4 ـ مناهج البحث التربوي:
لقد أوضحنا في المحور الثالث للمقياس، و المتمثل في تصنيف لمختلف مناهج البحث في العلوم الاجتماعية أن المنهج العلمي في بمعناه الواسع (في بعده الفلسفي) هو إما منهج استقرائي أو استنتاجي أو جدلي، و أشرنا كذلك لوجود مناهج خاصة بميادين بحث قائمة بذاتها (تاريخ، إحصاء، تحليل نفسي...) يمكن اللجوء إليها في إطار المنهج العام، و يشار إليها حينئذ بالإجراءات المنهجية التي يتضمنها المنهج العام المتبع.
سوف نحاول تصنيف مختلف البحوث التربوية على ضوء الهدف الذي تصبو لتحقيقه ثم نحاول بعدها تحديد المنهج العام السائد ضمنها. إذا اعتبرنا أن الهدف المحتمل يكون إما هدفا معنويا(إزالة الغموض) أو حسيا (تطبيقي/عملي) أو في حدود الإمكان هدفا معنويا و حسيا معا، يمكننا تحديد نمط الاستدلال المنطقي الموافق لكل واحد من الأهداف التي أشرنا إليها هنا. وتتوزع تلك الأهداف على مختلف مجالات البحث التربوي لتشمل ميادين الأهداف التربوية، بحوث في السلوك التعلمي، خصائص نمو الطفل وحاجاته، الفروق الفردية، طبيعة عملية التعلم وكيفية توفير ظروف أفضل لإحداث تعلم أكثر فعالية وأبقى أثراً . طرق التدريس، الكتاب المدرسي، بناء المناهج، تكنولوجيا التعليم، الإدارة التربوية، أساليب الامتحانات والتقويم. الإصلاح و التخطيط التربوي إلخ.
نمط الاستدلال ضمن مختلف البحوث، يكون في حدود الإمكان، استدلالا بمجموع الأجزاء التي يتم ملاحظتها لوصف/تفسير ظاهرة ما. ذلك الوصف أو التفسير يعتبر تعميما ( التعميم هو الكل الذي يتم الوصول إليه من خلال الاستدلال الاستقرائي بأجزاء الظاهرة المدروسة وصولا إلى صورة كلية، و هو المنهج السائد ضمن الدراسات الأساسية، حيث أن المعرفة المتوصل إليها تعتبر (هدفا معنويا).
من جهة أخرى، قد يكون الاستدلال المنطقي السائد في أي بحث تربوي استدلالا بالكل (النظرية) على الجزء أو الحالة الخاصة (استنتاج) و يتجلى ذلك، بخاصة، في الدراسات التطبيقية إذا كان الهدف المقصود حسيا/عمليا. و يقصد بالتعميم في هذا النوع من البحوث التطبيق الميداني للنظرية العامة ملائمة للظروف الزمنية و المكنية الخاصة بالمشكل المشخص (الجزء، باعتبار أن النظرية هي الكل). فالحل البديل الأمثل لأي مشكل مشخص على ضوء نظرية كلية ضمن ظروف زمنية و مكانية خاصة، هو المعرفة المقصودة من البحث، معرفة بكيفية تحقيق غرض ما (savoir faire) و هي معرفة تختلف عن المعرفة المحضة (savoir) حيث أنها معرفة بطريقة التأثير الملموس على واقع محسوس.
و ما دامت هناك معرفة بمواطن الخلل (تشخيص) و معرفة بسبل تحقيق الهدف إجرائيا فذلك هو التعميم المقصود ضمن المنهج الاستنتاجي كما يشير إليه الجدول التصنيفي لمختلف مناهج البحث الموجود في الفصل الثالث من هذا المقياس. هو معرفة بعد بحث و تقصّ لظروف الواقع الخاصة، معرفة لأنجع البدائل ضمن خصوصية الظروف الخاصة بالمشكل المدروس.
و أخيرا، قد يكون الاستدلال المنطقي المنتهج في البحث قائما على كلا النمطين من الاستدلال المذكورين أعلاه، الاستدلال الاستقرائي و الاستدلال الاستنتاجي، كما أضحى شائعا في البعض البحوث المعروفة بالبحوث الإجرائية التقييمية (Action- research) حيث يتم تطبيق الإجراءات المبررة نظريا لتحقيق هدفا ملموسا و في نفس الوقت تقييم نتائج ذاك التطبيق(إثراء النظرية) على ضوء الممارسة الميدانية و الخبرة المكتسبة من خلال مشاركة الباحث لمجتمع بحثه في اتخاذ القرار(استدلال جدلي مفتوح).
ربما كذلك البحوث التجريبية السائدة في الدراسات الأساسية تدرج ضمن نمط الاستدلال الجدلي الذي أشرنا إليه هنا، إذا اعتبرنا أن التنظير لموضوع البحث على أنه طرح يكتمل عند صياغة الفروض التفسيرية أو الجواب المبدئي للسؤال المطروح، و نتائج البحث الميداني التي توفر قياسا لمدى صحة تلك التفسيرات تعبر عن نقيض للطرح النظري، حيث تكون نتائجه مستقاة من ميدان البحث بدل أن تكون مستقاة من المكتبة أو التحليل النظري، و تكون خلاصة كلا النمطين من البحث، النظري و الميداني، تركيبا، و تفسيرا محتملا للاختلاف بين التوقعات و الوقائع أو إثبات لصحة التوقعات على ضوء الحقائق الميدانية.
على ضوء التحليل أعلاه، يمكننا الصول إلى نتيجة مفادها أن منهج البحث السائد ضمن الدراسات الأساسية هو المنهج الاستقرائي. أي جمع لمعطيات مجزأة قصد وصف كلي لحقيقة ما، و إن كانت تلك الحقيقة موصوفة سلفا و كان المقصود من البحث تفسير لظاخرة ما، و التحقق من صحة ذلك التفسير وفق مقاربة منهجية موصوفة بالتجريبية أو مقارنة أو تاريخية...حسب ما يراه الباحث مناسبا لموضوع بحثه. و منهج البحث السائد ضمن الدراسات التطبيقية هو المنهج ألاستنتاجي، أي المنهج الموصوف بكونه مبني على إستدلال بالكليات (المعرفة النظرية) قصد التأثير على الواقع المحسوس المجزأ في خصوصيته الزمنية و المكانية. أما النوع الثالث من البحوث، تلك المنعوتة بالبحوث الإجرائية التقييمية، أو كذلك بحوث الفعل بامشاركة، فالمنهج السائد ضمنها هو المنهج الجدلي، حيث أنه يتضمن صيرورة و حركية من النظري إلى التطبيقي و من الممارسة الميدانية الحسية إلى النظرية المتبناة، تغييرا تصحيحا أو إثباتا لها. المعرفة النظرية توجه فعل الباحث و فعله كطرف مشارك في ميدان بحثه يصحح مواقفه المبدية. مهنة التعليم ميدان خصب لمثل هذه البحوث.
1- الدراسات الوصفية: هي تتضمن مناهج، أو بالأحرى إجراءات منهجية متباينة، منها المميزة للدراسات المسحية أو لدراسة الحالة أو للبحوث الإستكشافية.
- الإجراءات المنهجية في الدراسات المسحية (الحصر) يمكن أن تُصنف الدراسات المسحية المتعلقة بالميادين التربوية إلى ثلاثة أنواع هي الدراسات. بحوث تخص الأفراد المنتسبين للمؤسسة التعليمية، وبحوث لها علاقة بالإجراءات السائدة داخل المؤسسات التعليمية بما في ذلك مقرراتها و طرق التدريس ضمنها و نمط العلاقات السائد بين أفرادها، وأخيرا مسح المباني التعليمية. الأنماط الثلاثة من المسوح تستلزم بالضرورة وجود نموذج عن الواقع الذي يهدف الباحث إلى الكشف عنه، نموذج واقعي أو عقلاني (مثالي)، من شأنه مساعدة الباحث و توجيهه إلى جميع مصادر المعلومة. أدوات قبلية، توفر للباحق سبلا للتنظير للموضوع بحقه قبل النزول إلى الميدان. و يتمثل ذلك التمظير بناء نماذج عن الواقع، و تكون تلك النماذج إما نماذج يتم بنائها وفق الأساليب العقلانية (نماذج مثالية) أو تكون نماجذ واقعية، يتم تقديمها على ضوء تقصيات ميدانية و تتمثل تلك النماذج في الخرائط التفصيلية عن الواقع الاجتماعي و/أو الفيزيقة لميدان البحث.
يتحدد مجال الدراسة المسحية و عمقها وفق طبيعة موضوع البحث. قد يكون المجال واسعا جدا بحيث يمتد إلى إقليم جغرافي يشمل عددا من الدول، و قد يكون المجال منحصرا في مؤسسة واحدة بحيث تدرس كل أيعاد تلك الموسسة (مسح للمؤسسة) سواء كانت حسية أو معنوية أو بشرية. و قد يتحدد مجال الدراسة المسحية ليشمل كل أفراد شريحة إدارية أو اجتماعية في مؤسسة أو مدينة أو منطقة دون اللجوء إلى عينة ممثلة عن تلك الشريحة. مثال عن النماذج المثالية عن الواقع الرسم أدماه:
البعد المؤسساتي البعد التشريعي
البعد الفيزيق بعد الذهنيات
تقنيات و أدوات البحث المسحي: تقنيات (مناهج) الصونفة Methodes typologiques
فيما يلي بعض النماذج و الشروحات التي نتمنى أن تفيد الطالب،
( منقولة من د / يسري مصطفى السيد على العنوان الإلكتروني التالى:)
http://www.shatharat.net/vb/archive/index.php/t-8097.html
المسح المدرسي
ـ الأهداف، والمحتوى، وأساليب التدريس، والوسائط التعليمية، والتقويم.
ـ المشكلات الإدارية للمدارس.
ـ السياسات والإجراءات المالية.
ـ صيانة وإدارة المبنى المدرسي والمحافظة عليه.
ـ نقل التلاميذ (الموصلات).
ـ هيئة التدريس، والهيئات المعاونة.
المحاور الرئيسة للدراسات المسحية في الحقل التربوي:
1 ـ الظروف الفيزيقية (الطبيعية) المتصلة بالتعلم:
2 ـ ميدان العلاقات الإجتماعية
3 ـ مخرجات عملية التعليم
أساليب
تستخدم في الدراسات المسحية
1 ـ تحليل العمل: استنادا على نماذج نظرية تشيرللأبعاد التالية مثلا:
ـ
التعرف على نواحي الضعف في الأعمال التعليمية وما بها من تكرار.
ـ تحديد مرتبات الأعمال التي تتطلب مستويات مختلفة من الكفاءة.
ـ التعرف على الكفاءات عند اختيارها لشغل الوظائف المختلفة في العملية التعليمية،
وتحديد متطلبات الترقية إلى المستويات الأعلى.
ـ وضع برامج التدريب للموظفين القدامى والجدد.
2 ـ تحليل المحتوى :
نما هذا "المنهج" (تقنية) وتطور نتيجة للزيادة السريعة في حجم المواد التي تنتجها وسائل الإعلام للوقوف على مضمون الرسائل الإعلامية الموجهة لفئات معينة في المجتمع، وقد دخل هذا الأسلوب مجالات التربية والتعليم في السنوات الأخيرة. وقد دخلت الأساليب الكمية في التحليل لكي تزودنا بمقياس لما تعطيه المادة من أهمية وتأكيد للأفكار المختلفة التي تحتوي عليها.
1
ـ تحديد مصادرالمحتوى المعني بالتحليل: الصحف، الكتب المدرسية، محطات الإذاعة،
الأفلام، برامج الأطفال، صحف الأطفال … الخ.
2 ـ تحديد التاريخ: أي اختيار الفترة التي تتناولها الدراسة.
3 ـ تحديد الوحدات المراد قياسها: أي ما الجوانب المراد تحليلها؟ فقد يتم التحليل
لرصد مفاهيم معينة مثل مفاهيم التلوث البيئي، أو يتم تقسيم الصحيفة آلياً إلى
مساحات خاصة بارياضة أو السياسة إلخ.
ومن المراحل الهامة في تحليل المحتوى التأكد من ثبات التحليل، وهذا يتم غالباً
بقيام أكثر من فرد مدرب على تحليل نفس المادة، ويزداد الثبات كلما كان الاتفاق بين
المحللين كبيراً بوصولهم لنفس النتائج عندما يحللون نفس المادة.
أهمية الدراسة المسحية تكمن في كونها تكشف عن وجود علاقات سببية محتملة لبعض الظواهر الإجتماعية كالكشف عن علاقة ممكنة (افتراضية) بين التفوق الدراسي بالبيئة الإجتماعية للتلميذ
- الإجراءات المنهجية ضمن دراسة الحالة :study Case
يتركز الاهتمام في دراسة الحالة على حالة واحدة، وتهتم دراسة تاريخ الحالة وتطورها. وقد تكون الحالة شخصاً (متعلم واحد)، أو أسرة (أسرة طفل يعاني من اكتئاب)،أو جماعة (المعلمات الوافدات في إحدى المدارس)، أو مؤسسة اجتماعية (جمعية أم المؤمنين النسائية)، أو بيئة بأكملها (معلمات رياض الأطفال في ولاية ما)
مثل
الدراسات المسحية تستند دراسة الخالة على نماذج نظرية عن واقع الحالة التي تهم
الباحث فيها، و تقوم تلك النماذج بمخمة توجيه الباحث لمصدر المعلومة المفيد. و
تختلف دراسة الحالة هن الدراسة المسحية في المقاربة، حيث أن تهتم بالوضغ الراهم في
حين أن دراسة الحالة تركز على قضية التغير و التطور وهي تؤكد المنهج الطولي أو
التكويني، الذي يتضح من خلاله النمو الذي حدث للحالة خلال وقت معين.
مثال عن نمزذج لدراسة حالة تلميذ مثلا:
1
ـ النمو الجسمي: ويتناول صحة الفرد وتاريخه المرضي، ومتى مشى؟ ومتى تكلم؟ ونواحي
التفوق البدني، والعادات الصحية والغذائية وعادات النوم … الخ
2 ـ التوافق المدرسي: ويتناول أساليب توافق المتعلم مع المواقف المدرسية، هل يقبل
السلطة أم يتمرد عليها؟ هل يتسم توافقه مع زملائه بالعدوان أم بالخضوع؟ هل يواجه
المواقف بتحدي أم بالهروب منها؟ هل متأخر دراسياً في بعض المواد؟ أم لا ؟
3 ـ العلاقات الأسرية: طبيعة علاقات الفرد بأسرته؟ (يسودها الحب أم البغض أم الإهمال ..)، وما مركز الطفل في الأسرة؟ (الأكبر أو الأصغر أو الوحيد ..)، وهل يُعامل بالقسوة أم باللين ؟
4 ـ القدرات العقلية والميول النفسية: استعدادات الفرد العقلية، وميوله وهواياته، باستخدام الاختبارات الموضوعية ومقاييس الذكاء … الخ.
5
ـ التوافق النفسي والاتزان العاطفي: استجابات الفرد الانفعالية إزاء الصعاب التي
تواجهه، وذلك بإحصاء مرات الغضب، وشدتها، ومن الضروري جمع معلومات عن الآباء
للتعرف على اتجاهاتهم نحو أبنائهم.
ولا بد من تتبع جذور المشكلة التي تُدرس الحالة من أجلها والتعرف على ملابسات
حدوثها ومرات تكرارها.
أهمية دراسة الخالة تكمن في نسحتها العلاجية الإصلاحية. نتائج دراسات الحالة لا تعمم بل تبق صالحة فقط بالنسبة لتلك الحالة. احتمالية التعميم تبقى لفتراضية، أي أن الفروض المنبثقة عن دراسات الحالة مبررة علميا.
-الإجراءات المنهجية في الدراسات الإستكشافية exploration study يستند منهج الدراسة في مثل هذه البحوث على الملاحظة بالمعايشة و لا يستلزم وجود أي فرضية أو نموذج مثالي أو واقعي عن ميدان الدراسة يوجه الباحث مصادر المعلومة. في الدراسة الإستكشافية كل شيء قابل للملاحظة دون فكرة مسبقة عما يجب ملاحظته. خصوصية الإجراءات المنهجية في الدراسات الإستكشافية تكمن في التصنيف البعدي للمادة للعلمية المجمعة من ميدان البحث.
تكمن أهمية هذا النوع من الدراسات في ثراء المعلومات و إمكانية العثور على علاقات ارتباطية بين عناصر المعطيات التي تم جمعها. نظرية دارون التطورية منبثقة عن مثل هذه الدراسات.
2- الدراسات التفسيرية
- المقاربة التجريبية: يقوم هذا المنهج على أساس إجراء ما يسمى "بالتجربة العلمية" فعن طريق التجربة يتم اختبار أثر عامل متغير variable مستقل لمعرفة أثره على عامل تابع. للقيام بذلك على الباحث أن يقوم بالتصميم التجريبي بتحديد مجموعتين، الواحدة تجريبية و الأخرى ضابطة حيث يقحم العامل المراد قياس أثره ضمن المجموعة التجريبية (استعمال المعلوماتية في التدريس مثلا) ليتمكن من قياس مدى تأثيره عليها (التحصيل الدراسي كمتغير تابع مثلا) مقارنة بالمجموعة الضابطة التي يتم تدريسها بالطريقة التقليدية. ويسمى العامل المتغير المطلوب دراسة أثره بالمتغير التجريبي و يعبر عنه ضمن فرضية علمية يمكن قياس مدى صحتها لتعميم النتيجة بعد التجربة، كقولنا مثلا أن استعمال التكنولوجيات الحديثة في الإعلام و الاتصال في عملية التدريس ثؤثر بالإيجاب على التحصيل الدراسي. وتتم التجربة وفق شروط معينة يُتحكم فيها مصمم التجربة وفق طريقة المجموعات الضابطة و التجريبية حيث يتم مقارنة تنيجة إقحام المتغير المستقل في المجموعة التجريبية مع نتيجة عدم إقحامه و التحكم في العوامل الدخيلة (طفيلية) حتى تكون نتيجة التجربة صحيحة. و قد يتم التصميم التجريب وفق طريقة العينات و أدوات الملاحظة ذات شروط الصدق و الثبات الكفيلة بمعاينة مدى تأثير العوامل الدخيلة الممكن قياس مدى تأثيرها على النتيجة وفق الأساليب الإحصائية المناسبة. (...) أهمية الدراسة التجريبية تكمن في دقة نتائجا و إمكانية تعميم تلك النتائج
- المقاربة التاريخية : يقوم هذا المنهج على تتبع ظاهرة تاريخية من خلال أحداث أثبتها المؤرخون أو ذكرها أفراد على أن يُخضع الباحث ما حصل عليه من بيانات وأدلة تاريخية للتحليل النقدي للتعرف على أصالتها وصدقها. وهي ليست فقط من أجل فهم الماضي بل وللتخطيط المستقبلي أيضاً. وفي البحوث التاريخية عن الأحداث والشخصيات يجب أن يلتزم الكاتب بعرض المادة التاريخية عرضاً أميناً وموضوعياً مبتعداً عن الأسلوب الأدبي من حيث المبالغة والتهويل والربط الموضوعي بين الأحداث. (...)
3ـ الدراسات التطبيقية
مقاربة حل المشكل: أي مشاريع إصلاحية و تخطيط و دراسات مستقبلية قد يتبناها رجال السياسة و أصحاب القرار لترقى من كونها نتاج بحث علمي إلى ميدان التنفيذ. من بين أهم المنظرين لمثل هذه المقاربة يمكننا ذكر الفيلسوف الأمريكي جون ديوي، و فيلسوف العلم كارل بوبر و العالم في التربية المقارنة البريطاني براين هولمز. فيما يلي تفصيل لرؤية كل واحد من هؤلاء بخصوص الخطوات المنهجية لهذه المقاربة:
التفكير التحليلي بالنسبة لديوي: يتمحور حول ستة خطوات أساسية هي
a) الشعور بمشكل (الجهل، الجوع، الفقر...)
b) الفرضية أو الحل كما يبدو لأول وهلة و قبل التعرف على أبعاد المشكل المختلفة ( أيكون الحل كذا؟)
c) تحليل المشكل أو الكشف عن أبعاده النظرية (تنظير)
d) الآبعاد الزمنية و المكنية للمشل (الرجوع من النظري إلى خصوصية الواقع المحلي)
e) الإستنتاج المنطقي بعد التحاليل السالفة الذكر ( العقلنة أو جدلية المنطق الصوري و منطق الواقع)
f) إثبات الحل الأولي أو تفنيده ( موقف الباحث)
أما كارل بوبر فيرى:أن المنهج العلمي يتمحور حول خمسة خطوات أساسية هي:
a) التطرق إلى مشكل يطرح نفسه على الباحث و يكون في غالب الاحيان عبارة عن نظرية أو ممارسة قديمة غير موافقة لظروف جديدة ( ملاحظة)
b) الحل أو البديل المقترح (فرضية)
c) التنبؤ (إستنتاج) على ضوء خصوصيات الظروف المحلية ( العقلنة)
d) التجريب الذي هو عبارة عن مقارنة بين الإستنتاجات المنطقية و الحوادث الجارية (جدلية المنطق الصوري و منطق الواقع المتغير)
e) إختيار بديلا مناسبا وفق معاير للتقييم التي قام على أساسها البحث سواء كان ذلك وفق معيار التقدم الإقتصادي، أو الليبيرالية أو الإشتيراكية أو الإستقرار السياسي... (موقف الباحث)
-أما فيما يخص هولمز: المنهج الذي أخذه من كل من ديوي و بوبر يتلخص في الخطوات التالية:
a) التعرف على المشكل تقنيا أي إستنادا إلى نماذج مثالية تحليلية (بناء عقلاني) سوسيولوجية Taxonomies (الملاحظة)
b) إقتراح الحل أو الحلول البديلة (الإفتراض)
c) الإستنتاجات الزمنية و المكنية أو مقارنة المنطق بالواقع في خصوصياته المتغيرة (قياس النجاعة)
d) التنبؤ حسب معايير التقييم المختلفة كما ذكرت بالنسبة لبوبر و التي تجعل الباحث يبرر حلا من بين الحلول البديلة و يقترحه على رجال السياسة و أصحاب القرار. (موقف الباحث)
و مصدر المشاكل القابلة للمقاربة وفق نظرية "الإنفجارات" لهولمز هو التغير المفاجئ و الغير متزامن بين مختلف مكونات الواقع الإجتماعي كما يبينها من خلال صونفته العامة المتمثلة في الأبعاد الأربغة للمجتمعة، (التشريعي، المؤسساتي، الفيزيقي، السايكولوجي) حيث يعتقد هولمز أن المجتمع المثالي هو المجتمع المتوازن في جوانبه الحسية و جوانبه المعنوية كما تفصله الصونفة التي يقترح، و أن التغير السريع الذي يحدث في المجتمع يفقده ذلك التوازن الوظيفي الصحي.
و يصنف هولمز هذه المشاكل المحتملة إلى ثلاث أصناف هي:
- قضايا عامة قد تؤثر على القطاع التربوي:
* صراعات للوكالات المختلفة المؤثرة على التربية
* مصادر و كيفية مراقبة ميزانيات التربية
* الخريطة المدرسية و واقع عالم الشعل المتغير بسرعة
* المؤسسات التعليمية القائمة على أساس ثقافة أصلية و مجتمع متغير نحو تعدد الثقافات نظرا للهجرة.
- قضايا خاصة بالقطاع التربوي عموما
* تحديد الآهداف التربوية غير منسجم مع الواقع المحسوس و التركيبة الإجتماعية
* بنية المنظومة التربوية و قضية الحراك الإجتماعي
* المقررات التربوية ( المحتوى التعليمي) و الواقع الثقاف و الإقتصادي
* التقييم و التقويم التربوي
* طرق التدريس
* الوظيفة الإجتماعية للأستاذ و القانون الأساسي الخاص به.
- قضايا خاصة بالمدرسة
* السلطة و الرقابة
* حفظ النظام
* الحرية الأكاديمية
* الحرية في التعليم.
تقنيات و أدوات الملاحظة: و يقترح هولمز بعض تقنيات الملاحظة التي يمكن نعتها بالمنهج الصونفي (la methode typologique) يتم من خلال تلك التقنيات تصميم أدوات تمكن الباحث من ملاحظة الواقع في أبعاده المختلفة، نظرة كلية عن مختلف الأجزاء، توجه الباحث إليها في مرحلة التقصي الميداني. على هذا الأساس يمكننا القول أن المنهج السائد ضمن مقاربة حل المشكل لهولمز هو المنهج الاستنتاجي، لأن الإجراء الأساسي ضمن تلك المقاربة هو الانتقال من الفكرة النظرية العامة عن الواقع إلى أجزائه كما تتجسد في الواقع الميداني الملموس، و هذا الإجراء إنما هو تفعيل للمنهج الإستنتاجي. و هو معروف بالمنهج الفرضي الإستنتاجي. فرضي لأن الصونفة المقترحة عن الواقع فرضية جوهرية أساسية تمثل الواقع تمثيلا عقلانيا، قد لا يصدقه الواقع المعيش.
الصونقة العامة و النماذج الفرعية الأخرى التي يمكن للباحث أن يلجأ إليه عبارة أدوات تمكه من تشخيص مشاكله و توجهه للبيئة التي تمكنه من قياس نجاعة الحلول التي يراها مناسبة للظروف الزمنية و المكانية الخاصة بالمشكل التقني المشخص. و معنى "المشكل التقني" كما يعرفه هولمز هو المشكل الذي تم تحديده وفق تقنية الصونقات (methodes typologique)
هو المنهج المنبثق من موقف المعلم في إطار ممارسته لمهنته. ليس كل ما تعلمه في معهد تكوين المعلمين مناسبا بالضرورة لخصوصية الظروف التي يشتغل فيها، لذا، عليه أن يكيف عمله لتك الظروف حيث يقوم من خلال علمه النظري بطرق التدريس الملائمة للفئات المختلفة من المتمدرسين، بترشيد عمله و يقوم من خلال عمله بتصحيح مواقفه النظرية المبدئية، و الجدلية بين ما هو نظري و ما هو ميداني تبقى قائمة ما بقي تغير اجتماعي و ثقافي و سياسي...
كذلك هو الحال بالنسبة للدراسات، الإجرائية التقييمية. هي كذلك تستند على المنهج الجدلي حيث أن الإجراءات التطبيقية، المتمثلة مثلا في إنجاز برنامج معلوماتي تفاعلي، خطي أو تشعبي يوزع على عينة من المتمدرسين على شكل أقراص مدمجة توفر لهم فرص تعزيز ما يتلقونه في المدرسة من دروس، ليقوم الباحث بعدها بتقييم نتاج ممارسة التلاميذ للتعلم الذاتي الموفر لهم على شكل دروس إلكترونية بمساعدة الوسائط التكنولوجية المنتجة من طرف الباحث، الذي يسعى في نفس الوفق لقياس مدى نجاعة منتوجه في تحقيق الجودة في الميدان البيداغوجي، تماشيا مع روح العصر.
إنتاج الوسائط التطمولوجية يتم ضمن الدراسات التطبيقية وفق المنهج لاستنتاجي، كما سلف و أن ذكرنا. أما قياس النجاعة البيداغوجية لتلك المساعدات التكنولوجية فتتم وفق المنهج الاستقرائي، حيث أن التقييم (تعميم) يتم من خلال الجمع الإمبيريقي للحقائق الميدانية الجزئية، (النتائج التحصيلية لمجموع أفراد عينة الدراسة) وصولا لتحديد الوسط الحسابي الذي يعتبر تعميما للمعرفة المتوصل إليها (إثباتا للنجاعة أو نفيا لها). و ما دام أن البحث من هذا النوع يستلزم اللجوء إلى النمطين من الاستدلال، فإنه يشتمل على طروحات نقيضة و بالتالى على جدلية بين العلم و العمل، تماما مثلما هو الشأن بالنسبة للبحوث التجريبية.
[1][1] B. Holmes, « Some consideration of method in comparative education : Student seminar papers » Department of Comparative Education, University of London Institute Of Education, 1975, P.31