أمفاهيم نظرية حول القراءة الناقدة :
من الضروري أن يفهم المعلمون والمتعلمون في جميع المراحل التعليمية ان القراءة وسيلة لتوسيع أفق الإنسان في سبر غور المعرفة وعالم الأفكار والغموض ، وان القراءة كالتفكير بواسطتها يمثل القارئ الأفكار والمفاهيم التي تبثها المادة المقروءة ويعيد صياغتها بعد مزجها بخبراته وتجاربه . ويمثل الشك والرغبة في اثارة الأسئلة بداية هذه العملية التي تبقى مستمرة مادام الفرد مستمراً ومواظباً على عملية القراءة .
كما ان القراءة كالتفكير فيها يهتم القارئ ويأخذ باعتباره السياق العام للصفحة الواحدة أو المقطع الواحد ومايحتويه من عناصر وامور ومشكلات محاولاً تتبع الأحداث في المادة المقروءة للأمساك بالخيط الذي يوصله الى نهاية المطاف فيها .
وبهذا المعنى تصبح القراءة عملية عقلية تمثل عملاً لاقيمة له اذا لم تحرك قوى وفكر القارئ في فحص وتحسين افكاره وحياته بشكل دائم ومستمر .
لقد أدى تشعب الحياة وتعقد ميادينها وكثرة علومها من جهة وزيادة الوعي بالحقيقة التي تؤكد ان مجرد فهم الصفحة المكتوبة لا يمثل النضج في القراءة من الجهة الأخرى الى زيادة الحاجة الى القراءة الناقدة Critical Reading والتحسس بدورها الفعال في حياة القارئ ، فأصبح القارئ الجيد ، تبعاً لذلك ، ليس هو القادر على القراءة فحسب ، بل هو الشخص الذي يعرف كيفية استخدام مايقرأ . وعلى هذا الأساس اعتبر تدريس القراءة الناقدة واحدا من الأهداف الرئيسة التي يسعى لتحقيقها العديد من المدارس في دول العالم المتقدم .
وثمة أمر متفق عليه هو ان هناك نوعين من القراءة بحكمة تميزها وتسميتها بسهولة هما القراءة الصامتة والقراءة الجهرية . ولكون خصائصها معروفتين فلا حاجة لذكرهما في هذا الصدد ، وانما الاكتفاء بالإشارة الى ان كل واحدة منهما تتطلب ادراك معاني الرموز المكتوبة وفهمها وتفسيرها مع الفارق في مستوى التعقيد حيث ان القراءة الجهرية تستلزم تفسير معنى الأفكار والعبارات للآخرين ، وهذا التفسير أكثر تعقيداً في ايضاح معاني الرموز في المادة المقروءة من التفسير الصامت مع كلا النوعين من القراءة ويعتمد هذا الأستخدام على مواقف الحياة المختلفة سواء أكان في الداخل أم في الخارج .
لقد تصدى للقراءة الناقدة بالدراسة العديد من الباحثين وقدموا لها تعريفات كثيرة واذا ماحاولنا إلقاء نظرة فاحصة لها نلاحظ ان مفهوم القراءة الناقدة مفهوم ليس له حدود معينة وواضحة ، فقد استخدم في ادبيات القراءة في ثلاث طرائق مختلفة هي :
1ـ القراءة الناقدة أعلى مستوى من مستويات الفهم في القراءة reading comprehension .
2ـ القراءة الناقدة ذات مستوى مساو في الأهمية للمستويات الأخرى للفهم في القراءة .
3ـ القراءة الناقدة ذات قدرة خاصة في الفهم في القراءة .
وبصرف النظر عن كيفية استخدام هذا المصطلح ، فالقراءة الناقدة نمط من أنماط التفكير الناقد ، وبأسلوب أكثر تحديدا نقول ان القراءة الناقدة تفكير ناقد مطبق على الصفحة المكتوبة. وقد عرفها هرس Harris بانها عملية اصدار احكام في اثناء القراءة .
كما عرفها سبش Spache انها درجة أو نمط من الفهم comprehension يتطلب حكما ناقدا لطبيعة وقيمة مايقرأ مبنيا على أساس معايير وخبرات القارئ الشخصية .
لقد بينت دراسات كثيرة انه بالامكان تدريس القراءة الناقدة في المراحل التعليمية المختلفة ومنها المرحلة الابتدائية ، لتنشئة اطفال قادرين على النقد ، ولغرس عادات قرائية فيهم في وقت مبكر في كيفية التفاعل مع الصفحة المكتوبة ، وللاستفادة من هذا النمط من القراءة في فهم واستيعاب الدروس الأخرى كالعلوم والرياضيات والموضوعات الاجتماعية .
ان القراءة الناقدة لاتظهر ولاتنمو بشكل تلقائي نتيجة لتطور المتعلم في مهارات القراءة وانما تظهر متلازمة مع التفكير الناقد ، فتنمو عن طريق التدريب المنظم الذي يمكن البدء به منذ الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية من خلال تقويم الاطفال لدقة الصور المعروضة في كتبهم ومدى ملاءمتها للمحتوى ، وتشجيعهم على ابداء التعليقات البسيطة للحكم على قيمة المادة المقروءة ومقارنتها بمالديهم من خبرات وتجارب للتعرف الى مدى واقعيتها وصدقها . وتقريرهم في مدى قيام شخوص القصة بأدوارهم كما يجب ، واختيارهم الكتب الملائمة والمفيدة لهم . كما يشجع الطلاب في الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية على القراءة الواسعة من الكتب والمجلات والجرائد المعروضة واستخدام مهارات من نوع آخر كالتمييز بين الحقائق والآراء . ان مثل هذه النشاطات ستؤدي الى قيام القراء الصغار باصدار قرارات للحكم على فاعلية محتوى النص الذي يتفاعلون معه وفائدته .
ان تنمية القراءة الناقدة في المرحلة الابتدائية ومابعدها تعتمد بشكل رئيس على المعلم والاساليب التي يستخدمها . فاتجاهات المعلم وايمانه بان القراءة كالتفكير لها تأثير في كيفية تدريسه واختيار الاساليب التي تساعد على تنمية المهارات التفكيرية للاطفال في اثناء عملية القراءة . فضلاً عن ذلك فالمعلم يجب ان يكون قبل كل شيء مفكرا وقارئا ناقدا وبذلك يستطيع توجيه المتعلمين في اثناء القراءة بشكل يؤدي الى اثارة تفكيرهم ، وتنمية الرغبة لديهم في الاستفسار واثارة الأسئلة بشكل دائم ، وتوفير الفرص الكافية لهم للتدريب على مهارات القراءة الناقدة .
ولمساعدة المعلم في انجاز أغراضه في تنمية القراءة الناقدة عند المتعلمين من الضروري الاهتمام بما يأتي :
1ـ المهارات الأساسية للقراءة الناقدة :
بعد الرجوع للأدبيات السابقة في مجال القراءة الناقدة حددت بعض المهارات المهمة والتي ينبغي ان يستخدمها المعلم كأهداف في القراءة الناقدة لبلوغها وتحقيقها وهذه المهارات هي :
أ . التمييز بين الحقيقة والزيف وبين المعلومات ذات الصلة والمعلومات التي ليس لها صلة بالمادة المقروءة .
ب . تشخيص المحاولات المراد بها التأثير في القارئ عن طريق إدخال منطق خاطئ او مفاهيم غير مقبولة اجتماعياً أو حذف أو اضافة عبارات الى النص .
ج . رفض أو قبول ماكتبه المؤلف على وفق معايير معينة .
د . ادراك اغراض المؤلف وأهدافه من وراء ماكتبه .
هـ. ادراك اغراض المؤلف واهدافه من جراء ماكتبه من مادة وصياغة الاحكام في تقويمها .
و . تقويم اعتقادات المؤلف ومعاييره ومدى دقته في الكتابة .
ز . التمييز بين الحقائق والآراء .
ح . التحقق من قيمة المصدر بهدف الوصول الى المادة المقروءة الفضلى في كتابة التقرير ، وتعرف مدى حداثة المصدر وطبعته .
ان الأطفال في المرحلة الابتدائية قادرون على تعلم هذه المهارات أو جزء منها والتي يستطيعون ربطها بخبراتهم وتجاربهم ، ومما يجعلهم أكثر قدرة في تعلم هذه المهارات هو توجيه المعلم المنظم لهم ، وخلق المواقف المختلفة المناسبة التي تتحدى نموهم العقلي وتنمي لديهم التفكير الناقد .
2ـ خطوات تدريس القراءة الناقدة :
ان الفروق الأساسية بين تدريس القراءة كعملية فكرية وتدريس القراءة بالطرق المعتادة تكمن في دور المعلم . ففي الطريقة الفكرية يشجع المعلم الطالب على ان يفكر في اثناء القراءة فيعلمه ان يختبر ويفترض ويبحث عن البراهين ويعطي الأحكام والقرارات معتمدا على خبرته وتجاربه . ويتطلب لتحقيق ذلك ثلاث خطوات مترابطة الاولى هي اثارة الشك والتساؤل وتذكر الاهداف والدوافع ، أي ان الطالب في هذه الخطوة يفترض ويخمن ويتنبأ ، وهذه الخطوة تمثل بداية العمل والنشاط في القراءة الناقدة ، وتعتبر خطوة مهمة في تحديد سرعة القارئ بما يناسب صعوبة المادة المقروءة ، كما انها تكسب القارئ الرغبة في مواصلة القراءة . اما الخطوة الثانية فهي التفاعل والتعامل مع محتوى المادة المقروءة وكيفية معالجتها. وهذا التعامل ينبغي ان يكون مخططاً له وليس عشوائياً . فالقارئ في هذه الخطوة يقارن بين تجاربه وخبراته ومحتوى المادة المقروءة . ويمثل مستوى اختبار القارئ لتجاربه وخبراته مستوى قراءته . اما الخطوة الثالثة ففيها يستخدم الطالب ماتوفر لديه من حجج وبراهين وبينات في اختبار افتراضاته واستنتاجاته وللتحقق من ان مايتنبأ به أصحيحاً كان أم مخطوءا . ويستطيع الطالب استخدام القراءة الجهرية في الصف في اثبات صحة أو خطأ محتوى المادة المقروءة من خلال قراءة بعض النصوص من هذه المادة لدعم وجهة نظره .
وبخلاصة موجزة فان القارئ الناقد يتساءل أولاً ثم يتعامل مع المعلومات حتى ينتهي أخيرا الى استخدام التغذية الراجعة في اختبارالأجوبة للتحقق من صحة شكه وتساؤله .
3ـ الأساليب المساعدة في تنمية القراءة الناقدة :
يمثل في طرح الاسئلة أسلوبا فعالاً يساعد المعلم عند استخدامه في تنمية القراءة الناقدة عند الأطفال . لقد اصبح معروفاً ان هناك عددا من التصنيفات للفهم في القراءة بنيت على اساس تصنيف بلوم Bloom . وقد اصبحت هذه التصنيفات أداة مفيدة في طرح الاسئلة وصياغة الأهداف وهي تضم مستويات غير متداخلة قابلة للتطبيق مع أي موضوع ، ومن السهل على المعلم تصميم الأسئلة والأهداف المختلفة لتغطية مستوياتها ، ومن هذه التصنيفات تصنيف Smith في الفهم في القراءة . وهذا التصنيف يضم المستويات الآتية :
1ـ الفهم الحرفي Literal Comprehension
وهو لايتضمن عمليات فكرية ، بل يتضمن الحصول على معنى الكلمات والجمل والعبارات من النص .
2ـ التفسير Interpretation
والذي يتطلب عمليات فكرية لأكتشاف المعنى ليس بشكل مباشر كما في الأول ، بل لمعرفة مايعنيه المؤلف مما كتبه من كلمات . ان هذا المستوى يتطلب جملة مهارات في التفكير وهي صياغة التعميمات ومعرفة السبب والنتيجة وتوقع النتائج وعمل المقارنات ومعرفة الدوافع واكتشاف العلاقات .
3ـ القراءة الناقدة Critical Reading
وهنا يظهر القارئ الناقد الذي يستطيع ان يحكم ويقوم نوعية وقيمة مايقرأه ، ويدرك غرض المؤلف ووجهة نظره ، وله القدرة في التمييز بين الحقائق والآراء .
4ـ القراءة الابداعية Creative Reading
القراءة الابداعية تمثل نهاية السلم لتصنيف ((سمث Smith )) للفهم في القراءة . وهي تتطلب قدرات فكرية أعلى مما تطلبه المستويات الثلاثة السابقة ، فهي تبدأ بصياغة سؤال أو مشكلة وتستخدم المستويات السابقة للأجابة عن السؤال أو لحل المشكلة المثارة للوصول الى تصميم أو تخطيط جديد لم اسبق عرضه من أفكار .
أفكار علمية لدرس أدبي في القراءة :
لقد آن الأوان ان نخرج من معاطف الجمود والنظرة المتخلفة التي ينظر بها في أيامنا الحالية الكثير والكثير من المسؤولين عن تعليم اللغة العربية وآدابها ، وفي جميع مؤسساتنا التربوية الأولية والعليا ، الى أفق النظرة الذكية الواعية التي يجب ان تحوط مجالات فنون هذه اللغة وآدابها المختلفة من التحدث والاستماع والقراءة والكتابة والقواعد ، وان تخرج كما يفهم الكثيرون ان هذه الفروع تدرس لذاتها وهي تقصد لذاتها فقط وفقط وفقط دون النظر اليها على انها أداة الفرد وأداة المجتمع في ايجاد نوع من الرقي الثقافي والأرتقاء الفكري عند الفرد وايجاد نوع من التماسك الأجتماعي والوحدة الفكرية داخل المجتمع .
ان الأنصاف لا بل كل الأنصاف يقودنا ويجبرنا على أن نقول وان نعمل على ان لانقدم للدارس والمتعلم دراسات لتكون هي وحدها بيت القصيد للتلميذ ولتكون هي الهدف وهي الغاية، ولكن يجب ويجب ويجب ان نؤمن بان مانقدمه نهدف من ورائه الى تكوين اتجاهات ايجابية نحو اللغة وعادات لغوية وأدبية تظهر بوضوح لديهم عند الممارسات اللغوية والأدبية في مواقف الحياة . اننا بما نقدمه من قراءات في اللغة من شعر أو نثر ، انما نهدف الى ان نقرب المتعلم من اللغة ، وان نقرب اللغة منه . اننا يجب ان نلغي من قاموسنا ونحن نعالج هذه الموضوعات على مقدار ما يحفظ أو يعرف التلميذ (كم يعرف) ، وانما يكون دليلنا الجديد وسياقنا عملنا المطلوب هو ان نركز ونركز على كيف يفكر ؟ وكيف نما في هذه الموضوعات اللغوية والأدبية استعمالاً وتذوقاً واحساساً بها . فليس المهم ان يعرف المتعلم قاعدة ولكن المهم ان يستعمل اللغة صحيحة سواء أكانت القاعدة في دائرة معارفه أم لا . وليس المهم ان يلم المتعلم بالمصطلحات البلاغية أو المحسنات البديعية ، وانما المهم احساسه بالكلمة والصورة والفكرة ؛ موقعاً وتصويراً وتعبيراً . وقد يكون المصطلح أو القاعدة من بين العوامل في تكوين هذا الحس أو هذه الصحة اللغوية .
انني أصرخ وبصوت عالٍ ولتطوف صرختي هذه في ارجاء صفوف وقاعات تدريس اللغة العربية وآدابها ، ولتدخل صرختي هذه غرف المسؤولين والمعنيين بتدريس هذه اللغة وفروعها بدءاً من التعليم الابتدائي وحتى التعليم الجامعي والعالي وان يصرخ معي الجالسون في صالونات اتحاد الأدباء والكتاب ورجالات المنتديات الفكرية والثقافية والصحف الأدبية والبرامج الثقافية ويقولوا بصوت واحد ويهزوا اركان الوزارات التربوية : ان تنمية الحركة التفكيرية عند المتعلم ، اهم بكثير من تراكم المعلومات وكثرتها واختزان المتعلم لها . علينا ان نتجاوز ذلك وان تحرك اللغة في المتعلم عقله وتفكيره ، فهو أداة التفكير . وان الدرس داخل الصف لايعني انه الغاية والنهاية ، وهو وسيلة المعلم لتدريب متعلميه على ألوان من اللغة وآدابها وفنونها خارج الصفوف . فالقراءة في الصف ليقرأ بكثرة خارجه ، والشعر في الصف ليستمع به ويكثر منه خارج الصف . فالهدف تكوين اتجاهات ايجابية وليست دروساً تحل رموزها وتذلل صعابها وحسب .
اننا عندما نريد ان ندرب متعلمينا على القراءة وهذا الموضوع الذي اجهد نفسي الآن في دراسته وأرساء قواعد جديدة كما اعتقد صالحة للدرس الأدبي الجديد الذي يمكن ولا أقول يجب ان نعتمده في تحقيق الغايات الآتية :
1ـ الارتباط بكاتب معين ؛ ميلاً اليه ، ورغبة في القراءة له ، وتأثراً به ، فكراً وتثقيفاً ومنهج كتابة . وان يتم هذا من خلال اختيارنا لبعض الكتاب المعروفين وان نختار منهم اكثر من موضوع من خلال مناهجنا الأدبية من التعليم الأولى وحتى العالي منه . وليس معنى هذا ان يكون متعلمنا أسير الفكر والرأي لهذا أو ذاك ، ولكنه يعني الافادة منه في تكوين شخصيته المفكرة والكاتبة أو الأدبية .
2ـ التدريب على النقد . سواء أكان نقداً لظواهر اجتماعية أم كان نقداً أدبياً . والنقد عملية اجتماعية ، يحتاج اليها المجتمع في مسيرته ليستمر في نموه وارتقائه وتطوره
3ـ التدريب على ربط مايقرؤه الانسان بالواقع الحياتي للانسان والناس ليكون للقراءة هدف وغاية .
4ـ التدريب على كيفية قراءة التراث واختيار ما يقرأ منه ، فالتراث ملئ بالكنوز ولاشك فيه مايثري العقل والفكر ويغذي الوجدان . وهو وسيلة المجتمع في ربط ماضيه بحاضره تمهيداً لبناء مستقبله .
في هذه القصة آراء ووجهات نظر نابعة من رؤية وثقافة الكاتب ، وهي آراء وافكار قابلة للنقد وابداء الرأي بشأنها فقد لايكون ماذهب اليه الكاتب هو مايذهب اليه الآخرون ويطابقون معه شكلاً ومضموناً . ومن ثم فان رأي الكاتب قد يحتاج الى معارضة أو نقد أو مناقشة . أو ان قصة الكاتب هذه تحمل فكرة أو رأياً ولكنها فكرة يمكن نقدها …
انني عندما اخترت هذه الموضوع لكي ادرب المتعلمين على قراءته من اجل نقده . والقراءة لنقد المقروء أو للنقد الاجتماعي من ألوان القراءة التي من الممكن ان تكون ناقداً ادبياً أو ناقداً اجتماعياً . وهي من القراءة التي تكون ميلاً الى القراءة بعامة ، بل والى التكوين الثقافي في مختلف المجالات .
أما كيف ندرب متعلمينا على مثل هذا النوع من القراءة فهذا يحتاج الى :
1ـ فهم الموضوع فهماً دقيقاً واستيعابه وادراك ابعاده .
2ـ ادراك اهداف الكاتب مما كتب .
3ـ تحليل العلل والاسباب التي ساقها ، ومدى تمشيها مع واقع المجتمع واتجاهاته .
4ـ تحليل الأدلة في ضوء الحقائق العلمية .
5ـ الالمام بالخلفية الثقافية للكاتب .
6ـ القراءة الواسعة في الموضوع وحوله .
والى جانب هذا كله يجب ان تكون هناك معايير للنقد تحكمه ، فاذا كان النقد للظاهرة مثلاً، فلابد من :
أ ـ المعيار الاجتماعي وهو مجافاة الظاهرة لما في المجتمع أو اتفاقها معه .
ب ـ المعيار العلمي وهو استناد الظاهرة الى حقيقة علمية أو تناقضها معه .
ج ـ القيمة الاجتماعية للظاهرة ومدى اهميتها . وهل لها دلالة أم لا .
د ـ معيار التجديد والابتكار في الفكرة والعمق السطحية بها .
هـ ـ معيار الموضوعية الذي يبعد بالناقد عن تدخل العوامل الذاتية الشخصية .
أما اذا كان النقد لفكر الكاتب وآرائه وقدرته على الصياغة والتعبير فلابد كذلك من توافر مثل المعايير الآتية :
أ ـ ابتكارية الفكرة وحداثتها ، أو الفتها وتداولها .
ب ـ عمق الفكرة أو سطحيتها ، أو سذاجتها وعدم جديتها .
ج ـ ابداعية الصياغة وحسن التناول ، أو الركاكة وعدم التلاؤم والانسجام .
د ـ مدى الغنى الثقافي الذي يبدو فيما كتب الكاتب ويعبر عن خلفيته التي يغترف منها .
هـ ـ الموضوعية التي تبعد صاحبها عن التأثر بمكانة الكاتب ومنزلته الاجتماعية ، أو بما قد يكون هناك من رأي له سابق في الكاتب .
هذه معايير يمكن للمعلم ان يضعها امام طلبته ليستعينوا بها في تكوين الرأي أو اصدار الحكم .
اهمية القراءة التعليم والتعلم
تحتل القراءة بالنسبة للإنسان اهمية كبرى فهي وسيلته للتعلم والتعليم وهي وسيلته لاكتساب المعرفة بصفة عامة، كما هي بعض وسائل استمتاعه وترفيهه.
ان القراءة نافذة تطلع القارئ على ما عند الآخرين بكل يسر وسهولة وهذا ما دعا إليه ديننا الحنيف فأول آية نزلت على رسولنا الكريم هي (اقرأ), فالقراءة تعدت كونها حاجة الى اعتبارها ضرورة في هذا العصر الحديث.
وقد اجتمع في واشنطن نفر من الكتّاب والناشرين وأمناء المكتبات ورؤساء اقسام الثقافة والارشاد، وكان الذي يعنيهم ويسيطر على تفكيرهم ان يجيبوا عن هذا السؤال,, لقد اصبحت القراءة في العصر الحديث امراً حيوياً لا يستطيع مجتمع ان يحيا بدونه اصبحت اليوم حاجة ولم تعد ترفا, فما الذي يمكن ان نفعله لنشجع الناس على القراءة ونرغبهم بالاستزادة منها؟
ومهما كانت الاجابة عن هذا السؤال الا اننا ندرك اننا معنيون بالبحث عن هذه الاجابة وتحقيقها والتشجيع عليها.
ولابد ان ندرك ان القراءة لاتقتصر على تحويل الرموز المكتوبة الى رموز منطوقة فقط، وإنما يتعدى ذلك الى فهم مايقرأ ونقده وتحليله كي تحقق القراءة اهدافها التي من ضمنها تكوين العقل المفكر المبتكر فالقراءة ليست عشوائية بل هي تستلزم قدرات ومهارات خاصة يمكن صقلها وتنميتها.
ان مهارات القراءة كثيرة وتتسع باتساع المعرفة والتقدم ولكن هناك مهارة يغفل عنها كثير من المربين عند تعليم القراءة إنها (القراءة الناقدة) أو بعبارة أخرى (اختبار المادة موضوع القراءة وتقويمها وتحليلها), ان امتلاك القارىء لهذه المهارة تجعله متمكنا من اختيار المادة المقروءة بما يتفق مع ميوله وحاجاته، وهذه تحتاج الى تربية ذهنية وثقافية مسبقة يمر خلالها القارىء بمراحل ومستويات مختلفة يخضع اثناءها للتوجيه والتدريب.
ان القراءة الناقدة تستلزم مهارة يقظة تمكن القارىء من ادراك الفرق بين الحقائق الموضوعية والآراء الشخصية مع القدرة على وزن الادلة ومعرفة صحتها وملاءمتها، ثم القدرة أيضاً على تمييز الغث من السمين، والتأكد من صحة المعلومة الواردة، ثم الامام بطرق الموازنة بين مايكتب حول الموضوع الواحد من قبل كتاب متعددين.
ويمكن تنمية هذه القدرة عن طريق التدريب على فحص العناوين ومعرفة دلالاتها، وإدراك مضامينها ثم تدريب الطالب على حصر الالفاظ والعبارات التي تدور حول موضوعات مختلفة لاكتشاف قدرته على التمييز ومن ثم مهارته في اختيار العبارات والجمل والفقرات التي تتعلق بمشكلة معينة.
إن تعليم القراءة لايقتصر على اخراج متعلمين قارئين فقط وإنما مفهوم القراءة اشمل وأعم وذلك من أجل تخريج افراد متعلمين واعين قادرين على فهم المقروء ونقده وتحليله فلابد اذاً عند تعليم القراءة من تعويد المتعلم على ابداء رأيه فيما يقرأ وتصنيف مايقرأ والحكم على مايقرأ وهذا لايتم الا بوعي تام بأهمية ومهارات القراءة التي تعود على القراءة الواعية الناقدة فعن طريقها تتكون الخبرات وينمي الميول وتبني الشخصيات .
إشارة
سئل (فولتير) عمن سيقود الجنس البشري؟
فأجاب :الذين يعرفون كيف يقرؤون
مراحل القراءة المنهجية :
1- مرحلة ما قبل المنهجية : أو القراءة الاستكشافية.
وفيها يتم اللقاء الأول بين التلميذ القارئ والأثر-النص ويخضع هذا اللقاء لمؤثرات عاطفية تتراوح ما بين الفضول والاهتمام والرفض والاشمئزاز. ويتم في هذه المرحلة المرور بمحطتين.
أ*- اكتشاف النص :
أي التعرف، من خلال الملاحظة المتفحصة، على التنظيم المادي للنص من خلال مؤشرات الأنساق
(الشكل الخارجي للنص، توزيعه المكاني، طباعته، المصاحبات النصية أو النصوص الموازية (العتبات ) ومن ثم صياغة الفرضيات الأولى لنوعية النص ونمطه، انطلاقا فقط من المكونات السيميائية واللسانية القبلة للملاحظة.
ونفترض هذه المرحلة التعرف على موضوع القراءة وإصدار فرضيات قرائية، من خلال التقاط مؤشرات وقرائن وتفاصيل نصية ومصاحبات نصية، ويمكن اعتماد المفاجأة كعنصر استراتيجي لتلقي النص. لذا يقدم النص لأول مرة في الفصل دون سابق إشعار.
ب- القراءات الأولى وصياغة مشروع القراءة المنهجية:
ويتم فيها الانتقال من الملاحظة العامة والخارجية للنص إلى القراءة الأولى التي تصحح ردود الأفعال الأولى والفرضيات المصوغة، انطلاقا من المحطة الأولى. وذلك في أفق صياغة فرضيات جديدة (يمكن أن تثبت كتابيا حسب رغبة المدرس). وعلى الرغم من احتمال الفوضى التأويلية في هذا المستوى يمكن وضع الفرضيات في إطار ثلاثة منظورات.
1- توقعات القراءة بناء على المصاحبات النصية (اسم الشاعر/الكاتب مثلا).
2- محاولة استخلاص المتن الإخباري السطحي للنص.
3- الاستفهامات، الصعوبات، بعض مظاهر عدم الفهم، والمقاومة الناجمة عن التفاصيل المزعجة والمضللة.
يجد التلاميذ أنفسهم إذن، وخاصة حين تنزاح النصوص عن أفق انتظارهم، أمام وضعيات مشكلات (Situations-problèmes) تحتاج منهم القيام بمهمات Taches. هذه المهمات تراعي عوائق فهم النصوص وتأويلها وكذا متطلبات الوضعية الديداكتيكية وإكراهات المؤسسة (التوجيهات الرسمية والأهداف المتوخاة من تدريس نص أو مادة معرفية ما...)
وتشكل هذه المهمات الدعامة الأساسية للمشروع البيداغوجي الذي يشكل " إطارا لاشتغال القراءة، ( يمكن أن تكون موضوع مصالحة بين أهداف المؤسسة وردود أفعال التلاميذ، وتفاوض بينهم وبين المدارس). ويحدد له الغلاف الزمني الكافي.
2- مرحلة القراءة المنهجية:
او مرحلة التأويل والقراءة التحليلية، وإذا كانت القراءة الأولى خطية وانتقائية وذاهبة قدما في اتجاه الأمام، فإن القراءة التحليلية هي بالضرورة " قراءة ثانية" أو" قراءة مرتدة" Rétrospective و" تأملية". ولتتولى التحليل تحتاج إلى أدوات تحليلية، ومفاهيم أي ما يشكل ثقافة نوعية.
وتقف القراءة التحليلية عند المحتويات التالية:
1- التنظيم الصوري : من خلال فحص اشتغال الروابط البلاغية.
2- الالتحام التركيبي الدلالي: من خلال دراسة الروابط المكانية والزمانية (الزمكانية) والروابط المنطقية.
3- الأتساق التيماتي ومؤشراته التكرارات النحوية ( الضمائر، أسماء الإشارة، الأسماء الموصولة...) وكذا التدرج التيماتي.
4- الأتساق السيمانطيقي ( الدلالي): من خلال المؤشرات التالية: التكرار المعجمي، الحقل الدلالي، وسائل التمثيل ( الكناية/المجاز/الاستعارة).
يتم هذا على مستوى اشتغال النص، اما على مستوى الإخراج التلفظي Mise en scène
énonciative للنص فتتولى القراءة المنهجية الكشف عن النظام التلفظي والاستراتيجيات الخطابية وما يمكن أن ينجم عنهما من آثار للمعنى Effets de sens تعد أساسية في تأويل النص. وهذا الإخراج التلفظي يوجد في النسيج الداخلي للنص خلاف الملفوظات الواردة في مقامات تواصلية حقيقية. وهذا ما يؤكده F.Schuerewegen بخصوص الفعل الأدبي للنص الأدبي " بما أنه لا يملك سياقا غير السياق النصي Co-texte، وغير المتوالية النصية التي يوجد بداخلها، فهو مجبر، إذا أراد أن يمتلك قوة إنجازية، على توفير المعلومات المساعدة على إعادة بناء الوضعية التلفظية وإعادة تشكيلها".
3- مرحلة ما بعد القراءة، أو مرحلة إعادة القراءة:
تعد هذه المرحلة أساسية في تجسيد الفعل القرائي وتمديده حيث عن مشروع قراءة نص ما لا ينتهي بمجرد الانتهاء من إنجاز المهمات المتفق عليها، ضمنا أو صراحة، ما بين الأستاذ والتلاميذ. عن من الضروري، ونظرا لمقتضيات تعليمية، توسيع مجال القراءة بجعل النص ينفتح على السياق الخارج النصي: ( المنظور التاريخي والثقافي، المنظور الاجتماعية، المنظور النفسي...) بما يتيح إعادة القراءة La relecture بما هي ترسيخ للانهائية النص إزاء محدودية القراءات وعجز المناهج والخطط التحليلية.
ويمكن أن نتصور في هذه المرحلة وضعيات بيداغوجية وديداكتيكية جديدة، وموضوعات قرائية صالحة لاستثمار المكاسب التي تحققت من خلال القراءة ( المرحلتين السابقتين)، ومنها :
- مقارنة النص بنصوص أخرى (سواء لنفس المؤلف، أو من نفس العصر أو في نفس التيمة، النوع...).
- تفصيل الحديث عن منظور من المنظورات التي بلورها النص ( جمالي سوسيولوجي، تحليل نفسي، تاريخي...( بالاستعانة بوثائق أو مخطوطات أو رسائل أو نصوص، أو شرائط سينمائية أو صوتية...
- تطبيق الأدوات التحليلية نفسها على نصوص أخرى.
- صياغة مشاريع قرائية جديدة للنص ذاته انطلاقا من مداخل جديدة.
من الضروري أن يفهم المعلمون والمتعلمون في جميع المراحل التعليمية ان القراءة وسيلة لتوسيع أفق الإنسان في سبر غور المعرفة وعالم الأفكار والغموض ، وان القراءة كالتفكير بواسطتها يمثل القارئ الأفكار والمفاهيم التي تبثها المادة المقروءة ويعيد صياغتها بعد مزجها بخبراته وتجاربه . ويمثل الشك والرغبة في اثارة الأسئلة بداية هذه العملية التي تبقى مستمرة مادام الفرد مستمراً ومواظباً على عملية القراءة .
كما ان القراءة كالتفكير فيها يهتم القارئ ويأخذ باعتباره السياق العام للصفحة الواحدة أو المقطع الواحد ومايحتويه من عناصر وامور ومشكلات محاولاً تتبع الأحداث في المادة المقروءة للأمساك بالخيط الذي يوصله الى نهاية المطاف فيها .
وبهذا المعنى تصبح القراءة عملية عقلية تمثل عملاً لاقيمة له اذا لم تحرك قوى وفكر القارئ في فحص وتحسين افكاره وحياته بشكل دائم ومستمر .
لقد أدى تشعب الحياة وتعقد ميادينها وكثرة علومها من جهة وزيادة الوعي بالحقيقة التي تؤكد ان مجرد فهم الصفحة المكتوبة لا يمثل النضج في القراءة من الجهة الأخرى الى زيادة الحاجة الى القراءة الناقدة Critical Reading والتحسس بدورها الفعال في حياة القارئ ، فأصبح القارئ الجيد ، تبعاً لذلك ، ليس هو القادر على القراءة فحسب ، بل هو الشخص الذي يعرف كيفية استخدام مايقرأ . وعلى هذا الأساس اعتبر تدريس القراءة الناقدة واحدا من الأهداف الرئيسة التي يسعى لتحقيقها العديد من المدارس في دول العالم المتقدم .
وثمة أمر متفق عليه هو ان هناك نوعين من القراءة بحكمة تميزها وتسميتها بسهولة هما القراءة الصامتة والقراءة الجهرية . ولكون خصائصها معروفتين فلا حاجة لذكرهما في هذا الصدد ، وانما الاكتفاء بالإشارة الى ان كل واحدة منهما تتطلب ادراك معاني الرموز المكتوبة وفهمها وتفسيرها مع الفارق في مستوى التعقيد حيث ان القراءة الجهرية تستلزم تفسير معنى الأفكار والعبارات للآخرين ، وهذا التفسير أكثر تعقيداً في ايضاح معاني الرموز في المادة المقروءة من التفسير الصامت مع كلا النوعين من القراءة ويعتمد هذا الأستخدام على مواقف الحياة المختلفة سواء أكان في الداخل أم في الخارج .
لقد تصدى للقراءة الناقدة بالدراسة العديد من الباحثين وقدموا لها تعريفات كثيرة واذا ماحاولنا إلقاء نظرة فاحصة لها نلاحظ ان مفهوم القراءة الناقدة مفهوم ليس له حدود معينة وواضحة ، فقد استخدم في ادبيات القراءة في ثلاث طرائق مختلفة هي :
1ـ القراءة الناقدة أعلى مستوى من مستويات الفهم في القراءة reading comprehension .
2ـ القراءة الناقدة ذات مستوى مساو في الأهمية للمستويات الأخرى للفهم في القراءة .
3ـ القراءة الناقدة ذات قدرة خاصة في الفهم في القراءة .
وبصرف النظر عن كيفية استخدام هذا المصطلح ، فالقراءة الناقدة نمط من أنماط التفكير الناقد ، وبأسلوب أكثر تحديدا نقول ان القراءة الناقدة تفكير ناقد مطبق على الصفحة المكتوبة. وقد عرفها هرس Harris بانها عملية اصدار احكام في اثناء القراءة .
كما عرفها سبش Spache انها درجة أو نمط من الفهم comprehension يتطلب حكما ناقدا لطبيعة وقيمة مايقرأ مبنيا على أساس معايير وخبرات القارئ الشخصية .
لقد بينت دراسات كثيرة انه بالامكان تدريس القراءة الناقدة في المراحل التعليمية المختلفة ومنها المرحلة الابتدائية ، لتنشئة اطفال قادرين على النقد ، ولغرس عادات قرائية فيهم في وقت مبكر في كيفية التفاعل مع الصفحة المكتوبة ، وللاستفادة من هذا النمط من القراءة في فهم واستيعاب الدروس الأخرى كالعلوم والرياضيات والموضوعات الاجتماعية .
ان القراءة الناقدة لاتظهر ولاتنمو بشكل تلقائي نتيجة لتطور المتعلم في مهارات القراءة وانما تظهر متلازمة مع التفكير الناقد ، فتنمو عن طريق التدريب المنظم الذي يمكن البدء به منذ الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية من خلال تقويم الاطفال لدقة الصور المعروضة في كتبهم ومدى ملاءمتها للمحتوى ، وتشجيعهم على ابداء التعليقات البسيطة للحكم على قيمة المادة المقروءة ومقارنتها بمالديهم من خبرات وتجارب للتعرف الى مدى واقعيتها وصدقها . وتقريرهم في مدى قيام شخوص القصة بأدوارهم كما يجب ، واختيارهم الكتب الملائمة والمفيدة لهم . كما يشجع الطلاب في الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية على القراءة الواسعة من الكتب والمجلات والجرائد المعروضة واستخدام مهارات من نوع آخر كالتمييز بين الحقائق والآراء . ان مثل هذه النشاطات ستؤدي الى قيام القراء الصغار باصدار قرارات للحكم على فاعلية محتوى النص الذي يتفاعلون معه وفائدته .
ان تنمية القراءة الناقدة في المرحلة الابتدائية ومابعدها تعتمد بشكل رئيس على المعلم والاساليب التي يستخدمها . فاتجاهات المعلم وايمانه بان القراءة كالتفكير لها تأثير في كيفية تدريسه واختيار الاساليب التي تساعد على تنمية المهارات التفكيرية للاطفال في اثناء عملية القراءة . فضلاً عن ذلك فالمعلم يجب ان يكون قبل كل شيء مفكرا وقارئا ناقدا وبذلك يستطيع توجيه المتعلمين في اثناء القراءة بشكل يؤدي الى اثارة تفكيرهم ، وتنمية الرغبة لديهم في الاستفسار واثارة الأسئلة بشكل دائم ، وتوفير الفرص الكافية لهم للتدريب على مهارات القراءة الناقدة .
ولمساعدة المعلم في انجاز أغراضه في تنمية القراءة الناقدة عند المتعلمين من الضروري الاهتمام بما يأتي :
1ـ المهارات الأساسية للقراءة الناقدة :
بعد الرجوع للأدبيات السابقة في مجال القراءة الناقدة حددت بعض المهارات المهمة والتي ينبغي ان يستخدمها المعلم كأهداف في القراءة الناقدة لبلوغها وتحقيقها وهذه المهارات هي :
أ . التمييز بين الحقيقة والزيف وبين المعلومات ذات الصلة والمعلومات التي ليس لها صلة بالمادة المقروءة .
ب . تشخيص المحاولات المراد بها التأثير في القارئ عن طريق إدخال منطق خاطئ او مفاهيم غير مقبولة اجتماعياً أو حذف أو اضافة عبارات الى النص .
ج . رفض أو قبول ماكتبه المؤلف على وفق معايير معينة .
د . ادراك اغراض المؤلف وأهدافه من وراء ماكتبه .
هـ. ادراك اغراض المؤلف واهدافه من جراء ماكتبه من مادة وصياغة الاحكام في تقويمها .
و . تقويم اعتقادات المؤلف ومعاييره ومدى دقته في الكتابة .
ز . التمييز بين الحقائق والآراء .
ح . التحقق من قيمة المصدر بهدف الوصول الى المادة المقروءة الفضلى في كتابة التقرير ، وتعرف مدى حداثة المصدر وطبعته .
ان الأطفال في المرحلة الابتدائية قادرون على تعلم هذه المهارات أو جزء منها والتي يستطيعون ربطها بخبراتهم وتجاربهم ، ومما يجعلهم أكثر قدرة في تعلم هذه المهارات هو توجيه المعلم المنظم لهم ، وخلق المواقف المختلفة المناسبة التي تتحدى نموهم العقلي وتنمي لديهم التفكير الناقد .
2ـ خطوات تدريس القراءة الناقدة :
ان الفروق الأساسية بين تدريس القراءة كعملية فكرية وتدريس القراءة بالطرق المعتادة تكمن في دور المعلم . ففي الطريقة الفكرية يشجع المعلم الطالب على ان يفكر في اثناء القراءة فيعلمه ان يختبر ويفترض ويبحث عن البراهين ويعطي الأحكام والقرارات معتمدا على خبرته وتجاربه . ويتطلب لتحقيق ذلك ثلاث خطوات مترابطة الاولى هي اثارة الشك والتساؤل وتذكر الاهداف والدوافع ، أي ان الطالب في هذه الخطوة يفترض ويخمن ويتنبأ ، وهذه الخطوة تمثل بداية العمل والنشاط في القراءة الناقدة ، وتعتبر خطوة مهمة في تحديد سرعة القارئ بما يناسب صعوبة المادة المقروءة ، كما انها تكسب القارئ الرغبة في مواصلة القراءة . اما الخطوة الثانية فهي التفاعل والتعامل مع محتوى المادة المقروءة وكيفية معالجتها. وهذا التعامل ينبغي ان يكون مخططاً له وليس عشوائياً . فالقارئ في هذه الخطوة يقارن بين تجاربه وخبراته ومحتوى المادة المقروءة . ويمثل مستوى اختبار القارئ لتجاربه وخبراته مستوى قراءته . اما الخطوة الثالثة ففيها يستخدم الطالب ماتوفر لديه من حجج وبراهين وبينات في اختبار افتراضاته واستنتاجاته وللتحقق من ان مايتنبأ به أصحيحاً كان أم مخطوءا . ويستطيع الطالب استخدام القراءة الجهرية في الصف في اثبات صحة أو خطأ محتوى المادة المقروءة من خلال قراءة بعض النصوص من هذه المادة لدعم وجهة نظره .
وبخلاصة موجزة فان القارئ الناقد يتساءل أولاً ثم يتعامل مع المعلومات حتى ينتهي أخيرا الى استخدام التغذية الراجعة في اختبارالأجوبة للتحقق من صحة شكه وتساؤله .
3ـ الأساليب المساعدة في تنمية القراءة الناقدة :
يمثل في طرح الاسئلة أسلوبا فعالاً يساعد المعلم عند استخدامه في تنمية القراءة الناقدة عند الأطفال . لقد اصبح معروفاً ان هناك عددا من التصنيفات للفهم في القراءة بنيت على اساس تصنيف بلوم Bloom . وقد اصبحت هذه التصنيفات أداة مفيدة في طرح الاسئلة وصياغة الأهداف وهي تضم مستويات غير متداخلة قابلة للتطبيق مع أي موضوع ، ومن السهل على المعلم تصميم الأسئلة والأهداف المختلفة لتغطية مستوياتها ، ومن هذه التصنيفات تصنيف Smith في الفهم في القراءة . وهذا التصنيف يضم المستويات الآتية :
1ـ الفهم الحرفي Literal Comprehension
وهو لايتضمن عمليات فكرية ، بل يتضمن الحصول على معنى الكلمات والجمل والعبارات من النص .
2ـ التفسير Interpretation
والذي يتطلب عمليات فكرية لأكتشاف المعنى ليس بشكل مباشر كما في الأول ، بل لمعرفة مايعنيه المؤلف مما كتبه من كلمات . ان هذا المستوى يتطلب جملة مهارات في التفكير وهي صياغة التعميمات ومعرفة السبب والنتيجة وتوقع النتائج وعمل المقارنات ومعرفة الدوافع واكتشاف العلاقات .
3ـ القراءة الناقدة Critical Reading
وهنا يظهر القارئ الناقد الذي يستطيع ان يحكم ويقوم نوعية وقيمة مايقرأه ، ويدرك غرض المؤلف ووجهة نظره ، وله القدرة في التمييز بين الحقائق والآراء .
4ـ القراءة الابداعية Creative Reading
القراءة الابداعية تمثل نهاية السلم لتصنيف ((سمث Smith )) للفهم في القراءة . وهي تتطلب قدرات فكرية أعلى مما تطلبه المستويات الثلاثة السابقة ، فهي تبدأ بصياغة سؤال أو مشكلة وتستخدم المستويات السابقة للأجابة عن السؤال أو لحل المشكلة المثارة للوصول الى تصميم أو تخطيط جديد لم اسبق عرضه من أفكار .
أفكار علمية لدرس أدبي في القراءة :
لقد آن الأوان ان نخرج من معاطف الجمود والنظرة المتخلفة التي ينظر بها في أيامنا الحالية الكثير والكثير من المسؤولين عن تعليم اللغة العربية وآدابها ، وفي جميع مؤسساتنا التربوية الأولية والعليا ، الى أفق النظرة الذكية الواعية التي يجب ان تحوط مجالات فنون هذه اللغة وآدابها المختلفة من التحدث والاستماع والقراءة والكتابة والقواعد ، وان تخرج كما يفهم الكثيرون ان هذه الفروع تدرس لذاتها وهي تقصد لذاتها فقط وفقط وفقط دون النظر اليها على انها أداة الفرد وأداة المجتمع في ايجاد نوع من الرقي الثقافي والأرتقاء الفكري عند الفرد وايجاد نوع من التماسك الأجتماعي والوحدة الفكرية داخل المجتمع .
ان الأنصاف لا بل كل الأنصاف يقودنا ويجبرنا على أن نقول وان نعمل على ان لانقدم للدارس والمتعلم دراسات لتكون هي وحدها بيت القصيد للتلميذ ولتكون هي الهدف وهي الغاية، ولكن يجب ويجب ويجب ان نؤمن بان مانقدمه نهدف من ورائه الى تكوين اتجاهات ايجابية نحو اللغة وعادات لغوية وأدبية تظهر بوضوح لديهم عند الممارسات اللغوية والأدبية في مواقف الحياة . اننا بما نقدمه من قراءات في اللغة من شعر أو نثر ، انما نهدف الى ان نقرب المتعلم من اللغة ، وان نقرب اللغة منه . اننا يجب ان نلغي من قاموسنا ونحن نعالج هذه الموضوعات على مقدار ما يحفظ أو يعرف التلميذ (كم يعرف) ، وانما يكون دليلنا الجديد وسياقنا عملنا المطلوب هو ان نركز ونركز على كيف يفكر ؟ وكيف نما في هذه الموضوعات اللغوية والأدبية استعمالاً وتذوقاً واحساساً بها . فليس المهم ان يعرف المتعلم قاعدة ولكن المهم ان يستعمل اللغة صحيحة سواء أكانت القاعدة في دائرة معارفه أم لا . وليس المهم ان يلم المتعلم بالمصطلحات البلاغية أو المحسنات البديعية ، وانما المهم احساسه بالكلمة والصورة والفكرة ؛ موقعاً وتصويراً وتعبيراً . وقد يكون المصطلح أو القاعدة من بين العوامل في تكوين هذا الحس أو هذه الصحة اللغوية .
انني أصرخ وبصوت عالٍ ولتطوف صرختي هذه في ارجاء صفوف وقاعات تدريس اللغة العربية وآدابها ، ولتدخل صرختي هذه غرف المسؤولين والمعنيين بتدريس هذه اللغة وفروعها بدءاً من التعليم الابتدائي وحتى التعليم الجامعي والعالي وان يصرخ معي الجالسون في صالونات اتحاد الأدباء والكتاب ورجالات المنتديات الفكرية والثقافية والصحف الأدبية والبرامج الثقافية ويقولوا بصوت واحد ويهزوا اركان الوزارات التربوية : ان تنمية الحركة التفكيرية عند المتعلم ، اهم بكثير من تراكم المعلومات وكثرتها واختزان المتعلم لها . علينا ان نتجاوز ذلك وان تحرك اللغة في المتعلم عقله وتفكيره ، فهو أداة التفكير . وان الدرس داخل الصف لايعني انه الغاية والنهاية ، وهو وسيلة المعلم لتدريب متعلميه على ألوان من اللغة وآدابها وفنونها خارج الصفوف . فالقراءة في الصف ليقرأ بكثرة خارجه ، والشعر في الصف ليستمع به ويكثر منه خارج الصف . فالهدف تكوين اتجاهات ايجابية وليست دروساً تحل رموزها وتذلل صعابها وحسب .
اننا عندما نريد ان ندرب متعلمينا على القراءة وهذا الموضوع الذي اجهد نفسي الآن في دراسته وأرساء قواعد جديدة كما اعتقد صالحة للدرس الأدبي الجديد الذي يمكن ولا أقول يجب ان نعتمده في تحقيق الغايات الآتية :
1ـ الارتباط بكاتب معين ؛ ميلاً اليه ، ورغبة في القراءة له ، وتأثراً به ، فكراً وتثقيفاً ومنهج كتابة . وان يتم هذا من خلال اختيارنا لبعض الكتاب المعروفين وان نختار منهم اكثر من موضوع من خلال مناهجنا الأدبية من التعليم الأولى وحتى العالي منه . وليس معنى هذا ان يكون متعلمنا أسير الفكر والرأي لهذا أو ذاك ، ولكنه يعني الافادة منه في تكوين شخصيته المفكرة والكاتبة أو الأدبية .
2ـ التدريب على النقد . سواء أكان نقداً لظواهر اجتماعية أم كان نقداً أدبياً . والنقد عملية اجتماعية ، يحتاج اليها المجتمع في مسيرته ليستمر في نموه وارتقائه وتطوره
3ـ التدريب على ربط مايقرؤه الانسان بالواقع الحياتي للانسان والناس ليكون للقراءة هدف وغاية .
4ـ التدريب على كيفية قراءة التراث واختيار ما يقرأ منه ، فالتراث ملئ بالكنوز ولاشك فيه مايثري العقل والفكر ويغذي الوجدان . وهو وسيلة المجتمع في ربط ماضيه بحاضره تمهيداً لبناء مستقبله .
في هذه القصة آراء ووجهات نظر نابعة من رؤية وثقافة الكاتب ، وهي آراء وافكار قابلة للنقد وابداء الرأي بشأنها فقد لايكون ماذهب اليه الكاتب هو مايذهب اليه الآخرون ويطابقون معه شكلاً ومضموناً . ومن ثم فان رأي الكاتب قد يحتاج الى معارضة أو نقد أو مناقشة . أو ان قصة الكاتب هذه تحمل فكرة أو رأياً ولكنها فكرة يمكن نقدها …
انني عندما اخترت هذه الموضوع لكي ادرب المتعلمين على قراءته من اجل نقده . والقراءة لنقد المقروء أو للنقد الاجتماعي من ألوان القراءة التي من الممكن ان تكون ناقداً ادبياً أو ناقداً اجتماعياً . وهي من القراءة التي تكون ميلاً الى القراءة بعامة ، بل والى التكوين الثقافي في مختلف المجالات .
أما كيف ندرب متعلمينا على مثل هذا النوع من القراءة فهذا يحتاج الى :
1ـ فهم الموضوع فهماً دقيقاً واستيعابه وادراك ابعاده .
2ـ ادراك اهداف الكاتب مما كتب .
3ـ تحليل العلل والاسباب التي ساقها ، ومدى تمشيها مع واقع المجتمع واتجاهاته .
4ـ تحليل الأدلة في ضوء الحقائق العلمية .
5ـ الالمام بالخلفية الثقافية للكاتب .
6ـ القراءة الواسعة في الموضوع وحوله .
والى جانب هذا كله يجب ان تكون هناك معايير للنقد تحكمه ، فاذا كان النقد للظاهرة مثلاً، فلابد من :
أ ـ المعيار الاجتماعي وهو مجافاة الظاهرة لما في المجتمع أو اتفاقها معه .
ب ـ المعيار العلمي وهو استناد الظاهرة الى حقيقة علمية أو تناقضها معه .
ج ـ القيمة الاجتماعية للظاهرة ومدى اهميتها . وهل لها دلالة أم لا .
د ـ معيار التجديد والابتكار في الفكرة والعمق السطحية بها .
هـ ـ معيار الموضوعية الذي يبعد بالناقد عن تدخل العوامل الذاتية الشخصية .
أما اذا كان النقد لفكر الكاتب وآرائه وقدرته على الصياغة والتعبير فلابد كذلك من توافر مثل المعايير الآتية :
أ ـ ابتكارية الفكرة وحداثتها ، أو الفتها وتداولها .
ب ـ عمق الفكرة أو سطحيتها ، أو سذاجتها وعدم جديتها .
ج ـ ابداعية الصياغة وحسن التناول ، أو الركاكة وعدم التلاؤم والانسجام .
د ـ مدى الغنى الثقافي الذي يبدو فيما كتب الكاتب ويعبر عن خلفيته التي يغترف منها .
هـ ـ الموضوعية التي تبعد صاحبها عن التأثر بمكانة الكاتب ومنزلته الاجتماعية ، أو بما قد يكون هناك من رأي له سابق في الكاتب .
هذه معايير يمكن للمعلم ان يضعها امام طلبته ليستعينوا بها في تكوين الرأي أو اصدار الحكم .
اهمية القراءة التعليم والتعلم
تحتل القراءة بالنسبة للإنسان اهمية كبرى فهي وسيلته للتعلم والتعليم وهي وسيلته لاكتساب المعرفة بصفة عامة، كما هي بعض وسائل استمتاعه وترفيهه.
ان القراءة نافذة تطلع القارئ على ما عند الآخرين بكل يسر وسهولة وهذا ما دعا إليه ديننا الحنيف فأول آية نزلت على رسولنا الكريم هي (اقرأ), فالقراءة تعدت كونها حاجة الى اعتبارها ضرورة في هذا العصر الحديث.
وقد اجتمع في واشنطن نفر من الكتّاب والناشرين وأمناء المكتبات ورؤساء اقسام الثقافة والارشاد، وكان الذي يعنيهم ويسيطر على تفكيرهم ان يجيبوا عن هذا السؤال,, لقد اصبحت القراءة في العصر الحديث امراً حيوياً لا يستطيع مجتمع ان يحيا بدونه اصبحت اليوم حاجة ولم تعد ترفا, فما الذي يمكن ان نفعله لنشجع الناس على القراءة ونرغبهم بالاستزادة منها؟
ومهما كانت الاجابة عن هذا السؤال الا اننا ندرك اننا معنيون بالبحث عن هذه الاجابة وتحقيقها والتشجيع عليها.
ولابد ان ندرك ان القراءة لاتقتصر على تحويل الرموز المكتوبة الى رموز منطوقة فقط، وإنما يتعدى ذلك الى فهم مايقرأ ونقده وتحليله كي تحقق القراءة اهدافها التي من ضمنها تكوين العقل المفكر المبتكر فالقراءة ليست عشوائية بل هي تستلزم قدرات ومهارات خاصة يمكن صقلها وتنميتها.
ان مهارات القراءة كثيرة وتتسع باتساع المعرفة والتقدم ولكن هناك مهارة يغفل عنها كثير من المربين عند تعليم القراءة إنها (القراءة الناقدة) أو بعبارة أخرى (اختبار المادة موضوع القراءة وتقويمها وتحليلها), ان امتلاك القارىء لهذه المهارة تجعله متمكنا من اختيار المادة المقروءة بما يتفق مع ميوله وحاجاته، وهذه تحتاج الى تربية ذهنية وثقافية مسبقة يمر خلالها القارىء بمراحل ومستويات مختلفة يخضع اثناءها للتوجيه والتدريب.
ان القراءة الناقدة تستلزم مهارة يقظة تمكن القارىء من ادراك الفرق بين الحقائق الموضوعية والآراء الشخصية مع القدرة على وزن الادلة ومعرفة صحتها وملاءمتها، ثم القدرة أيضاً على تمييز الغث من السمين، والتأكد من صحة المعلومة الواردة، ثم الامام بطرق الموازنة بين مايكتب حول الموضوع الواحد من قبل كتاب متعددين.
ويمكن تنمية هذه القدرة عن طريق التدريب على فحص العناوين ومعرفة دلالاتها، وإدراك مضامينها ثم تدريب الطالب على حصر الالفاظ والعبارات التي تدور حول موضوعات مختلفة لاكتشاف قدرته على التمييز ومن ثم مهارته في اختيار العبارات والجمل والفقرات التي تتعلق بمشكلة معينة.
إن تعليم القراءة لايقتصر على اخراج متعلمين قارئين فقط وإنما مفهوم القراءة اشمل وأعم وذلك من أجل تخريج افراد متعلمين واعين قادرين على فهم المقروء ونقده وتحليله فلابد اذاً عند تعليم القراءة من تعويد المتعلم على ابداء رأيه فيما يقرأ وتصنيف مايقرأ والحكم على مايقرأ وهذا لايتم الا بوعي تام بأهمية ومهارات القراءة التي تعود على القراءة الواعية الناقدة فعن طريقها تتكون الخبرات وينمي الميول وتبني الشخصيات .
إشارة
سئل (فولتير) عمن سيقود الجنس البشري؟
فأجاب :الذين يعرفون كيف يقرؤون
مراحل القراءة المنهجية :
1- مرحلة ما قبل المنهجية : أو القراءة الاستكشافية.
وفيها يتم اللقاء الأول بين التلميذ القارئ والأثر-النص ويخضع هذا اللقاء لمؤثرات عاطفية تتراوح ما بين الفضول والاهتمام والرفض والاشمئزاز. ويتم في هذه المرحلة المرور بمحطتين.
أ*- اكتشاف النص :
أي التعرف، من خلال الملاحظة المتفحصة، على التنظيم المادي للنص من خلال مؤشرات الأنساق
(الشكل الخارجي للنص، توزيعه المكاني، طباعته، المصاحبات النصية أو النصوص الموازية (العتبات ) ومن ثم صياغة الفرضيات الأولى لنوعية النص ونمطه، انطلاقا فقط من المكونات السيميائية واللسانية القبلة للملاحظة.
ونفترض هذه المرحلة التعرف على موضوع القراءة وإصدار فرضيات قرائية، من خلال التقاط مؤشرات وقرائن وتفاصيل نصية ومصاحبات نصية، ويمكن اعتماد المفاجأة كعنصر استراتيجي لتلقي النص. لذا يقدم النص لأول مرة في الفصل دون سابق إشعار.
ب- القراءات الأولى وصياغة مشروع القراءة المنهجية:
ويتم فيها الانتقال من الملاحظة العامة والخارجية للنص إلى القراءة الأولى التي تصحح ردود الأفعال الأولى والفرضيات المصوغة، انطلاقا من المحطة الأولى. وذلك في أفق صياغة فرضيات جديدة (يمكن أن تثبت كتابيا حسب رغبة المدرس). وعلى الرغم من احتمال الفوضى التأويلية في هذا المستوى يمكن وضع الفرضيات في إطار ثلاثة منظورات.
1- توقعات القراءة بناء على المصاحبات النصية (اسم الشاعر/الكاتب مثلا).
2- محاولة استخلاص المتن الإخباري السطحي للنص.
3- الاستفهامات، الصعوبات، بعض مظاهر عدم الفهم، والمقاومة الناجمة عن التفاصيل المزعجة والمضللة.
يجد التلاميذ أنفسهم إذن، وخاصة حين تنزاح النصوص عن أفق انتظارهم، أمام وضعيات مشكلات (Situations-problèmes) تحتاج منهم القيام بمهمات Taches. هذه المهمات تراعي عوائق فهم النصوص وتأويلها وكذا متطلبات الوضعية الديداكتيكية وإكراهات المؤسسة (التوجيهات الرسمية والأهداف المتوخاة من تدريس نص أو مادة معرفية ما...)
وتشكل هذه المهمات الدعامة الأساسية للمشروع البيداغوجي الذي يشكل " إطارا لاشتغال القراءة، ( يمكن أن تكون موضوع مصالحة بين أهداف المؤسسة وردود أفعال التلاميذ، وتفاوض بينهم وبين المدارس). ويحدد له الغلاف الزمني الكافي.
2- مرحلة القراءة المنهجية:
او مرحلة التأويل والقراءة التحليلية، وإذا كانت القراءة الأولى خطية وانتقائية وذاهبة قدما في اتجاه الأمام، فإن القراءة التحليلية هي بالضرورة " قراءة ثانية" أو" قراءة مرتدة" Rétrospective و" تأملية". ولتتولى التحليل تحتاج إلى أدوات تحليلية، ومفاهيم أي ما يشكل ثقافة نوعية.
وتقف القراءة التحليلية عند المحتويات التالية:
1- التنظيم الصوري : من خلال فحص اشتغال الروابط البلاغية.
2- الالتحام التركيبي الدلالي: من خلال دراسة الروابط المكانية والزمانية (الزمكانية) والروابط المنطقية.
3- الأتساق التيماتي ومؤشراته التكرارات النحوية ( الضمائر، أسماء الإشارة، الأسماء الموصولة...) وكذا التدرج التيماتي.
4- الأتساق السيمانطيقي ( الدلالي): من خلال المؤشرات التالية: التكرار المعجمي، الحقل الدلالي، وسائل التمثيل ( الكناية/المجاز/الاستعارة).
يتم هذا على مستوى اشتغال النص، اما على مستوى الإخراج التلفظي Mise en scène
énonciative للنص فتتولى القراءة المنهجية الكشف عن النظام التلفظي والاستراتيجيات الخطابية وما يمكن أن ينجم عنهما من آثار للمعنى Effets de sens تعد أساسية في تأويل النص. وهذا الإخراج التلفظي يوجد في النسيج الداخلي للنص خلاف الملفوظات الواردة في مقامات تواصلية حقيقية. وهذا ما يؤكده F.Schuerewegen بخصوص الفعل الأدبي للنص الأدبي " بما أنه لا يملك سياقا غير السياق النصي Co-texte، وغير المتوالية النصية التي يوجد بداخلها، فهو مجبر، إذا أراد أن يمتلك قوة إنجازية، على توفير المعلومات المساعدة على إعادة بناء الوضعية التلفظية وإعادة تشكيلها".
3- مرحلة ما بعد القراءة، أو مرحلة إعادة القراءة:
تعد هذه المرحلة أساسية في تجسيد الفعل القرائي وتمديده حيث عن مشروع قراءة نص ما لا ينتهي بمجرد الانتهاء من إنجاز المهمات المتفق عليها، ضمنا أو صراحة، ما بين الأستاذ والتلاميذ. عن من الضروري، ونظرا لمقتضيات تعليمية، توسيع مجال القراءة بجعل النص ينفتح على السياق الخارج النصي: ( المنظور التاريخي والثقافي، المنظور الاجتماعية، المنظور النفسي...) بما يتيح إعادة القراءة La relecture بما هي ترسيخ للانهائية النص إزاء محدودية القراءات وعجز المناهج والخطط التحليلية.
ويمكن أن نتصور في هذه المرحلة وضعيات بيداغوجية وديداكتيكية جديدة، وموضوعات قرائية صالحة لاستثمار المكاسب التي تحققت من خلال القراءة ( المرحلتين السابقتين)، ومنها :
- مقارنة النص بنصوص أخرى (سواء لنفس المؤلف، أو من نفس العصر أو في نفس التيمة، النوع...).
- تفصيل الحديث عن منظور من المنظورات التي بلورها النص ( جمالي سوسيولوجي، تحليل نفسي، تاريخي...( بالاستعانة بوثائق أو مخطوطات أو رسائل أو نصوص، أو شرائط سينمائية أو صوتية...
- تطبيق الأدوات التحليلية نفسها على نصوص أخرى.
- صياغة مشاريع قرائية جديدة للنص ذاته انطلاقا من مداخل جديدة.