ناديا متى فخري

من أهم مميزات مرحلة المراهقة، النمو الواضح المستمر نحو النضج في كافة مظاهر الشخصية وجوانبها. ففي هذه المرحلة يتم التقدم نحو النضج العقلي حيث يتحقق الفرد واقعياً من قدراته من خلال الخبرات والفرص والظروف، كما يحصل التقدم نحو النضج الإجتماعي والتطبّع السلوكي- ­ الإجتماعي، وتحمّل المسؤوليات واتخاذ القرارات في ما يتعلق بالتعليم والمهنة والزواج.. وكذلك تحمّل مسؤولية توجيه الذات والتحلي بالصفات التي تمكّن المراهق من اتخاذ القرارات بنفسه. ويتضمن ذلك، الاستقلال في التفكير والاختيار، والحرية في الاستكشاف دون الرجوع كثيراً أو مطلقاً الى الآخرين، وأيضاً، التفريق بين المرغوب والمعقول وبين الواقعي والمثالي. وتنمو في مرحلة المراهقة القدرة على الإتصال العقلي مع الآخرين واقناعهم واستخدام المناقشة المنطقية، واتخاذ فلسفة في الحياة ومواجهة النفس والحياة في الحاضر والتخطيط للمستقبل. وتتطوّر الميول والمطامح وتصبح أكثر واقعية.. وكل ذلك يؤكد أن المراهق يواجه تحديات كثيرة على صعيد قدراته الذاتية التي تتأثر بالعمر والذكاء والثقافة وبنمط الشخصية والبيئة العامة. وتتجلى هذه التحديات من خلال اهتمامه الشديد بأوجه النشاط المختلفة التي ينخرط فيها، وبما يظهر لديه من ميول واهتمامات فكرية وحسية وخلقية وفنية... الخ، والجدير ذكره، أن مرحلة المراهقة تشهد الطفرة النهائية في النمو العقلي عموماً.

تغيرات تواكب النمو العقلي

يعرف المراهق تغيّرات في قدراته الخاصة ترتبط بالقدرة العقلية وتواكب سرعة نموها حتى يحدث النضج، وعند النضج يستقر منحى النمو الذي يمكن أن يصل إليه الفرد وتتحدد من خلاله هويته الشخصية، في ما يتعلق بالتطوّر الفكري والنضج الحسي والأخلاقي ونمو الضمير. للتنشئة والتوجيه والثقافة والتوعية أثر كبير في رفد الطاقة العقلية عند المراهقين، ومن ثم فإن تعليم المراهق، وإعداده للمشاركة في أعباء الحياة ومشكلات المجتمع الحديث المتحضّر، تشمل تزويده بقوة عقلية تساعده في تحقيق نموه المتكامل، وهذا يوجب تيسير الخبرات التي تسمح بنمو التفكير، والإحاطة بمصادر المعرفة وتقييمها واختيار المفيد منها واستخدامه استخداماً بناءً يدعم النمو العقلي وحاجاته الأساسية. وفي هذا الإطار كان لعلم نفس النمو ملاحظات حول شحن امكانيات المراهق بالطاقة المناسبة التي ترفد قواه العقلية الناشطة، وتنمي قدراته في مجال التفكير المبني على التوافق والنضج، وتصقل مواهبه... ومن هذه الملاحظات: العمل على تنمية الذكاء الاجتماعي عند المراهق، والمرونة في تفهم وجهات نظره، وتجنب اتساع الفجوة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، وتنمية القيم الصالحة في تربية الشباب وتنشئتهم على أسس أخلاقية سليمة وتدريبهم على ممارستها، وتوثيق صلتهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه، وإعدادهم إعداداً يؤهلهم لتحمل المسؤولية الإجتماعية والقيام بدورهم في بناء المجتمع...


النضج العقلي: طفرة الابتكار والذكاء

في المراهقة يزادد نمو القدرات العقلية وخصوصاً السرعة الإدراكية، ويظهر الإبتكار، خصوصاً في حالة المراهقين الأكثر استقلالاً وذكاء. والإبتكار على حد تعبير جيلفورد، يتضمن الإبداع والجدة والتنوّع والغنى في الأفكار وخصوبة الذكاء والموهبة. ويقول بياجيه: تصبح القدرات العقلية أكثر دقة في التعبير، ويكون الذكاء العام أكثر وضوحاً من تمايز القدرات الخاصة، وتزداد سرعة التحصيل المعرفي وإمكانياته؛ كما تدلّ الدراسات على أن قراءات المراهقين في هذه المرحلة يدور معظمها حول الموضوعات التي تتفق مع ميولهم الخاصة، والكتب التي تتناول مشكلات الشباب ويجدون فيها أجوبة لأسئلة كثيرة محيّرة. وتنمو القدرة على التعلّم، والقدرة على اكتساب المهارات والمعلومات، فالمراهقة محطة مهمة في حياتنا، فيها تنمو المعارف وتتضح الميول التعليمية، وينمو الإنتباه لنجد أن المراهق يستطيع استيعاب مشكلات معقدة في سهولة ويُسر. كما ينمو التذكر، معتمداً على الفهم والإستنتاج، ويصل الى ذروته في نهاية هذه المرحلة. وأيضاً، تزداد القدرة على التخيّل ويتبلور الخيال ويتجه من المحسوس الى المجرّد، ويتضح ذلك في الميل الى الرسم والموسيقى ونظم الشعر والكتابات الأدبية.. كما تظهر الفروق الفردية في النمو العقلي واضحة صريحة لنجد أن القدرات العقلية تتفاوت بين مراهق وآخر. ومن أهم العوامل التي تعوق النمو العقلي: الحرمان الثقافي، والإهمال وسوء الرعاية، ونقص الدوافع؛ وكذلك تؤثر العوامل الإنفعالية، مثل الخمول، والتمرّد في الأداء العقلي للفرد، كما أن وسائل الإعلام... الإذاعة والسينما والتلفزيون والصحف، تضيف العديد من الأفكار والخبرات التي تتيح للمراهق الفرص ليكتشف ويجرّب، ويكون لها تأثير إيجابي مساعد للنمو العقلي والنضج المعرفي.. وقد يشعر المراهق شعوراً داخلياً بأنه "يعرف كل شيء"، وقد ينشغل في تجارب ومشروعات يظنها اختراعات ويسعى لتحقيقها عن طريق الإنجاز، محاولاً تأكيد تفوّقه قدر المستطاع. وللمراهقين حاجات أساسية قد تصل الى أقصى درجة من التعقيد لدى من يعكف على مقارنة نفسه بالآخرين في النضج.. وتؤثر الخبرات الإجتماعية الأولى تأثيراً عميقاً في السلوك الأدبي والإجتماعي للمراهق حيث نلاحظ أنه كلما كانت البيئة الإجتماعية ملائمة كلما ساعد ذلك على تكوين علاقات اجتماعية سوية في هذه المرحلة وما يليها.. وفي طور المراهقة يكون المراهق قد كوّن فكرة واضحة الى حد كبير عن قدراته العقلية، وهذه الفكرة قد تكون قريبة من الواقع أو بعيدة.. فالبعض قد يبالغون في قدراتهم والبعض قد يُنقصون منها؛ وكلما قربت فكرة المراهق عن قدراته العقلية من الواقع، كلما مكّنه ذلك من تحقيق أهدافه بتعقل واتزان.. أما المراهق الذي يبالغ في تقييم قدراته، فإنه يقابل بكثير من المعوقات، إذ أنه يرفع مستوى طموحه بما لا يتناسب مع قدراته فيفشل في تحقيق هذا المستوى.



الاعتزاز بالذات والانسجام بين القدرات والطموح

يساعد النمو العقلي والتفوّق والابتكار على ظهور الاعتزاز بالذات، وفي الوقت نفسه فإن التأخير العقلي يؤدي الي الشعور بالنقص لأنه يمسّ نقطة حساسة بالنسبة للمراهق... أما بالنسبة الى مستوى الطموح فيكون عالياً جداً. ومعروف أن هذا المستوى يتحدد في ضوء إطارمرجعي فردي ­ جماعي، وكل مراهق يتمنى أن يكون إنجازه في المستقبل أفضل من أدائه في الماضي والحاضر.. لكنه في حال حدد أهدافاً بعيدة المنال بالنسبة لقدراته وسعى الى تحقيقها أصيب بالاحباط والشعور بعدم الكفاءة المشوب بالإكتئاب، علماً أن الإحباط، من أكبر معوقات تحقيق مستوى الطموح. والإحباط كما نعلم هو الفشل في تحقيق الهدف أو وجود عائق يمنع تحقيق هذا الهدف، ومن أمثلة مواقف الإحباط الشائعة في المدارس، تلك التي يقابلها التلميذ المتفوّق حيث لا تتحدى الخبرات التربوية العادية قدراته العالية، كذلك فإن التلميذ المتخلّف يكون في موقف إحباط حيث لا يستطيع الوصول بقدراته المحدودة الى مستوى زملائه. وهكذا نجد أن مستوى الطموح يتأثر بدرجة النجاح والفشل فهو يرتفع إثر النجاح وينخفض إثر الفشل، وتلعب الدافعية دوراً هاماً في تحقيق الطموح.. ويلاحظ أن الوالدين يُسهمان الى حد كبير في تحديد مستوى الطموح أكثر من اللازم، ويدفعان الأبناء دفعاً للوصول إليه، وقد يكون هذا حرصاً منهما على أن يشبّ الأولاد في مثل مستواهما أو سعياً منهما لكي يحقق الأبناء ما فاتهما أو ما لم يتمكنا من تحقيقه. ومن ناحية أخرى، قد يحدد المراهق مستوى منخفضاً لطموحه، يقلّ عن مستوى قدراته، فلا يستغلها القدرات، وقد يرجع ذلك الى ضعف الدافعية لديه، أو، الى ضعف ثقته بنفسه. والقاعدة أنه كلما كان مستوى الطموح مناسباً للقدرات، كلما كان من اليسير الوصول إليه دون تعثّر أو وقوع في محظور سلوكي.

النمو الأخلاقي

يتبع المراهق في معتقداته الأخلاقية التي اكتسبها خلال ما مضى من سنوات عمره وما مرّ به من خبرات وما تعلمه من معايير السلوك الأخلاقي، ويُبدي رأيه في مدى صواب السلوك. وفي بعض الأحيان نجد تباعداً بين السلوك الفعلي للمراهق وبين ما يعرفه من المعايير المثالية، وربما يرجع ذلك أحياناً الى ضيقه بسلطة الكبار ومحاولته تحقيق استقلاله ونقص مستوى نضجه الاجتماعي أو العقلي... ومع وصول المراهق الى المراهقة يكون قد تعلّم المشاركة الوجدانية والتسامح والأخلاقيات العامة المتعلقة بالصدق والعدالة والتعاون والولاء، والمودة وتحمل المسؤولية... الخ، وتزداد هذه المفاهيم عمقاً مع النمو. وتتضح للمراهق معاني القيم الوطنية والإنسانية وأهميتها. ولكن يُلاحظ أن المراهق يزداد تسامحه وتساهله بالنسبة لبعض محددات السلوك الأخلاقي، فمثلاً قد يغش في الامتحان ويبرر ذلك بغير حجة، وقد تتعدد معايير السلوك الأخلاقي وقد تتعارض. فقد يقبل المراهق أن يُصادق زميلته ويرفض رفضاً باتاً أن تُصادق أخته زميلها. وقد يقوم في بعض الأحيان بسلوك يُنافي الأخلاق، وهو يعرف أنه كذلك، وقد يكون ذلك من باب التجربة أو لفت الأنظار أو إجبار الآخرين على الاعتراف بشخصيته وكيانه. وبسبب معرفة المراهق لمعايير السلوك الأخلاقي، وخروج بعض جوانب سلوكه عن هذه المعايير يشعر بالذنب والقلق أو حتى الإكتئاب، وإذا عوقب على سلوكه الخارج على الأخلاق فإنه يُعارض ويثور. ومن أمثلة السلوك الخارج على الأخلاق في هذه المرحلة، الخروج على القانون والثورة على القواعد السلوكية والغش وارتياد الأماكن غير المرغوبة وبعض أشكال الجناح، وبعض السلوكيات المضادة للمجتمع... وعلى العموم، فإن المراهق في هذه المرحلة يثق في أنه يعرف ماذا يفعل وكيف يفعله. وفي نهاية مرحلة المراهقة تصل المفاهيم الأخلاقية لديه الى مستوى المفاهيم الأخلاقية للراشدين، وتكاد تتطابق مع المفاهيم الأخلاقية الإجتماعية السليمة، حتى وإن لم تصادف اتفاقاً مع ما يريده هو شخصياً.. في هـذا المجـال يجـب مراعاة ما يلـي: العمل على نمـو السلوك الأخلاقي لدى المراهـق ومن أبرز دعائمه: الاستقامة وضبط النفس والأمانة والتواضع ومعاشرة الأخيار واحترام الغير، وأدب المخاطبة والإصلاح بين الناس وحسن الظن والتعاون والإعتدال والإحسان والضمير.. وأيضاً، العمل على مقاومة أنماط السلوك غير الأخلاقي التي قد يُمارسها الشباب مثل انتشار ظاهرة الغش في الامتحان، والسلوك المخلّ أدبياً، وذلك بالتركيز على التمسك بالمعايير الإجتماعية والتعاليم الدينية والقيم الأخلاقية.