ما هو النموذج الإسلامي الذي نريده لأنفسنا وللآخرين؟
أنريد نموذجا لدين صدامي، يقيم الفتنة بين أفراد الأمة، ويبث العداوة والبغضاء بين الفئات الاجتماعية؟ أم نريده تدينا قوامه المصالحة مع أهله، وشعاره المصافحة للآخرين؟
وهذه الصحوة التي نفتخر بها، وندعو إلى إشاعتها، أهي الصحوة الدينية العقلية والفكرية التي تشمل الجانب العلمي، والإيديولوجية في حياة المجتمع الذي نشأت بين أحضانه؟ أم أنها الدعوة التي اختزلت وشوهت، لتستحيل في النهاية إلى مجرد خزان للعنف، ومصنع للبارود؟؟..
الخاتمــة:
إننا مدعوُّون إلى ممارسة إسلام سمح تسامحي قوي الحجة، واثق بمبادئه وقيمه، قادر على مخاطبة الآخرين من منطلق الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
ولكي يتحقق ذلك، فإن الحركة الإسلامية ـ وهي المؤتمنة على تبليغ دين الله ـ مدعوة إلى تجديد منهجها، بدءا بتجديد فهمها للإسلام، واستنباط أدوات معرفية تساير تطور الإنسان المعاصر، وتواكب متطلبات عقله.
وإن تأكيدنا على تجديد الفهم والمنهج من طرف دعاة الحركة الإسلامية، لا يعفي أطرافا أخرى من تغيير النظرة، وتحديث أسلوب التعامل، وفي مقدمة هؤلاء مفكرو الغرب، وحكام المجتمع الإسلامي، ووسائل الإعلام هنا، وهناك ـ ونعتقد أن تحقيق ذلك كله، يبدأ باتباع الخطوات التالية:
أ‌. الغـــرب:
1. تحلي الغرب ولا سيما مفكروه – بالموضوعية العلمية في دراستهم للإسلام، وذلك بعدم توظيف شكوك المسلمين أو انحراف بعضهم، في الحكم على الإسلام أولا، وبعدم الخلط بين المنطق الكنسي المسيحي، والمنهج الحركي الإسلامي، فلكل ذهنيته المتميزة، وطريقته الخاصة
2. تعامل الغرب مع الحركة الإسلامية، على أنها النابض الحقيقي، بحقيقة ومشاعر وطموحات المجتمع الإسلامي، بمختلف فئاته، مهما بدا في هذه الحركة من أعراض تأزم، أو مظاهر خطإ، ذلك أنها تظل – ديمقراطيا – هي المعبر عن رأي أغلبية الأمة.. ولأن نخطئ التقدير باسم الأغلبية خير من أن نخطئ المصير مع الأقلية.
3. تنبيه الغرب إلى حقيقة هامة، وهي أن الحركة الإسلامية ضحية صراع حضاري مع الغرب، وليست سببا لنشوبه، وعلى المفكرين الغربيين - وقد بدأوا يظهرون – أن يؤكدوا على مثل هذه الحقيقة، حتى يجنبوا أنفسهم، بذور العداوات الناشبة بين الغرب والإسلام، في جميع أنحاء العالم.
4. إدراك الغرب خطأه التقديري والتقريري، في اعتبار الإسلام عدوه الأكبر، وخطره القادم، وصدامه المحتمل.
إن الحركة الإسلامية حركة عقلية تغييرية، هدفها النهوض بالمجتمع من هوة التخلف الاقتصادي، والتقهقر الثقافي والسقوط الحضاري، والتبعية السياسية، وإن هذا لحق من حقوق الإنسان، والشعوب التي يسلم بها الجميع ..


ب. الحُـــكام:
1. تحلي الحكام المسلمين بقدر معين من الديمقراطية التي ينادون بها في ميدان الممارسة، وذلك بإشراك الفئات المثقفة في صنع قرار مصيرها ومستقبلها، والاستماع أكثر إلى صوت المعذبين من المستضعفين، والطبقات المحرومة.
2. التسليم بمبدأ التداول على السلطة، واعتبار كل مواطن صاحب حق في المشاركة في هذه السلطة، وبالتالي فسح المجال له، سيما إذا كان عاكسا للشريحة المجتمعية الكبرى، كما هو الشأن بالنسبة للحركة الإسلامية..
3. تبني الحكام المسلمين لمبدأ "حوار لا مواجهة" .. على حد تعبير المفكر الإسلامي كمال أبو المجد... ذلك أن المواجهة بين الدول وأبنائها، هي أكبر عار يسجله التاريخ الوطني على تلك الدولة .. وأن الدم المراق مهما كان المتسبب فيه، فإن تبعته الكبرى تعود بالدرجة الأولى على الدولة، على اعتبار أنها حامية الإنسان، والمؤتمنة على دماء المواطنين.
4. اقتراب الحكام من الشريعة الإسلامية، الذي هو عامل القوة لهم، وليس عامل ضعف _فهم مسلمون وينحدرون من أصول إسلامية، ويتحملون باسم الدساتير التي أدوا اليمين على احترامها وتطبيقها مسؤولية تجسيد هذه الدساتير في الواقع والتي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة.
5. حماية الديمقراطية من الإسفاف، والابتذال وذلك بالضرب على أيدي العابثين والمسفين باسم الديمقراطية، من الذين يحلون لأنفسهم إهدار مال الأمة دون محاسب أو رقيب، وفي غفلة من أغلبية الأمة _والذين يستخدمون المنابر الإعلامية، وهي ملك للأمة_ بالتهجم منها على قيَم وثقافة ومقدسات الأمة، ومتسببين في ردود فعلها العنيفة بخلق الذرائع وإحداث العنف الدموي..


ج. الحركـة الإسلاميـة:
تتحمل الحركة الإسلامية مسؤولية تاريخية عليا، أمام الله، وأمام التاريخ، في حسن التنظير للعمل الإسلامي، وفي دقة التنظيم للعاملين فيه، وفي نجاعة اختيار الأسلوب الأمثل لإيصال كلمة الله للمسلمين ولغير المسلمين.
وفي اضطلاع الحركة الإسلامية بهذه المسؤولية، هي مدعوة إلى القيام بخطوات عديدة، يعتقد أنها ضرورية لنجاعة الرسالة وأهمها في نظري:
1. تطهير الصف الإسلامي من الجهلة، وأدعياء العمل الإسلامي، والمتسللين، والوصوليين، وحديثي التوبة والنعمة، فليس أضر على الإسلام، ولا على الحركة الإسلامية، ممن يتسللون إلى العمل الإسلامي، حاملين الخنجر تحت العباءة الإسلامية.
2. إعادة النظر في المنهج، والخطة والطريقة، بتجديد المصطلحات وتدقيق المفاهيم، وترتيب الأولويات، وانتقاء لغة الخطاب، والإقناع، والحوار.
3. ضرورة الاندماج في المجتمع، والتعاون معه بدل هجرته وتكفيره، وسل سيف الغضب ضده، والعمل بدَل ذلك على تقديم الإسلام له في طبق يليق وصفاء الإسلام ونقاوته.
4. إسناد مقاليد الحركة الإسلامية إلى العلماء والفقهاء، كي تبقى حركة علمية، إصلاحية تغييرية تأتمر بأوامر الله، وتنتهي بنواهيه، بدل أن تتحول إلى فصائل عسكرية، سياسية، مثلها كمثل فصائل المافيا، وعصابات المخدرات، وتهريب الأسلحة.
5. العناية بتكوين المتخصصين في الفكر الغربي داخل الحركة الإسلامية، الذين يوكل إليهم أمر التنظير للعمل الإسلامي الموجه إلى الغرب، ونقل كنوز الفكر الإسلامي إلى هذا الغرب، وتقديم رسالة الإسلام إلى العالم أصيلة، نقية، سمحة، متسامحة، بعيدة عن أي غلو، أو تطرف، أو عنف مادي أو معنوي.
6. السمو بالعمل الإسلامي إلى مستوى قضايا الإنسان والمجتمع بعيدا عن "تكشير الأنياب، وتكحيل العينين، وتكميش الثياب" على حد تعبير الشيخ محمد الغرالي، والانشغال بعمارة الأرض قدر الانشغال بعمارة الجنة، على حد تعبير فهمي هويدي.
إن هذه الخطوات المشتركة بين مسؤولية الغرب، وحكام المسلمين، والقائمين على الحركة الإسلامية، لو أن كل طرف قام بما يجب عليه في حدود ميدان اهتمامه وانشغاله لبرز وجه الإسلام الصحيح المطموس ظلما وعدوانا، ولغدا هذا الإسلام ليس دين المسلمين فحسب، بل الدين الذي تحتاج الإنسانية إليه اليوم، وهي تتخبط في جهلها وجاهليتها، وفي ذلك إنقاذ لها من هذا السقوط الحضاري، وهذه الهمجية التي تفشت تحت شعار كلمات مظلومة كالعلم والتكنولوجيا.