لثلاثاء، 17 يوليو، 2012
تأثير وسائل الأعلام على العنف لدى الأطفال

د. رائد الركابي

إنّ الجوّ الانفعالي العام الذي يعيشه الطفل في المدرسة أو في البيت له أثر عميق في مدى تحركه وتفاعله وتحصيله، فقد يشعر الطفل بالتعاسة في المدرسة بسبب موقف الأطفال الآخرين كالسخرية منه أو الاعتداء عليه بقسوة أو شعوره بعدم الانتماء أو الشعبيّة. وقد يعتدي الأطفال أحياناً على زميل لهم لاعتقادهم بأنه لا يستطيع أن يردّ الاعتداء أو لشعورهم بضعفه وعدم قدرته على الوقوف أمامهم بنفسه والاعتماد على ذاته. وقد تعود مثل هذه الصفات إلى التركيب البيولوجي للشخصيّة أو إلى طريقة التربية التي يتبعها الآباء وهم يعملون على قتل الرّوح العدوانيّة الطبيعيّة عند طفلهم بشكل قاس وخطير. وقد يكون الطفل خجولاً، هادئاً يواجه رفاقاً له ذوي شخصيات عنيدة عدوانيّة ونتيجة لذلك قد يكره المدرسة وينفر منها.فإذا لم يلق الطفل المعاملة التربوية الحسنة في المدرسة ويستوعب المناهج المتطورة، فإنّ حياته سيصيبها الفشل والتقاعس نحو التحصيل العلمي، ويحل جو السأم والضيق في نفسه، ويخلق علاقات عدوانيّة سواء مع أقرانه أم مع المدرسين وتنقلب حياة المدرسة بالنسبة له صورة قاتمة للحياة البشرية، نظراً لما يصاب به من إحباط متكرر
إنّ نظام الحياة اليومية للأطفال يتغير تغيراً حاسماً عندما يبدءون الحياة المدرسية، كما أنّ عملية التعلم نفسها تزود الطفل بإحساس بالتنافس والاقتدار، وفي ذلك عون على فعالية نوازعه العدوانية، ونشرها على غيره وعلى موجودات المدرسة. إن أسباب ودوافع العنف عند الأطفال قد ترجع إلى:
1.الإهمال من قبل الوالدين وانشغالهما وعدم وجود الوقت الكافي لرعاية طفلها وهذا يحوله بالتدريج إلى طفل عنيد، أيضاً حاله الحرمان التي يعانى منها الطفل من حنان الامومه قد تكون سبباًُ في ميول الطفل للعدوان.
2- قصور جسمي لدى الأطفال : نشأ عنه نزعات عدوانية تضعف السمع والبصر وزيادة في إفراز الغدد وقصور بعضها الآخر.
3- وجود عاهة خلقية أو نقص جسمي: ويشعر الطفل بعجزه وعدم قدرته على التكيف.
4- الشعور بظلم الكبار (الوالدين- الأسرة- المدرسة) وقساوتهم.
5- ولادة طفل جديد في العائلة واستحواذه على الجانب الأكبر من الرعاية.
6- تقدم زميل عليه في الدراسة أو الملبس أو القوه الجسمية.
7- كثرة المشاجرات بين الوالدين مما يهز ثقة الطفل بالجو المنزلي.
8- عدم الشعور بالسعادة والأمان في الحاضر والمستقبل بسبب عوامل إجتماعية واقتصادية مختلفة.
9- الدلال الزائد والعناية المبالغ فيها بأحد الأطفال دون إخوته.
10- مناقشة سلوك الطفل أمام الآخرين وعلى مسمع منه مما يجعله يسلك سلوكاً عدوانيا.
11- وسائل الإعلام والدور الذي تلعبه في تحريض الطفل على العنف وخاصة التلفزيون وما يعرض من افلام الاكشن والرعب فضلا عن الالعاب الرياضية الخطرة او العنيفة وكذلك الرسوم المتحركة التي تشجع على العنف حيث ان الاطفال والمراهقين يميلون الى تقمص شخصيات هذه الافلام والرسوم. وبالتالي يؤثر على عقول المراهقين عامه والأطفال خاصة. وهو ما اكدت عليه العديد من الدراسات ان هناك ارتباط ايجابي قوى بين مشاهدة البرامج التليفزيونية العنيفة والسلوك العدواني مع الأخذ في الاعتبار الوضع الطبقي للمشاهد . إن معدل ارتكاب جرائم القتل يزداد- عادة- بعد مشاهدة مباراة عنيفة في الملاكمة كما إن مشاهدة الأفلام الجنسية العنيفة قد تؤدى إلى زيادة السلوك العدواني نحو المرأة .فضلا على إعمال الإرهاب والتفجيرات ورؤية الأيدي والأرجل المبتورة في الشارع أو الفضائيات. بعد أن أصبح للتليفزيون تأثيره الواسع، وبعد الانتشار الهائل للقنوات الفضائية، وفي عصر السموات المفتوحة استطاعت وسائل الإعلام أن تشكل لدى غالبية المجتمعات ثقافة (تليفزيونية) خاصة وتنشئ جيلاً (تليفزيونياً) خاصاً؛ فالناس على اختلاف طبقاتهم بدؤوا ينظرون إلى هذه الوسائل كمشكلة حضارية جديدة ذات آثار سلبية معينة، ويكاد يجتمع الرأي على أننا نواجه اليوم حملة إعلامية شرسة لما تقدمه وسائل الإعلام من مواد تحتوي على مشاهد الرعب والعنف والجريمة والساديّة والعدوان فضلا عن الألعاب الرياضية الدموية مثل لعبة المصارعة الحرة .وكذلك الرسوم المتحركة التي تشجع على العنف وسفك الدماء، ولا شك أن مشاهدة الطفل المستمرة لهذه المشاهد تؤدي- على المدى الطويل- إلى تبلّد الإحساس بالخطر، وإلى قبول العنف كوسيلة استجابة لمواجهة بعض مواقف الصراعات أو ممارسة السلوك العنيف ذاته ويصبح عنيف وسريع الغضب وعدواني.ومن اجل ضبط السلوك العدواني عند الطفل الناتج من مشاهد العنف الي يمر بها او يشاهدها يكون في أن تعمل الأسرة على تهيئه بيئة اجتماعية غير عدوانية. وذلك من تنشئه اجتماعية تغرس الحب وتنمى مهارات التعاون عن الطفل .و تجنب الممارسات والاتجاهات الخاطئة في تنشئه الطفل .ومساعدة الطفل على تعلم تقييم المواقف الإحباطية. وتعليم السلوك المناقض للعدوان وتعزيزه .وإتاحة ألفرصه للطفل على اللعب.وتنفيس الميول العدوانية.وتعزيز احترام الذات : إذ لابد من تعليم الطفل كيف يتعامل مع التجربة .وخلق جو غير متساهل .واستخدام أساليب غير مؤذيه للطفل .وتجاهل التصرفات العدوانية للمعتدى والاستماع إلى المعتدى عليه.
إن العقاب البدني في تنشئة الأطفال قد يدخل في نمو وتطور الضمير عندهم، فالضرب المتكرر يزيد من مسألة الشعور بالذنب عند الأطفال، أي أن الضرب هو الثمن الذي يدفعونه مقابل أخطائهم، ويشعرون بعدها أنهم أحرار في تصرفاتهم، ويصبح الضرب بالنسبة إليهم ديناً مستحقاً تدفع أقساطه كلما أساءوا التصرف، ويبدو أن الصفعة من اساليب العقاب البدني الشائعة في مجتمعنا وهي لا تكون مؤلمة بقدر ما تكون وسيلة للإخضاع والإذلال، والطفل الذي يتعود الصفعة يرفع يده فوق وجهه كلما تعرض لأي تهديد، ويستعمل هذا العقاب وسيلة لتأكيد سلطة الآباء أو المعلمين وفرض الخضوع ألقسري لهم والطاعة التي تنتج عن هذا الأسلوب التأديبي لا تكون نتيجة الحب والاحترام بقدر ما تكون نتيجة الخوف، ولهذا الأسلوب آثار عميقة في تكوين شخصية الفرد ومن هذه الآثار ينشأ الطفل على عدم الصراحة والصدق واعتياده التمويه في سلوكه الاجتماعي أو أن يحمل شخصية مزدوجة. كما لا يمكن إنكار دور "التلفاز" كمؤثر قوي في تربية الطفل، فهو يعتمد على المؤثر الصوتي المرئي، وقريبا يتلاشى الفرق بينه وبين الكمبيوتر بإيجاد التفاعلية مع المشاهد، و التلفاز يعرض القصة بإثارتها وآثارها ، ولو علمنا أن أكثر من 60 % من الأطفال يعتمدون على التلفاز في مشاهدة المواد الخاصة بالطفل، مما يؤكد عمق الأثر الذي يتركه في الشخصية ، وما يؤكده المختصون أنه " من أخطر المصادر الموجِّهة لما يعتمد عليه من إثارة وتأثير بل له دور في صياغة عواطف الطفل في إطار ما يقدم من مواد متنوعة تثير خيال الطفل وتغرس فيه القيم ما يعد مقبولا أو مرفوضا أو مفروضا .تؤكد ذلك الدكتورة ان التلفاز في مقدمة الوسائل المؤثرة على الطفل والقادرة على جذبه ، وتعد الرسوم المتحركة هي أكثر برامج الأطفال قبولا ومتابعة لما تتميز به من خيال وألوان جذابة مما يدعو الطفل للمتابعة بتشوق حيث تتميز الأفلام الكرتونية بالإتقان الفني والإخراج البديع بشكل يدعو للإعجاب والانبهار ليس من قبل الصغار فحسب بل من قبل الكبار أيضا. لذا اعتقد ان هناك جملة من الأساليب يجب على الأسرة والمدرسة القيام بها للحد من ظاهرة العنف لدى الاطفال اهمها:
1.التعاون مع البيت للوقوف على أسباب السلوك وإذا عُرف أنّ السبب يتعلق بالأسرة/ البيئة التي يعيش فيها، فعلى المدرسة تقديم العون.
2- استخدام المكافآت والتعزيز.
3- التفريغ العضلي: تشجيع الطفل على تفريغ غضبه وسلوكه العنيف مع الآخرين عن طريق قيامه بنشاطات جسديّة مثل الركض، السباحة، لعب كرة القدم، أو السلة أو ضرب كيس الملاكمة لتخفيف توتره.
4- حرمان الطفل المعتدي من المكسب الذي حصل عليه نتيجة عنفه مع الآخرين حتى لا يرتبط في ذهنه العنف بنتائج إيجابيّة.
5- تغيير ظروف البيئة التي أدّت إلى العدوان وإعطاؤه نموذج سليم للتعامل مع غيره.
6- أن لا يستخدم الوالدين أو المعلم سلوك العدوان مع سلوك الطفل العدواني.
7- على المعلم أن يعمل على إيقاف السلوك العدواني وأن لا يتغاضى عن سلوك الطفل وعنفه.
8- تعليم الفرد كيف يتحمل الإحباط على الأقل للدرجة التي تجعله لا يضار من الإحباطات التي تحدث في حياته اليوميّة.
9- الحديث مع الذات، وبذلك يتدرب الفرد على الحديث مع ذاته للتخلص من توتره وشعوره بالغضب.
10- إمساك الطفل. فقد يفقد الطفل سيطرته على نفسه تماماً، بحيث يحتاج إلى أن يُمنع من الحركة أو يبعد عن المكان حفاظاً على سلامته ومنعه من إيذاء نفسه أو الآخرين.
11- تنمية التبصّر: بعد تجاوز نوبة الغضب تماماً، يتم نقاش الحادثة كي يتم تنمية الفهم لديه حول المشكلة بحيث يتضمن النقاش وصفاً لشعورك وشعور الفرد أثناء المشكلة والأسباب التي أدّت إلى الغضب، والطرق البديلة لحلّ مثل هذه المشكلة في المستقبل.
12- العقاب البسيط، حتى يفهم الفرد أنّ نوبات الغضب والعنف لن تكون في صالحه يفرض عليه العزل لمدة (2- 5) دقيقة في غرفة خاصّة وكلما قرر العمل عُزل بحيث أنه يجب أن يكون هناك حزم وواقعية ضمن قاعدة (لا تظهر أي تعاطف أو غضب.1وفي الختام على الوالدين انتقاء القنوات الفضائية لأبنائهم أو البرامج الثقافية أو العلمية البعيدة عن العنف والتي تسهم في بناء شخصية سوية للطفل في جميع الجوانب العقلية والجسمية والنفسية والانفعالية،فالتعلم منذ الصغر كالنقش على الحجر.