الجغرافية في عصر المعلوماتية

--------------------------------------------------------------------------------


إن تغيير صورة الجغرافية في أذهان الناس في مجتمعنا مهمة صعبة.. لأن القيمة الاجتماعية للتخصصات مبنية على قيم مادية وضرورات حياتية .. فلا يوجد شخص إلا ويحتاج الطبيب لنفسه أو لأفراد عائلته أو لذويه .. لذلك نجد للطب والأطباء قيمة كبرى لا يستطيع أحد الاستغناء عنها على الصعيدين الفردي والجماعي، وكذا الأمر بالنسبة للمهن الطبية الأخرى. أما علوم الهندسة فمنها ما يوضع في رأس القائمة بعد الطب ومنها ما يقترب من العلوم الأساسية في التقييم... أما العلوم الاقتصادية فقد لمع نجمها في السنوات الأخيرة بسبب الأنشطة الاقتصادية المستحدثة وحاجة المؤسسات الاقتصادية إلى عدد من العاملين بمرتبات جيدة.. ولكن عند الحديث عن العلوم الأساسية والإنسانية وعلوم الأرض ومنها الجغرافية فإن الحالة غير عادلة على الإطلاق في تقييمها حتى ضمن المؤسسات التعليمية نفسها.. الكثيرون يعرفون بأن الرياضيات والفيزياء والكيمياء هي أصل العلوم الهندسية التطبيقية والطبية بل والعلوم الإنسانية إلى حد ما.. كيف يمكن تصور العلوم الطبية والهندسية بدون رياضيات وفيزياء وكيمياء.. أليس أساس الطب هو قيزياء وكيمياء؟ .. أليست البيولوجية قاعدة يبني عليها الطب كل تخصصاته ؟.. ولكن أين قيمة هذه العلوم؟؟ إنها للأسف في وضع لا تحسد عليه مثل الجغرافية..
وطالما أننا ذكرنا الجغرافية وهي هدفنا في هذا الموضوع فكيف نتصور العلوم التطبيقية كالهندسة المدنية والمعمارية والزراعة وعلوم الاقتصاد والاجتماع والجيولوجية بدون جغرافية؟.. كيف نتصور التاريخ بدون جغرافية؟.. أليست الجغرافية هي مسرح التاريخ بل وصانعة التاريخ أحياناً.. أليس من أجلها يصنع التاريخ في معظم الأحيان.. ولكنها والتاريخ مظلومان .. فمن الظالم لهذه العلوم .. ؟..
إنه الجهل...!!
لقد نشأت الامبراطوريات وتوسعت بفهم الجغرافية وانهارت بسبب ضعف فهم العلاقات الزمانية - المكانية ( الزمكانية ) بل وفشلت الكثير من الامبراطوريات في حروبها بسبب قلة إدراك قادتها للعوامل الجغرافية.. ولا أكثر من الأمثلة الدالة على هذه المسألة..
الجهل بالجغرافية وما يمكن أن تقدمه للمجتمع سبب آخر لتراجع موقعها في المجتمع.. فمن يقدم الجغرافية للآخرين يقدمها بشكل عديم الجاذبية ومنفر أحياناً . والمسقبل للمعلومة يركض خلف الجذاب والمهم للوصول إلى مواقع متقدمة في المجتمع، والجغرافية ليست من هذه العلوم حالياً .. وهذه ليست مشكلة الجغرافية وحدها كما أسلفنا، بل مشكلة كل العلوم الأساسية والإنسانية بل وبعض التطبيقية أيضاً.. كيف يكون المجتمع راقياً بدون فلسفة وفكر نتعلم منه طريقة التفكير المنطقي وعلم الجمال.. وكيف الحياة بدون ثقافة أدبية واجتماعية.. وكثير كثير أيضاً ..
فالجهل يخلق حالة من العداء لما نجهل .. وعلى الأقل حالة عدم ثقة .. والمثل يقول - الإنسان عدو ما يجهل - والجهل لا يتوقف على من لم يحالفه الحظ في دخول المؤسسات التعليمية بمستوياتها المختلفة فبقي دون تعليم يمكّنه من الإطلاع على ما أنجز في كل علم أو على أسس كل علم من العلوم، بل على ( المتعلمين ) الذين يكتفون بمتطلبات حصولهم على الشهادة باختصاصهم ويمضون حياتهم في اجترار معلوماتهم المعلبة..
هل نستطيع تغيير هذا الواقع ؟..
نعم.. ولكن ليس بسرعة.. ولن نستطيع أن نقفز قفزات واسعة في هذا المجال.. ولكننا نستطيع أن نبدأ من المؤسسات التعليمية التي ربما تحتاج لإعادة نظر جذرية في فلسفة التعليم ثم في مناهجه.. فنحن بحاجة لتضمين المناهج بما يسمح للطالب بفهم دور العلوم المختلفة في حياة المجتمع.. وبحاجة إلى إنصاف أرباب العلوم المظلومة مادياً واجتماعياً وجعل تخصصاتهم على صلة أوثق بحاجات المجتمع.. فالجغرافي مثلاً ينبغي أن يكون له دور واضح في عمل مؤسسات الإدارة المحلية ومؤسسات التخطيط العمراني والإقليمي وفي مؤسسات الخدمة المدنية الأخرى بدءاً من وزارة الصحة والدفاع والداخلية والنقل وصولاً إلى وزارة الأوقاف والتربية .. ويكاد لا يستثنى عمل في الدولة والقطاع الخاص دون الحاجة للجغرافية..
فكيف يمكن أن نصل إلى هذا؟..
نستطيع أن نحقق خطوات متسارعة على الطريق الطويل بالعمل الدؤوب على بناء الذات بشكل يضع خدمة المجتمع كهدف أساسي لإعداد الجغرافيين.. حيث يجب تكييف المناهج التعليمية لخدمة أغراض تطبيقية محددة يطلبها المجتمع في كل مرحلة من مراحل تطوره.. ولا يجوز أن نفكر بقيادة المؤسسات التعليمية للمجتمع .. فهذه المؤسسات هي التي تتبع المجتمع وتخدم حاجاته.. والجغرافية واحدة من التخصصات التي يجب أن يدرك أصحابها بأن مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة من الجغرافيين رهن التكيف السريع مع حاجات المجتمع، بل أكثر من ذلك محاولة استباق الحاجات المنظورة وغير المنظورة وإبداع مجالات جديدة للخدمة ..
لست مع المشككين بمستقبل الجغرافية .. بل من المتفائلين بمستقبل أفضل اعتماداً على ما نبنيه اليوم معتمدين على السلاح الهام الذي يجب أن يتزود به كل جغرافي ويجيد استخدامه .. إنه سلاح التقنيات الجغرافية ومنهجيات العمل بها ( الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية - الجيومعلوماتية ) التي يجب أن تستخدم مع فهم كل تخصص جغرافي من حيث مادته ومنهجية دراسته وطرق الوصول إلى حلول عملية للمسائل المطروحة فيه... والحديث طويل ولا ينتهي بهذه العجالة ولكن قد يكون الموضوع المرفق مفيداً لمن يحب الاطلاع ومعرفة المزيد.





الملفات المرفقة الجغرافية في عصر المعلوماتية 2.doc (115.5 كيلوبايت