يقوم مهندسون من معهد فرانهوفر الألماني بتطبيق تقنية جديدة تمكن أجهزة الكمبيوتر من التفاعل مع الإنسان من خلال رصد تفاعلاته والتعرف على مشاعره ومزاجه ومن ثم التكييف معها لما من شأنه كسر الجمود بين الإنسان والآلة.

غزت التكنولوجيا الحديثة حياتنا بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، فالأجهزة تحيط بنا في هذا العصر من كل جانب وفي كل مكان نذهب إليه، سواء في المنزل أو في الطريق أو في العمل. و كثيراً ما يقضي المرء يومه بالكامل أمام شاشة الكمبيوتر: فيضحك أحياناً أو يصيبه الملل أو يغضب عندما يرفض الجهاز تنفيذ أوامره. لكن الجهاز لا يتفاعل مع الإنسان ولا يحترم مشاعره، فالجهاز في النهاية مجرد آلة لا مشاعر لها ولا إدراك، إلا أن الباحثين في معهد فرانهوفر الألماني يريدون تغيير هذا الوضع والتوصل إلى تقنية تجعل الجهاز يتفاعل مع مستخدمه.



للمشاعر الإنسانية مظاهر عدة



تعتمد هذه التقنية على محاولة اكتشاف حالة الإنسان المزاجية من خلال مظاهر عدة وأعراض مختلفة. وجاءت فكرة هذه التقنية، كما يقول ميشائيل بليش، المهندس في معهد فرانهوفر، في حديث لموقعنا، انطلاقا من ان مشاعر الإنسان تظهر بطرق فسيولوجية متعددة، فمثلاً إذا ما كان متوترا يظهر ذلك في حركات أصابعه وهو ما يمكن التحكم فيه بالتدريب، بينما هناك أعراض أقل وضوحاً يكون من الصعب التحكم فيها مثل درجة حرارة الإنسان أو نبرة صوته أو سرعة تنفسه، وهي أشياء تعتمد بشكل واضح على حالته النفسية والمزاجية. الجدير بالذكر هنا ان ميشائيل بليش هو واحد من خمسة مهندسين يتولون مسئولية تنفيذ هذا المشروع في فرع معهد فرانهوفر لنظم المعلومات في روستوك، قسم التقنيات التفاعلية.



استنتاج المشاعر عن طريق تحليل مظاهرها الخارجية



ويعمل الباحثون الخمسة منذ أربعة أعوام في هذا المشروع، لتطوير تقنية تسمح لجهاز الكمبيوتر باستنتاج مشاعر مستخدمه عن طريق جمع المعلومات المختلفة عن درجة حرارة البشرة وصلابتها وسرعة النبض وتحليلها واستنتاج معناها، وذلك عن طريق قفاز يحمل مجسات خاصة يمكن للجهاز التفاعل من بواسطتها مع المستخدم. إذ يتم توصيل المجسات لاسلكياً بجهاز يقوم بحساب القيم المقاسة وويعطي تفسيرا لما تعكسه من مشاعر. ويشرح بليش التجربة التي قام بها هو وزملاءه لاختبار هذه التقنية قائلا بأنهم قاموا بإجراء التجربة على عدة أشخاص قاموا بوضع القفازات وممارسة لعبة ما على جهاز الكمبيوتر. وتوصل الباحثون، حسب المهندس الألماني، الى انه أثناء اللعب كان الكمبيوتر يستنتج مشاعر هؤلاء الأشخاص ويتفاعل معهم. فمثلاً يقوم الجهاز برفع مستوى صعوبة اللعبة إذا ما وجدهم يشعرون بالملل أو يقلل من السرعة إذا ما وجدهم قد توتروا أكثر مما يجب، وهكذا.



من خلال هذه التجربة التي أجريت على عدد من المتطوعين، تمكن المهندسون المشاركون في المشروع من استنتاج المظاهر المختلفة المصاحبة لحالة شعور معين، وبالتالي تمكنوا من تحويلها إلى معطيات يفهمها جهاز الكمبيوتر. وبذلك أصبح بإمكان الحاسب الآلي التعرف على المشاعر المختلفة من خلال التعرف على معطيات درجة حرارة الجسم، ونسبة رطوبته وسرعة النبض وغيرها من المعطيات التي يقيسها القفاز، وبالتالي يمكنه بناء علي ذلك اتخاذ رد الفعل المطلوب. ولا يقتصر المشروع على هذا القفاز، لكن هناك أيضاً جزء من الفريق يهتم بالتعرف على المشاعر عبر نبرات الصوت.



تطبيقات متعددة للتقنية الجديدة



أما عن تطبيقات هذه التقنية، فهي متعددة كما يؤكد بليش، ويذكر بعضها قائلاً: "لهذه التقنية تطبيقات متعددة، أبسطها تحسين الألعاب والبرامج التعليمية لتصبح أكثر تفاعلاً". لكن هناك تطبيقات قد تكون أكثر أهمية بالنسبة لبعض الأفراد، مثل أولئك الذين يحتاجون إلى متابعة طبية مستمرة، فيمكن أن يسمح هذا القفاز لهم بمزيد من حرية الحركة.، حسب تعبير خبير التقنية الألماني. إذ انه بمجرد ارتداء القفاز "يمكن متابعة النبض وضغط الدم بصفة دائمة، وإرسال المعلومات لاسلكياً للممرضة أو الطبيب المسئول".



ويضيف بليش أيضاً أن مثل هذا التطبيق يمكن أن يفيد أصحاب العمل أيضا، فبمتابعة ردود فعل الموظف أثناء العمل، يمكن التعرف على ما يجعله أكثر فعالية في عمله وبالتالي تغيير بعض الظروف في بيئة العمل وبالأخص بالنسبة للوظائف التي تحمل قدراً عالياً من الضغط العصبي. وكمثال على هذه الوظائف يقول بليش: "بالنسبة للطيارين مثلاً، يعد مهماً جداً أن يكتشف هذا الضغط مبكراً، وأن يسعى الجهاز للتعامل مع الضغط بشكل إيجابي". أما بالنسبة لتقنية التعرف على المشاعر من خلال نبرات الصوت، فقد يساعد العاملين في مجالات خدمة العملاء أو الدعاية عبر الهواتف بشكل كبير، وإن كان التحكم في نبرات الصوت أسهل من التحكم في الأعراض الفسيولوجية الأخرى وهو ما يجعل الاعتماد عليه أصعب كما يؤكد بليش.