بين التربية والتعليم...


نشاة المصطلحين في الفكرالتربوي- 1


كثير
منا-نحن المهتمين بالتربية- بدء من اولياء الامور وانتهاء بالتربويين الاكادميين
والمهنيين يستخدم مصطلحي التربية والتعليم كمترادفين لعملية واحدة. بل ربم يقتصر
ادراك البعض للحدود بين المصطلحين على مجرد ان الاول-اي التربية- تعني بالاساس
بالجانب التهذيبي الاخلاقي والقيمي فيمن تربي بينما يهتم الثاني-اي
التعليم-بالجانب المعرفي والعلمي واكسابه لمن نعلم من خلال المدرسة والعملية
التعليمية داخل فصولها. ومن هنا كانت اهمية القاء الضوء على كل من المفهومين لبيان
نشاتهما اولا في الفكرالتربوي ثم حدود كل منهما وعلاقته بالاخر ونقاط التماس
بينهما.



ومنشا
المفهومين منشا فلسفي اساسا حيث الفلسفة هي ام العلوم ثم مد هذا المنشا ظلاله على
الفكر والواقع التربويين فيما بعد. فهذا الاختلاف بين المصطلحين وما يعنيه كل
منهما يرجع الى اختلاف حول طبيعة العقل-باعتباره اداة المعرفة- بين اثنين من
فلاسفة الاغريق الاقدمين.



فقد
اعتقد(افلاطون) ان العقل والروح لايفترقان وانهما يبعثان المرة بعد الاخرى في
اجسام مختلفة وعندما ينتقل العقل من جيل الى جيل اخر فان الحكمة تتراكم في ازدياد
عبر العصور. وعلى هذا الاساس فالتعليم عند افلاطون هوعملية يعيد عنها العقل
المتشكل سابقا -تجميع ماتعلمه خلال مرات بعثه وحوله من اجسام اخرى.



اما
(ارسطو) فقد عارض هذا وناقظه حيث راى ان كل طفل يولد بروح جديدة وبعقل لم يتشكل
بعد. وعلى الرغم من ان للمولود غرائز حيوانية فانه لايحمل مع ميلاده معرفة سابقة.
ومن ثم فالتعليم حسب راي ارسطو هو عملية وضع المعرفة في عقل فارغ ولكنه مهيا لتقبل
المعرفة.



مما
سبق يتضح ان منشا مصطلحي التربية والتعليم يرجع الى ارضية فلسفية حيث الاول
صاحبه(افلاطون) والثاني (ارسطو) ومن ثم قامت نشاة المصطلحين على مسلمات مختلفة ثم
استمر المصطلحان في الفكر التربوي واستخدما في معظم الاحيان بمعنى واحد ولم يحدد
المقصودبكل منهما تحديدا دقيقا الا في كتابات ودراسات ومعالجات المتخصصين ومعالجات
المتخصصين في الشان التربوي والتعليمي.



2-التربية والتعليم في الفكر التربوي المعاصر


ان محاولة الفصل بين
مصطلحي(التربية) و(التعليم ) لا تعني اننا نفصل بين شيئين فعلاقة التربية بالتعليم
علاقة الكل بالجزء وعلاقة العام بالخاص كما سوف يتضح.



فالتربية كما تراها
بعض الكتابات هي ما يتبقى لدى الفرد بعد ان ينسى كل ما تعلمه ومن ثم فااتربية مفهوم
اوسع واشمل من التعليم،والتعليم جزءا أو جانب واحد فقط من جوانب التربية. فعلى الرغم
من الاعتقاد الشائع بأن التربية تقترن بالذهاب للمدارس وتلقى التعليم بها،فإن هذا الجانب(التعليم
المدرسي) ليس هو التربية،وإنما هو أحد اشكالها فقط فالتربيةـ بمعناها ال واسع والشامل
ـ يمكن أن تحدث في أي وقت فالتربية تتم من خلال وسائط وهيئات متنوعة علاوة على المدارس.
فالاسرة، ودور العبادة، ووسائل الاعلام ،والإعلان ورجال الأعمال والهيئات الحكومية...تهتم
بالعملية التربوية وتسهم فيها بدراجات متفاوتة. فعلاوة عاى الأنشطةالتربوية والتعليمية
الموجهة، هناك عديد المواقف الغير الشكلية والغير الرسمية التي يواجهها معظم الافراد
يومياـ كالحوار والنقاش بين الاصدقاء مثلاـ التي تؤدي الى اكتساب معرفة جديدة،أو تعديل
إتجاهات وتبني مواقف معينة لم تكن لدى الفرد من قبل. والخبرات التربوية التي يمر بها
الفرد يمكن أن تحدث ايضا من خلال آليات التربية الذاتية مثل قراءة الكتب والصحف والانفتاح
الذاتي على مصادرالمعرفة والخبرة المتنوعة. ومن ثم التربية المدرسية، هي احدى الوسائل
العديدة للتربية في المجتمع. وعود على بدء
نقرر أن التربية اشمل من التعليم وأوسع مجالا، كما أن المجتمعات الانسانية قد عرفت
التربية قبل أن تعرف التعليم وقبل أن تكتشف المدارس كمؤسسات تعليمية
. فالمجتمعات(البدائية)
قد عرفت نظما تربوية قبل أن تعرف المدارس.



وبناء على ما سبق، فان التربية مصطلح يستخدم للاشارة
الى كل الخبرات التربوية داخل وخارج نطاق التعليم المدرسي اما التعليم فيستخدم للاشارة
الى العملية التربوية المقصودة والرسمية التي تحدث في المدارس والمؤسسات التعليمية.



ولمزيد من التوضيح للحدود الفاصلة بين كل من الترية
والتعليم ، وبيان نقاط التشابه والاختلاف بينهما نقدم مقارنة البسيطة التالية وهي تعبر
عن إتجاهات عامة أكثر مما تعبر عن فروق مطلقة.



التعليم المدرسي

التربية

-محدد بمراحل زمنية.

-محكم المراحل والمحتوى.

-موجه نحو المحتوى والمهارات.

-موجه نحو المهنة .

-موجهة من المعلم.

-رسمى وشكلى فقط.

-إعداد للحياة.

-منظم وغير عشوائي



-مستمرة مدى الحياة.

-مفتوحة النهاية.

-تشتمل على كل الخبرات.

-موجهة نحو النمو.

-موجهة من الفرد نفسه.

-متنوعة في وسائلها وهيئاتها وأشكالها.

-رسمية وغير رسمية.

-معايشة للحياة.

عشوائية غير منتظمة.