نظريات التعلم



ونظرا لأهمية نظريات التعلم وتعدد الاتجاهات النفسية التي تنتسب إليها، فسوف نعرض أهم النظريات شيوعا في الفكر النفسي ألا وهي نظرية التعلم بالمحاولة الخطأ لثورندايك ونظرية الاشتراط الإجرائي لسكينر ونظرية التعلم بالملاحظة لباندورا التي تنسب إلى نظرية أو منحنى التعلم الاجتماعي ونظريتي الجشطلت والنظرية البنائية التي تنسب إلى المنحنى المعرفي.

1.5- النظريات السلوكية


ا- النظرية الارتباطية لثورندايك أ و التعلم بالمحاولة والخطأ


لمحة تاريخية:

ولد ثورندايك في ويلميز بيرج بولاية ماساشوستسفي 31 /8/1874 ، وبدأ تأثير أبحاثه على موضوع التعلم في الظهور منذ مطلع القرن العشرين .و ظهرت أبحاث ثورندايك في نظرية التعلم في عام 1913-1914 عندما نشر كتابه "علم النفس التربوي"الذي يتألف من ثلاث أجزاء وحدد فيه قانون التدريب وقانون الأثر وهي المبادئ التي وضعها في ضوء أبحاثه التجريبية والإحصائية. أما طريقته في البحث فكانت تقوم على المشاهدة وحل المشكلات وذلك على النحو الآتي:


1- وضع العضوية في موقف حل المشكلة.
2- ترتيب توجهات الإنسان أو الحيوان.
3- اختيار الاستجابة الصحيحة من بين عدة خيارات.
4- مراقبة سلوك الإنسان أو الحيوان.
5- تسجيل هذا السلوك في صورة كمية.


وقد كان ثورندايك من أوائل علماء النفس الذين حاولوا تفسير التعلم بحدوث ارتباطات بين المثيرات والاستجابات، ويرى أن أكثر التعلم تميزا عند الإنسان والحيوان على حد السواء هو التعلم بالمحاولة والخطأ، (نشواتي، 1985، 319)
فالتعلم عند ثورندايك هو تغير آلي في السلوك يتجه تدريجيا إلى الابتعاد عن المحاولات الخاطئة أي نسبة التكرار أعلى للمحاولات الناجحة التي تؤدي إلى إزالة حالة التوتر والوصول إلى حالة الإشباع. فعلم النفس عند ثورندايك هو دراسة السلوك دراسة علمية والتعلم هو تغير في السلوك (عليا ن وآخرون،1987،68).


وقد عرفت نظرية ثورندايك، التي ظلت مسيطرة لعدة عقود من القرن الماضي على الممارسات التربوية في الولايات الأمريكية المتحدة باسم الترابطية، لأنه اعتقد أن التعلم عملية تشكيل ارتباطات بين المثيرات واستجاباتها. وقد طور ثورندايك، نظريته من خلال أبحاث طويلة، التي قام بها على أثر المكافأة في سلوك الحيوانات المختلفة .


وإحدى ابرز تجاربه كانت على القطة التي توضع في قفص له باب يمكن فتحه إذا سحبت القطة الخيط المدلى داخل القفص. وكانت مهمة القطة الخروج من القفص للحصول على الطعام (المكافأة) الموجود خارج القفص. وقد كرر ثورندايك هذه التجربة عدة مرات ،فوجد أن الوقت الذي تستغرقه القطة يتناقص تدريجيا إلا أن أصبحت تسحب الخيط فور دخولها القفص .وفسر ثورندايك عملية التعلم كالتالي:


بعد تمكن القطة من فتح الباب كوفئت بطبق سمك فقويت الرابطة بين المثير والاستجابة وأهم مبادئ التعلم التي توصل إليها هي قانون الأثر.


لم يكتف ثورندايك بوصف التعلم ،بل حاول تفسيره بارتباطات مباشرة بين المثيرات والاستجابات، تتحكم في قوتها أو ضعفها قوانين رئيسية وأخرى ثانوية، بل هي قوانين تفسيرية (نشواتي1985). و تسمى هذه الروابط بقوانين التعلم .



1- القوانين الرئيسية


1- قانون الأثر: عندما تكون الرابطة بين المثير والاستجابة مصحوبة بحالة ارتياح فإنها تقوى، أما إذا كانت مصحوبة بحالة ضيق أو انزعاج فإنها تضعف(ثورندايك،1913،71). ويرى ثورندايك العمل الرئيسي في تفسير عملية التعلم هو المكافأة، ويعتقد أن العقاب لا يضعف الروابط (الشرقاوي،1983،80).


2- قانون التدريب (التكرار):
إن تكرار الرابطة بين المثير والاستجابة يؤدي إلى تثبيت الرابطة وتقويتها وبالتالي يصبح التعلم أكثر رسوخا. يرى ثورندايك أن لهذا القانون شقين هما:

أ- قانون الاستعمال: الذي يشير أن لارتباطات تقوى بفعل التكرار والممارسة

ب- قانون الإهمال: الرابطة تضعف بفعل الترك وعدم الممارسة.


3- قانون الاستعداد: يصف الأسس الفسيولوجية لقانون الأثر ، فهو يحدد ميل المتعلم إلى الشعور بالرضي أو الضيق(كراجة1997،273) ويصوغ ثورندايك ثلاث حالات لتفسير الاستعداد وهي:


1- تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل، وتعمل، فعملها يريح الكائن الحي.


2- تكون الوحدة العصبية مستعدة ولا تعمل، فان عدم عملها يزعج الكائن الحي.


3- تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل، وتجبر للعمل فان عملها يزعج الكائن الحي.(القطامي،1993،30). أما القوانين الثانوية فهي:


1-قانون الانتماء:

في هذا القانون، الرابطة تقوى بين المثير والاستجابة الصحيحة كلما كانت الاستجابة أكثر انتماء إلى الموقف، لهذا تجد الفرد يميل إلى رد التحية بانحناء الرأس أكثر ما يكون ميله إلى الاستجابة بالكلام. ولهذا تكون إثابة العطشان بالماء أقوى من إثابته بالنقود. ويعتبر قانون الانتماء من أهم القوانين التي أضافها ثورندايك لنموذجه وهذا القانون يجعل نموذجه أقرب إلى النموذج المعرفي .


2- قانون الاستقطاب:

تسير الارتباطات في الاتجاه الذي كانت قد تكونت فيه بطريقة أيسر من سيرها في الاتجاه المعاكس، فإذا تعلم الفرد قائمة مفردات عربية انجليزية فان الاستجابة للكلمة العربية بما يقابلها بالانجليزية يكون أكثر سهولة من الاستجابة العكسية(كراجة،1997،275).


3- قانون انتشار الأثر:
وضع ثورندايك هذا القانون بعد عام 1933، حيث يرى أن أثر الإثابة لا يقتصر على الربط فقط، وإنما يمتد إلى الروابط المجاورة التي تتكون قبل إثابة الرابطة وبعد إثابتها. وعلى سبيل المثال فإذا عزز المعلم أثناء التعليم كلمة في ما بين الكلمات ، فان التعزيز ينتقل إلى الكلمة السابقة واللاحقة في السلسلة أي أن الثواب يؤثر أيضا في الارتباطات المجاورة له. وهكذا يرى أن الثواب يقوي حتى الارتباطات غير الصحيحة المجاورة للارتباط المثاب.


4- قانون التعرف:

يسهل على المتعلم ربط وضع مثيري معين باستجابة معينة إذا تمكن المتعلم من التعرف على الوضع وتميزه نتيجة مروره بخبراته السابقة. ويرى ثورندايك انه إذا كانت عناصر الموقف الجديد معروفة ، فان ذلك يسهل التكيف للموقف أكثر مما لو كانت العناصر غير معروفة، فمثلا يسهل على المتعلم حل مسألة حسابية إذا تعرف المتعلم على الأرقام والرموز المستعملة فيها.


5- قانون الاستجابة المماثلة:
يكون تصرف المتعلم إزاء وضع جديد مشابها لتصرفه مع الوضع القديم وهذا يعني انه استفاد من خبراته السابقة.


6- قانون قوة العناصر وسيادتها:


تتجه استجابة المتعلم للعناصر السائدة في الموقف أكثر مما تتوجه إلى العناصر الطارئة غير السائدة(عليان وآخرون،1987،77) .



3-خصائص التعلم بالمحاولة والخطأ:


- يستخدم عند الأطفال الصغار الذين لم تنم عندهم القدرة على التفكير الاستدلالي والاستقرائي وقد يستعمله الكبار في حالات الانفعال.


- يستعمل التعلم بالمحاولة والخطأ لانعدام عمل الخبرة والمهارة في حل المشكلات المعقدة.


- يمكن لهذا التعلم أن يكون أساس اكتساب بعض العادات و المهارات الحركية وتكوينها مثل السباحة و ركوب الدراجة.


4- التطبيقات التربوية لنظرية ثورندايك :


ثورندايك أول من شغل منصب أستاذية علم النفس التربوي في تاريخ علم النفس، وقد اهتم ثورندايك بثلاث مسائل أساسية، تؤثر في استفادة المعلم منها في عمله داخل الصف، وهذه الأمور هي:


- تحديد الروابط بين المثيرات والاستجابات التي تتطلب التكوين أو التقوية أو الإضعاف.

- تحديد الظروف التي تؤدي إلى الرضي أو الضيق عند التلاميذ .

- استخدام الرضا أو الضيق للتحكم في سلوك التلاميذ.

- يرى ثورندايك على المعلم والمتعلم تحديد خصائص الأداء الجيد حتى يمكن تحديد تشخيص الأخطاء، كي لا تتكرر ويصعب تعديلها فيما بعد،لأن الممارسة تقوي الروابط الخاطئة كما تقوي الروابط الصحيحة.
و يرى ثورندايك أن قانون الأثر الأهم في عملية التعلم ،بحيث كان ناقدا للكثير من الممارسات التربوية السائدة ، خاصة العقاب، وطالب بان تكون غرف الصف مصدر سعادة وتهيئة للبواعث المدرسية ،كما حدد الدور الايجابي للمتعلم المنبعث من موقف التعلم حيث أن حاجاته ورغباته هي التي تحدد استجاباته.


- مهمة المعلم ، هي استثارة رغبة التلميذ في الاستجابة والاندفاع في المحاولة والخطأ وذلك بالالتزام بالنصائح التالية:


- أن يؤخذ في عين الاعتبار الموقف التعليمي الذي يوجد فيه التلميذ.

- أن يعطي التلميذ فرصة بذل الجهد في التعلم وذلك بالمحاولة.

- تجنب تكوين الروابط الضعيفة وتقوية الارتباط بين الاستجابة والموقف.

- ربط مواقف التعلم بمواقف مشابهة لحياة التلميذ اليومية.

- التركيز على الأداء والممارسة وليس على الإلقاء.

- الاهتمام بالتدرج في عملية التعلم من السهل إلى الصعب من الوحدات البسيطة إلى الوحدات المعقدة.

- عدم إغفال أثر الجزاء لتحقيق السرعة في التعلم والفاعلية والمحافظة على الدافعية.


يرى ادوارد تولمان في أهمية نظرية المحاولة والخطأ"إن علم النفس التعلم ، كان ومازال في الأساس مسألة اتفاق مع ما جاء به ثورندايك أو اختلاف ومحاولة إدخال التحسين عليه في أجزاء ثانوية ، ويبدو أننا جميعا في أمريكا سواء أكنا علماء نفس الجشطلت أو الفعل المنعكس الشرطي أو الجشطلتيون الجدد، قد اتخذنا من ثورندايك بطريقة ظاهرة أو خفية نقطة بداية لنا ، ولكن العالم الذي بذل جهدا كبيرا لتطوير الأفكار التي قدمها ثورندايك والاستفادة منها في مجال التطبيق العملي هو العالم الأميركي الشهير سكينر"(جابر،1982،208) .



ب- نظرية الاشتراط الإجرائي(سكينر


لمحة تاريخية


ولد بورس فريدريك سكينر عام 1904 في بلدة ساسك ويهانا في الشمال الشرقي من ولاية بنسلفانيا . وقد كان والده "وليام آثر سكينر " محاميا ذا طموحات سياسية، يعمل لدى إحدى شركات السكك الحديدية.أما والدته "جرس مادي سكينر" فهي امرأة ذكية وجميلة وتتبنى فلسفة ثابتة في الحياة لا تحيد عنها. لم يستخدم والد سكينر العقاب البدني في تنشئته، غير أنهما لم يترددا في استخدام أساليب أخرى لتعلميه الأنماط السلوكية الجيدة.
ويبدو أن حياة سكينر المبكرة كانت تزخر بالشعور بالأمن والاستقرار. ويشير سكينر إن حياته المدرسية كانت ممتعة محاطا دوما بالكتب التي شغف والده بقراءتها . والتحق سكينر بكلية هاملتون، حيث تخصص في الأدب الإنجليزي، ودرس مواد شملت اللغات الرومانسية، وأسلوب الخطاب ، وعلم الأحياء والأجنة والتشريح والرياضيات. وبعد أن فشلت محاولات سكينر في أن يصبح كاتبا ، فاهتم بميدان علم النفس وذلك بجامعة هارفارد في خريف1928.

أثناء إقامته بالجامعة لمدة 5سنوات تحصل على منحة التجريب على الحيوان وتأثر منهجه في لبحث بمنهج بافلوف. وكان شعاره"تحكم في البيئة تتحكم في السلوك". و في عام 936 1، حصل سكينر على وظيفة مدرس في جامعة مينيسوتا وظل فيها حتى عام1945، وظهر أول عمل ضخم له (سلوك الكائنات)عام 1938، وكان وصفا مفصلا لبحوثه حول الفئران، وفي صيف عام 1945 كتب روايته الشهيرة (والدان تو)، ولكنهما لم تنشر إلا عام 1948. وتولى منصب رئيس قسم علم النفس في جامعة أنديانا، ورغم كثرة المسؤوليات الإدارية إلا أنه واصل الأبحاث على الحمام وفي عام 1947، أصبح عضوا في قسم علم النفس بجامعة هارفارد.


ينتمي سكينر إلى مدرسة ثورندايك فهو ارتباطي مثله يهتم بالتعزيز كعامل أساسي في عملية التعلم. و سكينر احد علماء النفس الذين اهتموا بدراسة الأمراض السلوكية من خلال دراسة السلوك نفسه.



1- أنواع السلوك عند سكينر


يميز سكينر بين نوعين من السلوك وهما:


- السلوك الاستجابة: ويمثل لاستجابات ذات طابع انعكاسي فطري مثل إغماض العينين عند التعرض لمنبه قوي أو المشي الآلي و منعكس المص عند المولود حديثا.

- السلوك الإجرائي يتم هذا السلوك من الإجراءات المنبعثة من العضوية على نحو تلقائي دون أن تكون مقيدة بمثيرات معينة ، وتقاس قوة الاشتراط الإجرائي بمعدل الاستجابة بعدد تكرارها وليس بقوة المثير(نشواتى1985). يعرف السلوك الإجرائي بأثره على البيئة، وليس بواسطة مثيرات قبلية مثال على ذلك قيادة السيارة ركوب الدراجة المشي على الأقدام بهدف الوصول إلى المكان ما . ويميز سكينر ثلاثة أنواع من المثيرات التي تتحكم في السلوك الإجرائي وهي:
- المثير المعزز و يقصد به كل أنواع المثيرات الايجابية التي تصاحب السلوك الإجرائي كالمعززات اللفظية والمادية والاجتماعية والرمزية .


- المثير العقابي ويقصد به كل أنواع العقاب، مثل العقاب اللفظي والاجتماعي أو الجسدي، التي تلي حدوث السلوك الإجرائي، وتعمل على إضعافه.


- المثير الحيادي ويقصد به المثيرات التي تؤدي إلى إضعاف السلوك الإجرائي أو تقويته (الروسان،2000)