أين نحن من حرب العقول والتقدم العلمي؟
هل مازال العرب حقا بحاجة إلى «سبوتنيك« كي يفيقوا؟
[b]رؤية احمد زويل لدعائم النهضة العلمية العربية [/b]
[b][b] [/b][/b]هل مازال العرب حقا بحاجة إلى «سبوتنيك« كي يفيقوا؟
[b]رؤية احمد زويل لدعائم النهضة العلمية العربية [/b]
بقلم: السيد زهره
في حديث الأسبوع الماضي، عرضت لبعض جوانب الحرب الشرسة التي تدور بين الدول المتقدمة.. حرب العقول والتقدم العلمي. تحدثت عن المنافسة الضارية بين الدول المتقدمة في مجال تربية العقول المبدعة المفكرة في مجتمعاتها وبالاخص في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وفي مجال العمل على جذب واستقطاب هذه العقول والكفاءات من أي مكان في العالم. وتساءلنا في نهاية الحديث: أين نحن في الوطن العربي من هذه الحرب؟ أين نحن من معركة التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم؟.. أين نحن من عالم تربية واجتذاب العقول المفكرة المبدعة؟
قرأت تحقيقين صحفيين وجدت انهما افضل ما نبدأ به هذا الحديث، فهما يطرحان قضية تلخص المسألة برمتها في الوطن العربي.
الغزو الصيني
في عدد واحد من اعداد جريدة «الشرق الاوسط«، عدد الثلاثاء 18 سبتمبر الماضي، قرأت تحقيقين صحفيين، احدهما من القاهرة والثاني من المدينة المنورة، يتعلقان بقضية واحدة. التحقيق من القاهرة عنوانه «فانوس رمضان.. بداية مصرية بنهاية صينية«. التحقيق يعرض في جزء منه لمسألة الغزو الصيني لمصر في مجال صناعة فوانيس رمضان الشهيرة التي هي بالطبع صناعة وتقليد مصري اصيل مائة في المائة. يذكر التحقيق ان مصر تستورد من الصين كل عام فوانيس بمبلغ 3 ملايين دولار حسب تقارير وزارة الاقتصاد. والارجح ان المبلغ اكبر من هذا بكثير. وينقل عن تجار للفوانيس المصرية التقليدية شكواهم المرة «من شدة المنافسة التي يتعرضون لها من الفوانيس الصينية المستوردة التي باتت تقدم للطفل في اشكال متعددة وتغنى لها ايضا كل اغاني رمضان الشهيرة«. وينقل عن احد صناع الفوانيس المصرية الذي يعمل في هذه المهنة من 30 عاما قوله: «ان الصين قدمت الفانوس على هيئة كل الالعاب الموجودة في السوق المصري، ونجحت في تطويع اشكال تصميماتها في الآونة الاخيرة لتلائم السوق المصري، وهو ما جاء على حساب صناعة الفانوس التقليدي«.
اما التحقيق الثاني الذي نشرته الصحيفة من المدينة المنورة فعنوانه «الصين الشعبية تحيط بالحرم النبوي من جميع الجهات«. يبدأ التحقيق بهذه الفقرة «يدور زوار الحرم النبوي حول جهاته الاربع بحثا عن هدية غالية يعودون بها من احد الاماكن والديار المقدسة عند المسلمين ، فلا يجدون امامهم سوى طوفان من البضائع الصينية الرخيصة فيما لا يقف امام هذا المد الصيني سوى باعة التمور والنعناع المديني«. وينقل التحقيق عن زوار للحرم النبوي شكواهم من عجزهم عن الحصول على منتجات «تعكس ثقافة المكان والناس« و« لها روح المدينة المنورة« كما ينقل عن احد باعة الملابس قوله: «ليس هناك منتجات محلية في مجال تجارته يمكنها الصمود او المنافسة سعريا« وتساءل: «أين هي البضاعة الوطنية اساسا؟ ليس امامنا سوى ما تجود به المصانع الصينية«.
تعمدت ان انقل فقرات من التحقيقين، فهما يجسدان في حقيقة الامر وبشكل معبر جوهر القضية التي نناقشها.. قضية تخلفنا العلمي والتكنولوجي، وما يترتب على ذلك من نتائج. لنا ان نسأل انفسنا: لماذا تنجح الصين في غزو اسواقنا والتفوق علينا بهذا الشكل، وفيما يتعلق بمنتجات تقليدية تخصنا نحن مثل فوانيس رمضان او المسابح او سجادات الصلاة.. وهكذا؟ ما هي مشكلتنا هنا بالضبط؟ ان اردنا الصراحة مع انفسنا، المشكلة هنا مشكلتان:
المشكلة الأولى: مشكلة القدرة على الابداع والابتكار والتطوير، نحن نفتقدها في كثير من الحالات.
الصين ما كان لها ان تتمكن من اقتحام اسواقنا بهذا الشكل والمنافسة بقوة لولا انها ادخلت افكارا بسيطة مبدعة على مثل منتجاتنا التقليدية هذه، كالفوانيس، بحيث تلبي الاحتياجات العصرية المستجدة وتلبي حاجة اسواقنا نحن. هذا عجزنا فيه. والذين لديهم القدرة على هذا من صناعنا لا يجدون دعما او تشجيعا. هنا مثلا، تحدثت الدكتورة عزيزة الاحمدي مديرة مركز سيدات الاعمال بالغرفة التجارية الصناعية في المدينة المنورة في التحقيق الذي اشرت اليه، عن «تعثر كثير من الافكار المبدعة في بعض الصناعات اليدوية التي كان لها ان تفتح بيوتا عديدة«. وتحدثت عن غياب خطط انشاء اسواق متخصصة بالصناعات والحرف اليدوية.
المشكلة الثانية: وهي الاكبر والاخطر، وهي مشكلة حضارية بالمعنى العام، أي تتعلق بثقافتنا العامة فيما يتعلق بالعلم والتطوير والتكنولوجيا وتعاملنا معها ونظرتنا اليها. المشكلة هنا ببساطة اننا في وعينا العام تعودنا الاعتماد المطلق على التكنولوجيا الاجنبية في كل شيء، بدلا من تطوير التكنولوجيا الخاصة بنا. بعبارة ادق ، تعودنا ان نعيش عالة على العلم الاجنبي وعلى نتاجات التكنولوجيا الاجنبية. يصح هذا في كل المجالات من ابسطها إلى أكبرها.. من الفوانيس.. إلى السلاح مثلا. هذان الجانبان يجسدان جوهر تخلفنا في الوطن العربي في مجالات العلم والتكنولوجيا. لكن لنلق نظرة أبعد.
متخلفون جدا نحن في الوطن العربي متخلفون جدا في كل ما يتعلق بمجالات العلوم والتكنولوجيا والابداع فيهما. نحن في حقيقة الامر عمليا خارج نطاق العصر هنا. هناك سيل من الدراسات والاحصاءات العالمية التي تؤكد هذه الحقيقة المفزعة. ولست اريد عزيزي القارئ ان ارهقك بالاحصاءات والحقائق عن حالنا في الوطن العربي في هذه المجالات، ولكن للتوضيح فقط هذه بعض المؤشرات العامة جدا.
في كل الدراسات العالمية التي ترتب دول العالم من حيث التقدم العلمي والتكنولوجي من زوايا وفي مجالات مختلفة، يأتي الوطن العربي دوما في ذيل القائمة. وفي احسن الاحوال، نحن نتقدم فقط بفوارق بسيطة عن الدول الافريقية الفقيرة جدا جنوب الصحراء. اتحدث هنا عن الدراسات التي ترتب دول العالم في مجالات مثل البحوث العلمية المنشورة، او اداء المدارس والطلاب في مواد العلوم والرياضيات والهندسة.. وهكذا.
- ومثلا، خذ مجالا مثل الكمبيوتر والانترنت، الذي يظن البعض اننا نساير العالم فيهما. لنا ان نعلم هنا انه بحسب الاحصاءات العالمية، فان اقل من 0.6% من العرب فقط يستخدمون الانترنت، و 1.2% فقط لديهم اجهزة كمبيوتر أو بمقدورهم الوصول اليها واستخدامها. وفي الوطن العربي ، يوجد 18 جهاز كمبيوتر لكل ألف عربي، في حين ان المتوسط العالمي هو 78.3 جهازا لكل ألف.
- الدول العربية تنفق فقط 0.15% من الدخل الوطني على البحث والتطوير في مقابل 1.4% في العالم.
- في مجال براءات الاختراع مثلا. تشير الاحصاءات العالمية إلى انه خلال الفترة من 1980 إلى 2000، تم تسجيل 370 براءة اختراع صناعي في الدول العربية. وفي بلد واحد هو كوريا الجنوبية، تم في نفس الفترة تسجيل 16 الف براءة اختراع.
- جامعاتنا العربية كلها لا تظهر في أي ترتيب عالمي لأفضل جامعات العالم.
- الدول العربية تشهد نزيفا رهيبا للعقول التي تهاجر إلى الخارج، وبالذات العقول في مجالات العلم. بعض الاحصاءات العالمية تشير مثلا إلى ان 25% على الاقل من الخريجين العرب في العلوم والطب والهندسة يهاجرون سنويا إلى الخارج. هذه كما قلت مجرد مؤشرات بسيطة جدا توضح مدى تخلفنا.
العجيب ان كل من يعنيهم الامر في الوطن العربي يعلمون الاجابة بالتفصيل. وثمة مؤتمرات عربية كثيرة قدمت فيها دراسات وابحاث فصلت هذه الاسباب. في حديث الاسبوع الماضي، اشرت إلى المجالات التي تدور في اطارها حرب العقول والتقدم العلمي في الدول المتقدمة. وفي هذه المجالات بالضبط، يكمن بالطبع سر واسباب تخلفنا في الوطن العربي. وهذه المجالات هي:
1- التعليم ومستواه. أي ان تخلف التعليم وجموده في الوطن العربي، وبالاخص فيما يتعلق بحال مواد العلوم، هو أول وأكبر سبب.
2- البحث العلمي. أي ان عدم الاهتمام بمراكز الابحاث عندنا على كل المستويات تمويلا ورعاية، هو ثاني أكبر الأسباب.
3- العقول المبدعة والمفكرة. أي ان غياب سياسة لتربية هذه العقول ودعمها وتشجيعها وجذبها على نحو ما تفعل الدول المتقدمة، هو ثالث أكبر الأسباب.
4 - وبالطبع لابد ان نضيف قبل هذا وبعده، سببا آخر هو جامع لكل هذا، او بمعنى ادق مفسر لاخفاقاتنا في هذه المجالات. نعني بذلك المناخ العام السياسي والاجتماعي السائد. والامر هنا باختصار ان التقدم في هذا المجال، كما في أي مجال آخر، لا يمكن ان يتحقق الا في ظل مناخ من الانفتاح والحرية، وفي ظل امة يكون لها اصلا مشروع للتقدم والانخراط في العصر. هذا بشكل عام جدا. لكن يهمني ان اشير بشكل اكثر تفصيلا إلى بعض الافكار التي طرحها بهذا الخصوص بعض الاساتذة مؤخرا في تحليلات ودراسات نشروها.
سبوتنيك للعرب؟
هذه رؤية هامة طرحها الدكتور رجا كمال، عميد كلية الموارد البشرية في كلية هاريس بجامعة شيكاغو الامريكية طرحها في تحليل مطول مؤخرا، يهمني ان اعرض لأهم ابعادها. يقول ان يوم 4 اكتوبر عام 1957، كان يوما تاريخيا غير مجرى التاريخ. في ذلك اليوم اطلق الاتحاد السوفيتي القمر الصناعي «سبوتنيك« الذي دار حول الارض في 98 دقيقة. هذا الحدث كان بداية لثورة هائلة سياسية وعسكرية وعلمية وتكنولوجية. وبنفس القدر من الاهمية، كان انطلاق «سبوتنيك« جرس انذار ايقظ امريكا على جبهة التعليم. فلقد اظهر تخلف النظام التعليمي الامريكي في مجالات العلوم والتكنولوجيا بالذات. وهكذا اطلق سبوتنيك ثورة تعليمية في امريكا هدفها المحوري هو تجاوز هذا التخلف في مجالات العلوم والرياضيات. وبذل الساسة والجامعات والمؤسسات المختلفة جهودا هائلة لاصلاح التعليم من هذا المنظور. وفي خلال عقد واحد، لم تنجح امريكا فقط في ايصال اول انسان إلى سطح القمر، لكنها كانت قد نجحت ايضا في تطوير نظامها التعليمي بشكل جذري. الدكتور كمال يسوق هذا، كي يقول ان العالم العربي مازال حتى الآن ينتظر «سبوتنيك« الخاص به.
لماذا؟
لأن تخلف النظام التعليمي هو بلا شك من أكبر الأسباب الكامنة وراء التخلف العربي العام، وفي مجال التنمية الاقتصادية خصوصا. يقول ان النظام التعليمي العربي متخلف على كل المستويات وبالذات في مجال العلوم والرياضيات، والخريجون العرب مستواهم اقل بكثير من نظرائهم في العالم. اما عن أسباب تخلف النظام التعليمي، ففي رأيه ان نقص التمويل بلا شك يمثل سببا رئيسيا. الا انه حتى حين يكون التمويل كبيرا فان النتيجة تظل كما هي. ويبدو الوضع كما لو ان هناك حائطا بين النظم التعليمية العربية وبين العالم الذي نعيشه. وفي رأيه ان المشكلات الجوهرية التي تشل النظم التعليمية على هذا النحو تتمثل في مشكلتين كبيرتين.
الأولى: جمود وتخلف المناهج الدراسية.
والثانية: الأوضاع المتردية للمعلمين.
فمهنة المعلم للأسف لا تحظى بالتقدير والاحترام. وبالاضافة الى هذا، فانه لا توجد معايير محددة لمحاسبة المعلمين عن مستوى طلبتهم. لهذا، في رأيه، انه ما لم يتغير المناخ الثقافي في الوطن العربي، فلن يحدث أي تقدم منشود. وبالاضافة إلى هذا، فان المستوى المتدني للتعليم من الابتدائي إلى الثانوي، هو العامل الجوهري وراء تدني مهارات التفكير النقدي والابداع لدى طلبة الجامعة. وكل عام تخرج الجامعات العربية مئات الآلاف من الطلاب الذين يجد اغلبهم انفسهم بلا مهارات حقيقية تؤهلهم للحياة العملية، ويصبحون بالتالي من عوامل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في مجتمعاتهم. هو يريد ان يقول انه ما لم ينصلح حال التعليم الابتدائي، فسيظل حال الجامعات على ما هو عليه.
وهو يلخص رؤيته في ان اصلاح التعليم في الوطن العربي اصبح هو حجر الزاوية لأي تقدم. واصلاح التعليم يحتاج إلى رؤية بعيدة المدى وإلى قيادة تصحو وتعلم انه لم يعد هناك من مجال في عالم اليوم الا عبر هذا الاصلاح. والاصلاح يتمثل - كما اشار - في اصلاح جذري لمناهج التعليم بداية باعطاء اولوية قصوى لتعليم العلوم والرياضيات. واصلاح حال المعلمين ثانيا، ثم تغيير المناخ الثقافي العام ثالثا. في رأي الدكتور كمال ان التقارير العالمية التي تظهر تخلف العرب المروع في مجال العلوم والتكنولوجيا ينبغي ان تكون، هي «سبوتنيك« الذي يوقظ العرب ويدفعهم للتحرك.
رؤية الدكتور زويل العالم العربي الدكتور احمد زويل، العربي الوحيد الحائز جائزة نوبل في العلوم له ايضا رؤية، سبق أن طرحها عبر عدة كتابات في صحف اجنبية في العالم الماضي ، من المهم ان نسجلها. في رأيه بداية ان هذا العالم العربي اليوم، هو نفسه الذي صنع اعظم الحضارات في تاريخ البشرية. وان يكون هذا هو حاله اليوم في المجال العلمي بالذات، فمعنى هذا ان هناك خطأ جسيما حدث. في رأيه ان العرب قادرون على وجه اليقين على استعادة ماضيهم العظيم، ولديهم كل مقومات ذلك. العرب لديهم ثلثا احتياطيات النفط في العالم. ولديهم سوقهم الكبير وامكانيات قيام الاتحاد العربي. والدول العربية في موقع استراتيجي في العالم. والشعوب العربية لديها ثقافة ثرية تنطوي على قيم نبيلة، ودينها متسامح. والعرب لديهم القدرة على الابداع والابتكار، ونصف السكان تقريبا من الشباب. في رأي الدكتور زويل ان هذه كلها مصادر قوة للوطن العربي وعوامل للتقدم، لكن بشرط ان تندرج في اطار مشروع متكامل للنهضة العلمية وغير العلمية. وهو يقترح دعائم اربع للتغيير يجب ان تقوم عليها هذه النهضة التاريخية المنشودة، هي باختصار على النحو التالي: أولا: تأسيس نظام سياسي جديد ، في القلب منه دستور يحدد ويحترم مبادئ الحريات وحقوق الانسان والانتخابات التنافسية الحرة ويوائم بين المبادئ والقيم الدينية وبين مبادئ وقيم الحكم العصري.
ثانيا: ان حكم القانون يجب ان يسري على كل فرد في المجتمع بغض النظر عن طائفته او دينه او خلفيته الاجتماعية لا ان يتم تنفيذه بشكل انتقائي. تطبيق القانون بهذا الشكل الانتقائي هو سبب رئيسي للأداء الاقتصادي السيئ ويفرز الفساد الذي يشل الاستثمارات ويهدر الموارد ويفقد الناس الثقة في النظام السياسي.
ثالثا: ان تطويرا جذريا لا بد ان يطرأ على التعليم، والممارسات الثقافية، والبحث العلمي. الهدف المحوري هنا يجب ان يكون تطوير وتشجيع التفكير النقدي، ونظاما عقليا للقيم يشجع النظام وعمل الفريق. وهنا، يجب ان تولي الحكومات اهتماما اساسيا للتعليم الابتدائي، وتحرير التعليم الجامعي من القيود البيروقراطية والسياسية.
رابعا: ان اصلاح الاعلام العربي ضرورة اساسية. والقضية هنا ان هناك اليوم اعدادا هائلة من القنوات التليفزيونية الفضائية وما يسمى بالمدن الاعلامية يتم الانفاق عليها بسخاء اكثر بكثير من الانفاق على مراكز البحوث. لكن اغلب هذه القنوات دعائية لا تفيد كثيرا. والحاجة ملحة إلى اعلام يكون هدفه المحوري هو تشجيع التفكير النقدي وادارة حوارات حضارية والارتقاء بالعقول وطرائق التفكير.
في رأي الدكتور زويل انه عبر هذه الاعمدة الاربعة يمكن تحقيق التقدم العربي المنشود. ويقول ان العرب يجب ان يثقوا في انفسهم وقدراتهم، وان يكفوا عن الاكتفاء بالقاء اللوم على الاخرين ، فكما يقول القرآن الكريم «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم«. هذه باختصار شديد هي ملامح الرؤية العامة التي قدمها الدكتور زويل. وكما نرى، فانه يعطي الاولوية القصوى للمناخ العربي العام السياسي والاقتصادي الذي يعتبر تغييره هو الشرط الاساسي للتقدم العلمي الذي ننشده.
والخلاصة بمقدوري عزيزي القارئ ان اتحدث في هذا الموضوع لحلقات كثيرة أخرى، وان اقدم عشرات من الدراسات والرؤى في هذا المجال. لكن اردنا فقط ان ننبه إلى خطورة القضية. الامر ان اردنا التلخيص، فهو اننا متخلفون جدا. وان استمر حالنا هذا من التخلف العلمي والتكنولوجي، فان مستقبلنا بأسره سيكون مظلما. الامر انه آن لنا ان ندرك، كما اشرت في حديث الاسبوع الماضي، ان المعرفة وبالاخص المعرفة العلمية والتكنولوجية، اصبحت هي معيار تقدم الامم وتخلفها. التقدم اصبح رهنا بالقدرات المبدعة المفكرة في كل المجالات. الانسان اصبح هو رأس المال الاكبر للأمم، وليس الثروة المادية. وان اردنا التقدم علينا ان ندرك هذا وان نتصرف على اساسه. ولهذا السبب بالضبط، فان كل الامم وكل النظريات اصبحت تعتبر ان التعليم والبحث العلمي والاهتمام بالعقول المبدعة هي ركائز أي تقدم. نعلم ان هناك جهودا تبذل في الوطن العربي في هذه المجالات. في مجال اصلاح التعليم وغيره. هناك مؤتمرات كثيرة عقدت لبحث حال التخلف العلمي في الوطن العربي في مختلف العواصم العربية. قدمت فيها دراسات جادة محترمة تقدم الحلول وترسم الطريق. لكن كما نعلم، لا نلمس لمثل هذه المؤتمرات والجهود من اثر. لماذا؟ لأن الامة عليها ان تقرر اصلا.. هل تريد التقدم ام لا؟.. اعني ان القضية سياسية في المقام الاول كما حاول الدكتور زويل ان يلفت الانظار. ونعلم ان هناك مبادرات مهمة تم طرحها في الفترة الماضية. نشير بصفة خاصة الى المبادرة التي تقدم بها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بتخصيص 10 مليارات دولار لاغراض دعم البحوث وتشجيع المبدعين في الوطن العربي. هذه مبادرة مهمة جدا تستحق الاشادة والتقدير من دون شك. وان كان الحكم النهائي سوف يتوقف بالضرورة على برامجها التفصيلية وكيف سيتم تنفيذها بالضبط. لكن على اهمية مبادرة مثل هذه، فانه كما قال احد الباحثين الاجانب عن حق : ان بضع ورود لا تصنع حديقة. بمعنى ان مبادرة فردية او بضع خطوات هنا وهناك لا يمكن ان تعالج تخلفنا وتنقلنا إلى عالم التقدم. نحن بحاجة إلى ان تستيقظ الدول العربية كلها على هول ما نحن فيه، وان تتصرف على هذا الاساس. أم ترى، كما قال الدكتور زويل، هل ننتظر حتى ينفد النفط ، وتكون عقولنا المبدعة الموهوبة قد هاجرت كلها، واستباحت القوى الاجنبية كل مقدراتنا؟