مواجهة الجريمة المعلوماتية في التشريع الجزائري
أ.عطاءالله فشار. كلية الحقوق والعلوم السياسية.جامعة الجلفة
مقدمــة
لقد صاحب التطور الذي شهده العالم في الفترة الأخيرة من القرن الماضي في شتى المجالات تطورا هاما وخاصة في مجال الاتصالات فيما يتعلق بالتقنيات المعلوماتية والتي تزايد التعامل بها و ذلك لسرعتها ولما توفره من وقت وجهد .
ولقد كانت المعلومات المتولدة عن التفاعلات البشرية محدودة إلى حد كبير ولم يمثل حجمها أي مشكلة أمام جمعها وتخزينها , ولكن مع تقدم البشرية , تزايد كم المعلومات وأصبحت الطرق التقليدية لجمع المعلومات عاجزة عن تلبية الاحتياجات بكفاءة وفعالية , وأصبح من الضروري وجود وسائل أكثر تطورا لحماية وجمع هذه المعلومات.
فظهر ما يعرف بالآلات الحاسبة في القرن 17 ابتكرها كل من بليز باسكال و ويلهلم ليبينيز , ولم تكن مبرمجة [1] ويعد نول الحياكة الذي ابتكره josephmarie jacquard في نهاية القرن 18 جد الآلات المبرمجة , حيث يمكن بر مجته بفضل بطاقات مثقبة تحدد رسمه النسيج في عام 1860.
وفي الثلاثينات تصور شارل باباج في 1822 [2] ( وهو عالم رياضيات انجليزي ) آلة للقيام بالعمليات الحسابية بصورة آلية , فهذه الآلة دلت على البنية الهندسية للحاسب الحديث , وبعد عقد من الزمن , رسمت عالمة الرياضيات ادالو فلاس طرائق حساب لهذه الآلة , وفي عام 1937 صمم عالم المنطق البريطاني آلان تورينغ آلة غير مادية تتكون من شريط يتحرك عليه قلم يمكنه من كتابة إشارات مختارة أو محوها.
-و أثناء الحرب العالمية 2 ظهرت الآلات الرائدة الحقيقية للحاسبات وكانت الآلات ضخمة ومخصصة لإجراء العمليات الحسابية العسكرية وفي عام 1949 ادخل عالم الرياضيات جون فون فيومان البرامج المسجلة في الاواكر و ليس على بطاقات مثقبة.
وظهر ما يسمى ب "الحاسب الآلي" أو الكمبيوتر وهو جهاز قادر على استيعاب كم هائل من المعلومات ويمكنه استرجاعها بسرعة فائقة ودقة متناهية وتزايد استخدامها و استهلاكها وتطورها وأصبحت مصدر قوة اقتصادية و سياسية لمن يحسن استعمالها ، هذا من جهة .
- من جهة أخرى و منذ حوالي 50 سنة و بعد غزو روسيا للفضاء و بدء السباق نحو التسلح النووي في عهد الحرب الباردة طرح في أمريكا بقوة مشكل كيفية ضمان استمرارية الاتصالات بين السلطات الأمريكية في حال نشوب حرب نووية ووضع القوات الأمريكية على استعداد لأي اعتداء عسكري [3] .
و على هذا كلفت شركة حكومية تدعى RND بدراسة هذه المسالة الإستراتيجية و محاولة
إيجاد حل لها و دارت الدراسة حول وجوب بناء شبكة لا مركزية
" DISTRIBUTED COMMUNICATION NET WORK "
تعتمد مبدأ تحويل الرسائل الالكترونية و تقسيمها إلى وحدات تسمى الحزم PAKETS يمكن للمرسل إرسالها عبر مجموعة من العقد NODES ثم تجمع هذه الحزم لدى المستقبل لتشكل رسالة .
و في عام 1969 نفذت وزارة الدفاع الأمريكية مشروع هذه الشبكة عمليا و أسمتها " اربانت" [4] ARPANET ADVENCED RESEARCH PROJECT AGENCY
إذ ربطت هذه الشبكة مجموعة من الجامعات الأمريكية عبر أربعة عقد مكونة من أجهزة كمبيوتر عملاقة , و تجلت فائدتها في نقل المعلومات بسرعة هائلة بين تلك الأجهزة .
و مع زوال خطر الحرب , بدأت الدعوى للاستعمال السلمي لهذه التقنيات وانقسم المشروع إلى شبكتين إحداهما احتفظت باسمها الرئيسي "اربانت" وكذا بغرضها الذي انشات من اجله , و الثانية سميت "ميلنت" و خصصت للاستخدامات السلمية المدنية .
فأصبحت هذه التقنيات في متناول الجميع خاصة بظهور الشبكة المعلوماتية الدولية على يد
مهندس الاتصالات الانجليزي [5]TIM BERNERRS LEE .
و منذ ذلك الوقت و عدد مستخدمي الانترنت في تزايد مستمر , ولم يقتصر استعمال هذه التقنيات في الأبحاث العسكرية والجامعية بل تعدتها إلى الأعمال التجارية و هذا في أوائل السبعينات عبر ما يسمى ب TELNET .
و في سنة 1972 ظهرت خدمة البريد الالكتروني التي ابتكرتها شركةBBN إذ قدمه احد مبرمجيها "راي توملينسون" أول برنامج للبريد الالكتروني E-MAIL [6] ، الذي أصبح أهم وسائل الاتصالات عبر الانترنت .
و في أواخر السبعينات كان بإمكان الناس حول العالم الدخول عبر الشبكة في نقاشات حول مواضيع متفرقة عبر ما يسمى بالمجموعة الإخبارية " NEWS GROUP"، و مع ظهور شبكات أخرى
تقدم خدمات E-MAIL ونقل الملفات FTP ، إضافة إلى NSF NET [7] .
التي طورتها ، بدأ انتشار استخدام مصطلح الانترنت-في أوائل الثمانينات - على أنه مجموعة من الشبكات المختلفة التي ترتبط فيما بينها بواسطة مجموعة من البروتوكولات التحكم بالإرسال و التي طورتها وزارة الدفاع الأمريكية لإتاحة الاتصالات عبر الشبكات مختلفة الأنواع .
و مع بداية التسعينات ظهرت واجهة تستخدم النصوص و تعتمد القوائم "MENUS " للوصول
إلى المعلومات عبر العالم وتدعى هذه الواجهة" COPHER " و لكن الثورة الحقيقية في عالم الانترنت كانت ظهور شبكة الويب العالمية [8]www وهي خدمة سهلة تعتمد في عرض المعلومات على النصوص و الصور والصوت و الفيديو مما ساعدها على الانتشار ومضاعفة سرعة خطوط الاتصالات و في هذه الفترة ظهرت الشركات الموفرة لخدمة الانترنت عبر شبكة الاتصال الهاتفي و توالى ظهور هذه الشركات منها ما يقدم بحوث و منها ما يقدم لغات لبرمجة و تطوير المواقع , إضافة لظهور التجارة الالكترونية (التعاملات المالية عبر الشبكة) .
- وبالموازاة مع ذلك ، ظهرت تقنيات مستحدثة و متقدمة مثل : CD-DVD إضافة لظهور منافذ استثمارية جديدة تهتم بتصنيع هذه الآلات كما أنتجت علاقات قانونية في مجالات فروع القانون المختلفة خاصة القانون الجنائي .
ورغم ما تقدمه هذه التقنيات من خدمات هامة ومفيدة لأقصى الحدود في جميع القطاعات خاصة ما يتعلق بنقل المعلومات وتنظيم المعاملات بين الأفراد .إلا أنها تعتبر سلاح ذو حدين فهي من جهة تسهل رفع كفاءات وقدرات الإنسان والحفاظ على أمنه وراحته واستقراره ومن جهة أخرى فقد أدت إلى تطوير وتحديث وتسهيل استغلالها لارتكاب جرائم لم يكن يعرفها الإنسان من قبل ,هذا ما جعلها محل اهتمام الباحثين القانونيين والمشرع والقضاة .
فقد استحدثت صور وطرق جديدة ومتطورة من الجرائم الفنية والتي تعتمد على الحاسوب كأداة لارتكابها وهي ما يسمى ب "جرائم الانترنت و الكمبيوتر ".
حيث تظهر أهمية هذا الموضوع من منطلق حداثة استخدام الكمبيوتر وغلوب الصبغة العلمية التي تدخل في مجال رجال القانون .
- فمن الناحية العملية :
فان إساءة استخدام المعلوماتية بارتكاب جرائم عن بعد,تكون محلا لإثارة الإشكال في تكييف الاعتداء إن كان جريمة أم لا.
كما تثير مسالة الاختصاص القضائي والقانون الواجب التطبيق على الجرائم المرتكبة عبرها.
إضافة لمشكلة تحديد الإجراءات الجزائية المتبعة في ملاحقة مرتكبيها وكيفية إثباتها.
- أما من الناحية الاقتصادية :
فان جرائم المعلوماتية تؤدي إلى التأثير سلبا على حجم التجارة الالكترونية ومبادلاتها مما يؤدي لضياع الحقوق وانتهاكها .
- اجتماعيا: يستفيد منها من لهم أموال في القيام بأعمالهم ، والإرهاب في توزيع أفكارهم.
- سياسيا: تستعملها الجماعات الضاغطة من طرف العابثين لنشر أفكارهم التي تتناسب مع مصالحهم .
- نظريا: فهي تدرس مدى كفاية النصوص الجنائية لمنع مثل هذه الجرائم ومدى ردع مرتكبيها, وهل تفي الإجراءات الجنائية في تحقيق غايتها أم يلزمها تعديل؟
إن ظهور المعلوماتية وتطبيقاتها المتعددة أدى إلى بروز مشاكل قانونية جديدة، أي ظهور ما يسمى بأزمة القانون الجنائي في مواجهة واقع المعلوماتية فرض حلها البحث في الأوضاع القانونية القائمة ومدى ملائمتها لمواجهة هذه المشاكل، ولما كان القاضي الجزائي مقيدا عند نظره في الدعوى الجنائية بمبدأ شرعية الجرائم، فانه لن يستطيع أن يجرم أفعالا لم ينص عليها المشرع حتى ولو كانت أفعالا مستهجنة وعلى مستوى عال من الخطورة الإجرامية .
فما مدى إمكانية استعانة القاضي بقانون العقوبات التقليدي لتوفير الحماية لهذه القيمة الاقتصادية الجديدة ألا وهي أموال الإعلام الآلي في ظل النصوص التقليدية ؟ خاصة وان المشرع لم يكن في ذهنه وقت وضع النصوص التقليدية هذا النوع من الاستثمار الجديد، وهنا تكمن خطورة المحاولة لان القانون الجنائي له مبادئه وأصوله وعلى رأسها مبدأ الشرعية والذي يتفرع عنه مبدأي التفسير الضيق وخطر القياس في مجال التجريم .
فالإشكال المطروح: هل يستطيع القاضي الجزائي من خلال النصوص الحالية لجرائم الأموال تحقيق حماية جزائية معلوماتية دون الإطاحة بالمبادئ الراسخة التي يرتكز عليها القانون الجنائي ؟ ولهذا الغرض ارتأينا تركيز دراستنا على نقطتين أساسيتين وهما :
1- مدى اعتبار المعلوماتية موضوع لجرائم الأموال.
مدى خضوع المعلوماتية للنشاط الإجرامي لجرائم الأموال
- أين المشرع الجزائري من كل هذا ؟
أولا: من خلال النصوص التقليدية (الكلاسيكية)
الفرع 01: مواجهة الجريمة المعلوماتية من خلال جرائم الأموال المقررة في قانون العقوبات الجزائري
إن ظهور المعلوماتية وتطبيقاتها المتعددة أدى إلى بروز مشاكل قانونية جديدة، أي ظهور ما يسمى بأزمة القانون الجنائي في مواجهة واقع المعلوماتية فرض حلها البحث في الأوضاع القانونية القائمة ومدى ملائمتها لمواجهة هذه المشاكل، ولما كان القاضي الجزائي مقيدا عند نظره في الدعوى الجنائية بمبدأ شرعية الجرائم، فانه لن يستطيع أن يجرم أفعالا لم ينص عليها المشرع حتى ولو كانت أفعالا مستهجنة وعلى مستوى عال من الخطورة الإجرامية .
فما مدى إمكانية استعانة القاضي بقانون العقوبات التقليدي لتوفير الحماية لهذه القيمة الاقتصادية الجديدة ألا وهي أموال الإعلام الآلي في ظل النصوص التقليدية ؟ خاصة وان المشرع لم يكن في ذهنه وقت وضع النصوص التقليدية هذا النوع من الاستثمار الجديد، وهنا تكمن خطورة المحاولة لان القانون الجنائي له مبادئه وأصوله وعلى رأسها مبدأ الشرعية والذي يتفرع عنه مبدأي التفسير الضيق وخطر القياس في مجال التجريم .
فالإشكال المطروح: هل يستطيع القاضي الجزائي من خلال النصوص الحالية لجرائم الأموال تحقيق حماية جزائية معلوماتية دون الإطاحة بالمبادئ الراسخة التي يرتكز عليها القانون الجنائي ؟ ولهذا الغرض ارتأينا تركيز دراستنا على نقطتين أساسيتين وهما :
1- مدى اعتبار المعلوماتية موضوع لجرائم الأموال.
2- مدى خضوع المعلوماتية للنشاط الإجرامي لجرائم الأموال .
أولا: مدى اعتبار المعلوماتية موضوع لجرائم الأموال :
لتحديد مدى إمكانية إخضاع الاعتداءات الواردة على أموال الإعلام الآلي للنصوص التقليدية لجرائم الأموال وجب :
مدى انطباق وصف المال على المعلوماتية :
يقصد بالمال ألمعلوماتي الحاسوب بكل مكوناته وهو عبارة عن مجموعة من الكيانات التي تسمح بدخول المعلومات ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها عند الطلب وهو يتكون من كيانين :
-كيان مادي
-كيان معنوي
ويضم الكيان المادي الأجهزة المادية المختلفة وهي جهاز الإدخال، جهاز الإخراج ووحدات التشغيل المركزية التي يتم من خلالها معالجة المعلومات وتخزينها و إخراجها. أما الكيان المعنوي فيشمل البرامج المختلفة التي تتحقق من خلالها قيام الحاسب بوظائفها المختلفة بالإضافة إلى المعلومات المطلوب معالجتها بالفعل [9]
فإذا كانت الأجهزة المادية للحاسبات لا تحتاج إلى نصوص خاصة لحمايتها جزائيا إذ تشملها نصوص الجرائم التقليدية ، فالأمر يختلف بصدد الكيان المعنوي لتلك الحاسبات لان جرائم الاعتداء على الأموال يشترط بشأنها عادة أن يكون موضوعها شيئا ماديا ، وطبيعة الكيان المعنوي ليس كذلك وعليه فالسؤال يطرح حول مدى اعتبار الكيان المعنوي للحاسوب مالا. [10]
المال هو كل ما يصلح أن يكون محلا للحق ذو القيمة المالية والشيء هو محل الحق ،وتقسم الأشياء، إلى أشياء مادية وأشياء غير مادية أو معنوية، علما بان الأموال من وجهة النظر التقليدية لا ترد على أشياء مادية ولهذا كان تعريف المال بصدد جرائم الأموال بأنه " كل شيء مادي يصلح لان يكون محلا حق من الحقوق المالية" [11]
ولكن مع التطور ازدادت الأشياء المعنوية عددا وتفوق بعضها من حيث قيمتها على الأشياء المادية مما استدعى البحث عن معيار أخر غير طبيعة الشيء الذي يرد عليه الحق المالي حتى يمكن إسباغ صفة المال على الشيء المعنوي.
ومن هذه الأشياء المعنوية ذات القيمة الاقتصادية العالية برامج الحاسب الآلي -هذه البرامج تكون عادة مثبتة على دعامة أو حامل SUPPORT -مثل الأقراص أو الشرائط الممغنطة من البلاستيك أو الورق المقوى أو أي مادة أخرى .
والبرنامج المستقل عن دعامته لا جدال في انه شيء معنوي وبالتالي لا يصدق عليه وصف المال طبقا للتحديد التقليدي للاموا ل الذي يشترط أن يكون محله شيئا ماديا، أما إذا سجل البرنامج أو نقش على دعامته فان تلك الدعامة بما عليها من برامج تصلح لان تكون محلا لجرائم الأموال على الرغم من أن الدعامة منفصلة عن البرنامج تعتبر ضئيلة القيمة إذا ما قيست بقيمة البرنامج وعلى الرغم أيضا من أن الاعتداء عليها ليس في غاية في ذاته، وإنما الباعث على ذلك هو البرنامج نفسه لا دعامته ومع ذلك لا تأثير لهذه البواعث في القانون الجنائي [12]
ويعتبر الاعتداء على الدعامة في هذه الحالة قد وقع على شيء مادي مما يصلح تكييفه حسب النشاط الإجرامي بإحدى جرائم الأموال التي يتطابق نموذجها مع هذا النشاط ، أما إذا وقع الاعتداء على البرنامج مستقلا عن دعامته ،فان الأمر يختلف حيث يكون قد وقع على شيء معنوي ،هذا الشيء المعنوي لابد وان تثبت له صفة المال أولا حتى يمكن البحث بعد ذلك في مدى إمكانية وقوع جرائم الأموال عليه .
وقد انقسم الفقه في هذا الصدد إلى اتجاهين:
- الاتجاه الأول: الفقه المؤيد لإضفاء وصف المال على البرنامج
يرى جانب من الفقه أن المعلومات صالحة لان تكون محلا للاعتداء عليها طالما كانت هذه المعلومات تعكس الرأي الشخصي لصاحبها ولا تتوقف عند نطاق المعلومات العامة ، وذلك على أساس أن هذه المعلومات صادرة عن صاحبها أي أنها ترتبط بشخصيته وهو الذي فكر فيه ،أو هذا يعني أنها من الحقوق اللصيقة بشخصية صاحبها ،وهذه المعلومات ذاتها هي موضوع هذا الحق ومن خصائصها القابلية للانتقال وهذا يعني أن هناك طرفا أخر يستقبل هذه المعلومات ،ومن هنا تنشا علاقات إما بينها وبين صاحبها وأما بين صاحبها والغير، فالمعلومات باعتبارها نتاجا ذهنيا لمن يعطيها شكل المعلومة فهي تعد محور العلاقات مثل تلك التي تنشا بين المالك وبين ما يملك فيكون له نقلها وإيداعها وحفظها وتأجيرها وبيعها. ومن أمثلة هذه المعلومات برامج الحاسب الآلي ،إذ أن هذه البرامج ترتب حقوقا لصاحبها وتخول له إبرام عقود متعلقة بها مثل الإيجار والبيع والحفظ وأي صورة أخرى من صور الاستغلال، لان من خصائصها القابلية للانتقال .
كل هذه التصرفات والحقوق هي التي دفعت جانبا من الفقه إلى القول بان المعلومات مال ليس فقط لوجود علاقة حق استئثار خاص عليها، وإنما أيضا لأنها تعتبر قيمة اقتصادية، فهي تطرح في السوق للتداول مثلها في ذلك مثل أي سلعة ولها سوق تجاري يخضع لقوانين السوق الاقتصادية .
وإذا كان الفقه التقليدي قد استبعد المعلومات من طائفة الأموال على أساس أنها غير مادية أي أن عدم مادية المعلومات هو الذي أدى إلى عدم الاعتراف لها بصفة المال فان الفقه الحديث يرى على العكس أن المعيار في اعتبار الشيء مالا ،ليس على أساس ماله من كيان مادي وإنما على أساس قيمته الاقتصادية، وان القانون الذي يرفض إصباغ صفة المال على شيء له قيمة اقتصادية هو بلا جدال قانون ينفصل تماما عن الواقع [13]
ومادامت البرامج في جوهرها معلومات معالجة بطريقة ما ولها قيمة اقتصادية فانه يجب معاملتها على أنها مال [14].ما يؤكد هذا المعنى أن المشرع الحديث يعترف لصاحب هذه المعلومات بما يطلق عليه الحق في الملكية الفكرية ،ولولا أن المعلومات مالا ما كان المشرع ليستطيع التسليم لها بهذا الحق، وان كانت طبيعة هذه الملكية محل جدل فقهي [15] .فإنها على كل حال نوع من الملكية أو الحق الذي لصاحبه في القليل الحق في احتكار استغلال هذا المال غير المادي أي المعلومات والتي منها برامج الحاسب الآلي .
- الاتجاه الثاني: الفقه المعارض لإضفاء وصف المال على البرنامج
الجانب الأخر من الفقه يرى عدم صلاحية المعلومات لان تكون محلا للاعتداء عليها ، حيث ذهب جانب من الفقه في فرنسا إلى أن المعلومة في حالتها المجردة والفكرة في حد ذاتها لا تقبل التملك والاستئثار ،وان تداولها والانتفاع بها من حق الكافة دون تمييز ومن ثم لا يمكن أن تكون محلا للملكية الفكرية [16].
ويفرق البعض الأخر بين المعلومات والبيانات التي تمت معالجتها الكترونيا فيرون أن الأولى باعتبار أن عنصرها الأساسي هو الدلالة لا الدعامة التي تجسدها ، لها طبيعة غير مادية ولا سبيل من ثم إلى اختلاسها أما البيانات التي تمت معالجتها الكترونيا، فتتحدد في كيان مادي يتمثل في نبضات أو إشارات ممغنطة يمكن تخزينها على وسائط معينة ونقلها واستغلالها وإعادة إنتاجها فضلا عن إمكانية تقديرها كميا وقياسها فهي إذن ليست شيئا معنويا كالحقوق والآراء والأفكار بل شيئا له في العالم الخارجي المحسوس وجود مادي وفقا لهذا الرأي فان المعلومات إذا لم تعالج أليا عن طريق الحاسب لا تعتبر من قبيل الأموال الخاضعة للحماية الجنائية باعتبار أن هذه المعالجة تتم في صورة نبضات الكترونية ،مما يمكن القول معه بأنه لعملية المعالجة تلك تتحول من أموال معنوية إلى أموال مادية، الأمر الذي يخضعها للنصوص التقليدية لجرائم الأموال ،ويأخذ نفس حكمها البيانات المخزنة سواء في برامج الحاسب أو في ذاكرته وبالتالي تأخذ برامج وبيانات الحاسب وحكم الأموال عليه وبالتالي تتمتع بالحماية الجنائية المقررة لها .
إن اعتبار المعلومات مالا قابلا للتملك أو الاستغلال كما سبق أن وضحنا يزيل أمامنا عقبة كبيرة تسمالتملك. هذا النوع من الأموال إلى مجموعة الأموال التي يحميها القانون الجنائي والتي تتمثل في ضرورة أن يكون المال موضوع جرائم الاعتداء على الأموال شيئا منقولا مملوكا للغير، فانه يمكن إسباغ حماية النصوص التقليدية عليه وذلك على أساس أن هذه النصوص جاءت عامة ولم يشترط أن تقع جرائم الأموال على منقول مادي .وعليه يكون من المتصور أن تقع هذه الجرائم على مجال غير مادي طالما اعترف لها بصفة المال وقابلية التملك .وقد سايرت هذا الاتجاه محكمة النقض الفرنسية في العديد من أحكامها [17].1-2 مدى برامج الحاسب استنادا إلى هذه الصفة تحت مفهوم الشيء الذي يصلح محلا لجرائم الأموال ؟
مدى اعتبار المعلوماتية مالا بصدد جرائم الأموال :
ذكرنا في الفرع السابق أن برامج الحاسب وفقا للفقه الراجح ينطبق عليها وصف المال فإذا كانت المعلومات شيئا منقولا لا مملوكا للغير إلا أنها شيء غير مادي فهل تدخل البرامج استنادا إلى هذه الصفة تحت مفهوم الشيء الذي يصلح محلا لجرائم الأموال ؟
أ / مدى اعتبار البرنامج مالا بصدد جريمة السرقة :
طبقا للمادة 350 من قانون العقوبات الجزائري فان "كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا " نص المادة 350 لم يشترط صراحة ضرورة أن يكون المال موضوع الجريمة ماديا مما يجعل وقوع جريمة السرقة على مال معنوي أمرا لا يصطدم بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات .
يجد هذا الرأي تسويغه في أن الشيء وهو محل السرقة حسبما يصفه نموذجها في التشريع الجزائري لا يقتصر لورود لفظه بغير نعت أو تخصيص على الأشياء المادية المجسمة فحسب بل يشمل الأشياء غير المادية كذلك، وهذا التفسير الراجح فقها ، ولكن يبقى اعتبار البرنامج كمحل للسرقة غير قطعي ومن باب الإمكان لا غير .
ب/ مدى اعتبار البرنامج كمحل لجريمة النصب :
طبقا للمادة 372 من قانون العقوبات الجزائري فان "كل من توصل إلى استلام أو تلقي أموال أو منقولات أو سندات أو تصرفات أو أوراق مالية وعود أو مخالصات أو إبراء من التزامات أو إلى الحصول على أي منها أو شرع في ذلك وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع فيه إما باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي أو بإحداث الأمل بالفوز بأي شيء أو في وقوع حاد أو أية واقعة أخرى وهمية أو الخشية من وقوع شيء منها يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر وبغرامة من 500 إلى 20000 دج ".
نستنتج من نص المادة 372 بأنه ليس كل شيء مادي ومنقول يصلح أن يكون محلا لجريمة النصب بل يجب أن يكون ضمن الأشياء التي عددتها المادة 372 على سبيل الحصر.
تجدر الإشارة إلى أن النص على المنقول ورد دون تحديد لطبيعته ودون أن يقيده المشرع بان يكون ماديا مما يسمح بتفسير هذا النص على نحو يسمح بدخول برامج الحاسب ضمن الأشياء التي تقع عليها جريمة النصب إلا انه حتى وان أخذنا بهذا التفسير، نصطدم بعدم وجود نشاط مادي ملموس يحصل به التسليم والاستلام ،وحتى على فرض أن التسليم قد تم ،فان المجني عليه لا يحرم من حيازة البرنامج والبيانات التي تبقى تحت سيطرته التامة .
ج/ مدى اعتبار البرنامج كمحل لجريمة خيانة الأمانة :
طبقا للمادة 376 من قانون العقوبات الجزائري " كل من اختلس أو بدد بسوء نية أوراقا تجارية أو نقودا أو بضائع أو أوراقا مالية أو مخالصات أو أية محررات أخرى تتضمن أو تثبت التزاما أو ابراءا لم تكن قد سلمت إليه إلا على سبيل الإجازة أو الوديعة أو الوكالة أو الرهن أو عارية الاستعمال أو لأداء عمل بأجر أو بغير اجر بشرط ردها أو تقديمها أو لاستعمالها أو لاستخدامها في عمل معين وذلك إضرارا بمالكيها أو واضعي اليد عليها أو حائزيها يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة ...."
يستنتج من نص المادة 376 إن الاختلاس يقع على مال منقول سلم إلى الجاني بمقتضى عقد من عقود الأمانة، وعليه لا تقع جريمة خيانة الأمانة على غير المنقولات المادية.
وقد حددت المادة 376 الأشياء التي تصلح محلا لهذه الجريمة وهي على سبيل الحصر أوراق تجارية ، نقود بضائع ،أوراق مالية ، مخالصات ،محررات تتضمن أو تثبت التزاما أو ابراءا وعليه فان إخضاع الاعتداءات الواردة على المال ألمعلوماتي إلى نصوص خيانة الأمانة يثير بعض المشاكل القانونية نظرا للطبيعة غير المادية للقيم في حقل الجريمة المعلوماتية .
الحل الوحيد هو الاقتداء بما اخذ به القضاء الفرنسي باعتباره بعض القيم في المجال ألمعلوماتي من قبيل( البضائع) أي التوسع في مفهوم البضاعة، وعليه فان تطبيق نصوص خيانة الأمانة في مجال المعلوماتية يكون في نطاق محدود ومن باب الإمكان لا غير .
د/ مدى اعتبار البرنامج كمحل لجريمة الإتلاف :
طبقا للمادة 407 من قانون العقوبات الجزائري "كل من خرب أو اتلف عمدا أموال الغير المنصوص عليها في المادة 396 بأية وسيلة أخرى كليا أو جزئيا بعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 5000 دج".
كما تنص المادة 412 من قانون العقوبات الجزائري "كل من اتلف عمدا بضائع أو مواد أو محركات أو أجهزة أيا كانت مستعملة في الصناعة وذلك بواسطة مواد من شانها الإتلاف أو بأية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات وبغرامة من500 دج إلى 5000 دج"
بالرجوع إلى نص المادة 412 نجدها قد حددت الأشياء الخاضعة للإتلاف وبالتالي فإنها تشمل المكونات المادية للحاسوب سواء بوصفها أجهزة أو بضائع .كما أن الكيان المنطقي يمكن أن يخضع لهذا النص ألتجريمي باعتباره مالا بالنظر لما له من قيمة اقتصادية .
ثانيا : مدى خضوع المعلوماتية للنشاط الإجرامي لجرائم الأموال :
المطروح للبحث هو مدى خضوع برامج الحاسب الآلي أو المعلومات بصفة عامة للسلوك الإجرامي الذي يتحقق به الركن المادي في جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة والإتلاف.
مدى خضوع المعلوماتية للنشاط الإجرامي في جريمة السرقة :
بالنسبة للنشاط الإجرامي المكون لجريمة السرقة وهو الاختلاس وبتطبيقه على برامج الحاسب الآلي أو المعلومات المعالجة بصفة عامة ، نلاحظ أن الجاني وان كان يدخل في ذمته ما استولى عليه من برامج إلا انه في نفس الوقت لم يخرج هذه البرامج من ذمة صاحبها الشرعي إذ تظل رغم مباشرة أفعال الاختلاس عليها تحت سيطرة هذا الأخير دون انتقاص من محتواها ، كما يلاحظ إن الاستيلاء على البرامج باعتبارها معلومات لا يتصور من الوهلة الأولى إلا على انه انتقال لهذه المعلومات من ذهن إلى ذهن أو من ذاكرة إلى ذاكرة [18] وهذه عقبة ثانية ويلاحظ ثالثا أن المعلومات التي تحويها البرامج من طبيعة غير المادية أي أنها شيء معنوي فكيف يتصور أن يرد فعل الاختلاس الذي هو من طبيعة مادية على شيء معنوي وهذه عقبة ثالثة. نتيجة لهذه العقبات فليس من السهل بسط أحكام السرقة على برامج الحاسب الآلي وخاصة في الحالات التالية :
أ/ سرقة المعلومات عن طريق النسخ غير المشروع للبيانات المخزنة الكترونيا:
أي عن طريق إعادة إنتاج الوثيقة أو الدعامة التي تحتويها، لمحاولة بسط أحكام السرقة على حالات النسخ غير المشروع يمكننا اعتماد ما توصل إليه الاجتهاد القضائي الفرنسي في هذا الصدد بإعلانه صراحة أن المعلومات التي نسخت أو أعيد إنتاجها هي التي سرقت كما انه لم يخرج عن مبدأ الشرعية الجنائية وحافظ على مبدأ مادية الاختلاس وعلاوة على ذلك فان إقرار الحكم باختلاسه المعلومات عن طريق إعادة إنتاج المستند الذي يحويها يحمل في طياته ثروة مستترة ولكنها عميقة لأنها تسمح بالعقاب على إعادة الإنتاج الذي لا يمكن أن يقع تحت طائلة جريمة التقليد .
وتجدر الإشارة إلا انه لا يجب الخلط بين جريمة سرقة المعلومات عن طريق النسخ غير المشروع وبين جريمة التقليد لان السرقة تحوي البيانات في ذاتها، بينما تنصب الحماية التي يكفلها المشرع للمصنفات بتجريم تقليدها على طريقة التعبير عن أفكار المؤلف [19] .
ب/ سرقة وقت الآلة :
يكيفها فقهاء القانون الجنائي على أنها سرقة استعمال ، وفي هذه الحالة ليس من السهل بسط أحكام جريمة السرقة على وقت الآلة لان المشرع الجزائري لا يأخذ بما يسمى سرقة الخدمة وعليه تتطلب تدخلا تشريعيا على غرار ما فعل المشرع الفرنسي بتجريمه البقاء غير المشروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات ، فإذا كانت هذه الجريمة تهدف أساسا إلى حماية نظام المعالجة الآلية للمعطيات بصورة مباشرة إلا أنها تحقق أيضا وبصورة غير مباشرة حماية للمعلومات ذاتها .
ج/ الالتقاط الذهني للبيانات :
كأن يقوم شخص بالتقاط معلومات ظهرت على شاشة الحاسب وقام بحفظها و اختزانها في ذاكرته ، هذا المسلك يمكن أن يكون اختلاسا رغم انه لم يرد على ذات مادة المستند وإنما اقتصر الشيء المختلس على مضمون المستند مع بقائه في حيازة صاحبه لان هذا المضمون شيء منقول مملوك للغير منحصر في منفعة المستند كجزء من حق صاحبه في ملكيته ، إلا إن المشرع الجزائري لا يأخذ بسرقة الاستعمال وعليه ضرورة تدخل تشريعي يشمل حالتي الالتقاط الذهني للبيانات وحالة سرقة المعطيات دون استنساخها ودون المساس بسلامتها أو أصالتها [20]
د/ تكييف الالتقاط الهوائي للبيانات المعالجة أو المنقولة الكترونيا :
من المعلوم أن الطاقة والقوى الطبيعية أو الصناعية تعد من الأموال المنقولة وتصلح لان تكون محلا للسرقة إلا انه لا يمكننا أن نطبق أحكام سرقة الطاقة على الإشعاعات والموجات والنبضات المنبعثة من الحاسب الآلي أثناء تشغيله رغم أنها كهربائيا قابلة للقياس والتقدير الكمي وذات قيمة [21]
ولهذا نخلص لعدم وقوع السرقة في الحالات السابقة لان طبيعة البرامج والمعلومات تأبى تحقيق الأخذ أو الاختلاس بمعناه الدقيق المسلم به في جريمة السرقة والذي يعني الاستيلاء على الحيازة الكاملة للشيء بدون رضا مالكه أو حائزه السابق لأنه إذا تصورنا وقوع الاختلاس من خلال النسخ أو التصوير على المعلومات فان هذه المعلومات الأصلية ذاتها تظل في نفس الوقت كما كانت من قبل تحت سيطرة صاحبها الأصلي ولا تخرج من حيازته ، ولما كان قانون العقوبات الجزائري لا يجرم سرقة الاستعمال بصفة عامة ، فان المخرج الوحيد لا يكون إلا بتدخل صريح من المشرع، لتفادي الجدل حول سرقة المعلومات وسرقة وقت الآلة أو سرقة استعمال الأصل وتحقق حماية مباشرة للبرامج والمعلومات .
مدى خضوع برامج الحاسب الآلي للنشاط الإجرامي في جرائم النصب وخيانة الأمانة والإتلاف :
أ / بتطبيق النشاط الإجرامي لجريمة النصب في المجال ألمعلوماتي :
نجد أن لجوء الجاني إلى إحدى الطرق الاحتيالية وحمل المجني عليه على تسليمه دعامة مادية مثبتا عليها احد البرامج ثم استيلاء الجاني عليها فان النشاط الإجرامي في جريمة النصب يتحقق .لكن هل من المتصور أن يتحقق النشاط الإجرامي لجريمة النصب من خلال الطرق الاحتيالية التي يلجا إليها الجاني والتي يترتب عليها وقوع المجني عليه في غلط يدفعه إلى أن ينقل إليه شفويا أي عن طريق القول محتويات برنامجه الذي يلتقطه الجاني ويحفظه في ذاكرته ؟
هل النقل من خلال القول يعادل التسليم بناء على غلط منصوص عليه في م 376 من قانون العقوبات؟ وهل التقاط أو سماع الجاني للمعلومات يعادل الاستيلاء ؟
لايوجد نشاط مادي يتحقق به التسليم والاستلام في جريمة النصب ، وحتى لو فرضنا جدلا إمكانية وقوع التسليم والاستلام، فانه لن ينتج عن ذلك حرمان المجني عليه من المعلومات التي نقلها بالقول بل تظل تحت سيطرة من نقلها وفي حوزته وهو أمر وان كان يتفق وطبيعة البرامج والمعلومات إلا انه لا يتفق و طبيعة النشاط الإجرامي في جريمة النصب وهذا يعني عدم صلاحية البرامج للخضوع للنشاط الإجرامي في جريمة النصب .
ب / بتطبيق النشاط الإجرامي لجريمة خيانة الأمانة في المجال ألمعلوماتي :
نجد انه تطبيق نسبي فلا جدال في وقوع جريمة خيانة الأمانة بالنسبة للدعامات المثبتة عليها البرامج والمعلومات وذلك في الحالة التي يقوم فيها الأمين بنسخ البرنامج لحسابه الخاص متجاوزا الاتفاق الذي يربطه بصاحب البرنامج إذ يتحقق بهذا النسخ فعل الاستعمال والذي يقصد به استخدام الأمين للمال استخداما يستنزف قيمته كلها أو بعضها مع بقاء مادته على حالها إلا انه من الصعب القول بقيام جريمة خيانة الأمانة في حالة البرامج والمعلومات المستقلة عن الدعامة وذلك لعدم إمكانية قيام النشاط الإجرامي للجريمة ألا وهو التسليم بناء على عقد من عقود الأمانة لعدم وجود نشاط مادي مجسم يتحقق به فعل الاستلام، مما يحول دون صلاحية البرامج والمعلومات للخضوع للنشاط الإجرامي في جريمة خيانة الأمانة [22].
ج/ بتطبيق النشاط الإجرامي لجريمة الإتلاف في المجال ألمعلوماتي :
نجد أن المشرع الجزائري لم يقيد النشاط الإجرامي في جريمة الإتلاف بوسيلة معينة إذ هي من الجرائم ذات القالب الحر ولهذا لا يوجد ما يحول دون وقوع جريمة الإتلاف على برامج الحاسب الآلي خاصة وان المشرع الجزائري لم يحدد طريقة بعينها لوقوع الجريمة ولم يحدد نتيجة وحيدة محددة لقيامها، فانه من المتصور أن يتجه الجاني بنشاطه الإجرامي إلى البرنامج والدعامة المسجل عليهما معا ،أو إلى البرنامج فقط دون الدعامة، وقد تقع الجريمة عن طريق الاتصال المباشر بالجهاز كما قد تقع من خلال الاتصال عن بعد .
وعليه فان جريمة الإتلاف المنصوص عليها في قانون العقوبات تحقق حماية جنائية كاملة لبرامج الحاسب على خلاف باقي جرائم الأموال التي توفر حماية نسبية فقط.
الفرع 02: مواجهة الجريمة المعلوماتية من خلال قانون الملكية الفكرية الجزائري
نظرا لنسبية الحماية المقررة من خلال النصوص التقليدية في قانون العقوبات الجزائري ارتأينا البحث في مدى إمكانية الحماية من خلال نصوص قانون الملكية الفكرية ،وسنفصل في ذلك من خلال نقطتين أساسيتين :
1- الحماية في إطار قانون الملكية الصناعية
2- الحماية في إطار قانون الملكية الأدبية والفنية

أولا : مواجهة الجريمة المعلوماتية من خلال قانون الملكية الصناعية
من خلال أحكام العلامات التجارية :
ينظمها الأمر 03/06 المؤرخ في : 19/07/2003 المتعلق بالعلامات المعدل والمتمم للأمر 66/57 المؤرخ في 19/03/1966 المتعلق بعلامات المصنع والعلامات التجارية والمعدل للأمر رقم 67/223 المؤرخ في 19/10/1967 المتضمن أحكام العلامات التجارية و العلامات التجارية هي كل ما يتخذ من تسميات أو رموز أو أشكال توضع على البضائع التي يبيعها التاجر أو يصنعها المنتج أو يقوم بإصلاحها أو تجهيزها أو ختمها لتمييزها عن بقية المبيعات أو المصنوعات أو الخدمات ،ويشترط في العلامة أن تكون مميزة وجديدة وغير مخالفة للنظام والآداب
السؤال المطروح: هل تستفيد برامج الحاسب الآلي من الحماية الجنائية للعلامات التجارية ؟
نعلم أن كل برنامج يحمل اسما خاصا به، لذلك فقد عمد أصحاب البرامج إلى تسجيل هذا الاسم كعلامة تجارية للبرنامج، ولما كانت هذه الحماية قاصرة على الاسم دون المحتوى فقد لجا أصحاب البرامج إلى وضع الاسم مقترنا به.
الحماية بإحكام العلامات التجارية قد تكون فعالة بالنسبة للنسخ البسيط، لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للنسخ المعقد.
من خلال أحكام براءة الاختراع :
عرفت المادة 02 من الأمر 03/07 الاختراع بأنه فكرة لمخترع تسمح عمليا بإيجاد حل لمشكل محدد في مجال التقنية. وبشان الشروط التي يجب توافرها في الاختراع فتتمثل فيما يلي:
شرط الابتكار
شرط الجدة
القابلية للتطبيق الصناعي
المشروعية
في حال توافر هذه الشروط يتحصل المخترع على براءة الاختراع وهي الوثيقة التي تمنحها الدولة للمخترع فتخول له حق استغلال اختراعه والتمتع بالحماية القانونية المقررة لهذا الغرض وذلك لمدة محدودة وبشروط معينة والجهاز المانح لهذه الشهادة هو المعهد الجزائري لحماية الملكية الصناعية .
السؤال المطروح هل تستفيد برامج الحاسب من الحماية بواسطة براءات الاختراع ؟
التشريعات المعاصرة بصفة عامة تستبعد البرامج المعلوماتية من مجال الحماية بواسطة براءات الاختراع لأحد سببين أساسين هما:
- إما تجرد البرامج من أي طابع صناعي
- إما صعوبة البحث في مدى جدة البرنامج لتقدير مدى استحقاق البرنامج للبراءة فليس من الهين توافر شرط الجدة في البرمجيات وليس من الهين إثبات توافر هذا الشرط، إذ يجب أن يكون لدى الجهة التي تقوم بفحص طلبات البراءة قدرا معقولا من الدراية لتقرر ما إذا كان قد سبق تقديم اختراعات مشابهة للاختراع المقدم الطلب بشأنه أم لا ، الأمر يتطلب أن تكون هذه الجهة على درجة عالية من الكفاءة والتمييز في المجال الذي تتولى بحثه.
و الجهة المكلفة بتقرير توافر شرط الجدة في الجزائر هي المعهد الجزائري لحماية الملكية الصناعية إذ يأخذ المشرع الجزائري بمبدأ الجدة المطلقة [23] الذي يتنافى مع وجود أية سابقة دون تحديد زماني أو مكاني، إنما يشرط أن تتوافر علانية هذه السابقة .
إضافة إلى التحفظ العملي لمنتجي برامج الحاسب على استعمال قوانين براءة الاختراع ، ويتمثل هذا التحفظ في الإجراءات المعقدة للحصول على البراءة والتكلفة العالية والمدد الطويلة التي يستغرقها هذا التسجيل ، فعمر البرنامج قصير نسبيا لا يتعدى ثلاثة سنوات بينما قد تمتد إجراءات تسجيل البراءة مثل ذلك أو أكثر وعليه بمكن للغير الوصول إلى سر البرنامج واستغلاله قبل صدور البراءة .
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد استبعد البرامج المعلوماتية صراحة من مجال الحماية بواسطة براءات الاختراع وذلك طبقا للمادة 07 من الأمر 03/07 المتضمن براءة الاختراع " لا تعد من قبيل الاختراعات في مفهوم هذا الأمر برامج الحاسوب ".
ثانيا: مواجهة الجريمة المعلوماتية من خلال قانون الملكية الأدبية والفنية الجزائري
نظم المشرع الجزائري قانون الملكية الأدبية والفنية بمقتضى الأمر 73/14 المؤرخ في 03/04/1973 المعدل والمتمم بمقتضى الأمر 97/10 المؤرخ في 06/03/1997 المعدل والمتمم بموجب الأمر 03/05 المؤرخ في 19/07/2003 المتعلق بحق المؤلف والحقوق المجاورة.
لتحديد مدى خضوع برامج الحاسب الآلي للحماية المقررة بمقتضى قانون حق المؤلف الجزائري
وجب مناقشة نقطتين أساسيتين :
مدى اعتبار البرنامج كموضوع من موضوعات حق المؤلف الجزائري :
موضوع حق المؤلف هو" المصنف الأدبي والفني" وقد عرف المشرع الجزائري المصنف في المادة الأولى من الأمر 73/14 كما نصت المادة 2 من الأمر 73/14 على أن المصنفات التي تشملها حماية حق المؤلف هي كالتالي:
- الكتب والمنشورات وغيرها من المؤلفات الأدبية والعلمية والفنية
- المحاضرات والخطب والمواعظ والمؤلفات الأخرى المماثلة
- مؤلفات الدراسة والدراسات الموسيقية
- مؤلفات الألحان الإيقاعية والمسرحيات الإيمائية المعبر عنها كتابة أو بطريقة أخرى
- أعمال التصوير والرسم والهندسة والنحت والنقش والطباعة الحجرية
- مؤلفات الفنون التطبيقية
- الصور والخرائط الجغرافية والتصميمات والرسوم والأعمال التشكيلية الخاصة بالجغرافيا والهندسة المعمارية أو العلوم
- المؤلفات الفلكلورية وبصفة عامة المؤلفات التي هي جزء من التراث الثقافي التقليدي الجزائري .
إذن فالمشرع الجزائري لم ينص صراحة من خلال الأمر 73/14 على حماية البرامج المعلوماتية في إطار حق المؤلف، لكن رغم عدم التنصيص فان بعض المختصين يرون إمكانية الحماية واردة بدليل الصياغة المرنة عند ذكر المصنفات المشمولة بالحماية.
أي يمكن إسباغ الحماية على برامج الحاسوب كمصنفات فكرية ضمن عمومية نص المادة 2 الواردة في شان المصنفات التقليدية المحمية .
فنص المادة 2 وان كان لم يذكر صراحة برامج الحاسوب ضمن المصنفات المحمية لحماية حق المؤلف إلا أن صياغتها قد جاءت في صورة عامة ، هذا التعداد ورد على سبيل المثال لا الحصر .
ومنعا لأي لبس ،كان من الأفضل النص على البرامج صراحة ضمن قائمة المصنفات المحمية، وهذا مافعله المشرع الجزائري في تعديل قانون حق المؤلف بمقتضى الأمرين 97/10 – 03/05 حيث ادمج برامج الإعلام الآلي ضمن المصنفات الأصلية [24].
من استقراء الأمرين 97/10-03/05 المعدل والمتمم للأمر 73/14 نستخلص مايلي :
- مجموعة المصنفات والأساليب والقواعد، كما يمكن أن يشمل الوثائق المتعلقة بسير ومعالجة المعطيات [25]
- إن مدة الحماية تحدد من 25 سنة إلى 50 سنة بعد وفاة المبدع تماشيا مع اتفاقية "بارن" التي حددت كمدة للحماية 50 سنة .
- تشديد العقوبات الناجمة عن المساس بحقوق المؤلفين لاسيما مؤلفي المصنفات المعلوماتية (المادة 151 الأمر 97/10) إذ كان في السابق التعدي على الملكية الفكرية يخضع للمواد 390/394 من قانون العقوبات لكنها أخرجت بموجب الأمر 97/10 من مظلة قانون العقوبات وأصبح لها تجريم خاص إذ أن قانون العقوبات كان يقرر بموجب المادة 390 الغرامة كعقوبة للاعتداء على حق المؤلف بينما الأمر 97/10 يقرر عقوبتي الحبس والغرامة .
تجدر الإشارة إلى أن هذه المستجدات التي اعتمدها المشرع الجزائري من خلال الأمرين 97/10 – 03/05 تعود لأسباب أهمها الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة هو المصادقة على اتفاقية بارن وهو مافعلته الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي 97/341 .
إضافة إلى تبني أحكام اتفاق جوانب الملكية الفكرية المتعلق بالتجارة وذلك نظرا لانعكاسات حقوق المؤلف على المستوى الاقتصادي ولضمان حماية المؤلفات الأجنبية في الخارج وقد ورد في نص المادة 8 من الاتفاق أن على الدول الأعضاء عند تعديل أو تبني قوانين اتخاذ التدابير المناسبة بشرط أن تكون متوافقة مع الاتفاق لتفادي الاستعمال المتعسف لحقوق الملكية الفكرية من طرف حائزي الحقوق واللجوء إلى تصرفات تمس بالتجارة أو تضر بعقود نقل التكنولوجيا .
ومن أهم ما ورد في اتفاق جوانب الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة [26] هو ما ورد في نص المادة 10 أن برامج الإعلام الآلي سواء كانت في صورة برنامج مصدر أو الصورة المنقوشة فهي محمية على أساس أنها مصنفات أدبية ،كما أن الاتفاقية حول الإجرام ألمعلوماتي نصت على تجريم الاعتداءات على حق المؤلف والحقوق المجاورة تطبيقا لأحكام اتفاق جوانب الملكية إذا ارتكبت هذه الاعتداءات عن طريق نظام معلوماتي في نطاق تجاري.
مدى خضوع برامج الحاسب الآلي للنشاط الإجرامي لجرائم التقليد في التشريع الجزائري :
قانون حق المؤلف يوفر الحماية الجزائية لمصنفات الإعلام الآلي بعد إدماجها صراحة ضمن المصنفات المحمية. في السابق كانت أفعال التعدي على حقوق الملكية الأدبية والفنية معاقب عليها في قانون العقوبات المواد( 390 إلى 394) غير أن هذه المواد ألغيت بمقتضى المادة 165 من الأمر 97/10.
الملاحظ أن الاعتداءات على حقوق المؤلف أخرجت بموجب الأمر 97/10 من تحت مظلة قانون العقوبات، حيث كان منصوصا عليها في القسم التاسع المعنون بجنح التعدي على الملكية الأدبية والفنية من الفصل الثالث الخاص بالجنايات والجنح ضد الأموال. لكن حاليا أخرجت من نطاق قانون العقوبات وأصبح لها تجريم خاص في إطار قانون حق المؤلف .
وتجدر الإشارة إلى الأمر 97/10 فقد شدد في العقوبات المقررة للاعتداءات على حقوق المؤلف مقارنة بالعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات (المادة 75 الأمر 73/14) تحيل إلى المادة 390 من قانون العقوبات تقرر الغرامة كعقوبة للاعتداء على حق المؤلف بينما الأمر 97/10 يقرر عقوبتي الحبس والغرامة .
1) جرائم التقليد وبرامج الحاسب الآلي في التشريع الجزائري :
مادام المشرع الجزائري قد ادمج برامج الحاسب الآلي ضمن قائمة المصنفات المحمية عن طريق القانون المتعلق بحق المؤلف ، فان أي اعتداء على الحق المالي أو الأدبي لمؤلف البرنامج يشكل فعلا من أفعال التقليد ، وقد نص المشرع الجزائري في الأمر 97/10 على جريمة التقليد والجرائم المشابهة لها .
تنص المادة 149 من الأمر 97/10 (المادة 151 الأمر 03/05) عن وجود جنحة التقليد في الحالات التالية:
الكشف غير المشروع عن مصنف أدبي أو فني
المساس بسلامة مصنف أدبي أو فني
استنساخ مصنف أدبي أو فني بأي أسلوب من الأساليب في شكل نسخ مقلدة أو مزورة
استيراد نسخ مقلدة أو تصديرها
بيع نسخ مزورة من مصنف أدبي أو فني
تأجير مصنف أدبي أو فني مقلد أو عرضه للتداول
نستنتج من هنا ستة جرائم تعتبر من جنح التقليد ويمكن تصنيفها إلى ثلاث [27]:
الصنف الأول: الجنح المتعلقة بالحق المعنوي للمؤلف
الكشف غير المشروع من مصنف أدبي أو فني (م22 الأمر 03/05)
المساس بسلامة المصنف الأدبي أو الفني (م 25 الأمر 03 /05)
الصنف الثاني: الجنح المتعلقة بالحق الأدبي للمؤلف
- استنساخ مصنف بأي أسلوب من الأساليب في شكل نسخ مقلدة، هذا الصنف من جرائم التقليد هو الأكثر شيوعا في المجال ألمعلوماتي أي عملية استنساخ البرامج (النسخ غير الشرعي)
- الإبلاغ الغير شرعي للمصنف فطبقا للمادة 150 من الأمر 97/10 يعد مرتكبا لجنحة التقليد كل من يقوم بإبلاغ المصنف الأدبي أو الفني للجمهور عن طريق التمثيل أو الأداء العلني أو البث السمعي البصري أو بواسطة التوزيع أو أية وسيلة أخرى لبث الإشارات الحاملة للأصوات أو الصور و الأصوات معا أو بأي نظام من نظم المعالجة المعلوماتية [28] .
الصنف الثالث: الجنح المشابهة لجنحة التقليد والمتمثلة في:
استيراد النسخ المقلدة وتصديرها
بيع نسخ مزورة من المصنف ( برنامج)
تأجير مصنف ( برنامج) مقلد أو عرضه للتداول
الجنحتين المتعلقتين بالمساعدة والمشاركة في المساس بحقوق المؤلف والرفض عمدا دفع المكافأة المستحقة بمقتضى الحقوق المقررة للمؤلف
نخلص من هذه الأصناف الثلاث أن جريمة التقليد تتضمن اعتداء على احد الحقوق المالية أو الأدبية دون موافقة المؤلف، والقصد الجنائي في جريمة التقليد مفترض.
الاعتداء على الحق المالي :
1- الاعتداء على حق النسخ (المواد 41-46-53-54 الأمر 03/05) إن استنساخ المصنف هو إمكانية استغلال المصنف في شكله الأصلي أو المعدل بفضل تثبيته المادي على أية دعامة أو بكل وسيلة تسمح بإبلاغه وبالحصول على نسخة أو أكثر من كامل المصنف أو جزء منه ونطاق الحق في الاستنساخ واسعد جدا سواء بالنسبة لمصنف المستنسخ أو لأسلوب الاستنساخ والمصنف المستنسخ يمكن إن يكون في شكل برنامج إعلام ألي .
2- الاعتداء على حق المؤلف في إبلاغ المصنف للجمهور (المادة 150 الأمر 03/05) ويعتبر الإبلاغ عموميا حينما يبقى خارج الإطار العائلي بالمفهوم الدقيق ويحتوي حق الإبلاغ على كل إبلاغ سواء كان مباشرا أو غير مباشر عن طريق تثبيتات كالاسطوانات أو الفيلم أو الفيديو ... الخ
3- الاعتداء على حق المؤلف ف