البيداغوجيا ليست تربيه:
يختلف مفهوم البيداغوجيا عن مفهوم التربيه,فالتربيه تعني الفعل الذي يمارسه الآباء والمعلمون على الاطفال وهو فعل عام يتميز بالاستمرار, والبيداغوجيا كما يراها دوركهايم هي نظريه تطبيقيه نقدية تعمل على توجيه الحياه التربويه وهدايتها نحو افاق محدده وهي تشكل منظومه من المبادئ والمناهج, ومع ذلك فان البيداغوجيا هي التي تعطي التربيه معناها ومن غير البيداغوجيا تتحول التربيه الى فعل عشوائي يفقد دلالته ومعناه.

من التربية إلى علم التربية:
العلم بالتعريف هو مجموعه من المعارف المنهجيه المنظمه التي تبحث في موضوع متجانس محدد وبصوره عامه هو الذي يوظف أدواته ومناهجه في الكشف عن بنيه الظواهر ويسعى العلم إلى تفسير الظواهر الطبيعيه والاجتماعيه تفسيرا كميا ويسعى للكشف عن القانونيه العلميه, اما التربيه هي منظومة المعارف العلميه التي اكتشفها الإنسان في مجال الحياه التربويه بنماء وتكون الانسان معرفيا وعلميا وتربويا.وظهر تعبير علم التربيه لاول مره عام 1812 في كتاب مارك انكوان جوليان دوباري بعنوان “روح المنهج التربوي عند بستالوزي”
فعلم التربيه علم يسعى الى معرفه التربيه وتحليلها ورصد فعالياتها ومتغيراتها على نحو موضوعي وعلمي وبعباره اخرى تشكل التربيه موضوعا لعلم التربيه, ويؤكد دوركهايم باسلوبه المنهجي على ولاده علم التربيه وهو يؤكد على حضوره ضد المتشككين بقوله:اذ كان يمكن لقضايا التربيه ان تشكل موضوعا لعلم ما,فان ذلك امر يسهل البرهنه عليه في هذا المجال وذلك لان الدراسات والابحاث يمكن ان تاخذ الصيغه العلميه اذا توافرت فيها الخصائص التاليه:

** ان تتناول هذه الدراسات الظواهر وحقائق قبله للملاحظه.
** ان تكون الظواهر المدروسه متجانسه فيما بينها اللذ ي يسمح بتصنيفها في فئه واحده.
** ان يكون هدف العلم الدراسه هذه الظواهر من اجل معرفتها بشكل موضوعي.
ويبين دوركهايم ان علم التربيه “هو دراسه نشاه الانظمه التربويه ووظائفها”,وهكذا فان دوركهايم يحدد علم التربيه بانه هذا العلم اللذي يشتمل على الامور التاليه:
1- تاريخ الظواهر التربويه.
2- تاريخ المذاهب في سياقها الاجتماعي.
3- علم الاجتماع التربوي وهو الدراسه العلميه لظروف الحياه التربويه.

الشموليه في مفهوم التربيه:
تتعدد تعريفات التربيه بتعدد الباحثين والتيارات الفكريه ومع اهميه هذه الاختلافات فان اغلب المفكرين المعاصرين يميلون الى اعطاء التربيه طابعا شموليا , وهذا التوجه يميل الى تجاوز حدود الايديولوجيا الفكريه والفلسفيه التي شغلت كبار المفكرين,فالتربيه كما تتبدى في الرؤيه المعاصره تتجلى بوصفها هذه العمليه التي تقوم على اساس العلاقه بين الانسان وعناصر الوجود,إنها عمليه يتم بموجبها التفاعل بين الانسان والانسان وبين الانسان والطبيعه.
ويمكننا في هذا السياق أن نحدد بعض السمات الاساسيه للطابع الشمولي في التربيه:
1- الشموليه الزمنيه : فالتربيه لا تتوقف عند مرحله من المراحل فالإنسان كيان يتشكل ويعاود تشكله عبر دائرتي الزمان والمكان وهي عمليه تغطي مختلف مراحل الحياه عند الانسان.
2- الشموليه التكوينيه : فالتربيه تشمل جوانب الشخصيه السيكيولوجيا واجتماعيا واخلاقيا وروحيا وبدنيا.
3- الشموليه الوظيفية : إن التربيه تمارس دورا مهما يتميز بالشمول في المجالات الوجود الانساني فهي التي تعد الطفل مواطنا وإنسانا.
4- شموليه التأثير: إن التربية عمليه تنبثق من بنيه التي تحيط بالكائن فالوسط بما ينطوي عليه من عوامل ومتغيرات ووقائع وكائنات والطبيعة توثر تربويا في بنيه الإنسان.
5- شموليه البنية : فالتربية عمليه تشمل مختلف العمليات التربويه فالتعليم يدخل في بنيه الفعل التربوي ويشكل موقفا وكذلك هو الحال بالنسبه للتنشئه الاجتماعيه ,فالتربيه هي الكيان يتضمن التعليم ويتجاوزه, والتربيه ليست تدريبا فالتدريب قد يدخل في بنيه الفعل التربوي ولكن لا يجسدها.
6- الشموليه الانسانيه : التربية عمليه تتصف بالانسانيه تتجسد في التجليات الانسانيه منذ القدم,فلا يمكن لأي مجتمع ان يتكون من غير التربية

بنيه الفعل التربوي:
تقر التعريفات التربوية على اختلافها بوجود عنصرين أساسيين في العمليه التربويه هما المربون والمتربون,فانها تقوم في جوهرها على علاقه التاثير الذي يمارسه المربون على المتربين,فالمعلمون والمربون والراشدون يمارسون تاثيرهم على الاخرين من اطفال وتلاميذ.
كما انه يمكن النظر الى طبيعه واتجاه التاثير الذي يمارسه التربيه,فاتجاهات التاثير قد تتنوع حسب مجالات عده كأن نتحدث عن التربيه الرياضيه وغيرها,ولكن علم التربيه الحديث وعلم النفس يؤكدان بان هذا التمييز بين قطاعات التأثير هو شكلي وانه لا يمكن الفصل بين الجوانب المختلفه للشخصيه.