علوم التربية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

علوم التربيةدخول

منتدى يتمحور حول القضايا التربوية في أبعادها الفلسفية و الإجتماعية و النفسية و حول موضوع التعليم في شتى تطبيقاته البيداغوجية.


descriptionمفاهيم التعليمية Emptyمفاهيم التعليمية

more_horiz
مفاهيم التعليمية

مقدمة:



منذ تطور العلوم وتقدم الصناعات، أصبح الاهتمام بالنوعية وتحسين المردود صناعيا كان أم تربويا من اهتمام الباحثين في مختلف المجالات، و تأثر قطاع التربية كمثيله من القطاعات الأخرى (الاقتصادية و الصناعية …) بمفاهيم جديدة مسايرة للعصرنة، مع التركيز على الفعالية و العلمية و الموضوعية ، فأصبح ينظر لقطاع التعليم على أنه مؤسسة لاستثمار و إنتاج العنصر البشري ، و بدأ الاهتمام ينصب على كيف نكّون تلاميذ فعالين؟ وكيف نطبق أحسن الطرق و الوسائل من أجل هذا التلميذ الفعال ؟ و كيف نحقق الغايات و الأهداف ؟

ففي مجال التربية أصبح الاهتمام ينصب ليس على شحن الأذهان بالمعلومات والمعارف وتكوين تلاميذ "موسوعة" ، بل بدأ التركيز على كيفية تجاوز هذا الجانب إلى تمكين المتعلم من التفكير وحل المشكلات، وهذا الأمر جعله شخصا نشطا في الفعل التربوي، من هنا بدأت القفزة النوعية التي عرفتها مجالات التربية، وتطورت المفاهيم لتصبح أكثر دقة وعلمية، فمن التربية العامة إلى التربية الخاصة،ومن التربية (Education) إلى علوم التربية (Science de l’éducation) ومنها إلى البيداغوجيا الحديثة ، التي جعلت من التلميذ محور اهتمامها وركزت على نشاطه لتسهل التعلم (أنظر المدرسة الفعالة أو النشيطة (l école active) (1).

فتغير نظرتنا لمرحلة الطفولة قد أثر على الطريقة التي يتبعها المعلم في تصميمه للمرافق التعليمية داخل الفصل الدراسي.و كمثال لذلك فإن اعترافنا بالفروق الفردية و بأهميتها، قد أدى إلى إدراك أهمية تقديم المساعدة الفردية للتلاميذ كأحد البدائل التي يمكن استخدامها في التدريس، كما أن تغير نظرتنا لنمو الأطفال و تغير اتجاهاتنا نحو الصغار، قد أدى إلى ظهور طرق جديدة في التعلم.

فلم يعد التلميذ كائنا سلبيا متلقيا للمعلومات، بل أنه أصبح إيجابيا مشاركا في عمليات التعلم. (دنيس تشايلد ، 1983،ص372)
وبين هذا وذاك استعملت عدة اصطلاحات تداولها المربون والمختصون في علم النفس وعلوم التربية، ومن هذه المصطلحات نجد مصطلح التعليمية (Didactique ) الذي أصبحنا لا نقرأ مقالا عن التربية أو التعليم إلا ونجده ضمن المفاهيم الأساسية والمتداولة. فما معنى مصطلح التعليمية؟ ما هو الفرق بينه وبين البيداغوجيا ؟ ما هي أهم المفاهيم التي تستعملها التعليمية ؟

الديداكتيك (التعليمية) تطرح مشاكل معرفية (ابستمولوجية)(2) منها ما يرتبط بدلالة المصطلح، بينما يعود بعضها الآخر إلى المنزلة التي تحتلها أو التي ينبغي أن تحتلها في حقل المعرفة التربوية.
فقد عبر غاليسون (Galisson) في قاموسه 1976 عن وضعية التعليمية بقوله: من بين جميع المصطلحات الخاصة بالتعليم، تعد التعليمية (La didactique) الأكثر غموضا وإثارة الجدل.

وهذا الوصف للوضعية الغامضة لعلم التدريس Didactique ينطبق أساسا على فرنسا، فإذا ما رجعنا إلى صنافة ميلادي (Mialaret) نجد أن هناك غياب لهذا التخصص، أو على الأقل تهميشه، وهو غياب يشمل التقليد التربوي الفرنسي برمته، ولا يظهر في الأدبيات التربوية إلا باعتباره صفة دون أن يكون مصطلحا للدلالة على علم مستقل، في حين أن الديداكتيك في البلاد الأخرى مثل البلدان الجرمانية والأنجلوسكسونية على وجه الخصوص حظي بمنزلة متميزة ضمن الهياكل التعليمية الجامعية، وضمن الإنتاج العلمي .

هكذا فإن الديداكتيك حسب دولانشير(Delandsheere) تعني بالنسبة لمعظم المربين الفرنسيين طريقة في التدريس، وعلى وجه التحديد الطريقة الخاصة بتدريس مادة معينة أو مجموعة من المواد المتقاربة، مثل ديداكتيك اللغات الحية.
ويمكن أن نلاحظ نفس الوضعية المركبة لهذا العلم في العديد من الدول العربية، أو على الأقل غياب الوعي باستقلاله ووحدة موضوعه، فهو إما موضوع ضمن مقرر التربية العامة، أويتم اختزاله إما في "طرق التدريس" أو في "أصوله"، كما هو الأمر في السودان ومصر والسعودية على سبيل المثال. (محمد الدريج، 2000، ص.ص21-23).

بهذا يمكن أن نلخص ما سبق، ونقول أن الغموض الذي تعتريه التعليمية يرجع:

أولا:

لأن المصطلح قليل الشيوع في فرنسا ، بينما نجده شائعا في البلدان المجاورة لها ، وفي كندا نجده بمعان مختلفة مما يساهم في تشويش محتوياته.

ثانيا:

لأن التعليمية تدعو إلى إنشاء تخصص جديد ، وتبحث عن حصر لموضوعه في نقطة تقع بين التخصصات والمجالات المعروفة ، وفي بعض الدول تعتبر التعليمية مرادفا لمادة ترتبـط بعلم النفس وعلم اللغة (إيطاليا-سويسرا) ، وفي دول أخرى ، فإننا لا نميز بين التعليمية والبيداغوجيا (عبد الله قلي، التعليمية العامة والتعليمية الخاصة، عن مجلة المبرز، العدد 16 ،2002 ،ص117).
تطور مفهوم التعليمية:


لابد من الإشارة إلى أننا نجد في اللغة العربية عدة مصطلحات مقابلة للمصطلح الأجنبي الواحد، ولعل ذلك يرجع إلى تعدد مناهل الترجمة، وكذلك إلى ظاهرة الترادف في اللغة العربية، وحتى في لغة المصطلح الأصلية، إذا ترجم إلى لغة أخرى نقل الترادف إليها من ذلك: تعدد المصطلحات المستقاة من الإنجليزية في شقيها البريطاني والأمريكي، والشواهد على هذه الظاهرة كثيرة في العربية سواء تعلق الأمر بالإنجليزية أم بالفرنسية، وهما اللغتان اللتان يأخذ منهما الفكر العربي المعاصر على تنوع خطاباته والمعارف المتعلقة به، منها مصطلح (Didactique ) الذي يقابله في اللغة العربية عدة ألفاظ .





تعليمية تعليميات علم التدريس علم التعليم التدريسية الديداكتيك

تتفاوت هذه المصطلحات في الاستعمال، ففي الوقت الذي اختار بعض الباحثين استعمال "ديداكتيك" تجنبا لأي لبس في مفهوم المصطلح، نجد باحثين آخرين يستعملون علم التدريس، وعلم التعليم، وباحثين آخرين لكنهم قلائل يستعملون مصطلح تعليميات، أما مصطلح تدريسية، فهو استعمال عراقي غير شائع (مجلة الفيصل، ص42-43)
كلمة تعليمية(Didactique) اصطلاح قديم جديد ، قديم حيث استخدم في الأدبيات التربوية منذ بداية القرن 17 ، وهو جديد بالنظر إلى الدلالات التي ما انفك يكتسبها حتى وقتنا الراهن ، وفيما سيأتي نحاول تتبع التطور التاريخي لهذا المصطلح بداية من الاشتقاق اللغوي وصولا إلى الاستخدام الاصطلاحي .

يقول حنفي بن عيسى، كلمة تعليمية في اللغة العربية مصدر صناعي لكلمة تعليم ، وهذه الأخيرة مشتقة من علّم أي وضع علامة أو سمة من السمات للدلالة على الشيء دون إحضاره.

أما في اللغة الفرنسية فإن كلمة (Didactique) صفة اشتقت من الأصل اليوناني (Didaktikos)

وتعني فلنتعلم أي يعلم بعضنا بعضا، و(Didaskein) تعني التعليم ، وقد استخدمت هذه الكلمة في علم التربية أول مرةسنة 1613 من قبل كل من كشوف هيلفج (K. Helwig) وراتيش و(Ratich w.) في بحثهم حول نشاطات راتيش التعليمية، وقد استخدموا هذا المصطلح كمرادف لفن التعليم، وكانت تعني عندهم نوعا من المعارف التطبيقية و الخبرات، كما استخدمه كامنيسكي (Kamensky) سنة 1657 في كتابه "الديداكتيكا الكبرى" ، حيث يقول أنه يعرفنا بالفن العام للتعليم في جميع مختلف المواد التعليمية، ويضيف بأنها ليست فن فقط التعليم بل للتربية أيضا.

واستمر مفهوم التعليمية كفن للتعليم إلى أوائل القرن 19 حيث ظهر الفيلسوف الألماني فردريك هيرببارت(FHerbert 1770-1841)،الذي وضع الأسس العلمية للتعليمية كنظرية للتعليم ، تستهدف تربية الفرد ، فهي نظرية تخص النشاطات المتعلقة بالتعليم فقط ، أي كل ما يقوم به المعلم من نشاط ، فاهتم بذلك الهربرتيون بصورة أساسية بالأساليب الضرورية لتزويد المتعلمين بالمعارف، واعتبروا الوظيفة الأساسية للتعليمية هي تحليل نشاطات المعلم في المدرسة.

وفي القرن 19 وبداية القرن 20 ظهر تيار التربية الجديدة بزعامة جون ديوي(J. Dewey 1952-1959)، وقد أكد هذا التيار على أهمية النشاط الحي والفعال للمتعلم في العملية التعليمية واعتبروا بهذا التعليمية نظرية للتعلم (3) لا للتعليم
(عبد الله قلي، المرجع السابق، ص117-118).

ورغبة منا في شرح أكثر لمفهوم التعليمية ، نحاول في الفقرة الموالية ذكر التعاريف التي جاء بها بعض العلماء حول هذا المصطلح .

*الديداكتيك شق من البيداغوجيا موضوعه التدريس، وقد استخدمه لالاند 1988 (Lalande) كمرادف للبيداغوجيا أوللتعليم (معجم علوم التربية، مصطلحات البيداغوجيا و الديداكتيك، 1994، ط1، ص68).

*كما أن الديداكتيك علم تطبيقي موضوعه تحضير وتجريب استراتيجيات بيداغوجية لتسهيل إنجاز المشاريع، فهي علم تطبيقي يهدف لتحقيق هدف عملي لا يتم إلا بالاستعانة بالعلوم الأخرى كالسوسيولوجيا، والسيكولوجيا، والإبستمولوجيا، فهي علم إنساني مطبق موضوعه إعداد وتجريب وتقديم وتصحيح الاستراتيجيات البيداغوجية التي تتيح بلوغ الأهداف العامة والنوعية للأنظمة التربوية (Legendre R. 1988) (معجم علوم التربية، المرجع نفسه، ص69)

* فالديداكتيك نهج أو أسلوب معين لتحليل الظواهر التعليمية(Devolay M. 1991 & Lacomb M. 1968) فهو الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها المتربي لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حركي، كما تصب الدراسات الديداكتيكية على الوضعيات العلمية التي يلعب فيها المتعلم الدور الأساسي ، بمعنى أن دور المعلم هو تسهيل عملية تعلم التلميذ، بتصنيف المادة التعليمية بما يلائم حاجات المتعلم، وتحديد الطريقة الملائمة لتعلمه مع تحضير الأدوات المساعدة على هذا التعلم ، وهذه العملية ليست بالسهلة، إذ تتطلب مصادر معرفية متنوعة كالسيكولوجيا لمعرفة الطفل وحاجاته، و البيداغوجيا لاختيار الطرق الملائمة، وينبغي أن يقود هذا إلى تحقيق أهداف على مستوى السلوك، أي أن تتجلى نتائج التعلم على مستوى المعارف العقلية التي يكتسبها المتعلم وعلى مستوى المهارات الحسية التي تتجلى في الفنون والرياضيات وعلى المستوى الوجداني (Lavallé) (معجم علوم التربية، المرجع السابق، ص68-69 )

نستخلص من هذه التعاريف أن الديداكتيك تهتم بكل ما هو تعليمي تعلمي، أي كيف يعلم الأستاذ مع التركيز على:

كيف يتعلم التلميذ؟ ودراسة كيفية تسهيل عملية التعلم، وجعلها ممكنة لأكبر فئة، ثم اتخاذ الإجراءات المناسبة لفئة التلاميذ ذوي صعوبات في التعليم، وبالتالي فهي دراسة التفاعل التعليمي.

يمكن لنا أن نستعين بشكل وضعه (René Richterich) (4) لتفسير العملية التعليمية إذ يقول أنها عملية تفاعلية من خلال: متعلمون في علاقة مع معلم لكي يتعلموا محتويات داخل إطار مؤسسة من أجل تحقيق أهداف عن طريق أنشطة وبمساعدة وسائل تمكن من بلوغ النتائج. (عبد المؤمن يعقوبي، 1996، ص 22).

فالتعليمية بهذا تقنية شائعة، تعني تحديد طريقة ملائمة أو مناسبة للإقناع أو لإيصال المعرفة
(علي شريف بن حليمة ،تعليمية المواد العلمية،مجلة همزة وصل، ، عدد خاص، 1992، ص21) ، فهي كتخصص تجعل موضوعها مختصرا على الجوانب المتعلقة بتبليغ مضمون معين، بينما تكون الجوانب النفسية الاجتماعية من اهتمام علوم التربية.
(عبد المجيد بن الصغير ، لمحة عن تعليمية المواد ،مجلة همزة وصل، المرجع السابق، ص46)

وككل علم من العلوم انفردت التعليمية بمفاهيم خاصة بها، تستعملها كمفاتيح لتفسير مجال بحثها وحدوده رغم صلتها الوطيدة بالعلوم الأخرى، كعلوم التربية و البيداغوجيا وعلم النفس.

مفاهيم التعليمية:


إن قائمة المفاهيم التي سوف نعرضها هنا لا تغطي كل مجالات البحث عن التعليمية، لكننا اقتصرنا على أكثر المفاهيم شيوعا واستعمالا في مجالاتها.

لعقد الديداكتيكي
التصور- الإدراك
مستوى صياغة المفهوم
الهدف- العائق
الصراع الاجتماعي المعرفي
الوضعية المشكلة
البيئة المفاهيمية
النموذج الديداكتيكي
النقلة الديداكتيكية

1.2/العقد الديداكتيكي: (le contrat Didactique)

فرض هذا المفهوم نفسه من خلال أعمال بروسو (G. Brousseau 1986-1990)، وهو يشير إلى التفاعلات الشعورية واللاشعورية التي تكون بين المعلم والمتعلم، ولم يخلق هذا المفهوم من العدم، بل جاء نتيجة لمفاهيم سابقة كالحوار التربوي(Dialogue éducatif)،والاتفاق التربوي(Transaction éducatif)،والعقد البيداغوجي(Le contratpédagogique).

وقد وصف بوستيك Postic 1979 (الحوار التربوي بعدم التماثل والتوازن بين عناصره (المعلم والمتعلم)،لأن المعلم هو المتحكم في المعرفة، بينما قد يكون المتعلم جاهلا لها وإن فهمها ، فإن فيها الكثير من الغموض، ويرجع عدم التوازن هذا إلى وضعية الأستاذ الذي يتصرف حسب التصور الذي يملكه عن التلميذ، وإن كان من المستحسن تنظيم العلاقة بالانطلاق من تساؤلات التلميذ الذي يفترض أن يأخذ المبادرة في الحوار.

وفي أمريكا –في الستينات- أدخل برادفورد1961 (Bradford ) لفظ العقد التربوي للتعبير عن الوجهة الاقتصادية لهذا المصطلح، مؤكدا على أن هذه العلاقة البيداغوجية ، ترتكز على الإدراك والتقويم والاستغلال الأقصى لثروات كل أعضائها، مع ضرورة الاستعانة بالتقنيات اللازمة لتحليل الاتصال لضمان السير الحسن للحوار بهدف الوصول لعقلنة العلاقة البيداغوجية .

أما في فرنسا فقد رجعت فيلو ج.(Jeanine Filloux 1973- (1974) الى الإشكالية الأنجلوسكسونية ، واقترحت مفهوم "العقد التربوي"، والذي تعبر به عن مجموع المعايير(Normes)،التي تربط علاقة المعلم بتلاميذه في القسم، إذ أن التلاميذ بحكم تعايشهم مع المعلم، يتصرفون وفق المعايير التي يعرفونها عن معلمهم ويخضعون لمطالبه، لهذا فإننا نجد أن بعض الأقسام "حيوية" وتشارك، وبعضها الآخر غير حيوي.

إن تحليلات فيلو ج.(J. Filloux) توضح ميكانيزمات التنظيم أو الضبط (Régulation)، التي تمكن من السير الحسن للفعل التربوي(L’action pédagogique)،مع التحكم في العراقيل ومصادر الصراع، بصفة عامة فإن التلاميذ يقبلون المعايير التي يفرضها المعلم (طريقة العمل، التقييم، العلاقة داخل القسم)، ويتنازلون عن رغباتهم الخاصة، إذا أدركوا أن هذا سوف يؤدي إلى نجاحهم.

وقد أكدت الدراسات الأخيرة حول العقد الديداكتيكي لبروسو 1986 وجوزيا 1988 (Brousseau, Joshua) عما يربط علاقة المعلم والمتعلم، إضافة إلى المعرفة، ووجدت أن هناك رابط آخر بينهما، وهو ما يعرف بالعادات والتوقعات، أو الواجبات الاجتماعية وهو ما يمكن وصفه "بالعقد الثقافي" بلاشيف (Balacheff) 1988 )، فعلى سبيل المثال إذا قام أستاذ الرياضيات بسرد أحداث فيلم، أو مباراة كرة القدم بدلا من شرح الدرس، فإنه يكون هنا قد اقدم على فسخ العقد الذي يربطه بالتلاميذ، فالعقد الثقافي هنا يضبط علاقة المعلم بالمتعلم، والذي من خلاله يصبح العقد الديداكتيكي يهدف إلى المعرفة والتعلم لا غير.

كما أن بر وسو ركز على علاقة المعلم بالمتعلم وسلوكا تهم تجاه بعضهم البعض، فالتلاميذ عليهم أن يتدخلوا في مشروع الأستاذ، وهذا الأخير عليه أن يهيئ كل الشروط اللازمة للتعلم، وعليه أن يلتزم بقواعد هذا العقد وأن لا يتخطاها، فإذا ساعد المعلم تلاميذه أثناء الامتحان أو سهله لهم أو سمح باستعمال المعجم على غير المعتاد –حتى ينجحوا- هنا يمكن أن نقول أنه أبطل العقد الديداكتيكي .
فالتفكير في العقد الديداكتيكي يبعد التأويلات العاطفية ، ويصحح الأخطاء ، ويجعل المعلم يفكر في الطرق التي يستعملها. (L’aurance cornu, 1992, P 46-48)

فعلى مستوى القسم إذا العقد الديداكتيكي عبارة عن كل ما ينتظره المعلم من المتعلم ، و المتعلم من المعلم فيما يخص اكتساب المعرفة ، فهو يمثل كل ما يجب أن يقوم به كل واحد منهما، و قد تحدث جونار 1991-1992 (Jonnaert) عن المثلث الديداكتيكي الذي يربط علاقة المعلم والمتعلم و المعرفة ، فمن حق التلاميذ أن يقوم المعلم بتقييم ما تعلموه و يقدم لهم العون اللازم لتسهيل التعلم ، والمعلم من جهته ينتظر منهم الاحترام و الإصغاء أثناء الدرس.
(Michel Minder, ibid, pp18.19)

هكذا يمكن القول أن العقد الديداكتيكي يعمر عن كل ما يربط المعلم بالمتعلم في الموقف التعليمي من ضبط للمعرفة ومن احترام لشروط العقد لكلا الطرفين حتى نضمن عملية التعلم التي يسعى إليها النظام التعليمي.
(تابع)

descriptionمفاهيم التعليمية Emptyرد: مفاهيم التعليمية

more_horiz
التصور / الإدراك: (Représentation / Conception)

إن العمل المدرسي عبارة عن دينامية مستمرة تعتمد على دمج المعارف القديمة بالمعارف الجديدة، وقد تتعرقل ديناميكية التعلم، كما قد تستمر لأن كل تلميذ يحمل تصورات خاصة به (قد تكون صحيحة أو خاطئة) حصل عليها من خلال تفاعلاته الاجتماعية ومعايشته لمحيطه ، ومن غير الممكن أن نفكر في تعليم شيء ما إذا تجاهلنا هذا الواقع ، لهذا نجد أن ميريو (Philippe Meirieu) ندد بالأستاذ الذي يدخل القسم ويتصرف وكأن التلاميذ صفحة بيضاء ، ويلقنهم مادة ما دون اعتبار لمعلوماتهم السابقة، لأن التلميذ يملك معلومات سابقة –حتى وإن كانت خاطئة- ويظن أنه يعرف الكثير، هذا هو الخطأ الأول أما الخطأ الثاني الشائع هو الاعتقاد أن المعرفة التي سوف يحضرها الأستاذ سوف تلغي بالضرورة مكتسبات التلميذ السابقة، صحيح أن التلميذ يكتسب معارف في المدرسة يضيفها لمعارفه السابقة التي قد تختفي لفترة ما ولكن تظهر يوما ما.

من وجهة نظر المعرفيين، فقد أكدت دراسات بياجيه (Piaget) أنه من خلال(الاستيعاب)(Assimilation) (5) والمواءمة (Accommodation) (6)، فإن الطفل لا يعط معنى لأي شيء إلا إذا كان يملك النمو المعرفي لذلك. وقد أكد كل من جيوردن فيشي (Giordan-Vecchi) أن المعرفة تبنى من معارف كانت موجودة، وأن التعلم لا معنى له ولن يحدث في البنية المعرفية إلا اندمج في شبكة سابقة، مع إمكانية أن يحدث تعديل لهذه الأخيرة، وتعتبر هذه الفكرة قطيعة ابستمولوجية مع ما كان سائد في السابق من اعتقاد أن التعلم يحدث من خلال التمرين، وفي حالة ما إذا كان التلميذ منتبها.

ففي كل التعليميات (العلوم الاجتماعية، الفرنسية، العلوم التجريبية) يرى الباحثون أن كل تعلم لابد أن يأخذ بعين الاعتبار التصورات الموجودة في عقلية التلميذ ونظامه المعرفي، فعلى البيداغوجي أن يحلل طبيعة التصورات الخاطئة للتلميذ حتى يلغي العوائق الخاصة بالتعلم؛ من هنا ظهرت مفاهيم جديدة، مثل مستوى صياغة المفهوم، والهدف / العائق ، والصراع المعرفي الاجتماعي. (L’aurance cornu, Ibid, pp49-50)

فدراسة تصورات التلميذ عن موضوع معين تجعلنا نتوقع العوائق التي قد تعترض التلميذ في طريق اكتساباته العلمية (Astolfi, Jean pierre 1997,P.95) خصوصا إذا لم تتجاهل حقيقة أن التلميذ لا يدخل للقسم "رأسه فارغة"، فلديه أفكار أقل ما يقال عنها أنها لديها بناءها الخاص، ويحاول تكييفها مع الموافق الجديد، وأفكاره هذه تقاوم المعلومات الجديدة التي يحضرها المعلم. فإذا سلم التلاميذ بفكرة أن الغاز يعتبر مادة -علما بأن المادة شيء يرى بالعين وثقيل الوزن- فكيف لا يمكن لهم أن يعمموا الأمر على الحرارة والكهرباء أو الطاقة ؟ (Astolfi, Jean pierre ibidem,pp.123-124)
نلخص ما قلناه في مقولة بيرنو 1996 (Perrenoud) أن عملية التعلم تكون من خلال ما هو موجود ، إذ لن يكون هناك تعلم من فراغ أو عدم ، و هذا ما يسمح بتزاوج مع ما كان في السابق( Le déjà- la ) و ما سوف يكون من معارف جديدة ( Les savoir –faire nouveaux) ، فما يجب القيام به إذا هو التعرف على المعلومات السابقة من خلال التقييم التشخيصي لمعارف التلاميذ لتقييم ما هو موجود و الصعوبات أو العراقيل التي قد تعترض سير التعلم.(Michel Minder,1999,p.p45.46)

من خلال شرح هذا المفهوم (التصور / الإدراك) ، فإننا نعترف بكينونة المتعلم ونضعهما نصب أعيننا حتى نضمن استمرار عملية التعلم، ونصحح الأخطاء المعرفية التي يمكن أن تكون عائقا أمام تلاميذنا، ونتعرف على البناء المعرفي للتلميذ لننطلق منه.

مستوى صياغة المفهوم: (Niveau de formulation d'un concept)

تعتبر المفاهيم وسائل للبحث وانطلاقة لدراسات جديدة . وتكوين المفاهيم عملية معقدة تتضمن تطبيق طرق معرفية كالمقارنة والتحليل والتركيب والتجريد والتعميم وأشكال متفاوتة التعقيد من الاستدلال، فيرى بياجيه (Piaget) أن المفاهيم لا تتكون دفعة واحدة إنها غامضة مبهمة عند الطفل الصغير، ثم تتطور لتصبح أكثر وضوحا ، وأبعد عمقا من خلال تفاعل الطفل مع البيئة المحيطة، وأن تكوينها يمر عبر مراحل النمو المعرفي (Jean Dellay, 1978, P.175).

وتكوين المفهوم يشير إلى القدرة على تجريد العموميات ومن ثم تعميمها على جميع الموضوعات المتشابهة(محمد عودة الريماوي،1998،ص279) ..

فالتعليمية تسعى لإكساب الطفل مفاهيم حول مجالات المعرفة التي نرغب في إكسابها إياه، و لابد علينا أن نوضح أن المفاهيم تختلف في الفهم من التلميذ إلى المعلم، حتى وإن بدا المفهوم سهل في الظاهر والحذر في التعليمية يدعو إلى أخذ بعين الاعتبار مستوى صياغة المفهوم الذي قد لا تتماشى مع مستوى استيعاب التلاميذ، فقد يكون للتلميذ معنى المفهوم لكن لم يتكون لديه المفهوم، وهناك من التلاميذ من لديه المفهوم لكن لا يملك معناه (L’aurance cornu, Ibid, p51) .

يمكن أن نقول أن ما يميز الإنسان عن الحيوان من الناحية المعرفية، هو قدرته على تكوين المفاهيم التي تساعده على تقسيم الأشياء إلى أصناف، وتمكنه بهذا من جمع المعارف المكتسبة وتعميمها (مفهوم الطول، الوزن…)، وهذا الأمر إذا تم وفقا لمستوى التلميذ وبالصورة التدريجية بوسعه أن يساهم في عملية التعلم.
الهدف / العائق: (Objectif / Obstacle)

هذا المفهوم أدخله الباحث مارتيناند (Jean-Louis Martinand) ، والذي يؤكد على ضرورة تحليل الأهداف والتصورات (Astolfi ,Jean pierre ,ibid ,P.96)، وهذا المفهوم عبارة عن مزاوجة بين مفهومين، وهما مفهوم الهدف ومفهوم العائق.
فمفهوم الهدف جاء من النموذج السلوكي للتعلم عند سكينر وواطسون (Skinner & Watson) اللذان ينظران إلى أن التعلم ينتج عن المثير والاستجابة، أما بيداغوجية الأهداف فهي تطبيق للتعليم من خلال عدة صنافات كصنافة بلوم 1956 (Bloom & al) وهاينو 1970 (Hainaut) وبلوك 1970 (Block) ، والتي ترى أن الهدف هو الوصول بالتلميذ إلى مجموعة من السلوكات (أي التلميذ يقدر أن يقوم بـ….).


أما مفهوم العائق فهو التعبير عن تلك الحواجز والموانع التي تجعل عملية التعلم غير ممكنة حتى عندما يكون التلميذ مهتما ومركزا ولديه دافعية، فتاريخ المفاهيم العلمية تكّون بعد عدة تصحيحات متتالية، وقد تم التغلب على العوائق بفضل تساؤلات جديدة،فحسب باشلار(Gaston Bachelard) فإن العوائق الابستمولوجية هي التي تسمح بظهورمعارف علمية بعد القطيعة مع التجارب السابقة؛ هذا الأمر يمكن الاستفادة منه من الناحية الديداكتيكية بعد التصحيحات التي نقدمها للتلاميذ خلال مراحلهم التعليمية.


ويرى مارتيناند (Jean-Louis Martinand) أنه إذا كانت العوائق ذات معنى عميق وتشكل حاجزا أمام التعلم من الضروري الانطلاق منها لتحديد الأهداف الحقيقية.(Astolfi, Jean pierre,Ibid,p.p.121-125)

وعندما نتحدث عن الهدف – العائق، فإن مفهوم الهدف يعتبر مرجعية للبرنامج، بينما مفهوم العائق مرجعية للتصورات. (Michel Minder,ibid,p.49)


وتعتبر التصورات الخاطئة عائق من عوائق التعلم تجعل التلميذ يعيش حالة حصر(Blocage)، و الذي لا ينبغي أن ننظر إليه على أنه ذات أصل نفسي ، بل لابد من النظر إليه من الوجهة التعليمية، إذ لا يمكننا أن نعلم إلا إذا أكدنا على المكتسبات الأولية للتلميذ واستراتيجياته الخاصة، بهذا نكون قد حولنا العوائق التي تعترض التعلم بمجرد التعرف عليها إلى أهداف، فإذا اكتسب التلميذ الهدف، يجتاز مرحلة معرفية أخرى، وتتغير تصوراته لمستوى أرقى، فإذا واجه الأستاذ عوائق للتعلم في قسمه عليه ألا يركز على مستوى التلاميذ فحسب، بل عليه أن يزاوج بين الأهداف والعوائق إذ عليه أن يستغل خصوصيات العائق الذي يعيشه في قسمه لتحديد أهدافه. (L’aurance cornu, Ibid, P.52) .


الملاحظ من هذا المفهوم أن التعليمية تؤكد مرة أخرى على ضرورة الانطلاق من التلميذ من خلال الاستفادة من العائق لضمان استمرارية التعلم، إذ لابد على المعلم- بعد دراسة تصورات التلاميذ- أن يختار العائق الذي يعرف به قسمه كانطلاقة تجعل التلاميذ يشكون في معارفهم السابقة ويبحثون عن حلول جديدة.


وكملاحظة يمكننا أن نقول أن مفهوم الهدف-العائق يقع في وجهة بنائية للتعلم عندما يأخذ بعين الاعتبار البنيات المعرفية للمتعلمين، ويعطي للخطأ مكانة إيجابية من خلال تحليل النسيج المفاهيمي المتعلمة. وعند تكوين المعلمين فإن إدخال هذا المفهوم سوف يغير من النظرة إلى الأخطاء التي يقوم بها التلاميذ واعتبار العوائق كنقطة لتكوين الأوضاع التعليمة. (Astolfi ,Jean pierre,Ibid,P.128).
الصراع الاجتماعي المعرفي: (Conflit Socio cognitif)

نقصد بهذا المفهوم التفاعل الذي يظهر بين التصورات المتناقضة، و يحدث الصراع المعرفي عندما تكون لدى الفرد أفكار وسلوكات و تصورات متناقضة قد تؤدي إلى إنشاء بنيات معرفية جديدة (Astolfi ,Jean pierre,Ibid,P.35)، وقد أدخل مصطلح الصراع الاجتماعي المعرفي من قبل المدرسة البياجية الحديثة (L’école néo-piagetienne) في سويسرا سنة 1975 من بينهم ولام دويس (Willem Doise) و ميجني ج.(Gabriel Mugny) ونيلي أ.(Anne –nelly) (Astolfi ,Jean pierre,Ibidem,P.35).

ومفهوم الصراع الاجتماعي المعرفي يتكون عندما يكون هناك جماعة يحدث فيها تصادم بين مختلف و جهات نظر أفرادها حول موضوع ما ، فالمواجهة التي تحدث بين صورهم الذهنية المختلفة (Schèmes Cognitifs) تمثل الصراع الاجتماعي المعرفي . وفي الحقيقة فإن الصراع المعرفي(Conflit cognitif) والصراع الاجتماعي المعرفي
(Conflit socio-cognitif)،مفهومان مرتبطان كثيرا،فالصراع المعرفي يحدث داخل الشخصية(Intrapersonnel) ، أما الصراع الاجتماعي المعرفي يكون بيشخصية(Interpersonnel) .(Michel Minder,ibid,pp.173.174).

وقد أوضح بياجيه وانهلدر 1978(Piaget & Inhelder) أن التعرف على الواقع معناه التأثير عليه وتغييره وتنظيمه، حتى يحدث ما نسميه بالملاءمة (Accommodation) ، والتي تظهر من خلال تغيير الصور الذهنية (Schèmes) بأخرى، فالطفل لن يمر من مرحلة معرفية إلى أخرى دون أن يعيش صراع في تصوراته، فعلى المعلم أن يعمل على تحفيز تلاميذه في الصف على العمل في الأفواج حتى يناقشوا مختلف تصوراتهم، كما أنه على المعلم أن يدرك أن التلميذ لن يحسن مستواه إلا إذا عاش وضعية صراع بين تصورين حتى تحدث إعادة لتنظيم المفاهيم القديمة وفق ما تم تعلمه في الوضعيات الجديدة، إذ لا يكف أن نقول للتلميذ أنه قد أخطأ بل عليه أن يشعر بالحاجة إلى إعادة النظر حول مكتسباته السابقة، ومقارنتها بوجهات نظر زملائه، ومدى نجاحه في حل المشكلات من خلال مكتسباته تلك. (L’aurance cornu, Ibid, P.53)

يؤكد هذا المفهوم على أهمية أن يعيش التلميذ صراعات معرفية بين تصوراته الخاصة، وما يجب أن يحمله من تصورات، فوضعية التناقض هذه تجعله يشك في مكتسباته ويقارنها بأخرى، ويستبدلها بمفاهيم أخرى يرى أنها أنسب، فوضعية الصراع تجعل التلميذ يبحث لحل المشكلات ويناقش معارفه السابقة ويعدلها وفقا لما استجد من معلومات ومعارف جديدة.
(تابع)

descriptionمفاهيم التعليمية Emptyرد: مفاهيم التعليمية

more_horiz
الوضعية / المشكلة: (Situation / Problème)

هي وضعية للتعلم تجعل التلاميذ يتعلمون ليس فقط من مجرد التكرار، أو من خلال تطبيق معارف سابقة لكنها نموذج للتعليم تتميز بما يلي:

-طرح أسئلة وألغاز للتلميذ لإثارة الدافعية لديه.
-التلميذ هنا في وضعية دائمة لبناء المعارف.
-تقييم التلميذ يكون من خلال اكتسابا ته الشخصية.

نلخص لنقول أن الوضعية المشكلة طريقة بيداغوجية، تجعل المتعلم يستعمل ذكائه الخاص ومكتسباته السابقة، يخترع الحلول ويضع الفرضيات الجديدة ويبني معارف أخرى جديدة.
هذه الطريقة البيداغوجية (الوضعية / المشكلة) ليست بالسهلة بالنسبة للمعلم، إذ عليه أن يحدد الأهداف المعرفية التي يرغب في الوصول إليها مع تلاميذه ، مع التعرف على مستواهم، وتحديد العائق الذي يواجههم، والتركيز عليه للانطلاق من خلاله . فهي وضعية مبنية على المستوى المعرفي والمنهجي للتلميذ تسمح له بحرية التصرف وتشجع استثماره الخاص (L’aurance cornu, Ibid, P.54-55).

فمن خلال تحديد المعلم للأهداف لابد من أن يؤكد على نوعية التغيير المعرفي والمهاري ، الذي يصبو إلى إحداثه على سلوك المتعلم، ماذا ينتظر من المتعلم إنجازه في نهاية الدرس ؟ وما لذي ينبغي أن يكون المتعلم قادرا على فعله في نهاية هذا النشاط. (عبد المؤمن يعقوبي ، المرجع السابق، ص24).

ويمكن لنا أن نستخلص هذه الوضعية ، من خلال كل المحاولات التي قام بها العديد من الباحثين في علوم التربية أمثال روسو و بستالوتزي و فروبل و منتسوري الذين كانوا يركزون على ضرورة أن يكون تعلم التلميذ نابع منه و منطلق من إمكاناته الخاصة و مجهوداته و معتمد على حرية تصرف الطفل.
النسيج المفاهيمي: (Trame conceptuelle)

تظهر فكرة النسيج المفاهيمي بصورتين:

- بدءا من مستوى تكوين المفهوم (من خلال مفاهيم و تصورات التلاميذ) .

- ثم التحليل الأولي لموضوع التعليم من خلال جعل الهدف التعليمي إجرائي لتحديد البرنامج التعليمي وفقا لمستوى التلاميذ والأهداف التي تم تحديدها.

فالنسيج المعرفي وسيلة ثمينة في العملية التعليمية إذ من الأساسي توضيح النسيج المفاهيمي للتلاميذ لوضع البرامج والمناهج. (L’aurance cornu, Ibid, P.55)

ويتصف النسيج المفاهيمي بما يلي :

* هو مجموعة من النصوص تتصف بكونها عملية و ذات علاقة مع مسائل علمية و تظهر على شكل تعاريف لقواميس.

* يكون هذا النسيج منظم و متسلسل فيما بينها و إذا قمنا بجمعه يظهر و كأنه لحمة.

* وتسلسل هذا النسيج يهدف إلى ربط العلاقات المنطقية بين محتوى النصوص و ليس حسب الترتيب الكرونولوجي التعليمي.

ويسمح النسيج المفاهيمي بوضع جدول مرجعي لحصر مكتسبات التلاميذ ، كما أنه يساعد المعلم على اختيار استراتيجياته التعليمية. (Astolfi ,Jean-pierre , ibid, pp168-169)

وفكرة النسيج المفاهيمي هذه تطور فكرة البيداغوجية الكلية (Pédagogie globale) التي ترى أن تعلم المفاهيم لا يكون بصورة منعزلة لكن في إطار شبكة (Réseau) فالحقل المعرفي(Champ conceptuel) شبيه بالمربكة(Puzzle) يتشكل من عدة عناصر تكمل بعضها البعض.(7)

النموذج الديداكتيكي: (Modèle didactique)

هناك من يعرف الديداكتيك (من بينهم موور (Moore))، بأنها العلم الذي ينشئ نماذج ، ونظريات حول التدريس قصد تفسير الظواهر والتنبؤ بها، وعليه لابد من التمييز بين نوعين من النظريات والنماذج، فإذا كانت النظريات تقوم بفهم وتفسير ما يحدث في المجال المعرفي دون اقتراح معايير مشخصة للتطبيق فإن النماذج على العكس من ذلك عملية ، وتقترح معايير محددة لتطبيق النتائج العلمية، فهو يحدد طريقة العمل ويقدم وصفات للممارسة والتطبيق. (محمد الدريج، المرجع السابق، ص25)

إن فكرة تصنيف الأوضاع البيداغوجية على شكل نماذج ليس جديدا، ففي دراسات وايت (White) ، ولبيت (Lippitt) نجد التمييز الكلاسيكي بين النموذج الديمقراطي والنموذج الديكتاتوري مع تركيزهم على تأثير الأستاذ على سلوك الجماعة في الصف، من هنا برزت عدة تصنيفات بيداغوجية كالتعليم الجماعي (Enseignement Collectif)، بيداغوجية المشروع (Pédagogie du Projet) ، نقصد إذا من خلال كلمة النموذج البيداغوجي (Modèle Pédagogique) بمعناه الواسع تصورات التلميذ في الوضعية التعليمية و بسيرورة القسم وبالمناهج وبمجموعة المعارف والوسائل المستعملة وكذا دور ووظيفة المعلم.
وبشكل أوضح فمفهوم النموذج الديداكتيكي يعمل على نمذجة (Modélisation) سيرورة التعلم، فالباحث ميريو1987 (Meirieu).

عندما صنف العمليات العقلية ميز بين أربع أنواع من العمليات المعرفية:
الاستنباط (La Déduction) ، والاستقراء (L’induction) ، والجدلية (La Dialectique)، وأخيرا التنافر(La Divergence) ، ويمكن للمعلم إذا فهم هذه العمليات العقلية، أن يبني وفقها الطرق التربوية بصورة منهجية، ويستلهم نماذجه منها، فالنماذج في التعليمية تسمح بتصنيف العمليات العقلية من خلال التعرف على الأنماط المعرفية ومستويات السلوك المعرفي، وتسمح بهذا للتلميذ التعلم وفق استراتيجياته الخاصة.

وقد سبق لبيداغوجية الإيقاظ (Pédagogie de l’éveil) أن فكرت في كيفية توجيه القسم من خلال:

- تحرير الأطفال والاعتراف بعفويتهم حتى يتعرفوا على الموضوع المرغوب في دراسته.
- ثم تأتي مرحلة البنيوية أي التحليل والبحث عن الأسباب ووضع الفرضيات.
- بعدها مرحلة التركيب التي يقوم فيها التلميذ بجمع النتائج وترتيبها منطقيا على شكل تمثيلات بيانية أو ملخصات.
- وأخيرا تقييم العملية وما تم التوصل إليه.

كما أن هناك نماذج بيداغوجية تناسب الدراسات التجريبية، تكون على الشكل التالي:

ملاحظات فرضيات تجريب نتائج تفسير خلاصة.

بعد هذا العرض لبعض النماذج التعليمية لابد أن نوضح أن الأهم ليس أن نعلم في إطار نماذج ، لكن الفعل الديداكتيكي (Démarche Didactique) ، يركز على النماذج التي تبنى من خلال تصورات ومفاهيم التلاميذ الموجودة، والتي تتماشى مع مستوى استيعابهم.

ففكرة النماذج هذه تطرح عدة تساؤلات : هل نحن فعلا بحاجة إلى وضع نماذج ؟ من يقوم بوضعها ؟ هل نكتفي بنموذج واحد أم نحتاج إلى أكثر من ذلك ؟ هل نقدمها للتلميذ مرة واحدة أو على مراحل ؟(L’aurance cornu, Ibid, P.55)

والنماذج التعليمية ليست نماذج للوصف والتحليل فحسب ، بل تقترح لتوجيه سلوك المعلم داخل القسم، وتحسين أدائه التربوي بشكل عام، فهي إذن نماذج تطبيقية معيارية بالدرجة الأولى، وتتميز بخاصية الاستكشاف أي أنها قابلة للتعديل والتطوير. (محمد الدريج، المرجع السابق، ص51)

كما يمكننا أن نستفيد من النماذج التي نجد أنها أثبتت فعلا فعاليتها في الوسط التعليمي، وأسهمت في تسهيل علم التدريس (الديداكتيك) ، وإذا ما وجدنا أن هناك نماذج غير صالحة في الوسط التعليمي، فإننا بإمكاننا استبدالها بأخرى ، تكون قد أثبتت فعاليتها و نجاعتها ؛ لكن لابد علينا أن نعترف أن العملية التعليمية متشابكة العناصر يصعب وضعها في إطار نموذج واحد نحاول من خلال تلخيص محتوياته.
النقلة الديداكتيكية: (Transposition didactique)

أول من استعمل هذا المفهوم هو عالم الاجتماع فيري م.1975 (Verret M.) ، وقد حظي هذا الأخير بأهمية كبرى بعد استعماله في تعليمية الرياضيات من قبل شوفالار (Chevallard Y.) فالنقلة الديداكتيكية تشمل التغيرات التي تحدث في المعرفة حتى تصبح قابلة للتعليم (Astolfi ,Jean-pierre , ibid,p177).

فالنقلة الديداكتيكية عملية تكيف وتحويل المعرفة العلمية (Savoir savant) إلى موضوع للتعليم حسب المكان والأهداف المسطرة ، أي تحويل المعرفة إلى نشاط تعليمي صفي، وقد أوضح شوفالار (Chevallard Y.) أن المعرفة المتعلمة (Savoir Enseigné) لا بد أن تكون لا قريبة من المعرفة العلمية و لا بعيدة عنها .

فالنقلة الديداكتيكية تكون بالنسبة للمعلم من خلال بناء دروسه وفق المعرفة العلمية (Savoir savant) ، مع احترام البرامج وتكيفها وفق القسم ومستوى التلاميذ .. ولابد من بناء المحتويات المدرسية من التطبيقات الاجتماعية و الاقتصادية و التقنية و الثقافية التي تعطي لها معنى. (L’aurance cornu, Ibid, pp61-62)

وقد أوضح مارتيناند (Martinand) ، أن المعرفة لا يمكن أن تنتقل بشكل آلي من المعلم إلى المتعلم وإنما تخضع لتحولات مختلفة مما يقود إلى التمييز بين مستويين من المعرفة وهما :

المعرفة العلمية(Savoir savant) والمعرفة المتعلمة(Savoir enseigné) وأن الانتقال من الأولى إلى الثانية لا يكون مباشرا على الإطلاق و إنما تحدث تحولات من خلال مرورها بمستويين.(8)

- مستوى النقلة الخارجية أو الغلاف الخارجي و تحدث على مستوى المكلفين بالتفكير في محتويات التعليم من أساتذة جامعيين و مؤلفي الكتب المدرسية و المفتشين و مهتمين بشؤؤن التعليم و مشكلاته و كل من يعمل على إعداد المناهج التعليمية، فيحدث أن تخضع المعرفة العلمية خلال هذه العملية إلى غربلة و تصفية.

- مستوى النقلة الداخلية أو التكييفات الخاصة التي يدخلها كل معلم على المعرفة الموضوعة للتدريس (التعليمية) (Savoir a enseigner) ، فالنقلة التعليمية تعبر عن الانتقال الذي تشهده المعرفة عندما تمر من طابعها العلمي المرجعي إلى طابعها التعليمي ، فمحتويات التعليم لا تنقل في شكلها الأكثر استعمالا و الأكثر تطورا و لكن تنقل مكيفة حسب تجربة التلاميذ و درجة نموهم الذهني و الأخلاقي و مستواهم المعرفي، لهذه الغاية تنظم و تهيكل المحتويات و تبسط وتترجم في أشكال بإمكانها إثارة الاهتمام و تسهيل الفهم ، ثم عن طريق التبويب الشكلي تظهر الفصول والمواضيع و الدروس التي تتابع حسب منطق و تدرج محددين.

تمثل هذه المرحلة الأولى من النقلة التعليمية بإخضاع المعرفة العلمية إلى السياق التعليمي تتبعها مرحلة ثانية تصب دائما في خانة التحول تتمثل في طرائق و تقنيات التعليم و التعلم المستخدمة.(عبد الله قلي، المرجع السابق ،ص.ص125-126)

نكون بهذا العرض قد قدمنا أهم المفاهيم المتداولة في الديداكتيك (و إن لم تكن كلها) ، والتي تصب كلها في جوهر العملية التعليمية ، فهي تعطي قيمة للمتعلم بالدرجة الأولى و تضع خطوات منهجية يستلزم من كلا الطرفين احترامها حتى يتم الوصول إلى الهدف المسطر من العمل التعليمي التعلمي ، فمن الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار تصورات التلاميذ ومستويات صياغة المفاهيم لديهم ومراعاة كل مستجدات الحقل العلمي التربوي و البيداغوجي لفهم أكثر لهذا الكائن المتعلم، مع احترام العلاقة التي تربطه بوسطه الاجتماعي و المدرسي و احترام العقد الذي يربطه بالمؤسسة التعليمية و النظر إليه على أنه كائن موجود تنطلق منه لفهم أكثر لسيرورة التعلم مع التركيز على تكوين الأساتذة علميا ، وتقنيا و نفسيا حتى في المستوى المطلوب وفي الصورة التي تحددها التعليمية لهم .

النـوافـذ:

(1)- المدرسة النشيطة (école active) :

اتجاه تربوي يؤسس مبادئه على أن التعلم يتم من خلال النشاط الذاتي الحقيقي للمتعلم، والمقصود بالنشاط الحقيقي للمتعلم، كل نشاط يستدعي مشاركة المتعلم وتوظيفه لكافة طاقاته، انطلاقا من مبادرته الذاتية. (سعد مرسي أحمد و كوثر حسين كوجك، 1991ص309)

(2)- الابستمولوجية (épistemologie):

دراسة نقدية لمبادئ مختلف العلوم و فرضياتها و نتائجها قصد تحديد أصلها المنطقي(لا السيكولوجي)و قيمتها و بعدها الموضوعي.(Lalande1972)(معجم علوم التربية ، المرجع السابق ،ص115)

(3)- التعلم (Apprenticing) :

تغيير دائم نسبيا في السلوك، ويحدث نتيجة للخبرة، ويشير هذا التعريف أن هناك اكتسابا للاستجابة وتذكر لها طالما أصبحت هذه الاستجابة جزءا من سلوك الكائن الحي (أرنو ف. ويتيج، 1995، ص144).

(4) شكل رني رشت ريشت :





(5)- الاستيعاب (Assimilation):

اندماج معلومات جديدة متعلمة، أو تلك المعلومات التي يمكن أن يتعلمها الفرد داخل نموذج عقلي وتستخدم لحل ما يواجهه الطفل من مشكلات جديدة.

(6)- المواءمة (Accomdation) :

عملية إعادة بناء أو تعديل الأبنية المعرفية، وبالتالي فإن المعلومات الجديدة يمكن أن تتلاءم داخلها بصورة أكثر سهولة. وتتمثل في قدرة الفرد على التكيف الاجتماعي مع البيئة المحيطة به. (محمد عودة الريماوي،المرجع السابق،ص279)

(7)- مثال لشكل النسيج المفاهيمي لنوع من أنواع الحيوانات (Michel minder , ibid, p305)







قائمةالمراجع
- أرنو ف. ويتيج ، مقدمة في علم النفس ، الدار الدولية للنشر و التوزيع، القاهرة، ط 3 1995.
- دنيس تشايلد، علم النفس و المعلم، مؤسسة الأهرام القاهرة، ط3، 1983.
- محمد الدريج ، التدريس الهادف، قصر الكتاب البليدة ،2000.
- محمد عودة الريماوي ، في علم نفس الطفل، دار الشروق عمان ،ط1 ، 1998.
- عبد المؤمن يعقوبي،أسس بناء الفعل الديداكتيكي، من بيداغوجية الأهداف إلى بيداغوجية التقييم والدعم، 1996، الجزائر.
- سعد مرسي أحمد و كوثر حسين كوجك ، تربية الطفل قبل المدرسة ، عالم الكتب القاهرة، ط3 1991.
- معجم علوم التربية، مصطلحات البيداغوجيا و الديداكتيك ، ط1 ، 1994.
- مجلة المبرز ، المدرسة العليا في الآداب و العلوم الإنسانية ، العدد 16، الجزائر، 2002.
- مجلة الفيصل ، المملكة العربية السعودية ، العدد .
مجلة همزة وصل ، مجلة التربية و التكوين ، عدد خاص ، الجزائر ، 1992.


Astolfi, jean pierre, &al Mots clés de la didactique des sciences, pratiques pédagogiques 1997.
Dellay, Jean Abrégé de psychologie, 1978,Paris
L’aurance cornu, La didactique en question ,hachette éducation,1992 ,Paris
Minder, Michel , Didactique fonctionnelles , 8em d , 1999, département de boeck université , Paris, Bruxelles.
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد