المقومات البيداغوجية والديداكتيكية
الكتاب المدرسي:
وحيث أن الكتاب المدرسي بكراسة التلميذ ودليل الأستاذ يعتبران ترجمة للمنهاج، فهما أيضا للأسف الشديد يحتلان عندنا موقعا أماميا في الفعل التربوي والتثقيفي نتيجة الوضع الثقافي العام، وتبقى المقومات التي بين أيدينا الآن والتي يتم الاحتكام إليها عند إنتاج الكتاب المدرسي ليحظى بالقبول من لدن اللجنة الوزارية دون مستويات تطلعنا إلى تحقيق نمو متميز في القدرات وفي الاستجابة لحاجياتنا الملحة في التحرر والتقدم والخروج من التخلف الأمر الذي يجعلنا نلح مرة أخرى على أن يعاد النظر في منهجية وتوجهات دفتر التحملات الخاصة بتأليف الكتب المدرسية وأن ينصص عما ينبغي التنصيص عليه من اختيارات في الحرية والتحديث والديموقراطية والعلمية (أنظرالاستجواب حول الاصلاح التعليمي بالمغرب وتأليف الكتاب المدرسي على نفس الموقع)... أيضا وأن ينصص عن المنهجيات والأبعاد البيداغوجية والديداكتيكية ومستويات الأجرأة الإبداعية للكفايات، وأن يفسح المجال لنتائج للتجريب والبحث في مجال الديداكتيك، وأن ترعى التجارب الرائدة في المجال البيداغوجي، إضافة إلى ضرورة الحرص على أن يترك للمجالس التربوية الجهوية حق اختيار الكتب والمراجع وأن يحرر التأليف من الضغوط والملابسات التي تقول بتعدد المراجع، وعمليا تمارس التقنين والتضييق والإقصاء، في زمن نحن في أمس الحاجة إلى كل طاقاتنا الخلاقة للتوفر على كتب مدرسية نوعية، وأدلة دقيقة وواضحة في منهجياتها ونماذجها... في هذه المرحلة التي تعاني فيها بلادنا من تخلف حاد في التنمية الاجتماعية، حيث تتعرض عملية إنتاج الكتاب المدرسي لأطروحة مضللة والقائلة بانه ينبغي أن يرتبط انتاج الكتاب المدرسي بالواقع وبالخصوصية وهذه أطروحة تشكل عرقلة في طريق تطورنا فالارتباط بالواقع معناه أن نفهمه بقصد تغييره وليس تبريره وتكريسه...
بيداغوجية الكفايات:
من الأهداف إلى الكفايات:
ولما كانت الكفايات نشاطاً معرفيا وتعلميا بامتياز، فإنها لا تستقيم إلا مع منهجية حل المشكلات، والمقاربة التواصلية، ومناهج المشروعات، التي منها المقاربة الورشية والاستراتيجيات، ولذلك فإنها قد تناقض بيداغوجية الأهداف التعليمية السلوكية، لكنها تبقى وفية للاختيارات والأهداف التربوية العامة كالغايات والمرامي التي يحددها الاختيارات التربية والتكوينة والمنهاج الدراسي.
ولما كانت الكفايات ترتكز إلى التعلم Apprentissage كممارسة واشتغال ذاتي للمتعلم، فإنها وأمام الوضعيات التعلمية، ومشكلاتها وإحالاتها وامتداداتها، تخلق لدى المتعلم اهتمامات، وحاجيات معرفية ومادية، تجعله يصوغ تلقائيا أهدافا متجددة، قد يعدلها أو يتجاوزها، متى أصبحت الضرورة التعليمية تقضي ذلك، وبالتالي فإنه لا يكون سجين أهداف، مصاغة بشكل قبلي وتحكمي.
ومن ثمة يمكن نعت الأهداف التعليمية كسلوكات معدة سلفا، بأنها عملية تلقينية، وتحكمية تحاصر الفعل التعلمي، وتحد من النشاط وتنوعه، وترفض التوقع والاستباق، إلا في حدود ترسمها هي، وبالتالي تحاصر التوسع، والامتداد التعلمي وتخنق الإبداع، لأنها في حقيقة الأمر لم تكن تولي كبير الاهتمام، إلى حاجيات المتعلم، ولا إلى فعالياته الذهنية، وكان يطغى عليها جانب التلقين والإلقاء. كما أنها أعيقت بفعل عوامل من الثقافة والعقل الاجتماعي، تتناقض جوهرا وشكلا مع أسسها ومنطلقاتها الفلسفية والمعرفية، الأمر الذي لم تتمكن معه طيلة عقدين ونيف، من توفير شروط وإمكانيات للاندماج وللتقنين والتوطين في الواقع السوسيوتربوي.
خيار الكفايات مطلب وحاجة بيداغوجية:
والكفايات خيار بيداغوجي مفتوح، قائم على أساس ديمقراطي تعاقدي، تحترم فيه شخصية المتعلم، فهو الذي يساهم في تخطيط تعلماته، وتوفير ما يستطيعه من عدة متاحة وممكنة، كما يساهم في الممارسة والتنفيذ، ضمن إطار من الأنشطة الفردية والجماعية، التي توفرها الورشات، وحيث يبرز جهوده وقدراته. وعموما يتعلم التلاميذ ما يمارسونه هم أنفسهم، وما يذهبون إليه بمحض إرادتهم، " أعط المتعلم فكرة، ثم ابتعد بعد ذلك عن طريقه، لأن أخطر وسيلة لقتل روح البحث لديه، هي أن تعطيه أجوبة جاهزة عن أسئلة لم تخطر بباله ولا حاجة له فيها."
إننا عندما ننجح في جعل المتعلم يتبنى موقفا ألفتنا نظره إليه، وأثرنا اهتمامه وفضوله اتجاهه، سيشارك بفعالية، وسيبحث وينقب ويكتشف، ويتوقع بحيوية ونشاط، وسيكون ذلك حتما منطلقا، لولوج صيرورة من التعلمات، تمتد في نمو وتطور، اتجاه مواقف معرفية وحياتية متجددة.
بيداغوجية الكفايات:
إذن بيداغوجية الكفايات منهاج للتعلم Curriculum، وليست برنامجا Programme للتعليم؛ تعلم يهدف إكساب المتعلم كفايات (معارف connaissances)) قدرات (capacités) ومهارات savoir-faire)، وليس تعليم لمراكمة المحفوظات والمعلومات؛ تعلم يرتبط بالحياة، حياة التلميذ الحاضرة والمستقبلية.
وهي بيداغوجية دينامية، تفسح المجال واسعا للممارسة التعليمية، حيث تعطي الأستاذ مجالا واسعا، للتصرف والإبداع، كفاعل مشارك ومساعد ومنشط للتعلمات.
ولتحديد مفهوم بيداغوجية الكفايات، نقترح مفهوما نظريا يتميز بالشمول، ليضم مختلف المفاهيم القريبة منه أو التي تتقاطع معه، كالقدرة والأداء والمهارة والمعرفة والإنجاز...، وبذلك سيصبح مفهوما مركباً حسب J. Leplat 1991)) ويعني فيما يعنيه :
1- أن الكفاية مفهوم افتراضي، مجرد لا يمكن ملاحظته إلا من خلال الإنجازات والنتائج، التي يحققها الفرد المتعلم.
2- وأنها القدرة على المواءمة والملاءمة، مع الظروف والمواقف والشروط، التي يواجهها المتعلم.
3- وإنها الخاصية الايجابية للفرد، التي تشهد على قدرته، على إنجاز مهمة محددة.
وهي شديدة التنوع:
كفاية عامة ـ كفايات خاصة ونوعية ـ كفايات مساعدة ـ كفايات تواصلية ـ كفاية معرفية ـ كفايات مهارية ـ كفايات فنية.... والكفاية تحديدا هي القدرة على التعلم والتوافق، والقدرة على حل المشكلات، والقدرة على التحويل، أي تكييف التصرف مع الوضعية الطارئة، والقدرة على مواجهة الصعوبات الطارئة، إنها أيضا ادخار الجهد، والاستفادة منه أكثر، والمرونة والاستعداد والتواصل.
وتشمل الكفايات المكونات التالية:
المهارة (savoir-faire): ويقصد بها التمكن من أداء مهمة محددة بشكل دقيق يتسم بالتناسق والنجاعة، وهي نتاج أفعال التمهير: كالتقليد والمحاكاة والتكرار والاستعمال والتدقيق، وتعرف تطورات منها مهارة الإتقان والدقة، ومهارة التحويل، والقدرة على ترجمة معطيات معرفية إلى مجال التطبيق. وصولا إلى مهارة الإبداع، وتتحقق بواسطة التدريب المتواصل والمحكم.
الأداء (performance):أو الإنجاز ويقصد به القيام بمهام وأنشطة وتصرفات متقنة، عالية الدقة، قابلة للملاحظة والقياس، ويتحقق ذلك بواسطة التمرين والتدريب.
الاستعداد (l aptitude): هو مجموع الإمكانات الداخلية، التي تجعل المتعلم يستجيب بطريقة معينة، ليؤدي أو ينجز عملاً، انطلاقا من مكتسباته السابقة. ويعتبر الاستعداد قابلية، ويستند إلى شروط منها المعرفة والمهارة، وشروط سيكولوجية كالميل والرغبة والحاجة.
القدرة: (capacité) هي التمكن من تحقيق النجاح، إنها نشاط فكري قابل للتحويل، من مجال معرفي إلى آخر، وتلاحظ القدرة من خلال تطبيق على محتوى معين، كالقدرة على تحليل نص...
وفيما يلي مصفوفة تبين العلاقات بين القدرات الفارقية وتنوع الذكاء والكفايات:
القدرات المعرفية: كالقراءة والفهم والإدراك، والمقارنة، والتلخيص، والشرح والتفسير الإنتاج الكتابي
ما يقابلها من ذكاء
الذكاء اللغوي )الإنتاج الأدبي )
الذكاء المنطقي )المنهاج العلمي)
والرياضيات
ما يقابلها من كفايات تعلمية
بناء المعرفة، التحليل، المقارنة والقياس التأويل، التحويل، التركيب.. الاستباق والتوقع
القدرات الحسية الحركية: التخطيط، الرسم، التقطيع، التلوين، التلصيق، الأداء الجسدي، المرونة، الطواعية
الذكاء الجسمي: المرونة والطواعية والتحكم، الأداء الدقيق للحركات الإيقاعية والأعمال اليدوية)
الذكاء البصري: (الملاحظة، التمييز، الهندسة الدقة المهارة
تكرار المهارة، إعادة الفعل، اعتياد الممارسات الحركية المنظمة...، الأنشطة الحركية المهارية الاستعمالات، التفكيك والتركيب
التخطيط التأمل تمارين الإبداع الفني
القدرات السوسيوعاطفية، التواصل، التفهَّم ، الإنصات، المشاركة، الإقناع
المهارة...)
الذكاء الاجتماعي العلائقي والتواصل والإقناع والتفهم، التعاطف التظيم
تنظيم العلاقات، اعتياد العمل الجماعي، والاحترام، والمساعدة والمبادرة، وتوزيع الأدوار، والمثابرة، والتعبير عن الرأي
القدرات الوجدانية: الاستماع، التأمل التمييز، الأداء الفني، الإحساس المرهف، الشعور بالآخر، العلاقات
الذكاء الذاتي: معرفة الذات التأمل الذاتي
الذكاء الموسيقي: تمييز الأصوات، التذوق
الذكاء الطبيعي: العناية بالمجال الطبيعي والحيوانات
ممارسات تعلمية فردية، الاستقلالية،
التأملات الذاتية
قدرات إبداعية، التذوق الفني، الأداء الموسيقي. والرسم والتشكيل
العناية بالعناصر الطبيعية، المعرفة بالطبيعة والحيوان
إن هذه القدرات المتنوعة، تعتبر مدخلا لتنمية الذكاءات المتنوعة، والجدير بالذكر أن الفرد يمكنه أن يتوفر على واحد أو أكثر من هذه الذكاءات، وأن سيادة ذكاء معين يعتبر تميزاً فارقياً، عن الأفراد الآخرين، فإذا كان تلميذ يتوفر على قدرات لغوية فليس معناه أنه لن يكتسب قدرات أخرى تؤهله لتنمية ذكاءات أخرى، ومن ثمة فإن ممارسة الكفايات بمختلف تمارينها وتداريبها، إنجازاً وأداءً هو الذي يخول له تنمية باقي الذكاءات ولو بمستويات متفاوتة...
وتتميز الكفايات بالخواص التالية:
خاصية الامتداد – والخاصية التطورية – وخاصية التحول.
وأنواعها: إما مرتبطة بمادة دراسية محددة وهي بذلك نوعية، وإذا امتدت من مادة لأخرى فإنها تكون مستعرضة.
ولتحقيق الترابط بن هذه المقومات، المتمثلة في مستويات القدرات التي أدركها المتعلم، وما يتميز به من خصائص في الذكاء، وما تتطلبه من تنمية وتطور في الكفايات، كل ذلك لا يمكنه أن يحصل إلا بالتعلــم
صيرورة التعلم:
التعلم "Apprentissage" هو ممارسة البحث عن المعرفة، انطلاقا من رغبة ذاتية راسخة، وهو عملية نمو وتغيير وتجديد للإنسان، معرفةً ومهارةً وقدرات، بحيث أن ما سيتعلمه سيكون قاعدة ومنطلقا لمستجدات معرفية، قد تتكامل مع المحصلة السابقة، وترسخها أو تعدلها وتغنيها، وفي سياق هذه الصيرورة، يكون التعلم نمواً وتطوراً، في المعارف والقدرات والمهارات، ويكون تجديداً مستمراً في قدرات التعلم ذاتها، وتعديلاً للتصرفات نحو الأحسن، إذ تمتلك شخصية المتعلم الوعي، والإرادة والمسؤولية في القرار والفعل...الأمر الذي يفترض منهاجا منفتحاً ونامياً.
والتعلم ينطلق من أفعال التعليم، التي تقدم النموذج، في كيفية بناء المعرفة والمفاهيم، أو في كيفية تنفيذ خطة أو منهجية، أو القيام بإنجاز أو أداء، ويترسخ ذلك بالتمرين والتمهير، والتتبع والتقييم والدعم، وترفق مختلف هذه العمليات التعليمية، بتوجيهات وإرشادات وتكليفات، لتنشأ الحاجة والضرورة، وتتجدّر في الفكر والوجدان والعادة، من خلال تفاعلات ارتجاعية " Rétroaction" تنبني على مراحل نذكر منها:
حدوث الاستعداد بفعل الحاجة إلى الإشباع وحصول الرضا المعرفي والنفسي.
التدرج في البحث عن المعارف من مصادر مختلفة داخلية (مدرسية) وخارجية (مجتمعية).
التدرب على كيفية الاشتغال على تلك المعارف واستثمارها باستعمال قدرات البحث والفهم والتطبيق والنقد...
مواجهة المواقف والصعوبات وتحقيق النجاح.
امتلاك صلاحية اتخاذ القرار والتصرف.
تحقيق التواصل مع المحيط والشعور بأهمية الإنجاز.
وتتم عملية التواصل قبل الإنجاز وبعده، من خلال التقنيات التالية: ـ طرح الأسئلة – إعادة الصياغة – التحدث بصيغة الأنا أو النحن – الانتباه والتركيز – تحليل المحتوى – الاستيعاب والفهم – تقدير أهمية الإنتاج أو المضمون – التفاعل إما على شكل تعبير شفوي أو كتابي، حول حصيلة المعارف والمهارات المنجزة.
الأستاذ المربي والتعلم:
لا أحد ينكر أن نجاح التعلم، رهين بكفاءة ونموذجية وقدرة الأستاذ، على القيادة والتدبير والتوجيه، فهو يتصف بكونه مجرب، يصلح ليكون نموذجا يقتدى به، وهو موجه، يقدم نماذج تعليمية وبيانات محددة وواضحة ؛ متى كان ذلك ضروريا.
وهو منشط يخلق ديناميكية معينة، حسب متطلبات الموقف التعلمي، ويساهم في استقلالية المتعلم، ليعتمد على نفسه في استمرار تعلمه، كما ينمي كفاياته بالتدريب والتمرين، ويثير دافعيته للاستزادة والتوسع، وهو موجه، يوجه قدرات المتعلم في الاتجاه الملائم.
وهو خبير، ينجز أنشطته التعليمية بارتياح وكفاءة.
وهو واع ومسؤول بمتطلبات عمله، وحاجيات متعلميه في الحال والمستقبل.
المدرسة كبيئة التعلم:
إن البيئة التعلمية التي هي المدرسة بكل مرافقها، وكذا الوسط الاجتماعي، يشكلان مصادر التعلم المتنوعة، ورغم اختلاف مستويات استغلال هذه البيئة، ومستويات الانفتاح عليها كمحيط اجتماعي، فالاعتقاد قائم بأنها أينما كانت، يمكن أن توفر للمدرسة إمكانيات ميسورة ومتنوعة وشاملة، متى استطاعت المدرسة، أن توطد العلاقة مع ذاتها، ومحيطها ككيان مشترك، يشكلان ضرورة حياتية، لا غنى عنها، عند ذلك ستتمثن الروابط، وتصبح المدرسة مطلباً اجتماعياً، على مقدمة قائمة الأولويات، وسيصبح المناخ التعلمي مناسباً ومريحاً، وغنيا بالفرص التعلمية.
ومن مواصفات البيئة التعلمية الناجحة:
أن تكون بيئة مناسبة ومريحة، وخالية من أي تهديد أو ضجر، وأن تمنح المتعلم الثقة في نفسه.
وأن تكون مجالا للانفتاح العقلي والمعرفي، ومجالا للتشجيع.
أن توفر شروط التعلم، كفضاء غني بمصادر التعلم، وتعطي للمتعلم إمكانيات للنجاح.
أن يتم فيها احترام شخصية المتعلمين، والاعتراف باختلاف مستويات الأداء عندهم، وتنوع ذكاءاتهم.
احترام القاعدة القائلة (أسمع وأنسى، أنظر وأتذكر، أمارس وأفهم).
وبكل تأكيد أصبح واضحا مما تقدم، أن البيداغوجية الفارقية، وما يرتبط بها من ديداكتيك فارقي، لم تعد مجرد نافلة، يمكن ممارستها أو تركها، وإنما حقيقة لا غنى عنها، ليس فقط بالأقسام المشتركة، بل وبالأقسام العادية، التي لا تخلوا من تعدد المستويات والميول والحاجيات...
البيداغوجية الفارقية
وانسجاما مع الرؤية النسقية، التي بنينا على أساسها هذا التصور، المتعلق بكتاب مدرسي نوعي، وتحقيقا لمركزية المتعلم، في العملية التعليمية التعلمية، وتأكيدا على تنوع المستويات والذكاءات والقدرات؛ واستجابة لحاجيات الأقسام المشتركة، والأقسام المتعددة المستويات، مهما بدت شكلا أنها عادية، وذات مستوى وحيد، نقترح مقاربة للبيداغوجية الفارقية، والتي نعتبر أنها أصبحت مطلباً ملحاً، لما ستحققه من تدبير للعمل التربوي، ولما سينجم عنها من تأصيل لتقاليد ديداكتيكية نوعية، وذات مردودية وجودة وفعالية، إضافة إلى ما تقدمه من إمكانيات للتصرف والإبداع، حتى لا يبقى المرجع وصفة جاهزة، تصلح لكل المستويات، دون بذل لأي جهد في إعادة التخطيط، بالإضافة والتعديل أو التغيير، بما يستجيب لمقتضيات تفريد التعليم ومتطلباته؛ ومع البيداغوجية الفارقية يصبح المرجع، عبارة عن مقترح وإمكانية من الإمكانيات، التي تقدم نماذج وخطاطات ليست في كل الأحوال نهاية المطاف.
ومع البيداغوجية الفارقية، يلعب التقويم دورا أساسيا، في التعرف على النتائج، ومستوى نجاح التعلمات، ومواطن القصور والتعثرات... لتحديد مجالات التدخل التعليمي والدعم، بالنسبة لكل مجموعة من المجموعات الفارقية؛ وعلى ضوء نتائجه ينجز التخطيط الديداكتيكي الفارقي، استجابة لتنوع الحاجيات، وتحقيقا لتكافؤ الفرص وهو على وجه العموم، نوع من المرونة والتكييف والتحويل، والإضافة أو التعديل، حيث يتم التعامل مع الوحدة الديداكتيكية من زوايا نظر متنوعة لتتلاءم مع تلك المتطلبات والحاجيات ولخلق توازن بين مستويات القسم الواحد الأمر الذي يخفف من الفوارق وذلك بتنظيم وتدبير التعلمات الفارقية التي تقتضي:
تفريد التعليم، أي تجميع كل مجموعة أفراد متقاربة القدرات والذكاء في مجموعة عمل خاصة.
تحديد مراكز القوة والضعف بالنسبة لكل مجموعة، وتحديد النماذج والأنشطة بالنسبة لها.
أن يتم الاشتغال لاكساب كفايات محددة قد تزيد أو تنقص بالنسبة لكل مجموعة عمل.
أن يساهم التلاميذ في توفير أدوات ومعدات العمل المتاحة والممكنة.
أن يحكم سير عمل المجموعات النظام والمرونة والمواءمة وحسن التصرف، وادخار الجهد.
أن يكتسب المتعلمون روح التعاون والتكامل والمساعدة.
أن يحصل تعاون وانسجام بين الأستاذ ومجموعات القسم لملء الفجوة المعرفية بين المستويات.
الوسائل التعليمية
عرفت الوسائل التعليمية، (تجهيزات ومعدات وأدوات...) تطورات متلاحقة، منذ ظهور الطرائق الفعّالة والحديثة، ولقد أدركت في العقود الأخيرة، مستويات عليا من التقدم والرقي، خصوصاً في ظل نظرية الاتصال ونظم التواصل، إذ أصبحت هذه الوسائل تدعى تكنولوجيا التربية، وتعني "علم تطبيق المعرفة، في الأغراض التعليمية بطريقة منظمة"، ومهما تكن الشروط والأوضاع والإمكانات المتوفرة، فالذي ينبغي معرفته بكل تأكيد، أن الوسائل أصبحت ضرورة من الضروريات، لضمان نجاح أي ممارسة تعليمية وتربوية، على وجه الإطلاق، لأنها جزء لا يتجزأ من الاختيارات البيداغوجية، التي تم اعتمادها.
الوسائل التعليمية وتحسين جودة التعليم والتعلم :
وإذا كانت مدارسنا تعاني من فقر بيِّن في هذه الوسائل، فإن المتوفر منها، غالبا ما لا يستخدم في دروس وحدة اللغة العربية، أو إذا استعمل يكون استعماله شكليا؛ وبخاصة أدوات الإيضاح، من صور ومجسمات ومشاهد، ولوائح وبيانات، وسبورات وبرية وعينات... دون الحديث عن الحاجة الماسة، في تدريس هذه الوحدة، للوسائط التكنولوجية العادية، من تلفاز وفيديو ومسلاط، وعاكس مسلط، وصور ثابتة، (Diapositives) أما إذا أضافنا إلى ذلك الحواسب، والبرامج المعلوماتية ووسائطها المتنوعة، فإن الموضوع سيصير ضربا من الترف الفكري، بالرغم من ضرورته الأكيدة، غير أننا لا نطالب إلا بتوفير المتاح والممكن، واستغلال ما يوجد استغلالا مكثفا ورشيدا.
وباختصار شديد، يمكن أن نلخص أدوار الوسائل التعليمية، في تحسين جودة التعليم والتعلم، فيما يلي:
1- أنها توفر إمكانيات تحفيز، وإيقاظ اهتمامات التلاميذ، وتنمية إدراكهم...
2- أنها تجعلهم يستحضرون خبراتهم السابقة، وتقوي استعدادهم لإغنائها بخبرات جديدة.
3- تمكن مختلف القدرات والذكاءات من نيل حظوظها، باستعمال جميع الحواس، ممّا يرسخ التعلمات ويبقى آثارها.
4- تعطي إمكانيات لتنويع التعلمات، والاستجابة للفارقية في القدرات والذكاءات.
5- تحقق مستوى من النظام والترتيب، في بناء المعرفة وترسيخها.
6- تمكن المتعلمين من بناء معارفهم ومفاهيمهم، بناء واضحاً وملموساً.
7- تسهم في جعل المتعلمين يشاركون بفعالية، ويعمقون خبراتهم، على قاعدة الممارسة.
8- تصحح الكثير من التصورات، والتخمينات والاتجاهات وتعدلها.
9- تسهم في ادخار الجهد.
10- تعزز الفعل التعلمي، وترسخ النجاحات، وتدفع إلى استثمار الجدوى.
11- تجعل (التعليم والتعلم) عملية إنتاجية، ذات جودة تربوية، بتحقيق نتائج قابلة للقياس في علاقة بالكلفة والجهد.
قواعد اختيار الوسائل التعليمية واستخدامها.
يتم اختيار الوسائل (عدة ومواد وأدوات...)، من المتاح والممكن، ولكن على قاعدة:
تحديد الكفايات المراد إكسابها (تحليل، قياس، مقارنة...)، وضبط العمليات من تمارين وتمهيرات، في علاقة بالعدة والمواد والأدوات المستخدمة.
تحديد الأفعال التعليمية، المكونة لتلك الكفايات (بين، استخرج، ابحث عن...) في علاقة بالوسائل المشتغل عليها، وإمكانية ملاحظتها وقياسها كإنجاز وأداء.
معرفة فارقية المتعلمين، (المستوى العمري ونوعية الذكاء ومستويات القدرات) ضمانا لاستخدامات متنوعة وفعالة. ربط الوسيلة بالمنهاج (مضموناً ومنهجية وعلاقات وتقييم...) حتى يتحقق التكامل، بين الوسيلة والمنهاج في شموليته. فقد تكون الوسيلة وثيقة أو مشهد أو معاينة مباشرة (لتشخيص محدد).
ويرتكز التوظيف الجيد، إلى المعرفة بالوسيلة، وكيفية استخدامها، وتجريبها قبل اعتمادها، وتحديد الوقت المناسب للاستعمال، اتقاءً لما قد يترتب عن الارتجال من مفاجآت، قد تنعكس سلبا على كل العمل المستهدف.
تقديم الوسيلة للمتعلمين، وتوجيههم إلى الأهداف المراد تحقيقها من استعمالها، بقصد التتبع أو الإنجاز، مع تنبيههم إلى أن الوسيلة ستساعد في حل المشكلة المطروحة، وتركهم يفكرون في كيفية ذلك.
توفر البيئة المناسبة لاستخدام الوسيلة (إضاءة أو عتمة، مكان العرض المناسب، كهرباء...) حسب احتياجات الاستعمال. وضع الوسائل ضمن سياقات المنهاج والتواصل.
التقويم التكويني والدعم:
ويحتل التقويم التكويني مواقع أساسية في تتبع فعاليات عمليات التعليم تعلم للوقوف على مواطن الخلل في حينه وتوفير ما يحتاجه المتعلمون من دعم، لتمكين المتعثرين، من حسم مشكلاتهم بحلها إيجابيا، وتصفية الصعوبات التي قد تعتور مسارهم التربوي التعليمي، وتتحدد بيداغوجية الدعم في أنها مجموعة عمليات وإجراءات خاصة يمكن اعتمادها داخل القسم في إطار حصصها المخصصة، أو ضمن السياق العام للأنشطة الدراسية، تكاملا مع التقييم التكويني، لمواجهة أي حالة من الحالات السلبية عند حصولها، والتي قد تحدث بفعل (ضعف الانتباه، فرط النشاط، قصور البصر أو السمع، الانطواء...) وكل ما يحول دون تشغيل المتعلم لقدراته الحقيقية، بقصد التوجيه للمعالجة، أو إيقاظ الإرادة وإنهاض الدافعية، ولتمكين المتعلم من اكتشاف الإمكانيات الكامنة فيه، وتوظيفها في استدراك ما فاته.
وتهدف إلى تطوير المردودية وتحسين جودة التعليم لمجموع تلاميذ القسم بإعطائهم جملة من الفرص التي تبعدهم عم موطن النكوص والانطفاء.
وإذا كان التقويم يهدف إلى تحليل الأخطاء، وأسبابها، وتشخيص الصعوبات المتواترة، الخاصة بكل مجموعة، واستثمار نتائج التحليل، في تحديد أنواع الأنشطة، والتمارين الملائمة للعلاج، فإن الدعم يكون بناء وتقنينا تطبيقيا، للأنشطة والعمليات التعليمية التعلمية المتنوعة، والمناسبة لمختلف أنواع الوقاية أو العلاج، التي تسمح للتلاميذ حسب حجم صعوباتهم، باستخدام ما يناسب منها، للحد من مشاكلهم أو معالجتها، حتى لا يسمح بأي فرصة لتراكم هذه الصعوبات بكيفية قد تؤدي إلى الفشل الدراسي.
وضمن هذه الاستراتيجية، يتم ربط الأنشطة التعليمية التعلمية بالتقويم والدعم، بحيث تشكل محطات، يتدرج عبرها مستوى الإتقان المطلوب، من السهل إلى الصعب، ومن البسيط إلى المعقد، ومن المحاولة والخطإ إلى مقدمات النجاح، عبر صيرورة من الارتقاءات المطردة، إذ تضطلع بيداغوجية الدعم بتعزيز التعلمات، لتبلغ كل مجموعة الحد الأدنى المقبول من النجاح، الفردي والمشترك.
وبيداغوجية الدعم، ليست عملية تهتم بالصعوبات، والتعثرات والأخطاء فقط، وإنما تراعي وتيرة التعلم، لدى كل مجموعة من التلاميذ، وبقدر ما تولي عناية خاصة بذوي الصعوبات، فإنها تهتم بالتلاميذ المتوسطين، وبالمتفوقين حسب ما يلائم كل فئة ويغني تجربتها، ويطور أداءها...
وتعتبر هذه الاستراتيجية التقويمية الداعمة، خطة منهجية منفتحة ومتدرجة، بحيث تضع في اعتبارها، مختلف التوقعات والاحتمالات، وهي أيضا انبنائية وارتقائية، يتجلى ذلك في تنظيم وتوالي عملياتها وحصصها، وما تتطلبه من تكرار وترسيخ، وتعطى فيها المبادرة للتلاميذ المتفوقين كل بمجموعته، ليدعموا رفاقهم المتعثرين، وللأستاذ حق الاجتهاد في بناء وتنفيذ استراتيجية التقويم والدعم، لأن حصصها تتطلب المبادرة والابتكار، وهي جملة وتفصيلا تتطلب إعداداً خاصاً، على ضوء تحليل نتائج التقويم، ولذلك فهي ليست بأي حال من الأحوال وصفة جاهزة.
الكتاب المدرسي:
وحيث أن الكتاب المدرسي بكراسة التلميذ ودليل الأستاذ يعتبران ترجمة للمنهاج، فهما أيضا للأسف الشديد يحتلان عندنا موقعا أماميا في الفعل التربوي والتثقيفي نتيجة الوضع الثقافي العام، وتبقى المقومات التي بين أيدينا الآن والتي يتم الاحتكام إليها عند إنتاج الكتاب المدرسي ليحظى بالقبول من لدن اللجنة الوزارية دون مستويات تطلعنا إلى تحقيق نمو متميز في القدرات وفي الاستجابة لحاجياتنا الملحة في التحرر والتقدم والخروج من التخلف الأمر الذي يجعلنا نلح مرة أخرى على أن يعاد النظر في منهجية وتوجهات دفتر التحملات الخاصة بتأليف الكتب المدرسية وأن ينصص عما ينبغي التنصيص عليه من اختيارات في الحرية والتحديث والديموقراطية والعلمية (أنظرالاستجواب حول الاصلاح التعليمي بالمغرب وتأليف الكتاب المدرسي على نفس الموقع)... أيضا وأن ينصص عن المنهجيات والأبعاد البيداغوجية والديداكتيكية ومستويات الأجرأة الإبداعية للكفايات، وأن يفسح المجال لنتائج للتجريب والبحث في مجال الديداكتيك، وأن ترعى التجارب الرائدة في المجال البيداغوجي، إضافة إلى ضرورة الحرص على أن يترك للمجالس التربوية الجهوية حق اختيار الكتب والمراجع وأن يحرر التأليف من الضغوط والملابسات التي تقول بتعدد المراجع، وعمليا تمارس التقنين والتضييق والإقصاء، في زمن نحن في أمس الحاجة إلى كل طاقاتنا الخلاقة للتوفر على كتب مدرسية نوعية، وأدلة دقيقة وواضحة في منهجياتها ونماذجها... في هذه المرحلة التي تعاني فيها بلادنا من تخلف حاد في التنمية الاجتماعية، حيث تتعرض عملية إنتاج الكتاب المدرسي لأطروحة مضللة والقائلة بانه ينبغي أن يرتبط انتاج الكتاب المدرسي بالواقع وبالخصوصية وهذه أطروحة تشكل عرقلة في طريق تطورنا فالارتباط بالواقع معناه أن نفهمه بقصد تغييره وليس تبريره وتكريسه...
بيداغوجية الكفايات:
من الأهداف إلى الكفايات:
ولما كانت الكفايات نشاطاً معرفيا وتعلميا بامتياز، فإنها لا تستقيم إلا مع منهجية حل المشكلات، والمقاربة التواصلية، ومناهج المشروعات، التي منها المقاربة الورشية والاستراتيجيات، ولذلك فإنها قد تناقض بيداغوجية الأهداف التعليمية السلوكية، لكنها تبقى وفية للاختيارات والأهداف التربوية العامة كالغايات والمرامي التي يحددها الاختيارات التربية والتكوينة والمنهاج الدراسي.
ولما كانت الكفايات ترتكز إلى التعلم Apprentissage كممارسة واشتغال ذاتي للمتعلم، فإنها وأمام الوضعيات التعلمية، ومشكلاتها وإحالاتها وامتداداتها، تخلق لدى المتعلم اهتمامات، وحاجيات معرفية ومادية، تجعله يصوغ تلقائيا أهدافا متجددة، قد يعدلها أو يتجاوزها، متى أصبحت الضرورة التعليمية تقضي ذلك، وبالتالي فإنه لا يكون سجين أهداف، مصاغة بشكل قبلي وتحكمي.
ومن ثمة يمكن نعت الأهداف التعليمية كسلوكات معدة سلفا، بأنها عملية تلقينية، وتحكمية تحاصر الفعل التعلمي، وتحد من النشاط وتنوعه، وترفض التوقع والاستباق، إلا في حدود ترسمها هي، وبالتالي تحاصر التوسع، والامتداد التعلمي وتخنق الإبداع، لأنها في حقيقة الأمر لم تكن تولي كبير الاهتمام، إلى حاجيات المتعلم، ولا إلى فعالياته الذهنية، وكان يطغى عليها جانب التلقين والإلقاء. كما أنها أعيقت بفعل عوامل من الثقافة والعقل الاجتماعي، تتناقض جوهرا وشكلا مع أسسها ومنطلقاتها الفلسفية والمعرفية، الأمر الذي لم تتمكن معه طيلة عقدين ونيف، من توفير شروط وإمكانيات للاندماج وللتقنين والتوطين في الواقع السوسيوتربوي.
خيار الكفايات مطلب وحاجة بيداغوجية:
والكفايات خيار بيداغوجي مفتوح، قائم على أساس ديمقراطي تعاقدي، تحترم فيه شخصية المتعلم، فهو الذي يساهم في تخطيط تعلماته، وتوفير ما يستطيعه من عدة متاحة وممكنة، كما يساهم في الممارسة والتنفيذ، ضمن إطار من الأنشطة الفردية والجماعية، التي توفرها الورشات، وحيث يبرز جهوده وقدراته. وعموما يتعلم التلاميذ ما يمارسونه هم أنفسهم، وما يذهبون إليه بمحض إرادتهم، " أعط المتعلم فكرة، ثم ابتعد بعد ذلك عن طريقه، لأن أخطر وسيلة لقتل روح البحث لديه، هي أن تعطيه أجوبة جاهزة عن أسئلة لم تخطر بباله ولا حاجة له فيها."
إننا عندما ننجح في جعل المتعلم يتبنى موقفا ألفتنا نظره إليه، وأثرنا اهتمامه وفضوله اتجاهه، سيشارك بفعالية، وسيبحث وينقب ويكتشف، ويتوقع بحيوية ونشاط، وسيكون ذلك حتما منطلقا، لولوج صيرورة من التعلمات، تمتد في نمو وتطور، اتجاه مواقف معرفية وحياتية متجددة.
بيداغوجية الكفايات:
إذن بيداغوجية الكفايات منهاج للتعلم Curriculum، وليست برنامجا Programme للتعليم؛ تعلم يهدف إكساب المتعلم كفايات (معارف connaissances)) قدرات (capacités) ومهارات savoir-faire)، وليس تعليم لمراكمة المحفوظات والمعلومات؛ تعلم يرتبط بالحياة، حياة التلميذ الحاضرة والمستقبلية.
وهي بيداغوجية دينامية، تفسح المجال واسعا للممارسة التعليمية، حيث تعطي الأستاذ مجالا واسعا، للتصرف والإبداع، كفاعل مشارك ومساعد ومنشط للتعلمات.
ولتحديد مفهوم بيداغوجية الكفايات، نقترح مفهوما نظريا يتميز بالشمول، ليضم مختلف المفاهيم القريبة منه أو التي تتقاطع معه، كالقدرة والأداء والمهارة والمعرفة والإنجاز...، وبذلك سيصبح مفهوما مركباً حسب J. Leplat 1991)) ويعني فيما يعنيه :
1- أن الكفاية مفهوم افتراضي، مجرد لا يمكن ملاحظته إلا من خلال الإنجازات والنتائج، التي يحققها الفرد المتعلم.
2- وأنها القدرة على المواءمة والملاءمة، مع الظروف والمواقف والشروط، التي يواجهها المتعلم.
3- وإنها الخاصية الايجابية للفرد، التي تشهد على قدرته، على إنجاز مهمة محددة.
وهي شديدة التنوع:
كفاية عامة ـ كفايات خاصة ونوعية ـ كفايات مساعدة ـ كفايات تواصلية ـ كفاية معرفية ـ كفايات مهارية ـ كفايات فنية.... والكفاية تحديدا هي القدرة على التعلم والتوافق، والقدرة على حل المشكلات، والقدرة على التحويل، أي تكييف التصرف مع الوضعية الطارئة، والقدرة على مواجهة الصعوبات الطارئة، إنها أيضا ادخار الجهد، والاستفادة منه أكثر، والمرونة والاستعداد والتواصل.
وتشمل الكفايات المكونات التالية:
المهارة (savoir-faire): ويقصد بها التمكن من أداء مهمة محددة بشكل دقيق يتسم بالتناسق والنجاعة، وهي نتاج أفعال التمهير: كالتقليد والمحاكاة والتكرار والاستعمال والتدقيق، وتعرف تطورات منها مهارة الإتقان والدقة، ومهارة التحويل، والقدرة على ترجمة معطيات معرفية إلى مجال التطبيق. وصولا إلى مهارة الإبداع، وتتحقق بواسطة التدريب المتواصل والمحكم.
الأداء (performance):أو الإنجاز ويقصد به القيام بمهام وأنشطة وتصرفات متقنة، عالية الدقة، قابلة للملاحظة والقياس، ويتحقق ذلك بواسطة التمرين والتدريب.
الاستعداد (l aptitude): هو مجموع الإمكانات الداخلية، التي تجعل المتعلم يستجيب بطريقة معينة، ليؤدي أو ينجز عملاً، انطلاقا من مكتسباته السابقة. ويعتبر الاستعداد قابلية، ويستند إلى شروط منها المعرفة والمهارة، وشروط سيكولوجية كالميل والرغبة والحاجة.
القدرة: (capacité) هي التمكن من تحقيق النجاح، إنها نشاط فكري قابل للتحويل، من مجال معرفي إلى آخر، وتلاحظ القدرة من خلال تطبيق على محتوى معين، كالقدرة على تحليل نص...
وفيما يلي مصفوفة تبين العلاقات بين القدرات الفارقية وتنوع الذكاء والكفايات:
القدرات المعرفية: كالقراءة والفهم والإدراك، والمقارنة، والتلخيص، والشرح والتفسير الإنتاج الكتابي
ما يقابلها من ذكاء
الذكاء اللغوي )الإنتاج الأدبي )
الذكاء المنطقي )المنهاج العلمي)
والرياضيات
ما يقابلها من كفايات تعلمية
بناء المعرفة، التحليل، المقارنة والقياس التأويل، التحويل، التركيب.. الاستباق والتوقع
القدرات الحسية الحركية: التخطيط، الرسم، التقطيع، التلوين، التلصيق، الأداء الجسدي، المرونة، الطواعية
الذكاء الجسمي: المرونة والطواعية والتحكم، الأداء الدقيق للحركات الإيقاعية والأعمال اليدوية)
الذكاء البصري: (الملاحظة، التمييز، الهندسة الدقة المهارة
تكرار المهارة، إعادة الفعل، اعتياد الممارسات الحركية المنظمة...، الأنشطة الحركية المهارية الاستعمالات، التفكيك والتركيب
التخطيط التأمل تمارين الإبداع الفني
القدرات السوسيوعاطفية، التواصل، التفهَّم ، الإنصات، المشاركة، الإقناع
المهارة...)
الذكاء الاجتماعي العلائقي والتواصل والإقناع والتفهم، التعاطف التظيم
تنظيم العلاقات، اعتياد العمل الجماعي، والاحترام، والمساعدة والمبادرة، وتوزيع الأدوار، والمثابرة، والتعبير عن الرأي
القدرات الوجدانية: الاستماع، التأمل التمييز، الأداء الفني، الإحساس المرهف، الشعور بالآخر، العلاقات
الذكاء الذاتي: معرفة الذات التأمل الذاتي
الذكاء الموسيقي: تمييز الأصوات، التذوق
الذكاء الطبيعي: العناية بالمجال الطبيعي والحيوانات
ممارسات تعلمية فردية، الاستقلالية،
التأملات الذاتية
قدرات إبداعية، التذوق الفني، الأداء الموسيقي. والرسم والتشكيل
العناية بالعناصر الطبيعية، المعرفة بالطبيعة والحيوان
إن هذه القدرات المتنوعة، تعتبر مدخلا لتنمية الذكاءات المتنوعة، والجدير بالذكر أن الفرد يمكنه أن يتوفر على واحد أو أكثر من هذه الذكاءات، وأن سيادة ذكاء معين يعتبر تميزاً فارقياً، عن الأفراد الآخرين، فإذا كان تلميذ يتوفر على قدرات لغوية فليس معناه أنه لن يكتسب قدرات أخرى تؤهله لتنمية ذكاءات أخرى، ومن ثمة فإن ممارسة الكفايات بمختلف تمارينها وتداريبها، إنجازاً وأداءً هو الذي يخول له تنمية باقي الذكاءات ولو بمستويات متفاوتة...
وتتميز الكفايات بالخواص التالية:
خاصية الامتداد – والخاصية التطورية – وخاصية التحول.
وأنواعها: إما مرتبطة بمادة دراسية محددة وهي بذلك نوعية، وإذا امتدت من مادة لأخرى فإنها تكون مستعرضة.
ولتحقيق الترابط بن هذه المقومات، المتمثلة في مستويات القدرات التي أدركها المتعلم، وما يتميز به من خصائص في الذكاء، وما تتطلبه من تنمية وتطور في الكفايات، كل ذلك لا يمكنه أن يحصل إلا بالتعلــم
صيرورة التعلم:
التعلم "Apprentissage" هو ممارسة البحث عن المعرفة، انطلاقا من رغبة ذاتية راسخة، وهو عملية نمو وتغيير وتجديد للإنسان، معرفةً ومهارةً وقدرات، بحيث أن ما سيتعلمه سيكون قاعدة ومنطلقا لمستجدات معرفية، قد تتكامل مع المحصلة السابقة، وترسخها أو تعدلها وتغنيها، وفي سياق هذه الصيرورة، يكون التعلم نمواً وتطوراً، في المعارف والقدرات والمهارات، ويكون تجديداً مستمراً في قدرات التعلم ذاتها، وتعديلاً للتصرفات نحو الأحسن، إذ تمتلك شخصية المتعلم الوعي، والإرادة والمسؤولية في القرار والفعل...الأمر الذي يفترض منهاجا منفتحاً ونامياً.
والتعلم ينطلق من أفعال التعليم، التي تقدم النموذج، في كيفية بناء المعرفة والمفاهيم، أو في كيفية تنفيذ خطة أو منهجية، أو القيام بإنجاز أو أداء، ويترسخ ذلك بالتمرين والتمهير، والتتبع والتقييم والدعم، وترفق مختلف هذه العمليات التعليمية، بتوجيهات وإرشادات وتكليفات، لتنشأ الحاجة والضرورة، وتتجدّر في الفكر والوجدان والعادة، من خلال تفاعلات ارتجاعية " Rétroaction" تنبني على مراحل نذكر منها:
حدوث الاستعداد بفعل الحاجة إلى الإشباع وحصول الرضا المعرفي والنفسي.
التدرج في البحث عن المعارف من مصادر مختلفة داخلية (مدرسية) وخارجية (مجتمعية).
التدرب على كيفية الاشتغال على تلك المعارف واستثمارها باستعمال قدرات البحث والفهم والتطبيق والنقد...
مواجهة المواقف والصعوبات وتحقيق النجاح.
امتلاك صلاحية اتخاذ القرار والتصرف.
تحقيق التواصل مع المحيط والشعور بأهمية الإنجاز.
وتتم عملية التواصل قبل الإنجاز وبعده، من خلال التقنيات التالية: ـ طرح الأسئلة – إعادة الصياغة – التحدث بصيغة الأنا أو النحن – الانتباه والتركيز – تحليل المحتوى – الاستيعاب والفهم – تقدير أهمية الإنتاج أو المضمون – التفاعل إما على شكل تعبير شفوي أو كتابي، حول حصيلة المعارف والمهارات المنجزة.
الأستاذ المربي والتعلم:
لا أحد ينكر أن نجاح التعلم، رهين بكفاءة ونموذجية وقدرة الأستاذ، على القيادة والتدبير والتوجيه، فهو يتصف بكونه مجرب، يصلح ليكون نموذجا يقتدى به، وهو موجه، يقدم نماذج تعليمية وبيانات محددة وواضحة ؛ متى كان ذلك ضروريا.
وهو منشط يخلق ديناميكية معينة، حسب متطلبات الموقف التعلمي، ويساهم في استقلالية المتعلم، ليعتمد على نفسه في استمرار تعلمه، كما ينمي كفاياته بالتدريب والتمرين، ويثير دافعيته للاستزادة والتوسع، وهو موجه، يوجه قدرات المتعلم في الاتجاه الملائم.
وهو خبير، ينجز أنشطته التعليمية بارتياح وكفاءة.
وهو واع ومسؤول بمتطلبات عمله، وحاجيات متعلميه في الحال والمستقبل.
المدرسة كبيئة التعلم:
إن البيئة التعلمية التي هي المدرسة بكل مرافقها، وكذا الوسط الاجتماعي، يشكلان مصادر التعلم المتنوعة، ورغم اختلاف مستويات استغلال هذه البيئة، ومستويات الانفتاح عليها كمحيط اجتماعي، فالاعتقاد قائم بأنها أينما كانت، يمكن أن توفر للمدرسة إمكانيات ميسورة ومتنوعة وشاملة، متى استطاعت المدرسة، أن توطد العلاقة مع ذاتها، ومحيطها ككيان مشترك، يشكلان ضرورة حياتية، لا غنى عنها، عند ذلك ستتمثن الروابط، وتصبح المدرسة مطلباً اجتماعياً، على مقدمة قائمة الأولويات، وسيصبح المناخ التعلمي مناسباً ومريحاً، وغنيا بالفرص التعلمية.
ومن مواصفات البيئة التعلمية الناجحة:
أن تكون بيئة مناسبة ومريحة، وخالية من أي تهديد أو ضجر، وأن تمنح المتعلم الثقة في نفسه.
وأن تكون مجالا للانفتاح العقلي والمعرفي، ومجالا للتشجيع.
أن توفر شروط التعلم، كفضاء غني بمصادر التعلم، وتعطي للمتعلم إمكانيات للنجاح.
أن يتم فيها احترام شخصية المتعلمين، والاعتراف باختلاف مستويات الأداء عندهم، وتنوع ذكاءاتهم.
احترام القاعدة القائلة (أسمع وأنسى، أنظر وأتذكر، أمارس وأفهم).
وبكل تأكيد أصبح واضحا مما تقدم، أن البيداغوجية الفارقية، وما يرتبط بها من ديداكتيك فارقي، لم تعد مجرد نافلة، يمكن ممارستها أو تركها، وإنما حقيقة لا غنى عنها، ليس فقط بالأقسام المشتركة، بل وبالأقسام العادية، التي لا تخلوا من تعدد المستويات والميول والحاجيات...
البيداغوجية الفارقية
وانسجاما مع الرؤية النسقية، التي بنينا على أساسها هذا التصور، المتعلق بكتاب مدرسي نوعي، وتحقيقا لمركزية المتعلم، في العملية التعليمية التعلمية، وتأكيدا على تنوع المستويات والذكاءات والقدرات؛ واستجابة لحاجيات الأقسام المشتركة، والأقسام المتعددة المستويات، مهما بدت شكلا أنها عادية، وذات مستوى وحيد، نقترح مقاربة للبيداغوجية الفارقية، والتي نعتبر أنها أصبحت مطلباً ملحاً، لما ستحققه من تدبير للعمل التربوي، ولما سينجم عنها من تأصيل لتقاليد ديداكتيكية نوعية، وذات مردودية وجودة وفعالية، إضافة إلى ما تقدمه من إمكانيات للتصرف والإبداع، حتى لا يبقى المرجع وصفة جاهزة، تصلح لكل المستويات، دون بذل لأي جهد في إعادة التخطيط، بالإضافة والتعديل أو التغيير، بما يستجيب لمقتضيات تفريد التعليم ومتطلباته؛ ومع البيداغوجية الفارقية يصبح المرجع، عبارة عن مقترح وإمكانية من الإمكانيات، التي تقدم نماذج وخطاطات ليست في كل الأحوال نهاية المطاف.
ومع البيداغوجية الفارقية، يلعب التقويم دورا أساسيا، في التعرف على النتائج، ومستوى نجاح التعلمات، ومواطن القصور والتعثرات... لتحديد مجالات التدخل التعليمي والدعم، بالنسبة لكل مجموعة من المجموعات الفارقية؛ وعلى ضوء نتائجه ينجز التخطيط الديداكتيكي الفارقي، استجابة لتنوع الحاجيات، وتحقيقا لتكافؤ الفرص وهو على وجه العموم، نوع من المرونة والتكييف والتحويل، والإضافة أو التعديل، حيث يتم التعامل مع الوحدة الديداكتيكية من زوايا نظر متنوعة لتتلاءم مع تلك المتطلبات والحاجيات ولخلق توازن بين مستويات القسم الواحد الأمر الذي يخفف من الفوارق وذلك بتنظيم وتدبير التعلمات الفارقية التي تقتضي:
تفريد التعليم، أي تجميع كل مجموعة أفراد متقاربة القدرات والذكاء في مجموعة عمل خاصة.
تحديد مراكز القوة والضعف بالنسبة لكل مجموعة، وتحديد النماذج والأنشطة بالنسبة لها.
أن يتم الاشتغال لاكساب كفايات محددة قد تزيد أو تنقص بالنسبة لكل مجموعة عمل.
أن يساهم التلاميذ في توفير أدوات ومعدات العمل المتاحة والممكنة.
أن يحكم سير عمل المجموعات النظام والمرونة والمواءمة وحسن التصرف، وادخار الجهد.
أن يكتسب المتعلمون روح التعاون والتكامل والمساعدة.
أن يحصل تعاون وانسجام بين الأستاذ ومجموعات القسم لملء الفجوة المعرفية بين المستويات.
الوسائل التعليمية
عرفت الوسائل التعليمية، (تجهيزات ومعدات وأدوات...) تطورات متلاحقة، منذ ظهور الطرائق الفعّالة والحديثة، ولقد أدركت في العقود الأخيرة، مستويات عليا من التقدم والرقي، خصوصاً في ظل نظرية الاتصال ونظم التواصل، إذ أصبحت هذه الوسائل تدعى تكنولوجيا التربية، وتعني "علم تطبيق المعرفة، في الأغراض التعليمية بطريقة منظمة"، ومهما تكن الشروط والأوضاع والإمكانات المتوفرة، فالذي ينبغي معرفته بكل تأكيد، أن الوسائل أصبحت ضرورة من الضروريات، لضمان نجاح أي ممارسة تعليمية وتربوية، على وجه الإطلاق، لأنها جزء لا يتجزأ من الاختيارات البيداغوجية، التي تم اعتمادها.
الوسائل التعليمية وتحسين جودة التعليم والتعلم :
وإذا كانت مدارسنا تعاني من فقر بيِّن في هذه الوسائل، فإن المتوفر منها، غالبا ما لا يستخدم في دروس وحدة اللغة العربية، أو إذا استعمل يكون استعماله شكليا؛ وبخاصة أدوات الإيضاح، من صور ومجسمات ومشاهد، ولوائح وبيانات، وسبورات وبرية وعينات... دون الحديث عن الحاجة الماسة، في تدريس هذه الوحدة، للوسائط التكنولوجية العادية، من تلفاز وفيديو ومسلاط، وعاكس مسلط، وصور ثابتة، (Diapositives) أما إذا أضافنا إلى ذلك الحواسب، والبرامج المعلوماتية ووسائطها المتنوعة، فإن الموضوع سيصير ضربا من الترف الفكري، بالرغم من ضرورته الأكيدة، غير أننا لا نطالب إلا بتوفير المتاح والممكن، واستغلال ما يوجد استغلالا مكثفا ورشيدا.
وباختصار شديد، يمكن أن نلخص أدوار الوسائل التعليمية، في تحسين جودة التعليم والتعلم، فيما يلي:
1- أنها توفر إمكانيات تحفيز، وإيقاظ اهتمامات التلاميذ، وتنمية إدراكهم...
2- أنها تجعلهم يستحضرون خبراتهم السابقة، وتقوي استعدادهم لإغنائها بخبرات جديدة.
3- تمكن مختلف القدرات والذكاءات من نيل حظوظها، باستعمال جميع الحواس، ممّا يرسخ التعلمات ويبقى آثارها.
4- تعطي إمكانيات لتنويع التعلمات، والاستجابة للفارقية في القدرات والذكاءات.
5- تحقق مستوى من النظام والترتيب، في بناء المعرفة وترسيخها.
6- تمكن المتعلمين من بناء معارفهم ومفاهيمهم، بناء واضحاً وملموساً.
7- تسهم في جعل المتعلمين يشاركون بفعالية، ويعمقون خبراتهم، على قاعدة الممارسة.
8- تصحح الكثير من التصورات، والتخمينات والاتجاهات وتعدلها.
9- تسهم في ادخار الجهد.
10- تعزز الفعل التعلمي، وترسخ النجاحات، وتدفع إلى استثمار الجدوى.
11- تجعل (التعليم والتعلم) عملية إنتاجية، ذات جودة تربوية، بتحقيق نتائج قابلة للقياس في علاقة بالكلفة والجهد.
قواعد اختيار الوسائل التعليمية واستخدامها.
يتم اختيار الوسائل (عدة ومواد وأدوات...)، من المتاح والممكن، ولكن على قاعدة:
تحديد الكفايات المراد إكسابها (تحليل، قياس، مقارنة...)، وضبط العمليات من تمارين وتمهيرات، في علاقة بالعدة والمواد والأدوات المستخدمة.
تحديد الأفعال التعليمية، المكونة لتلك الكفايات (بين، استخرج، ابحث عن...) في علاقة بالوسائل المشتغل عليها، وإمكانية ملاحظتها وقياسها كإنجاز وأداء.
معرفة فارقية المتعلمين، (المستوى العمري ونوعية الذكاء ومستويات القدرات) ضمانا لاستخدامات متنوعة وفعالة. ربط الوسيلة بالمنهاج (مضموناً ومنهجية وعلاقات وتقييم...) حتى يتحقق التكامل، بين الوسيلة والمنهاج في شموليته. فقد تكون الوسيلة وثيقة أو مشهد أو معاينة مباشرة (لتشخيص محدد).
ويرتكز التوظيف الجيد، إلى المعرفة بالوسيلة، وكيفية استخدامها، وتجريبها قبل اعتمادها، وتحديد الوقت المناسب للاستعمال، اتقاءً لما قد يترتب عن الارتجال من مفاجآت، قد تنعكس سلبا على كل العمل المستهدف.
تقديم الوسيلة للمتعلمين، وتوجيههم إلى الأهداف المراد تحقيقها من استعمالها، بقصد التتبع أو الإنجاز، مع تنبيههم إلى أن الوسيلة ستساعد في حل المشكلة المطروحة، وتركهم يفكرون في كيفية ذلك.
توفر البيئة المناسبة لاستخدام الوسيلة (إضاءة أو عتمة، مكان العرض المناسب، كهرباء...) حسب احتياجات الاستعمال. وضع الوسائل ضمن سياقات المنهاج والتواصل.
التقويم التكويني والدعم:
ويحتل التقويم التكويني مواقع أساسية في تتبع فعاليات عمليات التعليم تعلم للوقوف على مواطن الخلل في حينه وتوفير ما يحتاجه المتعلمون من دعم، لتمكين المتعثرين، من حسم مشكلاتهم بحلها إيجابيا، وتصفية الصعوبات التي قد تعتور مسارهم التربوي التعليمي، وتتحدد بيداغوجية الدعم في أنها مجموعة عمليات وإجراءات خاصة يمكن اعتمادها داخل القسم في إطار حصصها المخصصة، أو ضمن السياق العام للأنشطة الدراسية، تكاملا مع التقييم التكويني، لمواجهة أي حالة من الحالات السلبية عند حصولها، والتي قد تحدث بفعل (ضعف الانتباه، فرط النشاط، قصور البصر أو السمع، الانطواء...) وكل ما يحول دون تشغيل المتعلم لقدراته الحقيقية، بقصد التوجيه للمعالجة، أو إيقاظ الإرادة وإنهاض الدافعية، ولتمكين المتعلم من اكتشاف الإمكانيات الكامنة فيه، وتوظيفها في استدراك ما فاته.
وتهدف إلى تطوير المردودية وتحسين جودة التعليم لمجموع تلاميذ القسم بإعطائهم جملة من الفرص التي تبعدهم عم موطن النكوص والانطفاء.
وإذا كان التقويم يهدف إلى تحليل الأخطاء، وأسبابها، وتشخيص الصعوبات المتواترة، الخاصة بكل مجموعة، واستثمار نتائج التحليل، في تحديد أنواع الأنشطة، والتمارين الملائمة للعلاج، فإن الدعم يكون بناء وتقنينا تطبيقيا، للأنشطة والعمليات التعليمية التعلمية المتنوعة، والمناسبة لمختلف أنواع الوقاية أو العلاج، التي تسمح للتلاميذ حسب حجم صعوباتهم، باستخدام ما يناسب منها، للحد من مشاكلهم أو معالجتها، حتى لا يسمح بأي فرصة لتراكم هذه الصعوبات بكيفية قد تؤدي إلى الفشل الدراسي.
وضمن هذه الاستراتيجية، يتم ربط الأنشطة التعليمية التعلمية بالتقويم والدعم، بحيث تشكل محطات، يتدرج عبرها مستوى الإتقان المطلوب، من السهل إلى الصعب، ومن البسيط إلى المعقد، ومن المحاولة والخطإ إلى مقدمات النجاح، عبر صيرورة من الارتقاءات المطردة، إذ تضطلع بيداغوجية الدعم بتعزيز التعلمات، لتبلغ كل مجموعة الحد الأدنى المقبول من النجاح، الفردي والمشترك.
وبيداغوجية الدعم، ليست عملية تهتم بالصعوبات، والتعثرات والأخطاء فقط، وإنما تراعي وتيرة التعلم، لدى كل مجموعة من التلاميذ، وبقدر ما تولي عناية خاصة بذوي الصعوبات، فإنها تهتم بالتلاميذ المتوسطين، وبالمتفوقين حسب ما يلائم كل فئة ويغني تجربتها، ويطور أداءها...
وتعتبر هذه الاستراتيجية التقويمية الداعمة، خطة منهجية منفتحة ومتدرجة، بحيث تضع في اعتبارها، مختلف التوقعات والاحتمالات، وهي أيضا انبنائية وارتقائية، يتجلى ذلك في تنظيم وتوالي عملياتها وحصصها، وما تتطلبه من تكرار وترسيخ، وتعطى فيها المبادرة للتلاميذ المتفوقين كل بمجموعته، ليدعموا رفاقهم المتعثرين، وللأستاذ حق الاجتهاد في بناء وتنفيذ استراتيجية التقويم والدعم، لأن حصصها تتطلب المبادرة والابتكار، وهي جملة وتفصيلا تتطلب إعداداً خاصاً، على ضوء تحليل نتائج التقويم، ولذلك فهي ليست بأي حال من الأحوال وصفة جاهزة.