مقدمة:
 
إن عملية الاتصال بين البشر عملية أساسية نحس ونفهم من خلالها بيئتنا، بما فيها من أناس ،ونضفي عليها معان معينة،ويتأتى تبعا لذلك أن نكون قادرين على التعامل معهم،أي نؤثر فيهم و نتأثر بهم ،وهذا كله عن طريق عملية الاتصال والتواصل. ويبقى الفرد المحور الأساسي الذي يدور من حوله وبواسطته كل ما يتم من عمليات اتصالية التي تتطلب عمليات نفسية مختلفة حتى تتفق مع مكونات شخصية الفرد وتتفق مع طابع الشخصية والمجال   النفسي الذي يوجد فيه الفرد والجماعة .
ولإنجاح عملية التواصل بين أفراد المجتمع لابد من توفر مهارات اتصالية مثل التفكير والكلام ،والاستماع والمشاهدة، والكتابة والقراءة والفهم والتحليل لتساعد على إنتاج رسالة اتصالية مناسبة،فقوة عناصر الاتصال من مرسل ورسالة ومستقبل واستجابة وتأثير، والتحامها مع بعضها يعطينا اتصالا مؤثرا وناجحا.
ويزخر مجال الاتصال أو التواصل بعدة استراتيجيات وأنماط ،أظهرت مختلف الدراسات النفسية مدى تأثيرها على الفرد والمجتمع من حيث تفسيره لها واستجابته لها ،ومن ثمّ إحداث تغيير في مجموع سلوكياته تبعا لمحتوى الاتصال.ونجد منها في مجال الاتصال والتواصل أساليب الدعاية و الإعلان،تغيير الاتجاه، ،العلاقات العامة .وهي الأنماط التي نتناولها في البحث الحالي بالشرح والتفسير بالنظر إلى علاقتها بشخصية الفرد من حيث تأثيرها على نفسيته من جهة، وإمكانية التغيير من سلوكا ته من جهة أخرى، وتحقيق تكيف الفرد مع البيئة الخارجية،مع المجتمع ،ومع مختلف التطورات التي تشهدها مختلف المجتمعات الحديثة ،ومن حيث توظيفها لمختلف الأساليب النفسية ومبادئي علم النفس والتي ترتكز على معرفة خصائص شخصية الفرد ومكوناته المعرفية ،وهذا كله من خلال محاولة الوصول إلى الإجابة عن تساؤلات البحث الحالي والمتمثلة فيما يلي:
-         ماهي الآثار المختلفة للتواصل بين أعضاء الجماعة التي يمكن أن تحققها وسائل الاتصال الحديثة ؟
-         ماهي الآثار النفسية والاجتماعية التي تلقيها عملية التواصل عبر أنماط الاتصال المختلفة على الفرد والمجتمع؟
-         كيف يمكن لوسائل الاتصال المختلفة أن تؤثر في الفرد من منظور علم النفس؟
-         كيف يمكننا الوصول إلى تحقيق ثقافة التواصل المطلوبة عبر وسائل الاتصال المختلفة؟
 
 
مفهوم الاتصال أو (التواصل ):
 
يعتبر الاتصال عملية تفاعل اجتماعي يهدف إلى تقوية العلاقات الاجتماعية في المجتمع عن طريق تبادل المعلومات والأفكار والمشاعر التي تؤدي إلى التفاهم والتعاطف أو التباغض(إبراهيم أبو عرقوب 1993، ص17).
ويرى وارن  H.C Warren  أن مفهوم التواصل يشير إلى نقل انطباع أو تأثير من منطقة إلى أخرى دون نقل فعلي لمادة ما .أو إلى نقل انطباعات من البيئة إلى الكائن أو العكس أو من فرد إلى أخر،وفي سياق آخر يرى  الباحثين أن الاتصال أو التواصل بمعناه العام  و البسيط يقوم على نقل أو تبادل المعلومات بين أطراف مؤثرة ومتأثرة  على نحو يقصد به ويترتب عليه تغيير في المواقف أو السلوك(مجدي احمد ،2008،ص22).
إذن الاتصال أو التواصل هو العملية التي يمكن بواسطتها نقل أثار الغير الذي يحدث في إحدى مناطق المجال السلوكي إلى منطقة أخرى.وهي عملية اجتماعية بالدرجة الأولى فهي تتصل بعلاقة الفرد بالآخرين لتبادل المصالح المشتركة ومنها تحقيق مستوى من التواصل داخل المجتمع.
وتعتبر عملية الاتصال عملية ديناميكية ،فنحن نتأثر بالرسائل الاتصالية الواصلة إلينا فنغير معلوماتنا واتجاهاتنا وسلوكنا،وفي المقابل فإننا نؤثر في الناس بالاستجابة لهم وتبادل الرسائل الاتصالية معهم بهدف التأثير على معلوماتهم واتجاهاتهم وسلوكهم.فعملية الاتصال بصفتها عملية تفاعل اجتماعي تمكننا من التأثير في الناس والتأثر بهم ،مما يمكننا أن نغير من أنفسنا وسلوكنا بالتكيف مع الأوضاع الاجتماعية المختلفة ، وهي كذلك عملية مستمرة ،فنحن في اتصال دائم مع أنفسنا ومجتمعنا . وعملية معقدة لما تحويه من أشكال وعناصر وأنواع وشروط يجب اختيارها بدقة عند الاتصال (إبراهيم أبو عرقوب 1993،ص ص50-51) مما يخلق عملية تواصلية ذات أهداف ووسائل معينة.
ويعرّف ليلاند براون Leland Brown   الاتصال بأنه نقل وتلقي الحقائق والآراء والشعور والاتجاهات والإحساس وطرق الأداء والأفكار بواسطة رموز من شخص إلى آخر،وان هدف الاتصال هو أداء العمل المقصود مع خلق شعور وإحساس بأهمية الأداء (عطوف محمود ياسين،1981،ص 240)
نلاحظ من مختلف التعاريف أن الاتصال إجراء يتم لتبادل الفهم بين الكائنات البشرية، و ضرورة اجتماعية تسمح بتواصل الأفراد فيما بينهم .وبما أن الإنسان كائن اجتماعي ،اتصالي فانه لا يستطيع العيش في معزل عن المجتمع ،فالعزلة تعني العقاب والمرض النفسي الذي قد يؤدي به إلى  سوء التوافق النفسي والاجتماعي ومن ثم ظهور أعراض على شكل سلوكيات مضادة للمجتمع.
ويميل العلماء السلوكيين على تغليب النظرة الآلية لمفهوم الاتصال على أساس مضاهاته للمعلومات التي تجري في آلة تشغيل المعلومات،فيرون أن (الحدث الاتصالي )يتضمن مصدرا أو شخصا مرسلا ينقل إشارة أو رسالة خلال قناة إلى المكان المقصود، أو الشخص المستقبل.بينما يركز علماء النفس الاجتماعي على أهمية (التفاعل والسياق الذي تحدث به الاتصالات) ويساعد الاتصال في الوصول إلى وحدة في التفكير وظهور للسلوك التعاوني،وحين تكون وسائل الاتصال سليمة فإنها تؤدي بالفرد إلى الإحساس بالانتماء إلى الجماعة.ويلعب الاتصال دورا جوهريا في أي جماعة لحل المشكلات واتخاذ القرارات بصورة جماعية(المرجع السابق،نفس الصفحة ).
 
 
كيف تتم عملية الاتصال أو  التواصل ؟
         قسم علماء النفس الاجتماعي عمليات الاتصال في الإنسان إلى خمس عمليات وهي :
1-   الإحساس وجمع المعلومات:ويتم على مستواها استقبال المعلومات.
2-   اختزان المعلومات: ويتم على مستوى الذاكرة،والتذكر عملية ارتباط بين الخبرة والمفهوم بكلمات.
3-   تفسير المعلومات :يتم تقييم المعلومات في ضوء الإطار المرجعي لاتجاهاتنا ليتقرر ما إذا كانت تتعارض أو تنسجم مع موقفنا.
4-   الاستدعاء والتذكر:تتوقف القدرة على الاتصال على القدرة على استدعاء أفكار معينة وتحويلها إلى سلوك ظاهر.
5-   عملية التحويل :هي مرحلة ظاهرة للعيان أمام الناس،ليتعرف الآخرون على رغباتنا وهويتنا من خلال تعبيرنا، وخاضعة لنقدهم (عطوف محمود ياسين،1981،ص ص 243 -246).
ومن جهتهم يرى الباحثون في هذا المجال أن عملية التواصل تتم على درجات متفاوتة وتتحدد الدرجة التي يتم بها على أسس ثلاث:
1-أنواع العمليات القائمة بتحقيق التواصل(لغة الألفاظ أو لغة الإشارة)
2-خصائص المناطق المتواصلة
3-الحدود الفاصلة بين تلك المناطق.
وبناء على ذلك يمكن القول بان التواصل شرط أساسي لتحقيق التكيف المتبادل داخل أي نظام، ويستدل على تحقيق هذا التكيف بحدوث الاتزان داخل النظام (مجدي احمد ،2008،ص 22).
ويلاحظ مما سبق أن عملية الاتصال ترتكز على عنصرين هامين هما الإنسان كمرسل ومستقبل، و ما يتميز به  من تنظيم بنيوي وظيفي، ومن خصائص معرفية ونفسية ،والرسالة وما تحمله من خصائص لتحقق في الأخير التواصل مع الآخرين .
 
أهداف التواصل:
تهدف عملية الاتصال أو التواصل إلى تغيير في:
1 -المعلومات والذي يتم عن طريق
-تزويد الأخر(المستقبل)بمعلومات صحيحة وصادقة، جديدة إضافية لم يطلع عليها أو يعرفها من قبل عن الفكرة أو الموضوع أو الشخص مدار البحث، و تمكنه من إثراء معلوماته وتجديدها وتوسيع أفاقه و اتخاذ القرارات الصائبة.والسلوك السوي يساعده على التكيف مع نفسه ومجتمعه وبيئته (ص44ابو عرقوب
-تصحيح معلومات أو مفاهيم أو أفكار خاطئة لتجنب إرباك المستقبل وتوليد الشك لديه، الأمر الذي قد يؤدي إلى سوء الفهم للأفكار والأشخاص والأمور وبالتالي تؤدي إلى قرارات خاطئة وسلوك خاطئ
2- الاتجاهات :ويغير الناس اتجاهاتهم للتكيف مع بيئتهم بشكل أفضل ولإشباع حاجاتهم الداخلية،فالاتجاهات الجديدة تعطي معنى للحياة وللعالم الذي يعيش فيه الإنسان.
3- السلوكات :  تعديل أو تغيير السلوك العلني للمستقبل،فالهدف هنا هو إقناع الشخص بالتخلي عن السلوك السلبي أو الخاطئ، وتبني السلوك الايجابي أو الصحيح الذي قصده المصدر(إبراهيم أبو عرقوب،1993،ص ص 44 -48).
 
عملية التواصل وأثارها النفسية الاجتماعية على الفرد والمجتمع:
يعمل الاتصال أو التواصل على تطوير وتقوية العلاقات الإنسانية في المجتمع وبالتالي التماسك والترابط والتواصل بين الأفراد والجماعات والمؤسسات الاجتماعية.
ويعتبر الفرد المحور الأساسي الذي يدور من حوله وبواسطته كل ما يتم في المجتمع الإنساني من عمليات اتصالية : فالإنسان يتصل بذاته ويتصل بغيره،فالتواصل شرط أساسي لتحقيق التكيف النفسي للفرد داخل الجماعة،ويستدل على تحقيق هذا التكيف بحدوث الاتزان داخل المجتمع(مجدي احمد 2008،ص 22).
ومما لاشك فيه أن التعرض لسيكولوجية الاتصال والتواصل ينطلق من مبدأ الإشارة إلى الشخصية ومكوناتها،من جهة، والتوافق النفسي الاجتماعي من جهة أخرى.فالتواصل يتم أساسا من خلال شخصية الفرد وما ينظمها من مكونات مختلفة سواء كانت تلك الشخصية :شخصية المرسل أو المستقبل،أو بمعنى آخر أن الاستجابة أو التأثر لعملية الاتصال،إنما يتم أساسا من خلال العوامل النفسية التي تؤثر على سلوك الفرد واستجابته ومن أهمها الشخصية(مجدي احمد ،2008،ص76).
.
لقد أجريت عدة بحوث تناولت عملية التواصل وأثارها النفسية الاجتماعية من عدة جوانب، وكلها تبرز مدى أهميتها في تحقيق الاتزان داخل الجماعة على أساس الحد الأدنى من التوترات.ولقد أوضحت هذه الدراسات الآثار المختلفة للتواصل بين أعضاء الجماعة والتي
يمكن تلخيصها فيما يلي :
-تحقيق التقارب الذهني
-تنميط الاتجاهات
-زيادة اندماج الشخص في الجماعة
- ازدياد كفاءة التفكير بزيادة موضوعيته نتيجة انخفاض نسبة العوامل الشخصية
-زيادة تمكين الأعضاء من التوافق المتبادل في مستويات الشخصية المختلفة( مجدي احمد ،2008 ،ص25).
وعليه يحقق التواصل مهمته من خلال عمليتين رئيسيتين هما:
-انه يزيد من قدرة الأفراد على التوافق المتبادل
-يزيد من درجة اندماج الذوات في (النحن)( مجدي احمد ،2008،ص 24).
وهي العملية التي تدخل ضمن بنيان التفاعل الاجتماعي السوي والذي يسعى إليه الفرد لتحقيق تكيفه مع المجتمع الذي يعيش فيه.وتعرف عملية التفاعل الاجتماعي بأنها العملية التي يرتبط بها أعضاء الجماعة بعضهم ببعض ،عقليا ودافعيا في الرغبات والحاجات والوسائل والغايات والمعارف والمصالح( عطوف محمود ياسين 1981،ص 139)و  يمكن تحقيقها عن طريق مختلف أنماط الاتصال.

وتلعب عملية الاتصال أو التواصل بين الأفراد داخل المجتمع على تغيير البناء المعرفي للإنسان، وبالتالي تعديل سلوكه تبعا لمحتوى الاتصال بما فيه من تغيير الاتجاه،الدعاية،الإعلان، العلاقات العامة ضمن سيكولوجية تحددها معطيات مختلفة ،يرجع جزء كبير منها إلى شخصية الفرد،مدى استجابته للتأثيرات المختلفة،مدى القدرة على التأثير على بناءه المعرفي، وبالتالي إحداث تأثير على سلوكه فيما بعد ،وهنا تكمن أهمية النظر في أنماط الاتصال المختلفة وأثارها النفسية والاجتماعية، خاصة مع كثرة هذه الأنماط وتنوعها مع ظهور التكنولوجيات الحديثة من جهة،وميل الإنسان إلى كل ما هو جديد وخاصة الميل إلى الاستعمال المفرط لهذه التكنولوجيات بغرض تحقيق الرفاهية والراحة النفسية والمتعة من جهة أخرى.ومع ما قد ينتج عنه من تغيير في السلوك.