أثر العولمة في المجال التعليمي والتربوي


فلاح القريشي


بروز ظاهرة العولمة يؤثر في ميدان التعليم كما يؤثر في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية ذلك ان النظام التربوي التعليمي مرتبط بالعولمة ويحتكم الى عملية التأثير من خلال تفاعله مع البيئة المحلية امتدادا الى تأثير النظام العالمي على انظمة المجتمع الواحد من خلال التغيرات العالمية في عالم السياسة والاقتصاد والتطور التكنولوجي والحضاري.

وبما ان النظام التربوي التعليمي نظام مفتوح يتأثر بمجمل التغيرات المختلفة التي تحدث في العالم وهذا التأثير ينعكس على جميع عناصر النظام مدخلات وعمليات ومخرجات والادارة يعول عليها في تحسين العملية التربوية ومن صلب اهدافها جعل النظام التعليمي متكيفا مع متطلبات العصر، لا شك ان العولمة تحمل في طياتها اثارا على ماهو قائم حاليا ومنها مايكون تأثيره مستقبلا يرسم معالم الغد وانعكاساتها قد تكون ايجابية وقد تكون سلبية ولكننا حتى الان لم نرَ اثارها بوضوح كامل لان حركة العولمة لم تكتمل بعد فواصل تطبيقها.

تؤكد كثير من الدراسات الى ضعف اداء المؤسسات التربوية والتعليمية العربية في اعداد المعلمين وتأهيل الفتيات والشباب ثقافيا وتربويا ولذلك تمت اعادة النظم التعليمية وتغيير المناهج لانتاج نفسها وتساير التطور المعرفي والحضاري للعولمة التي تجري سريعا حيث لم يعد التعليم التقليدي هو المصدر الوحيد للعلم والمعرفة ولم يعد المعلم هو الناقل لها فقط هناك مصادر متعددة للادوات المعرفية علينا ان نتهيأ ونهيأ لها ونهيئ ابناءنا لها.

والعولمة تعني الهيمنة وتمثل مرحلة ابعد من النظرة الاوروبية السابقة التي ترى ان التاريخ ينتهي في التاريخ الاوروبي وان الحضارة الغربية هي قمة تطور البشرية والعولمة تعني الامركة والهيمنة الاميركية ونمط الحياة الاميركية اليوم في اللباس والاطعمة السريعة”الهامبوركر- والماكدونالد “ والمشروبات الكوكولا والببسي كولا واللباس الجينز والكابوي وغيرها من السلع الاستهلاكية.ان العولمة منهج تربوي اميركي الشكل والمضمون وفي ظل العولمة تعدد المصادر والادوات المعرفية وعلى المتعلم ان يهيئ عقله لتقبل هذه المعارف وتتألف المعرفة واساليبها في المستقبل من الابعاد التالية:

1- تكوين الانسان الكلي وهو ما تؤدي اليه العملية التعليمية من اظهار وايضاح قدرات واستعدادات المتعلم الجسمية والنفسية والاجتماعية والعقلية.

2- الشمولية في المعرفة: ويقصد بها معرفة المضامين والمفاهيم للمعارف الانسانية التي تتألف من التربية الروحية والاخلاقية واللغات والتربية الاجتماعية والتربية التقنية، ويتطلب الشمول المعرفي التركيز على قيمة كل نظام معرفي ومناهجه العلمية التي يتم وضعها من مقررات التعليم وضده المفاهيم والمناهج العلمية والمنطقية التي تتضمنها تلك المقررات هي التي تكون العقلية المعرفية والنضوج العلمي لمعالجة مسائل الكون والحياة.

3- تنمية التفكير والقدرات العقلية: ان المعرفة في ضوء العولمة والمعلوماتية تهدف الى نمو التفكير العلمي في كل اتجاهاته ومناهجه واثاره والتنمية هي مفتاح التعامل العلمي مع الحياة وذلك لما تزخر به الحضارة من منجزات علمية وتكنولوجية.

4- توظيف الاساليب ومصادر المعرفة: فالعملية التربوية لا تهدف في ظل العولمة الى حفظ المعلومات وتذكرها فقط ولكن العملية التعليمية تدور حول مهارات المعرفة العلمية في طرائق التدريس وايصال المعلومة وانفعاله بها وفهمه وتساؤلاته ويستطيع ان ينظم ويفسر ويوظف المعلومات العقلية كالتصنيف والتبويب والتأمل والنقد واكتساب روح المغامرة واحتمال التجربة والخطأ وحل المشكلات ويعتمد التوظيف الفعال لاتقانه في التعلم والتعليم عبر شبكات الانترنت على تأسيس صورة ذهنية علمية لمصادر المعرفة في محيط المدرسة والجامعة ودوائر البحوث العلمية.وللعولمة اثارها الثقافية والاجتماعية المدمرة لانها تهمل الابعاد الاجتماعية والانسانية وزيادة التفكك الاجتماعي وهي تقوم على صياغة ثقافة عالمية واحدة هي”ثقافة السوق “ ونحو الخصوصية الثقافية لشعب من الشعوب وقطع وصل الاجيال الحديثة بتراثها وجذور حضارتها وما فيها من التركيز حتى النجاح الفردي وجمع الثروة واضعاف الثقافة الوطنية لان الدور العلمي للعولمة يتناول المشتركات في الحضارة العلمية ولا يهتم بخصوصيات الوطن والمجتمع، ان ثقافة العولمة قائمة على الغزو والفرض والضغط وهذا يمكن ان يؤدي الى كارثة بفعل الهيمنة التي تقودها اميركا التي تؤدي الى توحيد الثقافات في قالب واحد هو بكل المعاني كارثة انسانية، ان التنوع الثقافي والتربوي هو دليل على قدرة الانسان على التكيف مع الظروف والبيئات المختلفة، ان تحقيق الرفاه والتقدم والنمو لا يمكن بلوغه الا بالمحافظة على التنوع المبدع واثرائه وان ديمومة الجنس والنمو لا تتحقق الا على اساس التنوع الثقافي، وقد يؤدي الفكر الاحادي للعولمة المهيمن اليوم والذي يستند الى منطق السوق باعتباره المتحكم والمفسر لكل شيء وهذا الفكر يقودنا الى عولمة ليبرالية تستند الى ثلاث قواعد:

- سلطة السوق.

- سلطة المؤسسة الانتاجية.

- سلطة رأس المال.

مع القاسم المشترك لهذه السلطات هو الربح وكمية المال المتحكم فيها وهذا التحكم يعتمد على القوة مع القانون فالضعيف هو المحروم من الكسب المالي وهو ينازع الكاسبين وهو المطالب بعدالة توزيع المكاسب على الدوام.

وطالما ان العولمة الليبرالية التي تعتمد على السوق ومنطق الربح وتشيئ كل الاشياء من البضاعة الى الادوات والافكار لذا فلابد من الانتباه الى ان المرافق والخدمات والمنتجات الثقافية لا يمكن اعتبارها من البضاعات الاستهلاكية للانتاج الفكري بعدا يتحمل في طياته هوية وقيم ومعاني منتجيها وان الانتاج يستهدف الفعل والروح لذلك لابد من حماية هذه الابعاد خلال سياسة ثقافية محفزة للابداع والتجديد ضمن حرية كاملة لتنقل الافكار والاعمال والاثار الثقافية ،لا يمكن تطبيق قواعد التجارة على المنتجات الثقافية لانها منتجات لها خصوصية تحمل في طياتها قيما رمزية وافكارا وانماط حياة تمثل هوية جماعية وبيئية حضارية معينة وتؤثر على التطبيقات والاستعمالات الثقافية لذلك ترى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ”الالكسو “ أن قطاعي التربية الصحة من المرافق العمومية التي لا يجب ان يطالها منطقا الربح والسوق، لذلك اخضعت اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة والخدمات(GATS) قطاعي التعليم والصحة للخصخصة وترى منظمة الالكسو الانتباه الى خطورة هذه الخصخصة وتحويل الادوات التربوية والصحية الى جملة من البضائع تتحكم فيها قوانين العرض والطلب جاعلين من الربح الهدف المنشود عوضا عن مساعدة البشرية للقضاء على الجهل والامية والمرض لذلك تهدف العولمة ان تحظى الولايات المتحدة الاميركية بالسيادة على العالم لانها تمتلك القوة والتقنية، والعولمة جزء مهم للهيمنة وتنميط الناس وجعلهم منشغلين بالربح بدلا من الانشغال بالقيم النبيلة والقيم الانسانية العليا، فمجتمع العولمة الرأسمالي يكرس افكارا تربوية في عقول الاجيال ويؤكد على قيم الربح ومقدار ما يحقق الانسان من ارباح فهي مصدر سعادته ونجاحه حتى تصبح ظاهرة الربح ظاهرة سلوكية لا يمكن الفرار منها. فنماذج السلوك والثقافة الاميركية يخترق التربية ويستغل العلم والمعلومات والتقنيات الحديثة واجهزة الاعلام من خلال الشركات العملاقة الى فرض النمط التربوي الاميركي وامركة مظاهر الحياة وسلوك الفرد وحتى التقاليد والالعاب والفنون ونمط الاكل والملبس والمسكن.

لذلك تؤثر ظاهرة العولمة في المجال التربوي في عدم التعامل مع الغيبيات وما تؤكد عليه الاديان لان العولمة ترى ان الغيب لا يقوم على تفكير مادي، وتكرس العولمة الفوارق الكبيرة بين الدول الغنية والدول الفقيرة والنامية وتؤدي الى زيادة البطالة والحروب والتكتلات الاقتصادية وسيطرة الاتجاهات النفعية وانتشار الامية وكذلك تؤدي الى ضعف الفلسفة التربوية والاهداف لكل امة وبلد معين لان له خصوصيته وفلسفته وهكذا فأثار العولمة في الجانب التربوي والتعليمي هي من اخطر سلبيات العولمة في المجال العربي الاسلامي.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: جريدة الصباح-2-6-2007