي الذي تسير فيه الإنسانية نحو الانقسام إلي من يعرفون ومن لا يعرفون ومن يتفوقون بالعلم والمعرفة ومن يتخلفون بالجهل وأمية العصر والضرر في ذلك عميم يصيب الإنسانية جمعاء ومن ثم فلا مناص من تربية صحيحة وحقيقية لان التربية تصبح قدر الإنسان
2- اهتزاز الأخلاق والقيم فالمجتمع الحديث يقدم أنواع من الأخطار والتهديدات مثل : انعدام المسؤولية الاجتماعية في المجتمعات الاستهلاكية ,اهتزاز القيم بسبب مظاهر الظلم وانعدام العدالة , ثورة الشباب علي النظم والمؤسسات القائمة لبعدها عن تحقيق حاجاتهم والاستجابة لمشاعرهم , واحتجاجا علي الفقر والمرض والحروب وفوق كل ذلك ضد تسلط نظم الحكم
3- الدعوة إلي معاهد تعليم بلا جدران بصورة قوية فالبعض يدعو إلي إلغاء المدارس والنظم التعليمية بدل من إصلاحها بدعوي أنها أصبحت قديمة ومتآكلة ولم تعد تناسب طبيعة العصر كما ينادون بنزع الصفة المؤسسية عنها أو فتحها أو إزالة جدرانها ليصبح التعليم حرا ومفتوحا وليس حكرا علي المدارس والمعاهد والجامعات وعلي الرغم من أن هذه الدعوة تبدو دعوة جيدة فلا غني للإنسان عن الدراسة المنظمة في مؤسسة تربوية متخصصة في نشر العلوم والمعارف بين الأجيال بطريقة منظمة لذلك فانه يتوقع أن تظل هي العامل الحاسم في إعداد الأفراد مساهمة في تنمية مجتمعاتهم ولتولي الأعمال والمهن المنتجة وفي المجتمعات الحديثة تدعو الحاجة إلي التعامل مع قدر هائل من المعلومات الواردة من خلال عدد كبير من المصادر بطريقة منظمة وبواسطة وسائل واستعدادات ومهارات دقيقة ومتخصصة وهذا الأمر يستدعي وجود نظم للمعرفة تقوم ضمن مؤسسات تربوية وتعليمية وتدريبية
4- تغيرات متوقعة في بنية التعليم .
• يصبح تعليم ما قبل المدرسة الابتدائية جزا لا يتجزأ من النظام التعليمي .
• تتوسع قاعدة التعليم الابتدائي ويبدأ من سن مبكرة عن ذي قبل .
• يبقي التلاميذ في المدارس لفترة أطول .
• يزيد بصورة مطردة عدد المسجلين في مراحل التعليم المختلفة .
• يزيد عدد المنقطعين عن الدراسة وكذلك الراسبون .
ولا يتوقع أن يبقي احد دون أن يتعلم مهارة معينة تجعله عضوا فعال في البيئة المتغيرة وهذا ينطبق علي المنقطعين والراسبين إلا أن هؤلاء سوف يجدون ضالتهم في أنواع أخري من التعليم المستمر .
5- تركيز التعليم علي الإنسان نفسه وعلي التعليم المستمر لذلك يتوقع أن تستبعد من أي برنامج تربوي أو تعليمي أو تدريبي تلك الاتجاهات التي تدعو إلي أن يكون نشر التعليم مرتبط بالقدر اللازم لتوفير اليد العاملة المطلوبة ومن ثم يعمل علي تقليص النمو في التربية لأسباب اقتصادية أو ثقافية أو سياسية فان هدف التربية هو تمكين الإنسان من أن ( يكون نفسه ) ولا يجوز أن يكون هدف التربية إعداد الشباب للعمل في مهن معينة طوال حياتهم بقدر ما يجب أن يكون تشجيع الحراك المهني والحث علي السعي الدائم بالتدريب والتعلم المستمر ولذلك يجب إعادة النظر في أهداف وطرائق ومضمون التربية دون التخلي عن فكرة نشر التعليم والمعرفة
6- التركيز علي تقدم التربية وتطوير مفاهيمها فإذا علمنا أن هذه القفزة الهائلة في دنا العلم والمخترعات لا تزال في بدء عهدها وإذا أدركنا أن لهذه التقنيات استعمالات سليمة نافعة وأخري حربية مدمرة للإنسان ومستقبله فان هذا المستقبل سوف يصبح من دون شك رهنا بتقدم التربية وتطوير مفاهيمها
7- الحاجة إلي مزيد من الترابط بين المناهج الثقافية والعلمية والإنسانية والتطبيقية هناك اتجاه إلي تأخير عملية اختيار الطالب للتخصص في الفروع المختلفة للدراسة كما يتوقع أن تتوسع مناهج الدراسة الفنية والمهنية لمواجهة مطالب سوق العمل ويلاحظ أن الترابط يزداد بين أنواع المناهج الثقافية والعلمية والإنسانية والتطبيقية
8- يتوقع اختفاء فكرة النجاح والرسوب المسيطرة علي التعليم فان فكرة النجاح والرسوب المسيطرة علي النظم التربوية في معظم بلدان العالم لم تعد تلاءم عصر التغيير والإنسانية العلمية والديمقراطية في التربية لان كل فرد يستطيع أن ينجح في شيء ما إذا ما أتيحه له الفرصة لذلك وان فكرة قياس أداء جميع الطلاب بالقياس العام نفسه لا تفيد ولا تحقق شيء ولهذا فان مفهوم النجاح والرسوب سوف يتغير بمجرد أن تصبح التربية مستمرة وان من يفشل في سن معينة ومستوي دراسي معين خلال فترة من فترات تعليمه سوف يجد حتما فرصة أخري ولن يقضي حياته أسيرا لفشله .

المصدر: محمود احمد شوق : الاتجاهات الحديثه فى تخطيط المناهج الدراسيه فى ضوء التوجيهات الاسلاميه ,ط1, دار الفكر العربى ,القاهره ,1998