الشباب هم عماد كل أمة وسبيل نهضتها، وهم القوة البناءة
في سِلْمِها، ووقود دفاعها عن نفسها، وهم الأمل كذلك. وفي مقابل ذلك هم الهدف الذي
يصوِّب الأعداء سهام مكرهم للنيل منها. وأسلحتهم في ذلك ووسائلهم متعددة، وأهمها
وأخطرها الإعلام، الذي تطور في هذا العصر بخطوات متسارعة مذهلة، وغدت وسائله - من
صحافة وإذاعة وتلفاز وكتاب ومجلة ومسرح، وأخيراً "الإنترنت" - هي القوة
المهيمنة على عقول وأفكار الناس عموماً، والشباب على وجه الخصوص.


ولم يكن الحديث عن "الإنترنت" لسنوات مضت
بالقوة التي هو عليها اليوم. فقد بدا للكثيرين في حينه أن الأمر لا يعدو كونه ثورة
سريعة، سرعان ما تخمد جذوتها، لتعود الحياة إلى مسارها الطبيعي المعتمد على الورقة
والقلم.


وكانت فئة الشباب هي أكثر الفئات التي تفاعلت وتأثرت مع
هذه الوسيلة الإعلامية الجديدة. فقد انتشرت شبكات "الإنترنت" في جميع
بلدان العالم، بما فيها بلدان العالمين العربي والإسلامي.


والمتأمل في هذه الثورة المعلوماتية يجد أنه على الرغم
مما حملته معها هذه الثورة من منافع ومصالح، حملت معها في الوقت نفسه مقداراً من
المفاسد الاجتماعية والخُلقية والدينية، وخاصة على شريحة الشباب، وتحديداً الشباب
العربي.


المشكلة وأسبابها


باتت شبكة "الإنترنت" وما تحمله في طياتها من
مواد خلاعية، وصور فاضحة تشكل خطراً كبيراً على شريحة الشباب العربي، حيث أخذ كثير
منهم يستهويه الدخول على مواقع "الإنترنت"، باحثين - غالباً - على ما
يُثير شهواتهم، ويحرك غرائزهم. وهم يقضون في ذلك أوقاتاً مديدة، تستنفد طاقاتهم
الجسمية والروحية، وتوتر علاقاتهم الأسرية والمجتمعية.


وعلى الرغم من جميع الجهود التي تقوم بها الجهات المختصة
بحجب المواقع الخليعة إلا أن تلك الجهود لم تستطع على الحد من المشكلة، وبالتالي
لم تستطع تجاوزها والتخفيف من أثارها السلبية على الفرد وعلى المجتمع وعلى الأمة
بأسرها.


ولعل من أهم الأسباب التي تدفع بالشباب إلى دخول مواقع
الإنترنت عديدة، حب الاستطلاع، حيث يدفعهم هذا الحب إلى البحث عن محتويات هذه
المواقع، فيقفون في أثناء ذلك على الغث والسمين، والضار والنافع، والصالح والطالح.
ولما كان كثير من شبابنا - وهذا مما يؤسف له - ليس لديهم الزاد المعرفي والتربوي
الذي يحصنهم ويحميهم من المواقع المشبوهة والمثيرة، نجدهم يقعون فريسة في مصيدة
المواقع الفاسدة والمفسِدة.


ومن الأسباب الدافعة لشبابنا إلى الدخول على مواقع
الانترنت والإدمان عليها، الإعراض عن القراءة والمطالعة؛ حيث إن هذا الإعراض شكَّل
فراغاً خطيراً لدى الشباب، دفعهم إلى أن يملؤوه بالدخول على مواقع
"الإنترنت" للتسلية وإضاعة الوقت.


كما أن عدم ممارسة الشباب للرياضة، يعد سبباً رئيساً لا
يمكن إغفاله ونحن بصدد بحث هذه المشكلة، حيث إن كثيراً من الشباب وجد الجلوس وراء
شاشة الحاسوب "الكومبيوتر"، وتصفح مواقع الانترنت أمراً أيسر من ممارسة
أي نوع من الرياضة التي تفيده جسمياً وعقلياً.


المنتديات الوهمية


الأصل في المنتديات أن تكون مكاناً يلتقي فيه الناس،
وخاصة أصحاب الفكر والثقافة، يتبادلون فيها الخبرات العلمية والعملية، غير أن
المنتديات عبر "الإنترنت" غالباً ما تكون مكاناً للكذب، والدجل،
والخداع، وتشويه الحقائق، ولعل ظاهرة اصطياد الفتيات في المنتديات ليست عن مسامعنا
ببعيد.


ويصرح بعض
الشباب المدمنين على دخول "الإنترنت" بأن الاستفادة مما تحويه المنتديات
الإكترونية يكون نسبياً، وأن الأشياء التي تحتوي عليها نادراً ما تكون صحيحة،
وغالباً ما تكون وهمية، ليس لها أي قيمة أو وجود واقعي، بل إن البعض يحاول من خلال
تلك المنتديات نشر الفتن، ويسعى لتشكيك الناس في عقائدها، ويجتهد لزعزعة
إيمانها.


المقاهي الفارغة


مع انتشار الشبكة العالمية "الإنترنت"، ظهرت
مكملات جانبية، تلتصق بهذا الانتشار، منها ما يسمى بمقاهي "الإنترنت"
التي استمالت إليها طائفة كبيرة من الناس غالبيتهم العظمى من الشباب الذين انجذبوا
إلى ذلك الفضاء الفسيح بكل قوة، حتى أصبح ارتياد الشباب لها ظاهرة جديدة تستحق
البحث والتحليل والعلاج.


والخطير في الأمر أن تصبح هذه المقاهي أوكاراً للاستخدام
السيء من قِبَلِ كثير من رواد هذه المقاهي، وذلك من خلال الدردشة لأجل الدردشة
فحسب، والنفاذ إلى المواقع الجنسية بعيداً عن الرقابة الأسرية والمجتمعية.


هذا، وقد دلت الإحصائيات التي أجريت بهذا الصدد، أن معظم
مرتادي مقاهي "الإنترنت" هم من الشباب، فقد أثبتت إحصائية وزعتها مجلة
خليجية على عدد من مقاهي "الإنترنت" أن (80%) من مرتادي هذه المقاهي
أعمارهم أقل من (30) سنة، وأن أكثرهم يستخدمونه استخداماً سيئاً. وفي استبانة
أجرتها إحدى المجلات السعودية عن نوعية المواقع التي يدخلها الشباب في المقاهي،
كانت النتيجة أن (60%) يقضون أوقاتهم في مواقع المحادثة، و(20%) من المستخدمين
للمواقع الثقافية، و(12%) للمواقع الطبية والحاسوبية والتجارية، و(8%) للمواقع
السياسية.


وهذه الإحصائيات جدٌّ خطيرة، فكون معظم مرتادي المقاهي
من الشباب، ومن فئة عمرية حرجة تحديداً، وأن معظمهم يرتاد هذه المقاهي للدردشة،
ومشاهدة الصور الإباحية، فإن الظاهرة هنا تصبح خطيرة، تستدعي إيجاد بدائل يمكن
للشباب أن يقضوا أوقات فراغهم فيها، بدلاً من إضاعة المال والوقت والأخلاق بما يضر
ولا ينفع.


اعترافات صارخة ووقائع مخزية


كتب شاب يستصرخ أهل المروءات ليجدوا له حلاً لمصيبته،
كان في صيانة وتعفف، حتى سول له إبليس أن ينظر إلى صور العاريات - كان أول مرة من
باب الفضول وحب الاستطلاع لا غير - لكنه غرق في الوحل، ومنذ أول لحظة تعلق القلب
بهذه البلية حتى صار يومه كله أمام "النت"، يبحث عن الجديد والعجيب،
والنفس لا تكاد تكفُّ عن طلب المزيد، حتى فسدت عليه حياته، وتأخر في دراسته، وضعف
بدنه، وكاد قلبه أن يتلف، وكلما أراد التوبة غلبته الشهوة، فعاد إلى ما كان، بل
أشد.


وهذه فتاة ظنت نفسها داعية، فدخلت أحد المنتديات، تدعو
إلى الله - بحسب زعمها - ولكن ما كان لإبليس أن يتركها وشأنها، بل جرها في خطوات
إبليسية لتفتح حواراً مع مشرف المنتدى ثم تكلمه على "الماسينجر"، ثم على
الجوال، حتى تمكن من قلبها، فلم تعد بعد تستغنى عن لقائه. وبعد أن كانت مدفوعة بالدعوة،
صارت حبيسة الحب المحرم، وصريعة الهوى، كما تقول هي نفسها عن نفسها.


وهذا مدمن آخر على مواقع "الإنترنت"، يحدث عن
تجربته، فيقول: "لقد فعلت كل شيء عبر الإنترنت، وكنت أعتقد أنني بذلك نلت كل
حريتي، لكنني سرعان ما اكتشفت أنني مخطئ".


هذه نماذج قليلة، وغيض من فيض، إنها قصص تتكرر مع
المئات، بل مع الآلاف من الشباب والشابات، ولو أغلقوا الباب من أوله لكانت
السلامة.


الآثار المدمِّرة


أكدت دراسة علمية أجريت على شريحة عشوائية من الشباب
الذين تتراوح أعمارهم بين (15) و(35) عاماً، وجود تأثير لـ "الإنترنت"
على مفردات اللغة المتداولة بين الشباب على مواقع الإنترنت وغرف المحادثة؛ وأظهرت
نتائج تلك الدراسة أن محادثات الشباب عبر الإنترنت، تهدد مصير اللغة العربية في
الحياة اليومية لهؤلاء الشباب، وتلقي بظلال سلبية على ثقافة وسلوك الشباب العربي
بشكل عام.


وأقر بعض المهتمين بهذا الشأن بوجود تأثير ملحوظ
للإنترنت على عادة القراءة لدى الشباب العربي، سواء قراءة الكتب أو الصحف
والمجلات، مشيراً إلى أن درجة الاستفادة من "الإنترنت" أو الكتب تتوقف
على وعي الشباب، واستعدادهم للتحصيل المعرفي، والكسب الثقافي.


وعلى الجملة، يمكن أن نشير إلى جملة من المخاطر التي
تهدد شبابنا العربي والإسلامي جراء استخدام وسيلة "الإنترنت" بشكل سلبي:


1) تضييع أوقات الشباب في غير منفعة.


2) الإصابة بالأمراض النفسية.


3) الغرق في أوحال الدعارة والفساد.


4) التعرف على أساليب الإرهاب والتخريب.


5) التعرض لدعوات التنصير والتهويد والمذاهب
الهدامة.


6) انهيار المجتمع بانهيار فئة الشباب فيه.


مقترحات للعلاج


لا بد من الاعتراف أن "الإنترنت" أصبح واقعاً
مفروضاً، ليس من الصواب تجاهله أو التغافل عنه، وإلا كنا خارجين عن سياق العصر،
وعاجزين عن متابعة حركة التاريخ. ومع هذا، لا بد من مواجهة الحقائق، والاعتراف بأن
هذه الوسيلة - على الرغم مما فيها من خير - فإنها تحمل من المخاطر الشيء غير
القليل، وبالتالي يكون من الأهمية بمكان دفع هذه المخاطر قدر المستطاع.


ولا شك أن تجاوز هذه المخاطر لا بد فيه من تضافر كافة
الجهود الفردية والجماعية لإصلاح أوضاع الشباب المسلم للخروج به من الحال التي آل
إليها، والأخذ بيده إلى جادة الرشد والصواب، ولعل مما يساعد على ذلك:


1- العمل على إيجاد القيادات الرشيدة والحكيمة، العاملة
وَفْقَ شرع الله ومنهج نبيه صلى الله عليه وسلم، لحمل أمانة الأمة، وإخراجها من
الحال التي أفضت إليه.


2- توفير فرص العمل للشباب، والقضاء على البطالة، وفتح
أبواب الإبداع أمامهم، ليستطيعوا خدمة أنفسهم وأمتهم.


3- سد أبواب الفتن وطرائق الفساد وسبل الانحراف،
واستغلال وسائل الإعلام عموماً في توجيه الشباب ثقافياً وعلمياً واجتماعياً.


4- العمل على غرس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، مع
زرع خوف الله ومراقبته في نفوس الشباب، وتربيتهم على الرغبة فيما عند الله من
الأجر والثواب. إضافة إلى تزويد شباب اليوم ورجال الغد بالقيم الإسلامية التي
تحافظ على أصالة أمتهم وتراثها، مع الدعوة إلى الانفتاح على تجارب الآخرين والاستفادة
من كل ما فيه خير وصلاح.


5- العمل على ربط شباب الأمة بعلمائها وأصحاب الشأن
فيها، وتنمية حب العلم والعمل في نفوسهم، والحرص على إبراز شخصية الشاب المسلم
بصورة المسلم الحقيقي، الراغب في إعمار الكون.


6- تحقيق المزيد من التواصل مع الشباب، وفتح الصدور
والقلوب لهم، والصبر على ما قد يبدو من بعضهم من أخطاء؛ فهذا مدعاة لأن يقتربوا من
المصلحين والمربين.


7- توسعة المؤسسات التربوية التي يمكن أن تستوعب هؤلاء
الشباب؛ فالنماذج المتاحة لا تتلاءم مع الحاجة المتزايدة، وإمكاناتها العديدة لا
تستوعب كثيراً من الشباب، كما أن النمط السائد فيها لا يلائم كافة الشرائح، فلا بد
من تعدد الأنماط واتساع أفق المربين لاستيعاب مجالات عمل متنوعة تستوعب كافة
الفئات.


8- الاعتناء بالبناء الجسمي والعلمي والفكري، وإثراء
الساحة بالمزيد مما يسهم في الارتقاء بالشباب، كالأندية الرياضية، والأندية
الثقافية، والمراكز العلمية.


9- توسيع دائرة الحوار المباشر والتدريب على مهاراته
داخل البرامج واللقاءات، التي تقدم للشباب.


10- تهيئة مجالات وفرص واسعة على شبكة
"الإنترنت"؛ لتكون بديلاً لهؤلاء الشباب، يصرفون فيها جزءًا من أوقاتهم.
ونقترح هنا إقامة قاعات خاصة في المدارس والأندية الرياضية والثقافية للدخول على
الشبكة العالمية، يتم الإشراف عليها من قِبَل المختصين التربويين.


وأخيراً وليس آخراً، فإن "الإنترنت" -
كالوسائل الإعلامية الأخرى - سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون مفيداً جداً، إذا عرفنا
كيف نستغله أحسن استغلال، وهو في نفس الوقت أداة تخريب للنفوس والأرواح عن طريق
المواقع الفاسدة والمفسِدة، التي لا تجدي فتيلاً. وبشيء من المتابعة، وبشيء من
التوجيه والإرشاد والتوضيح، يمكن أن نستفيد من خيرات هذه الوسيلة، ونحفظ أبناءنا
من شرورها. والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.