التوجيه المدرسي

لقد اتضح لكثير من العاملين في الحقل التربوي، أن هناك هوة واسعة تفصل بين ما يتلقاه المتعلم في المدرسة وما يواجهه في الحياة العملية.
ومن هذا المنظور فإن المشكلة تكمن في التحاق المتعلم بنوعية من التعليم لا تتوافق مع ميوله، مما ينشأ عن ذلك حالة من الإحباط النفسي مصحوبة بعدم الرضا، تقلل من فاعلية التعليم.
من هنا تبرز أهمية التوجيه التربوي، على أساس أنها عملية تساعد على توجيه المتعلم الوجهة السليمة نحو الدراسة التي تؤهله لها قدراته وميوله المهنية، مما يجعل المتعلم يشعر بالرضا ويحقق ذاته.
لذا أصبحت خدمات التوجيه والإرشاد من أهم الخدمات التي تقدمها المدرسة الحديثة، مع العلم أن الإرشاد والتوجيه مقترنان، لكن هناك جوانب تميز التوجيه عن الإرشاد، فالتوجيه يمارس في المدارس بالنسبة لكل التلاميذ دون استثناء، ولا يقتصر على فئة عمرية معينة، كما أنه لا يقتصر على المجال المهني فقط، بل يشمل كافة النواحي الأخرى، فهو يساعد الفرد على فهم نفسه وتنميتها واستغلال استعداداته وقدراته كما انه عملية تعاونية تشمل الموجه والمتعلم والمدرس، وباختصار فهو جزء من أي برنامج تربوي، وقد تعددت التعاريف بشأنه بتعدد النواحي التي ينظر إليها التوجيه المدرسي.
إنه عملية أساسها مساعدة المتعلمين على اختيار نوعية الدراسة التي تتفق وقدراتهم واستعداداتهم وميولهم ( توجيه تربوي) أو مساعدتهم على اختيار مجال مهني يتفق وقدراتهم ويوافق ميولهم، وتهيئتهم للوصول إلى درجة نجاح يحققون بها ذواتهم ( توجيه مهني).
إن المدرس وثيق الصلة بتلاميذه يستطيع ان يلاحظ فروقا كثيرة في القسم، وغالبا ما تكون أولى ملاحظاته نحوهم هي الفروق بينهم في القدرات العامة، ولكن بإمكانه أيضا أن يلاحظ فروقا أخرى في استعداداتهم الخاصة، فهذه الفروق هي التي تكون بمثابة الأساس الأول لعملية التوجيه المدرسي.
وإذا كان الهدف من هذه الأخيرة هو تغيير وتعديل السلوك، فإن المشرف على عملية التوجيه ينبغي أن يكون متفهما للسلوك الإنساني، وعلى علم ودراية بطرق تعديله وتغييره.
وعليه فإن الأسس والمبادئ التي تستند إليها العملية التوجيهية عديدة ، وأهمها:-
1) الأسس النفسية: وتتلخص في
- مراعاة الفروق الفردية بين الشخاص من حيث القدرات والاستعدادات والميول والمميزات الشخصية.
- مراعاة الاختلاف من حيث نمو الخصائص الجسمية والنفسية والعقلية.
- تزويد المتعلمين بالمعلومات والخبرات اللازمة لمواجهة الظروف المختلفة.
- مراعاة إشباع حاجات المتعلمين في كل مرحلة من مراحل النمو.
- اعتبار عملية التوجيه عملية تعلم يستفيد منها المتعلم في رسم طريقه في الحياة.
2) أسس اجتماعية: وتتلخص في
- الاهتمام بالفرد المتعلم كعضو في المجتمع الذي يعيش فيه.
- اعتبار المدرسة أفضل مكان لتقديم التوجيه السليم للمتعلمين.
- إشراك الأولياء في عملية التوجيه ضرورة لابد منها.
3) الأسس الفنية: وتتمثل في
- بحث مشكلة المتعلمين من جميع زواياها بكل ما تأتي من امكانيات واستعدادات تساعد على الحل.
- تغيير طرق التوجيه تبعا لحاجات المتعلم وصفاته وطبيعة المشكلات التي تعترضه.
إن التوجيه المدرسي هو ضمان لاستثمار القوى البشرية، فإذا تم توجيه المتعلم في نهاية مرحلة التعليم الإلزامي إلى اختيار نوع التعليم الذي يتفق مع استعداداته وقدراته العقلية وميوله فإنه يحقق له النجاح ويوفر له الوقت والجهد، ويحميه من الفشل ولذا فهو مهم إذ يعد مقدمة للتوجيه المهني ،بحيث أنه:-
- يتيح للمتعلم أقصى حد لنمو قدراته، واستخدام إمكاناته، وتفتح شخصيته.
- يضمن الاستثمار الحكيم للموارد البشرية.
- يعتبر حلقة وصل بين المدرسة والعمل.
- يؤثر في بناء التعليم وتنظيمه.
- يسهم في نجاح التخطيط الاقتصادي والاجتماعي للبلد.
وعليه يمكن حصر الأهداف الكبرى للتوجيه المدرسي في النقاط الآتية:
• تحقيق الذات: يعتبر هذا الجانب الهدف الرئيسي للتوجيه والإرشاد، لأن الهدف البعيد للعملية التوجيهية، هو توجيه الذات بحيث تسمح للمتعلم تحقيق القدرة على توجيه حياته بنفسه وبذكاء وبصيرة في حدود المعايير الاجتماعية.
• تحقيق التوافق: بمعنى تناول السلوك والبيئة الطبيعية والاجتماعية بالتغيير والتعديل، حتى يحدث التوازن بين الفرد وبيئته، وهذا التوازن يتضمن إشباع حاجات المتعلم ومقابلة متطلبات البيئة.
وينبغي النظر إلى التوافق نظرة متكاملة من حيث:
- تحقيق التوافق التربوي، وذلك بمساعدة المتعلم في تحقيق النجاح الدراسي.
- تحقيق التوافق المهني بالاختيار المناسب للمهنة والتمكن من القيام بالمسؤولية.
- تحقيق التوافق الاجتماعي، وذلك بالانسجام والتفاهم مع الآخرين ومسايرة المجتمع وفق معاييره وقواعده.
• تحقيق الصحة النفسية: بمعنى قدرة الفرد على التوافق مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه، مما يؤدي إلى حياة خالية من الاضطرابات، غير ان تحقيق هذا المسعى لن يتم إلا بالسلوك السوي، والشخصية المتكاملة والإدراك الصحيح للواقع.
• تحسين العملية التربوية: وذلك بتشجيع الرغبة في اللتحصيل مع أخذ الفروق الفردية في الاعتبار، وإعطاء كم مناسب من المعلومات، وتوجيه المتعلمين إلى طريقة المذاكرة والتحصيل السليم لتحقيق أكبر درجة من النجاح.
كما أن للموضوع أساليب وإجراءات يمكن ان يعتم عليها أثناء عملية التوجيه المدرسي، نذكر منها النقاط التالية:
1- دراسة كل متعلم وملاحظته، مع مراعاة جميع جوانب نموه العقلي والوجداني والجسمي، والأخذ في الحسبان نتائجه المدرسية، والبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها.
2- بناء الاختبارات المستخدمة لقياس مستوى الذكاء، والكشف عن الاستعدادات والقدرات العقلية والميول المهنية على أسس علمية.
3- أخذ نتائج القياس النفسي في الاعتبار، ونتائج التحصيل الدراسي، والبيانات الصحية والجسمية، والمعلومات البيئية، كما أن إشراك الأولياء ضرورة حتمية، وكذا مشاركة الأولياء باعتبارها ضرورة حتمية.
4- عقد مقابلات شخصية لكسب ثقة المتعلم وعائلية، مما يساعد على إدراك الامكانات المتاحة له.
5- توجيه العناية للإعلام بالمهن والمقررات الدراسية اللازمة لها.
6- ضرورة إكساب المتعلمين خبرات علمية، مثل الدراسات العملية في المدارس وزيارة المشروعات الميدانية مما ييسر لهم فيما بعد علمية التوجيه.


سهير كامل أحمد " مركز الإسكندرية للكتاب ".