تمهيد
يعد التعلم الذاتي واحد من الأساليب التربوية التي دعت إليها متطلبات العصر كما أكدت البحوث المختلفة علي قيمتها وأهميتها ودعت المناهج الدراسية إلي تأصيلها لدى النشء بمجرد دخولهم المدرسة.باعتبار الوسيلة إلي التعلم المستمر الذي يلازم الإنسان طيلة حياته. وباعتباره أيضا ُيؤثر على استقلال الشخصية والاعتماد على الذات والقدرة على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية وله أساليبه المتعددة.
وسنتناول التعلم الذاتي من حيث مفهومه والأسس العامة له وخصائصه التربوية والنفسية ثم كيفية التقويم في التعلم الذاتي وأساليبه 0


التعلم الذاتي:
لقد تعددت تعريفات التعلم الذاتي بتعدد المدارس التربوية والسيكولوجية. ونشأت تعريفات عديدة لمفهوم التعلم الذاتي، استند كلا منها إلي مجموعة من الإجراءات والمقومات ولم يجمع العلماء علي تعريف كما تتمثل



مفهوم الكتب المبرمجة ووسائل وآلات التعليم والتعيينات المختلفة.
*ويعرف أحمد المنصور:التعلم الذاتي بأنه التعلم الذي يوجه إلي كل فرد وفقا لميوله وسرعته الذاتية وخصائصه بطريقه مقصودة ومنهجيه منظمة.
يقدم احمد اللقاني: تعريفاُ للتعلم الذاتي فيقول هو الأسلوب الذي يعتمد على نشاط المتعلم بمجهوده الذاتي الذي يتوافق مع سرعته وقدراته الخاصة مستخدما في ذلك ما أسفرت عنه التكنولوجيا كالمواد المبرمجة ووسائل تعليمية وأشرطة فيديو وبرامج تليفزيونية ومسجلات وذلك لتحقيق مستويات أفضل من النماء والارتقاء، ولتحقيق أهداف تربوية منشودة للفرد.
*ويري بعض التربويين أن التعلم الذاتي يحصل نتيجة تعلم الفرد نفسه بنفسه أو هو عبارة عن مجموعة من التعليمات التي تساعد علي تحسين التعلم عن طريق تأكيد ذاتية الأفراد المتعلمين من خلال برامج تعليمية مقننة تعمل علي خلق اتجاهات ومهارات ضرورية لدى المعلمين والطلاب علي السواء أو هو قيام التلميذ بنفسه بالمرور في المواقف التعليمية المتنوعة لاكتساب المعلومات والمهارات المطلوبة.
*ويقدم تف “A. Tough” تعريفا للتعلم الذي يرى فيه أن المجهود الذي يبذله الفرد من تلقاء نفسه لتهيئة المواقف التعليمية. و اختيار مصادر التعلم المختلفة لتعلم بعض الحقائق والمعلومات والمهارات.
*ويرى رونتري(D.Rowntree) أن التعلم الذاتي يعنى العملية التي يقوم فيها المتعلمين بتعليم أنفسهم مستخدمين أي مواد أو مصادر لتحقيق أهداف واضحة دون مساعدة مباشرة من المعلم.
*كما عرف"بافلوف" التعلم الذاتي كمفهوم سلوكي بقوله "أن الفرد ممكن أن يتغير إلي الأحسن ومن الداخل، إذا توفرت في حياته فحسب الظروف الملائمة لأحداث هذا التغير، ويعضد هذا التغير ما يتصف به نشاطنا العصبي الراقي من المرونة، وقابلية للتشكيل والتكوين، وما يتضمن فيه من امكانات كامنة وهائلة.
فالتغير من الداخل هو انعكاس للمتغيرات والاستثناءات التي تأتي من الخارج، وتأثر الفرد بالعوامل الخارجية: هو الذي يحرك فيه هذا التغير، ويوجهه إلي الارتقاء بشخصيته، ومن هنا يتضح دور التوجيه والإرشاد التربوي في جعل التعليم الذاتي أسلوب حياة متعود يحفز الفرد إلي السعي الدائب لان يعلم نفسه ويرتقي بشخصيته ومن هنا يتضح دور التوجيه والإرشاد التربوي في جعل التعلم الذاتي أسلوب حياة متعود يحفز الفرد إلي السعي الدائب لأن يعلم نفسه ويرتقي بشخصيته،
*وبالتالي فإن التعلم الذاتي وفقا للمفهوم السلوكي هو محاولة الفرد القيام بسلوك واعي ومنظم الغرض منه الارتقاء بشخصية الفرد تحت الأشراف والتوجيه 0
*كما عرف التعلم الذاتي "كمفهوم معرفي" بأنه هدفاُ يكتسبه الفرد خارج المؤسسات التعليمية عن طريق العمل الاستقلالي، ويمثل الوسيط الأساسي للتعلم الذاتي في المدرسة المستقلة ما يكتب في مجالات العلم، والفن، والأدب، والسياسة وغير ذلك وتعتبر الصحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون والمكتبات والمعارض والسينما والمسرح ومخالطة أشخاص علي درجه من الوعي، واللجوء إلي الثقافة في ميادين المعرفة والخبرة وحضور المحاضرات والقدرات وغير ذلك من مصادر التعلم الذاتي.
كما تجدر الإشارة إلي أن هناك فرق بين مصطلح التعلم الذاتي self learning والتعلم الذاتي self teaching حيث إن هناك خلطا بين هذين المصطلحين فكثيرا ما يشار جدل حول سلامة أي المصطلحين، فقد أشار الأدب التربوي إلي أن التعلم علما يبحث في اكتشاف القوانين العلمية التي تحكم وتفسر ظاهرة تغير أو تعديله ومن هذا المنطق فالفيزياء علم يبحث في اكتشاف القوانين العلمية التي تحكم وتفسر الظواهر العلية والاقتصاد علم يبحث في اكتشاف القوانين العلمية التي تحكم وتفسر الظواهر الاقتصادية وهكذا... يوثق ذلك من المراجع.

أما التعليم teaching فهو إجراء مقصود يطبق القوانين المكتشفة في علم التعلم ، وفي غيرة من العلوم علي معارف ومعلومات ، ومهارات متداولة في صورة مناهج وكتب وأنشطة أخري كوسيلة هادفة لاكتساب المتعلمين ما يراه المعلمون مناسباُ لهم ،وضروريا لمجتمعهم في المنزل وفي المدرسة وفي المصنع وفي المزرعة ومن خلال وسائل الاتصال الجماهيري المتعددة .
ويذكر " أبو حطب " أنه إذا لم يتعلم التلميذ فإن ذلك يعني أن المعلم لم يعلم أو أنة علم تلاميذه بطريقة غير ملائمة أو على نحو غير كاف فالتعلم ليس إلا تحديدا للتعلم وتحكما في شروطه.
*ولذلك يعرف " طلعت منصور " التعلم الذاتي بأنة " النشاط الواعي للفرد الذي يستمد حركته ووجهته من الانبعاث الذاتي " بهدف تغييره لشخصيته نحو مستويات أفضل من النماء والارتقاء.
ويمكن القول أن التعليم جهد فرد يحث أخر علي تعلم شئ ما ، أما التعلم فعملية لا يستطيع أن يقوم بها إلا المتعلم نفسه ، ويميل الكاتب إلي أن الفرق بين التعلم والتعليم الذاتي في هذا المجال " أن التعلم الذاتي يعني العملية التي يقوم بها المتعلم لتعليم ذاته من خلال ما يجري من تفاعل بينه وبين المواد التعليمية المتاحة له . ، أما التعليم الذاتي فيعني الإشارة إلي تاريخ العملية السابقة أي حصيلة التعليم الذاتي.
ويمكن أن يلخص الكاتب بعد استعراضه لتلك المفاهيم والتي تعددت بتعدد المدارس النفسية والتربوية إلي أن :
التعلم الذاتي ليس نشاطاُ معروفاُ أو نمطاُ سلوكياُ فحسب، ولكنة اتجاها شخصيا وأسلوب حياة " style of life “ للفرد في تحقيق ذاته، فهو أسلوب يسعى فيه المتعلم إلي تحقيق الأهداف الموضوعية عن طريق تفاعله مع المادة التعليمية، والسير من خلال مشاركته النشطة والايجابية في المواقف التعليمية، ويحصل المعرفة وفقا لقدراته واستعداداته وامكاناته الخاصة وسرعته الذاتية مع أقل توجيه من المعلم.بل إن التعلم الذاتي يحد من تكرر الأخطاء التي صاحبت الممارسات والأساليب التقليدية في التعليم والتعلم والتي مازالت مستمرة 0
فمن خلاله يمكن تقديم تعليما أكثر وفاء بحاجات المتعلم ونظاما يمد كل متعلم بمقرر تدريس يتوافق مع احتياجاته واهتماماته واستعداداته وقدراته ويجعله حرا ُ في الاختيار من بين أنماط متنوعة للتعليم وفقا لأسلوبه الخاص وسرعته الذاتية في التعلم.
الأسس العامة للتعلم الذاتي :
هناك مجموعة من الأسس العامة للتعلم الذاتي تتمثل في الأسس الفسيولوجية والأسس الإُنسانية والتربوية. ثم الأسس النفسية وسوف نتناولها بشيء من التفصيل فيما يلي:
أ‌- الأسس الفسيوليجية للتعلم الذاتي:
يعتبر علماء النفس أن الفرد يرتكز علي نضج الأعضاء الداخلية، وخاصة أعضاء الجهاز العصبي ومراكزه وبدون وصول الفرد إلي مستوى معين من النضج التشريحي لا يتحقق النمو. وبالتالي لا يتحقق التعلم. ولما كان التعلم لا يسير في كل مراحل النمو. وإنما يقوده على نحو يؤدي إلي نماء الشخصية، فان هذا النماء والارتقاء ركيزته التعلم الذاتي.
ولقد أصبح من المتفق علية أن مخ الإنسان بتكويناته لا يكون كاملا ولكنه ينمو ويتشكل بتأثير عوامل استثارة النمو، واستيعاب الثقافة المحيطة في البيئة وأهم ما يتميز به المخ البشري هو " القدرة علي تكوين القدرات، وتكمن في المخ طاقات امكانات تمثل الأساس الحيوي للنماء والارتقاء في شخصية الإنسان وقد شهدت السنوات الأخيرة اهتماما ملحوظا بالدراسات المتعلقة بالسيادة المخية النصفية، ولفت الانتباه إلى أهمية تحديد الفروق الموجودة بين النصفين.
فقد أشار عديد من الباحثين إلي أن هذين النصفين من الدماغ يشاركان بطرق مختلفة في تحديد العديد من الأمور المرتبطة بالسلوك الإنساني حيث أبرزته الدراسات أن النصف الأيسر من المخ له السيادة في مجال معالجة العمليات العقلية العليا كالتعامل المجرد والتعامل المنطقي والتعامل مع المثيرات اللفظية واللغوية والتعامل مع المواقف ذات الطبيعة الجزئية التحليلية الناقدة. في حين كانت سيادة النصف الأيمن في معالجة العمليات العقلية البسيطة، والمتعلقة بالنواحي والوظائف الحسية والحركية والانفعالية بجانب الاهتمام بالأتساق الكلية، والتعامل مع المواقف الدراسات أن التخطيط ادراكيا أفضل تحصيليا في التعلم الذاتي من المعتمد ادراكيا.
وتبرهن أحدث الكشوفات العلمية في المخ ، عملية الاستمرارية في قابلية الإنسان للتعلم فقد توصلت احدي الدراسات في ألمانيا أن خلايا المخ لا تموت مع التقدم في العمر حيث أن مخ الإنسان يتكون من عشرون مليون خلية ولكن يقل حجمها نتيجة لقلة الماء فيها. ويبدأ حجم الخلايا في النقصان بعد سن الستين، وهذا لا يؤثر علي الذكاء وملكة التفكير، والعواطف الحسية، والقدرة على الابتكار والإبداع والتأثير الوحيد هو على الحركة العضلية ويبدع كلما امتدت به الحياة بفضل تلك الملايين من خلايا المخ.
ب-الأسس الفلسفية للتعلم الذاتي:
يؤكد تاريخ التربية على أن التربية متغيرة، متطورة، خضعت في تطورها للتغيرات الثقافية، والسكانية منذ بدء النمو الثقافي، والزيادة السكانية والتربية متصلة بالثقافة لأنها وسيلتها إلى تشكيل الفرد لذا كان تأثرها بالانفجار الثقافي وبالتالي بالانفجار السكاني لأن الزيادة في السكان هي زيادة في عدد الأفراد والفرد هو هدف التربية وغايتها.
وقد أشار برنارد Bernard بأنه لو جمعت المعرفة منذ بداية الحياة حتى السنة الأولى من الميلاد فإنها تكون قد تضاعفت مرتين سنة 1750 ثم ثامن مرات سنة1950 ثم ستة عشر مرة سنة 1967 مما يعني أن الكم المعرفي يتضاعف بصورة كبيرة في فترات قصيرة لا تتعدى العشر سنوات.
وازدادت المعلومات زيادة مماثلة وقد ترتب على ذلك تقادم المعلومات بسرعة جعلت من الصعب إلمام العقل البشرى بكل أبعادها حتى في مجال واحد وأقصى تطوير للعملية التعليمية والتربوية أن تستجيب لمتغيرات العصر الذي من ابرز خصائص انه عصر التقدم العلمي والتزاوج بين العلم التكنولوجيا وأنه عصر الانفجار الثقافي (خصائصه)0
وفى ضوء ما سبق ذكر كان لا مناص من ان يكون في صدارة التطور التربوي، التطور في أهداف التربية ذاتها من الحظ والاستظهار للمعرفة إلى أهداف جديدة تقوم على التعلم المستمر مدى الحياة بالأخذ بالتعلم الذاتي لتنمية الاستعدادات وتنمية القدرة على الإبداع الخلاق لان الانفجار المعرفي يحتم ضرورة أن تقوم المدرسة بإعداد جيل يستطيع متابعة نمو المعرفة 0
ويأخذ دوره في المساهمة في تطويرها ومثل هذا لايتم إلا باستخدام ممارسات تربوية تؤكد على مبدأ التعلم الذاتي في مواجهة التحديات الناجمة عن الانفجار المعرفي.
كما أدت الزيادة السكانية الهائلة التي تشهدها معظم المجتمعات، إلى تزايد الإقبال على التعلم، وزيادة أعداد التلاميذ المقبولين في كل مدرسة، ارتفاع كثافة الفصول وبالتالي إلى اتساع الفروق الفردية بين التلاميذ في القدرات والاتجاهات والرغبات وطرق التفكير وأساليب التعلم فلكل متعلم مميزاه ودوافعه، ونمط تعليمه الخاص الذي لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار عن تنفيذ الخطط التعليمة، ولم ينجح المعلم بأساليبه وطرائقه التقليدية في مراعاة هذه الفروق التي ازدادت تباينا وتفرعا مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في كفاءة العملية التعليمية أصبحت الحاجة ملحة إلى أساليب جديدة يستطيع المعلم من خلالها تصحيح المسار وتحقيق الأهداف من أجل النمو المنشود ويتطلب هذا ضرورة تبني استراتيجية تركز على أساليب التعلم الذاتي.
_الأسس التربوية للتعليم الذاتي:
لقد شجعت الفلسفات التربوية الحديثة وخاصة الفلسفات الإنسانية على تبني أسلوب التعلم الذاتي حيث أن الكثير من الأفكار الإنسانية التي نادى بها تنسق مع منهجية التعلم الذاتي ومن أبرز تلك الأفكار:
-أن التعلم الذي لا يؤدي إلي تعديل سلوك الفرد لا يمكن أنها أن يكون ذاتيا.
-وأن التعلم عمليه مستمرة مدى الحياة0
- وأن المدرسة ما هي إلا أنها أحدى المؤسسات التي يتعلم عن طريقها الفرد ويستطيع الفرد أن يتعلم في المنزل والمكتبة والمسجد والشارع وغيره من المؤسسات التعليمية.
وأن دور المعلم في العملية التعليمية ماهو إلا دور الوسيط الذي يسهل عملية التعلم وأن أفضل أنواع التعلم هي التي تبنى على حاجات ورغبات وميول واستعدادات وقدرات الدارسين وأن الهدف من التربية لم يعد نقل المعلومات من (جيل إلى جيل) أو حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات ،بل إن هدف التربية هو تكوين الشخصية المتكاملة وتكوين الشخص الذي يستطيع أن يواصل تعلمه في المستقبل.
وعلى الرغم من أن الاتجاه الإنساني قد ركز على عمليات الإرشاد النفسي إلا أنه أمد العاملين في المجال التربوي بالعديد من الأسس التي ترتبط بالعملية الثنائية. ويرى الإنسانيون وعلى رأسهم رو جوز Rogers بضرورة العملية التربوية حول المتعلم من حيث هو محورها والمسيطر على متغيراتها وإعطاء الحرية للمتعلم في تقرير ما يريد أن يتعلم. ويشير جود دمان Goodmanبأنه من الصعوبة بمكان تعلم شيء إلا إذا كان هذا الشيء يرضي حاجة أو رغبة أو فضول المتعلم.
-ويسوق أصحاب المدرسة الإنسانية مثل كامبل compelأدلة تجريبية مفادها أن التوجه الذاتي للمتعلم وان لم ينتج عنه آثار ضارة على التحصيل الدراسي للتلاميذ فإن تأثيره كبير على شخصياتهم كما يتمثل ذلك في الثقة بالنفس وسهولة التعامل مع الآخرين والنمو المستمر للشخصية.
كما أن الرغبة في معرفة كيفية التعلم يعتبر أساسا جوهريا ترتكز عله أفكار المدرسة الإنسانية فالمدرسة في رأيهم ينبغي أن تعد تلاميذ يتمتعون برغبة دائمة في التعلم بل يتعلمون كيف يتعلمون.
-ويشير روجرز Rogers: أن التدريس ونقل المعرفة للتلاميذ عمل له معنى في بيئته لا تبعد غير إن الإنسان المعاصر يعيش في بيئته دائمة التغير فما يدرسه التلاميذ اليوم في الفيزياء مثلا سيصبح باليا بالتأكيد خلال بضع سنوات وما تسميه حقائق في التاريخ فإنها تعتمد إلى حد كبير على المزاج السابق للثقافة والعلوم كلها في حالة تغير مستمر ومن ثم فإن التربية إذا أرادت أن تحافظ على بقاء الإنسان تيسير التغير والتعلم وذلك عن طريق تزويد الفرد بالأدوات اللازمة لذلك. فالإنسان المتعلم هو الذي يتعلم كيف يتعلم وإنه لا دوام لأي معرفة وإن عملية البحث عن المعرفة والحصول عليها من مصادرها الأصلية هي الأساس الوحيد لنموه واستقراره. وبالتالي تصبح الوظيفة الأساسية للتربية في نظر ماسلو Maslowهو العمل الجاد على مساعدة الأفراد لتنمية أنفسهم وتحقيق ذاتهم بل واكتسابهم الوسائل التي تمكنهم من ذلك.
-ويشير جاردنرGardener في هذا الصدد أيضا أن الهدف النهائي من العملية التربوية هو تدريب الفرد على متابعة تعلمه بحيث ينتقل إليه عبء متابعة تعلمه؛ و إن وظيفة المدرسة هي تعليم الفرد كيف يتعلم 0 والتعلم المستمر – بالتعليم الذاتي هو ركيزة التطور التربوي وإصلاح التعلم؛ وتجديده في عصر ثورة المعلومات ذات الطوفان من المتغيرات 0
ونستخلص مما سبق ذكره:أن دور كل من المعلم والمتعلم قد تغير في ظل أفكار الاتجاه الإنساني؛ فلقد أصبح علي المتعلم أن يكون مشاركا نشطا في العملية التربوية؛ وذلك فيما يختص باتخاذ القرارات التي تتصل الموضوعات التي يتعلمها؛ وكيفية تعلمها؛ وأصبحت مهمة المعلم تنحصر في تيسير وتسهيل عملية التعلم؛ والعمل علي خلق الجو الذي تسعي فيه التلاميذ بالحرية والأمن لتحقيق نموهم المعرفي ؛والوجداني والحركي ومساعدة كل تلميذ علي التعرف علي استعداده وإمكانياته وقدراته 0
-الأسس النفسية للتعلم الذاتي:
ظهرت العديد من الدراسات السيكولوجية التي توضح أن هناك فروقا بين الأفراد
في العمر الواحد في نواحي كثيرة؛ كالذكاء والتحصيل والفهم والإدراك
ومستوي النضج والطرق التي يدرك بها الأفراد العالم والأنماط التي يتعلمون بها والميول نحو المادة الدراسية وسرعة التعلم ومستوى الدافعية وتطبقها لهذا كانت الدعوة إلي ضرورة جعل عملية التعلم عملية فردية بحيث ينظر إلى المتعلم أنه شخص فريد في خصائصه وانه يتعلم بطريقة أفضل تحت أسلوب وطريقة معينة0
ويعد مبدأ الفروق الفردية من أهم المبادىء التي يراعيها التعلم الذاتي وذلك عن طريق التشخيص الدقيق للخصائص المميزة لكل متعلم سواء أكانت ذلك في معلوماته السابقة أو خصائصه النفسية، فكل موقف من مواقف التعلم الذاتي يحتوي على مواد اختيارية قبلية يتحدد من خلالها مستوى المهارات المدخلية لكل متعلم، بحيث يساعد ذلك على تحديد نقطة البدء التي يمكن أن يبدأ كل متعلم منها في دراسته، ثم تقديم بدائل متنوعة عن الأساليب والرسائل التي تختار من بينها ما يناسبه. ولقد تفاوتت مدارس علم النفس في الوسائل التي يتعاملون بها في ظاهرة الفروق الفردية، مما أدى إلى ظهور ثلاث اتجاهات في علم النفس:
1- الاتجاه التجريبي: The Approcach of Experimental
يرى أصحاب هذا الاتجاه وعلى رأسهم سكينر Skinner بأن الاشتراطي (perant condition) فطالما أنه بامكان الفرد إصدار استجابة معينة، وطالما أن هذه الاستجابة يمكن تعزيزها، فان هذا التعزيز من شأنه أن يزيد من احتمالات حدوثها في المرات التالية ومن ثم فرص تعلمها. ويشير سكينر Skinner بأن التغلب على الفروق الفردية إنما تكمن في التحكم في البيئة التعليمية، وذلك عن طريق التعزيز السالب والموجب باستخدام أساليب التشكيل والتعميم، بحيث يتوفر لكل متعلم الفرصة، لأن يصل إلى المستويات المطلوبة.
وبناء عليه فإن أنصار هذا الاتجاه يتناولون التفسيرات تناولا تجريبيا، ويتعاملون مع الفروق الفردية عن طريق التحكم في البنية التعليمية، ويعتبر مراعاة الفروق الفردية وحاجات واستعدادات التعلم من أهم خصائص التعلم الذاتي الذي يراعى سريعي التعلم وبطي التعلم حيث أن لكل متعلم إمكانية وسرعته الذاتية 0
2-الاتجاه الارتباطي في علم النفس: compreltional psychology
يرى أصحاب هذا الاتجاه بأنه إذا كان التلاميذ يختلفون في قدراتهم على التعلم فانه من الممكن التحكم في ذلك عن طريق وضعهم في المقررات، والصفوف الدراسية المختلفة تبعا لقدراتهم وإمكانياتهم، ومن ثم زيادة فرص النجاح لكل منهم.
ولتحديد تلك الفروق بين التلاميذ، تستخدم المقاييس المختلفة لقياس الذكاء والاستعداد، فإذا أظهرت النتائج بأن تلميذا لا يتوفر لديه القدرة على النجاح في مقرر ما أو صف ما، فإنه من الأفضل وضعه في مستوى أقل وهذا يؤدي بدوره إلى حماية التلاميذ من مواجهة الفشل والذي يؤدي إلى ضعف ثقته بنفسه.
ومن خلال العرض السابق يتضح أن هناك اتجاهين للتعامل مع الفروق الفردية الأول يؤكد على تحسين طرائق التدريس وإثراء البيئة التعليمية، والثاني يتعامل مع الفروق بصورة سلبية مؤكدا على ضرورة انتقاء الأفراد تبعا لامكاناتهم وقدراتهم،
وللجمع بين هذين الاتجاهين ظهر الاتجاه الثالث ويعرف باسم:
3- التفاعل بين الطريقة والاستعداد: Aptitude Treatment Interaction
يعرف كرنباخ Cronbach مفهوم التفاعل بين الاستعداد والطريق بأنه الموقف التعليمي الذي يمكن أن نوفره للمتعلم، آخذين في الاعتبار أن هذا المتعلم ذو خصائص فريدة سواء أكان ذلك في الجوانب العقلية أو الانفعالية أو الجسمية، وأنه يتعلم بطريقة أفضل تحت أسلوب أو طريقة معينة. وقد دعم هذا الاتجاه بالبحوث التجريبية حيث أوضحت النتائج فعالية هذا اختيار الطريقة المناسبة لكل متعلم حسب خصائصه، واستعداداته وامكاناته وأسلوبه أو طريقة التعلم الذاتي يسمح لكل متعلم أن يحدد المسار الذي يناسبه في سعيه لتحقيق الهداف الموضوعية، فكل هدف من الأهداف يقوم المعلم باقتراح عدد من الأنشطة، والمسارات له يستطيع المتعلم أن يجتاز من بينها ما يشاء، وفي كل مرة يختاره بتعدد الأساليب، ولكنها جميعا تؤدي في النهاية إلى تحقيق نفس الهدف كماً ويتيح التعلم الذاتي للمتعلم فرصة التعلم في مجموعات كبيرة والتفاعل في المجموعات الصغيرة أو الدراسة المستقلة.

وفي نهاية الحديث عن الأسس العاملة للتعلم الذاتي هناك أسس نفسية وتربوية أكثر تحديداً لبرامج التعلم الذاتي في العملية التعليمية أشار إليها (حامد منصور) وهي كالآتي:
1- اعتبار أن كل تلميذ حالة خاصة في تعلمه.
2- مراعاة مبدأ الفروق الفردية في التعلم.
3- التحديد الدقيق في للسلوك المبدئي في التعليم الهادف.
4- مراعاة السرعة لكل تلميذ أثناء التعليم.
5- تقسيم المادة التعليمية إلى خطوات صغيرة هادفة.
6- الايجابية والمشاركة في التعليم.
7- التسلل المنطقي لخطوات التعلم الكاملة.
8- التعزيز الفوري والتعزيز لمراجعة كل خطوة0
9- حرية الحركة أثناء التعلم، وحرية اختيار المواد التعليمة أساسيات في عملية التعلم0
الخصائص التربوية للتعلم الذاتي:
يتبنى التربويون مفهوم التعلم الذاتي بعد ما أكدته كثير من البحوث والدراسات التي أجريت لتقويمه: من أنه يتيح للمتعلم أشكالا مختلفة من التفاعل المحسوب له في كل موقف تعليمي ويحقق الأهداف التعليمية بما مع قدراته واهتماماته باعتباره الأسلوب الأفضل للتعامل مع مشكلة التزايد في المعرفة الإنسانية وإعداد المتعلم ليواصل تعليمه بنفسه بعد الانتهاء من دراسته ولما يتميز به من خصائص ومزايا يمكن إيجازها فيما يلي:
1)مراعاة الفروق الفردية:
ظهرت العديد من الدراسات السيكولوجية التي أوضحت أن هنالك فروقا بين الأفراد في العمر الواحد في نواحي كثيرة كالذكاء والقدرة على التحصيل والفهم والإدراك والاختلافات في الميول والاتجاهات والاهتمامات ودلت البحوث أن أفراد النوع الواحد يختلفون فيما بينهم.
وعلى هذا فالتعليم يجب أن يقابل متطلبات المتعلمين وفقا لحاجتهم الفردية حيث أن الكتب المقررة والأنشطة توضح عادة للمتوسط من المتعلمين ضوء معايير خارجية يراها المسئولون مناسبة لمرحلة معينة ويتم إغفال مابين التلاميذ من فروق فردية.
والتعلم الذاتي يقدم حلا لهذه القضية فهو يسمح للمتعلم بحرية استخدام الوقت ويسمح لكل متعلم أن يحدد المسار الذي يناسبه في سعيه لتحقيق الأهداف الموضوعة كما أنه يتيح للمتعلم فرصة التعلم في مجموعات كبيرة أو صغيرة أو الدراسة المستقلة ودقة السرعة الذاتية ويرى الباحث أن الفروق الفردية تعد أهم المبادئ التي يراعيها التعلم الذاتي وذلك عن طريق التشخيص الدقيق للخصائص المميزة لكل متعلم سواء كانت نفسية أو عقلية ويقوم بع ذلك بإعداد المواد التعليمية وطريق التدريس والأنشطة التعليمية التي تلائم أساليب التعلم لكل فرد متعلم أو لكل مجموعة من المتعلمين يتفقون في القدرات والحاجات والرغبات.
2)إيجابية المتعلم وتفاعله:
أوضحت الدراسات التربوية أيضا أن التعلم الذاتي يتم من خلال نشاطا المتعلم. وأن أفضل أنواع التعلم هو القدرة على العمل والنشاط والمبنى على إيجابية المتعلم في البحث عن المعلومات والاستنتاج
وعلى عكس ما يتم في التعلم النمطي الذي يؤدي إلى سلبية المتعلم حيث يتسم المتعلم بالسلبية والاعتماد على المدرس في مختلف المواقف التي يمر بها. وتؤدي تلك السلبية إلى أن يعدم لديه القدرة على الخلف والإبداع.
إلى جانب أن التعلم الذاتي يتميز بتوفير أشكال متنوعة ومتعددة من إيجابية وتفاعل في المواقف التعليمية كالتفاعل بين المتعلم والبرنامج التعليمي بحيث يمكن تلقى تغذية راجعة عن صحته وعن مدى التقدم الذي يحرزه بما يؤدي إلى دافعيته الذاتية ورغبته الحقيقية في التعلم إلى جانب تفاعل المتعلم بغيره من المتعلمين سواء كان هذا التفاعل من خلال مجموعة أو مجموعات كبيرة بما يؤدي إلى تقييم الإحساس بالمشاركة والمسؤولية الاجتماعية والتعلم من الآخرين ولتنمية الثقة بالنفس والقدرة على تعلم أشياء جديدة والنجاح في المواقف المختلفة.
3)حرية المتعلم في الدراسة المجالات المختلفة وفقا لتوجهاته الذاتية:
من أهم المبادئ التي أصبحت اليوم ركنا أساسيا في التعلم المعاصر، أن التعلم حق لكل المواطنين باختلاف مستوياتهم ومذاهبهم، ومراكزهم الاجتماعية ولذا يدعوا بعض المربين إلى إعطاء المتعلم الحرية في تقدير ما يريد أن يتعلمه، وإعطاء الفرص لكل طالب لأن يتقدم في كل مجال من مجالات الدراسة، وفق قدراته الخاصة مما يؤدي إلى إتاحة الظروف النفسية التي تدفعه إلى تعلم أكثر فعالية. ولكي يؤدي الفرد عملا بنجاح يرى الباحث، أن يتاح دافعيته نحو تعلم أشياء جديدة، واتخاذ القرارات الإبداعية لدى الطالب، وتلك القدرات نجد فرصتها أكثر في الجهد الذاتي والنشاط المنسق من داخل المتعلم، وهذا ما يؤكده ويدعوا إليه أسلوب التعلم الذاتي.
4)التعلم الذاتي للمتعلم
:
يتميز التعلم الذاتي بأنه يسمح للتلميذ بتقويم وتوجيه نفسه ذاتيا، ولا ينقل الطالب من وحدة إلى أخرى إلا بعد أن يتم إتقانه للوحدة موقع الدراسة، ويعد التقويم الذاتي في رأي الكثيرين من الشروط الضرورية لتدعيم الاستقلالية لدى المتعلم.
ويؤكد العديد من الباحثين أن أحسن طريقة لتقويم هو أن يٌقوّم التلاميذ وفقا لمستوياتهم أنفسهم وليس بالمقارنة مع تلاميذ آخرين عن طريق اختبارات محكية المرجع Criterion Referenced T وهي الاختبارات التي يعد فيها المعلم محكا أو معيارا ينبغي أن يصل إليه التلميذ. ومن أهم ما يتضمنه أسلوب التعلم الذاتي، التقويم الذاتي بوسائله المتنوعة والممثلة بالاختبارات القبلية، والتي تهدف إلى تحديد وضع المتعلم من حيث مدى استعداده للدراسة سوف الذي يبدأ منه. والاختبارات التتبعية والتي تهدف إلى مساعدة المتعلم على معرفة مدى نموه وتقدمه في دراسة مكونات المادة التعليمية. كما تمده بالتغذية الراجعة feedback الفورية عند مستوى الإتقان لما تعلم ومدى تحقيقه للمستوى الموضوع ، حيث تعتمد القرارات المناسبة أما بالانتقال إلى أقسام أخرى من دراسة المحتوى أو اختبار بدائل أخرى، ثم الاختبار النهائية وهي الشكل الثالث من أشكال التقويم الذاتي، والتي تهدف إلى الحكم عن مدى إتقان المتعلم للتعلم ووصوله للأهداف الموضوعة حتى يكرر مرة أخرى ما إذا كان يحتاج إلى مزيد من الوقت للدراسة أم الانتقال إلى أقسام أخرى0
تلك هي وسائل التقويم الذاتي ، وهي متنوعة كما أشار الباحث وتهدف في بدايتها إلى وضع المتعلم في المكان المناسب من حيث استعداداته وقدراته، وتهدف في أثناء القرارات التعليمية إلى مساعدة المتعلم وإعطاءه التغذية الراجعة والفورية لتصحيح المسرات وفي نهايتها تحدد مدى وصول المتعلم إلى تحقيق ألا هداف الموضوعة وهى مراحل كلها تهدف إلى مساعدة المتعلم وبناؤه وليس إلى إحباطه وإذلاله0
قد أشار هوات hoit في هذا الصدد أن المقارنات والتقديرات النهائية في التعلم النمطي هي مصدر إذلال للمتعلم وعاقة للمعلية التربوية التلاميذ يعملن في معظم ألأحيان للحصول على الدراجات وليس من أجل الارتقاء الذاتي بالإضافة إلى أن إعلان لدراجات- كما هو سائر وحتى ألان- تؤثر بطريقة أو بآخر على المتعلم الراسب من حيث نظرته لذاته، ومن حيث نظرة الآخرين له0وهو عكس ما يحدث في التقويم الذاتي الذي يتيح الفرص للفرض في توجيه ذاته بما يساعده على تنمية جوانب شخصية 0
أساليب التعلم الذاتي :
-هناك العديد منا التقسيمات لأساليب التعلم الذاتي، والتعلم الفردي أشار كمب kemp 1977 إلى أن التعليم الفردي ينقسم إلى أنماط عديدة منها:
التعلم الذاتي، الدراسة المستقلة، التعلم بالخطو الذاتي، والتعلم الفردي الجماعي0
-كما عرض طاهر عبد الرازق أنماطا أخرى من التعلم الفردي :
منها الدراسة الموجة ذاتيا، برامج مركزة حول المتعلم، التعليم المحدد من جانب الطالب، مما يؤدي إلى أن التعليم الذاتي نوع من أنواع التعلم الفردي0
-كما أشار أحمد منصور إلى العديد من أساليب التعلم الذاتي :
مثل الرزم التعليمية أو الحقائب التعليمية متعددة الوسائل، الخطو الذاتي عن طريق وسيلة واحدة، الوحدات المصغرة للتدريس (الموديل) التعليم المبرمج أعماله بأنواعه، البرامج المتفرعة، البرامج الخطية، البرامج الأفقية،التعليم المصغر الذاتي،التعليم بالمراسلة (وتأخذ صورتين، مرشد للدراسة،والبرامج الشاملة) التعليم المنزلي أو الجماعة المفتوحة، الألعاب التعليمية0
"
المصدر : إعداد المشرف التربوي السيد بحيري
ا:
المراجع :
  • أ.د. توفيق أحمد مرعي ، د. محمد محمود الحيلة ، تفريد التعليم دار الفكر 1998م – الأردن .
  • د. عدنان زيتون ، تقديم أ.د.محمود السيد ، التعلم الذاتي ،دمشق 1999م .
    • د . خليل يوسف الخليلي ،د. عبد اللطيف حسين حيدر ، د. محمد جمال الدين يونس ، تدريس العلوم في مراحل التعليم العام ، دار القلم _ 1996م، الإمارات