أخلاقيات ممارسة مهنة التوجيه و الارشاد في الجزائر
بقلم: يوسف قادري

أخلاقيات ممارسة أي مهنة تعني الالتزام بمبادئ في سلوكاتنا و علاقاتنا مع الآخرين في إطار تلك المهنة. تجدر الاشارة هنا أنه لا يمكن فصل المهنة عن إطارها الأوسع و هو الاطار المجتمعي في بعده الثقافي و التشريعي و المؤسساتي و الجغرافي. و نظرا لاختلاف المجتمعات في ثلك الأبعاد، تختلف المبادئ المتبناة من طرف تلك المجتمعات و التي يجب على الفرد أن يلتزم بها في إطار المهنة التي يمارس. أخلاقيات العسكري، مثلا، تختلف عن أخلاقيات المعلم او الطبيب، و قد تختلف هذه الاخلاقيات من مجتمع لآخر.


لتوضيح أخلاقيات ممارسة مهنة التوجيه و الارشاد المدرسي في الجزائر، لا مناص إذن من تبيان مبادئ السياسة التربوية المنتهجة من طرف المؤسسة التعليمية التي ينشط، مستشار التوجيه و الارشاد ضمنها


تلك المبادئ وردت في القانون التوجيهي للتربية الوطنية رقم 08-04 لسنة 2008. هذا القانون هو أحدث نص تشريعي يفصّل معالم الاصلاح التربوي الراهن(2013، علما أن القانون التوجي يختلف عن القانون الأساسي في كونه تشريعا رئاسيا بدل أن يكون تشريعا برلامانيا) و هناك قوانين سابقة له يتوجب علينا الرجوع إليها إن كان القانون التوجيهي هذا لا يلغيها. يمكن تنزيل هذه الوثيقة من الرابط التالي




تنص هذه الوثيقة على أن المبادئ الأساسية للسياسة التربوية في الجزائر هي تلك التي تؤكدها مختلف مواثيق و دساتير الدولة منذو الاستقلال و المؤكدة في آخر دستور (1996). و هذه المبادء محدد في المادة 53 من هذا الدستور و تتلخص في ضمان الحق في التعليم، مجانيته، إلزاميته في مرحلة التعليم الاساسي، تنظيمه من طرف الدولة، ضمان تكافؤ فرص الاستفادة منه، و هي كلها مبادئ ذات طابع اجتماعي مع الاشارة أن القانون التوجيهي للتربية الوطنية لسنة 2008 يضيف لتك المبادئ، في الباب الأول منه، الفصل الثالث، المادة رقم 07 ان التلميذ يحتل مركز اهتمامات السياسة التربوية.


المادة الأخيرة هذه هي التي تعطي مشروعية قانونية ل "بيداغوجيا الكفاءات" التي هي حايا في مرحلة التقييم لنتائج تطبيقها في المدرسة الجزائرية. قبل هذا كان التدريس يهدف لتلقين محتوايات جاهزة يتوجب على التلميذ استيعابها. أمّا وفق بيداغوجيا الكفائات التلميذ هو الذي يبحث عن المعلومة المفيدة له لحل المشاكل التي تطرح أمامه بدل أن يكون المعلم هو الذي يلقّنه المعلومة التي تفيده، مسبقا، وفق ما يراه المجتم .


قبل إصلاح 2008 المعلم هو الذي كان محور العملية التربوية كمصدر للمعلومة الواجب اكتسابها. ضمن الاصلاح هذا أصبح التلميذ هو محور العملية التربوية، لأنه هو الذي يبحث عن المعلومة المفيدة للمشكل الذي يطرح أمامه. بيداغوجيا الكفاءات تعلم طريقة حل المشاكل بدل مواد موسوعية تلقّن كمواد ضرورية يجب استيعابها من طرف التلميذ.


المعلم، وفق سياسة التربية المتبنّاة في القانون التوجيهي 08-04 لسنة 2008 ينتقل من كونه ملقن للمعلومة المفيدة، إلى مساعد و موجه و مرشد، حيث يكون طلب المعلومة المفيدة نابعا من التلميذ وفق المشكل المطروح أمامه، بدل أن تكون المعلومة هذه جاهزة و موجودة تم تلقينها له من طرف المعلم قبل أن يوظفها لحل المشاكل التي تواجهه.


ربما، على ضوء هذه النقطة بالذات، يمكننا التصور أن المعلم نفسه قد يحتاج إلى ارشاد، خاصة إذا علمنا أنه دأب على التدريس بطريقة التلقين، و عليه أن يغير من تلك الطريقة، و هي مهمة ليست بالسهلة، إذا افترضنا أن من شبّ على شيئ شاب عليه، كما يقال. هو بكل تأكيد، في هذه الحالة، بحاجة إلى من يوفّر له المعلومة المفيدة، التي تفيده في المشكل المرتبط بكيفية تطبيق بيداغوجيا الكفائات.


ألا تندرج هذه المهمة ضمن مسؤوليات و مهام مستشاري التوجيه و الإرشاد؟ لنتصفّح التشريع الخاص بموضوع مستشاري التوجيه و الارشاد.


في الفصل السادس من الباب الأول من القانون التوجيهي للتربية الوطنية لسنة 2008، تنص المدا 67 التالي: "يتولّى الارشاد و الاعلام المربون و المعلمون و مستشارو التوجيه المدرسي و المهني في المؤسسات المدرسية و في المراكز المتخصصة. و تظيف نفس المادة: ينبغي تشجيع التلميذ على البحث بإمكانياته الخاصة على المعلومات المفيدة التي تمكّنه من القيام باختيارات مناسبة.


تتولى مراكز التوجيه و الاعلام، وفق المادة 68 من نفس القانون عدد من المهام هي:


· تنظيم حصص اعلامية و مقابلات فردية

· القيام بدراسات نفسية

· متابعة تطور و نتائج التلاميذ طوال مسارهم مسارهم الدراسي

· اقتراح تدابير لتسهيل عملية التوجيه و إعادة التوجيه بإسهام أولياء التلاميذ

· الاسهام في إدماج خرجي المنظومة التربوية في الوسط المهني


و تشير نفس المادة أن كيفيات إنشاء و تنظيم و تسيير مراكز التوجيه المدرسي تحدد عن طريق التنظيم (أي القوانين الصادرة عن السلطة التنفيذية و التي تتمثل في المراسيم و القرارات و المقررات و المناشير، علما أن المنشور أو اللائحة هي تعليمة إدارية ت تصدر عن أي جهة في السلطة الإدارية، في ي مستوى كانت في الهيئة التنفيذية)


اختزالا لكل ما يمكن قوله حول أخلاقيات ممارسة مهنة التوجيه و الإرشاد في الجزائر و بناءا على المبادئ التي أشرنا إليها أعلاه، يمكننا القول أنه من المسؤوليات الأخلاقية (الواجبات) التي هي على عاتق المختص في هذا الميدان، الاطلاع على النصوص القانونية التي تحكم ميدانه مهنته، بدأ بالنصوص الواردة في اللوائح على مستوى المديريات الفرعية للتوجيه و الاتصال التي يتبعون لها إداريا، إلى ديباجة الدستور و قيم الإسلام، (الإخلاص في العمل، الأمانة، مساعدة من هو بحاجة لذلك) إلخ.


المبادئ التي يجب على مستشار التوجيه أن يلتزم بها في علاقته مع الأطراف التي تجمعه معهم علاقة مهنية، هي واجباته تجاههم، حفظ حقوقهم، و هي عبارة عن المسؤوليات الأخلاقية لأنه يسأل أمام الله و أمام ظميره. لا بد علينا أن نستوعب حقوق الآخر، خصوصيته (التلميذ، الأولياء، مديرو مؤسسات التعليم و التكوين في مقاطعة الانتماء، زملاء العمل). من واجب كل واحد منا إعطاء كل ذي حق حقه. القاصر ليس هو الراشد، و لا التلميذ كوليه. فلا يكون من مكارم الأخلاق مثلا أن يقوم مستشار التوجيه بأي نشاط داخل المؤسسة التي ينشط فيها دون إذن من مدير تلك المؤسسة حتى و إن كان لا يخضع قانونيا لسلطته الإدارية.


لا بد على مستشار التوجيه أن يتمعن في البعد القانوني لمهنته في أطار السياسة التربوية التي انتهجتها الدولة، و المبادئ التي أرسيت عليها تلك السياسة لكي يوفي بواحدة من أهم مهامه أو مسؤولياته و هي مهمة الإعلام، أن يستوعب جيدا أحدث النصوص القانونية التي توضح معايير التوجيه و كيفية تطبيق تلك المعايير ، و إيصال تلك المعلومات للأطراف المعنية (تلاميذ،أولياء، زملاء في المهنة)


لا بد كذلك أن يتقن استعمال الروائز لمعرفة اتجاهات التلاميذ و مقارنة نتائج تلك الروائز مع تحصيلهم الدراسي، و أن يعقد جلسات معهم، و بخاصة أولائك الذين تتعارض اتجاهاتهم مع نتائجهم المدرسية بغرض تقديم النصيحة قصد إحداث توافق بين الاتجاهات و النتائج. ربما ضمن هذه المهمة يطلع على أسرار بعض التلاميذ و خصوصيتهم. في هذه الحالة لا يكون من الأخلاق الحميدة أن يشهر تلك الخصوصية في تقرير أو ما شابه إلا بإذن من التلميذ أو وليه. تجدر الإشارة في هذا السياق أن مبدأ السرية في العلاقة بين المرشد و المسترشد، و مكان إجراء هذه العلاقة يختلف بين الثقافات، فلا يجوز مثلا في المجتمعات الإسلامية أن يجتمع المرشد و السترشد في مكان مغلق، بل لا بد إن يكون المكان مكشوفا للنظر و لو كان محجوبا عن السمع. لا بد لعلاقة المرشد مع المسترشد أن تبقى علاقة مهنية، حيث أن مبدأ الحفاظ على خصوصية المسترشد لا تعني إرساء علاقة شخصية معه.


من واجبات مستشار التوجيه و الإرشاد الأخلاقية كذلك إسهام أولياء التلاميذ عند اقتراحه لتدابير تسهل عملية التوجيه و إعادة التوجيه لأن الأمر يتعلّق بتقرير مصير أفراد قصر، حيث يكون لزاما عليه إشراك من ينوب عنهم من الراشدين


في غياب ميثاق مكتوب يحدد، بدقة و بصفة رسمية، أخلاقيات ممارسة مهنة التوجيه و الإرشاد، كما هو الشأن في عدد من البلدان، قمنا باستنباط أهم هذه الأخلاقيات، من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المؤسسة التعليمية التي ينشط ضمنها مستشار التوجيه، و بيّنا مصادر هذه المبادئ حتى يرجع إليها و يستنبطها وافية و محيّنة (راهنة) كل من ينوي امتهان هذا النشاط، و هي القانون التوجيهي للتربية الوطنية، الدستور (بخاصة ديباجته و تأكيده على القيم الاسلامية) و أخيرا التنظيمات أي القوانين التنظيمية لنشاط التوجيه و الارشاد على مستوى الهيئة التنفيذية و الادارة.