[color=red]مقدمـــــــــــــــــة :[/color]
تزايد الاهتمام بالتعلم عن بعد (Distance Leaning) في البلاد المتقدمة والعديد من البلاد النامية ليصبح جزء من أنظمة التعليم فيها لما يمتلكه من قوة كامنة يمكن أن تساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد نبع ذلك الاهتمام العالمي بهذا النوع من التعليم بسبب التطورات الهائلة التي تحدث في حقل تقنية المعلومات والاتصالات(Information & Communication Technology- ICT) من جهة وبسبب الحاجة الملحة لتحديث مهارات الكوادر البشرية العاملة من جهة أخرى. إن تلك التقنية أصبحت أداة المجتمعات الفاعلة لتحقيق التنمية البشرية المستديمة في ظل اقتصاد عالمي يرتكز على المعرفة(Knowledge-based Economy). فمن خلال تلك التقنية أصبح من الممكن الوصول السريع لمصادر المعلومات عبر الربط الشبكي الذي تيسره والذي يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية للمجتمعات المختلفة بل ويتجاوز تلك الحدود حتى ضمن نطاق المجتمع الواحد بشرائحه المتعددة.
إن التعلم عن البعد أصبح الأداة التي يتطلع إليها متخذي القرار في جميع القطاعات العاملة في المجتمعات من تربويين أو مدربين أو مسئولي قطاع خاص للنهوض بجميع شرائح تلك المجتمعات بسبب المزايا العديدة التي يتضمنها هذا النوع من التعلم ودورها في المجال التنموي. ويمكن للتعلم عن بعد أن يساهم في تنمية شريحة النساء في البلدان النامية على وجه الخصوص، تلك الشريحة التي عادة ما تعاني من معوقات كثيرة بسبب عوامل متعددة منها الأمية وانخفاض المستوى التعليمي والضغوط الاجتماعية.
وتأتي هذه الورقة كمحاولة لإلقاء الضوء على الدور الذي يمكن أن يقوم به التعلم عن بعد في تنمية وتطوير المرأة بشكل عام والمرأة العربية على وجه الخصوص سواء كانت امرأة عاملة أو ربة بيت. وقد تناولت الورقة ثلاثة محاور تمثلت في الآتي: الأول ويقدم تعريف لمفهوم "التعلم عن بعد"، والثاني الذي يرصد طبيعة التحديات التي يمكن أن تواجهها المرأة أمام هذا النوع من التعلم وكذلك طبيعة الفرص التي يجلبها لها، وتنتهي الورقة بالمحور الثالث المتضمن للرؤى المستقبلية التي يمكن تبنيها لتحقيق التنمية المنشودة لوضع المرأة في الوطن العربي.
التعلم عن بعد: المعنى والمضمون
تستخدم الأدبيات التربوية الكثير من المسميات عند الإشارة لمفهوم التعلم عن بعد (Distance Learning) مثل "التعلم عن بعد" و "التعلم الموزع"(Distributed Learning) و"التعلم المرتكز على المصادر" (Resource-based Learning) و"التعلم المرن" (Flexible Learning) وغيرها من المصطلحات التي تزخر بها مثل هذه الأدبيات . فالمعاني والتعريفات تتباين بالنسبة للمفهوم بحسب النظرة له والفهم لجوانبه.
وتتبنى منظمة اليونسكو تعبير "التعلم المفتوح والتعلم عن بعد" (Open & Distance Learning) للإشارة إلى التعلم الذي يكون فيه المتعلم بعيدا مكانيا عن مكان تعلمه. ويرجع استخدام تعبير "التعليم المفتوح" منذ بداية ظهوره في نهاية القرن التاسع عشر بسبب فتح الفرص أمام الأفراد للدراسة بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية أو حالتهم الاقتصادية والاجتماعية. وتشير اليونسكو إلى أن المقصود بالتعلم عن البعد أو التعليم عن بعد إلى "أنه عملية تربوية يتم فيها كل أو أغلب التدريس من شخص بعيد في المكان والزمان عن المتعلم، مع التأكيد على أن أغلب الاتصالات بين المعلمين والمتعلمين تتم من خلال وسيط معين سواء كان إلكترونيا أو مطبوعا" (UNESCO, 2002). أما الجمعية الأمريكية للتعلم عن بعد فتعرفه على أنه "عملية اكتساب المعارف والمهارات بوساطة وسيط لنقل التعليم والمعلومات متضمنا في ذلك جميع أنواع التكنولوجيا وأشكال التعلم المختلفة للتعلم عن بعد"(ASDLA, 2004) .
ويرصد تقرير اليونسكو (UNESCO, 2002) في تسلسل رائع وموجز التطور التاريخي للتعلم عن بعد. حيث يبين بأن التعلم عن بعد مر بأربعة مراحل، ولكل مرحلة نموذجها التنظيمي الذي يتضمن نوعا معينا للاتصالات. وتتمثل تلك المراحل في الآتي:
(1) أنظمة المراسلة (Correspondence Systems) التي ظهرت منذ نهاية القرن التاسع عشر ولازالت موجودة في الكثير من البلاد النامية. وتعتمد تلك الأنظمة على المواد المطبوعة والإرشادات المصاحبة التي قد تتضمن وسائل سمعية وبصرية. ويكون البريد العادي وسيلة التواصل بين طرفي العملية التعليمية من معلم ومتعلم.
(2) أنظمة التلفزيون والراديو التعليمي(Educational TV & Radio Systems) وتستخدم تقنيات متعددة مثل الستلايت أو المحطات الفضائية والتلفزيون الخطي(Cable TV) والراديو كوسيلة للتواصل وتقديم المحاضرات الحية المباشرة أو المسجلة.
(3) أنظمة الوسائط المتعددة (Multimedia Systems) وتتضمن النصوص والأصوات وأشرطة الفيديو والمواد الحاسوبية. وغالبا ما تستخدم الجامعات المفتوحة هذه الأنظمة حيث يقدم التدريس فيها من قبل فرق عمل متنوعة التخصصات.
(4) الأنظمة المرتكزة على الإنترنت(Internet-based Systems) وتكون المواد التعليمية فيها متضمنة للوسائط المتعددة ومجهزة بطريقة إلكترونية تنتقل إلى الأفراد بوساطة جهاز الحاسوب مع توافر إمكانية الوصول إلى قواعد البيانات والمكتبات الإلكترونية. ويمكن من خلال تلك الأنظمة توفير التفاعل بين المعلم والمتعلم من جهة وبين المتعلم وزملائه من جهة أخرى سواء بطريقة متزامنة (Synchronous) من خلال برامج المحادثة ومؤتمرات الفيديو أو غير متزامنة (Asynchronous) باستخدام البريد الإلكتروني ومنتديات الحوار.
وقد ساهم كل نظام من الأنظمة السابق ذكرها في ظهور مؤسسات تعليمية متنوعة مستفيدة من تطبيقه. كما أن الانتشار الهائل للإنترنت والتدفق السريع للمعلومات عمل على ظهور أنواع جديدة من المؤسسات تعليمية التي تعتمد على التكنولوجيا بشكل رئيس وهي التي تعرف بالمؤسسات أحادية النموذج (Single Mode). حيث يكون التعلم عن بعد هو مسئوليتها الوحيدة. ويشار للنوع المتطور منها بالجامعات الافتراضية (Virtual Universities). وهناك المؤسسات التعليمية ذات النموذج الثنائي (Dual Mode) والذي يتضمن كلا النوعين التقليدي والتعلم عن بعد.
ويؤكد(Trindade & Others, 2000)في أن تعبير"التعلم المفتوح والتعلم عن بعد" (Open & Distance Learning - ODL) يمكن أن يكون مظلة مناسبة يندرج تحتها جميع المسميات التي ظهرت في هذا الحقل. ويورد (Trindade & Others, 2000) تصنيفا للمؤسسات التعليمية التي تقدم هذا النوع من التعليم معتمدا فيه على نوع أساليب العمل(Modes of Operations) والتي يقسمها إلى ثلاثة أنواع: الأول ويسميه الأسلوب الفردي للتعلم المفتوح والتعلم عن بعد(Single-Mode) ، والثاني الذي يصفه بالتعلم المزدوج للتعلم المفتوح والتعلم عن بعد(Dual-Mode) ، أما الثالث فيستخدم تعبير الأسلوب المختلط أو المتآلف(Mixed-Mode) الذي يمزج بين النوعين من التعليم مستفيدا من التكنولوجيا المتطورة.
وينطبق النموذج الأول على المؤسسات التي يكون لأنشطة التعلم عن بعد النصيب الأوفر مقارنة بأنشطة التعلم المباشرة التي تكون وجها لوجه. أي أن المتعلمين في هذا النوع من المؤسسات يعتمدون على أنفسهم بشكل كبير ويتعاملون بشكل مباشر مع نظام دراسي معين يتماثل والنظام الذي تتبعه الجامعات المفتوحة مثل الجامعة المفتوحة في بريطانيا. أما النموذج الثاني فيشير إلى الجامعات التي تمزج بين نوعي التعليم المفتوح والتقليدي. وقد أخذ هذا النوع ينتشر في العديد من الجامعات التقليدية لتوفير فرص التعليم لغير القادرين من المتعلمين على متابعة تعليمهم بإنتظام. وعادة ما تقدم تلك الجامعات هذا النوع من التعليم للبرامج التي لا تتطلب درجات أكاديمية مثل برامج التعليم المستمر وخدمة المجتمع. وهناك النموذج الثالث الذي بدأ يظهر على الساحة التربوية ليعالج الثغرات التي ظهرت في النموذج المزدوج وهو النموذج المختلط. ويتضمن هذا النموذج أيضا كلا النوعين من التعليم وهما التعلم عن بعد والتعليم التقليدي مستفيدا من تطبيق الوسائط التعليمية المتعددة بدء من التكنولوجيا البسيطة مثل الراديو والتلفزيون إلى التكنولوجيا المتطورة التي تعتمد على ثورة الاتصالات مثل الشبكة العنكبوتية أو الويب.
كما تتناول الأدبيات تعبير "التعلم الإلكتروني" والذي يمكن اعتباره جزء من مصطلح "التعلم عن بعد". ويميز هذا التعبير الدور الكبير الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فيه وما تقدمه من طرق سريعة لنقل المعلومات والتفاعلية التي توفرها للمستخدم. وتشير (Dabbagh, 2000)إلى أن بيئات التعلم الإلكتروني تتنوع بحسب الاستقلالية التي توفرها للمتعلمين. وتورد في هذا الشأن ثلاثة أنواع من تلك البيئات: التعلم الشبكي المباشر (Online)، والتعلم الشبكي المختلط أو المتآلف(Blended) ، والتعلم الشبكي المساند(Enhanced) . حيث يتسم التعلم الشبكي المباشر في أن المادة التعليمية يتم تقديمها بالكامل بوساطة الشبكة، بينما النوع الثاني تعمل البيئة فيه على تيسير التعلم بشكل متكامل مع التعليم الصفي التقليدي، أما النوع الثالث فيشير إلى استخدام الشبكة من قبل المتعلمين لتنزيل تكليفات المقرر واستخدام مصادر المعلومات المختلفة.
وتتنوع الأساليب المستخدمة للتعلم عن بعد بحسب تنوع المزايا التي تتوافر بموجبها للمتعلم، فكلما توافر استخدام التكنولوجيا المتطورة توافر معه المرونة في التعلم. وتختلف نوع المرونة في التعلم التي تقدمها تلك الأساليب تبعا لنوع التقنيات التعليمية المستخدمة (ووناكوت، 2004). فتقل تلك المرونة المرتبطة بتفاعل المتعلمين في الفعالية التعليمية في المؤتمرات السمعية البصرية ومؤتمرات الفيديو لفرضها تواجد المشاركين فيها في أماكن محددة مزودة بالتجهيزات الفنية اللازمة. بينما نجد أن تلك المرونة تزداد مع زيادة توافر الحرية للمتعلم في التفاعل مع المواقف التعليمية عندما يختار ما يريد تعلمه في الوقت الذي يريد وبالمكان الذي يرغب. فكلما إزداد التطور التكنولوجي جلب معه المزيد من الامتيازات لهذا النوع من التعليم.
وهناك العديد من المميزات التي جلبتها التكنولوجيا لأسلوب التعلم عن بعد والتي تزداد مع توظيف الشبكة العنكبوتية أو الويب (الفريح، 2002). ومن أبرز تلك المميزات توفير خيار التعلم مدى الحياة، وقدرة المتعلم على متابعة الإنجاز الفردي، والتحديث والتوزيع السريع للمعلومات، وتوافر التنويع والثراء المعرفي في المحتوى المقدم، والاطلاع على وجهات نظر متعددة، ومراعاة الاهتمامات الفردية، وتوافر الفاعلية المباشرة(Interactivity) وميزة التحكم للمتعلم، وتوفير شبكات لمجتمعات ذات اهتمامات واحدة (Special-Interest Communities).
إن التكنولوجيا وما تحمله من وعود طموحة للتنمية البشرية يمكن أن يستفاد منها في تطوير وتحسين وضع المرأة في العالم بشكل عام وفي الوطن العربي بشكل خاص. فالتكنولوجيا - إذا ما أحسن تطبيقها- يمكن أن تكون البساط السحري الذي يمكن أن ينقل المرأة من حال إلى حال بفضل من يمكن أن تقدمه من فرص تعليمية للنهوض بمستواها الاقتصادي والاجتماعي. فالتكنولوجيا يمكن أن توفر الكثير من الفرص للمرأة ولكنها في نفس الوقت تجلب معها الكثير من التحديات التي يجب أن يعمل على تذليلها للوصول إلى الأهداف التنموية المرغوبة.
المرأة والتعلم عن بعد: الفرص والتحديات
يعتبر موضوع التعليم بالنسبة للمرأة وخصوصا التعليم العالي أمرا ضروريا لتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية ولمساعدتها على التكيف مع التغييرات الحادثة من حولها ولحمايتها من الاستغلال (Kanwar & Taplin, 2001). إن تيسير الأمور بالنسبة للمرأة من أجل الولوج إلى معترك التعليم العالي أو التعليم بوجه عام سوف يفتح أمامها الفرص الوظيفية ولا يجعلها أي تلك الفرص حكرا على النساء القادرات من اللاتي خدمتهن فقط ظروفهن الاقتصادية أو الاجتماعية. فمن الواضح للعيان أن الدول النامية إن لم تستثمر في تعليم المرأة والاهتمام بصحتها فإن التخلف سيصيب راس المال البشري وسيعاني الاقتصاد من التعثر بسبب قلة الإنتاجية وانخفاض مستوى الرخاء العائلي وارتفاع النمو السكاني (Women’s International Network News, 1990). ويشير تقرير اليونسكو المخصص للتعلم إلى أن "تعليم النساء والفتيات يعتبر من أفضل الاستثمارات للمستقبل. وسواء أكان الهدف هو تحسين الحالة الصحية للأسر، أو زيادة عدد الأطفال المسجلين في المدارس، أو تحسين الحياة الاجتماعية، فإن جهود المجتمعات لن تكلل بالنجاح إلا عن طريق تعليم الأمهات وتحسين أوضاع المرأة بوجه عام" (اليونسكو، 1996، صفحة 157).
تظهر الأدبيات التربوية (Chaudry, 1995) في أن النساء اللاتي يلتحقن بمقررات تعليم البالغين تكون أكثر ثقة بالنفس بما ينعكس على قدرتهن على التعبير والفهم والقدرة على إتخاذ القرارات وتحمل المسئولية. كما تبين تلك الأدبيات في أن أغلب النساء في التعليم العالي من اللاتي يتمتعن بدعم العائلة أو الزوج أو ممن لديهن توجهات واضحة للمهنة وممن يسكن المدن.
ومن أبرز التحديات التي تواجهها المرأة أمام استكمال تعليمها العالي: نقص الموارد المالية بسبب انخفاض المستوى المعيشي، وثقل المسئوليات الأسرية التي تجعلها في خوف دائم من عدم القدرة على الموازنة بينها سواء كانت زوجة أو أم أو بنت أو أخت، بالإضافة إلى النظرة الدونية لتعليم المرأة وتبني فكرة أن التعليم مهم للرجل أكثر منه للمرأة (Kanwar & Taplin, 2001).
إن تبني فكرة دعم المرأة للاستفادة من أسلوب التعلم عن بعد وما صاحبه من مرونة في التعلم نتيجة للتطورات التكنولوجية الهائلة يمكن أن يكون طريقة مثالية لتقليل التأثير السلبي لمثل تلك التحديات والمتطلبات الاجتماعية والثقافية. فالتعلم عن بعد يمكن أن يجلب معه الكثير من الفرص التي تمكن المرأة من النهوض بمستواها الثقافي الذي ولا شك سينعكس بشكل إيجابي على مستواها الاقتصادي والإجتماعي. فالأسلوب التسويقي للبضائع الذي ظهر خلال التسعينيات والقائم على سياسة "24 ساعة لمدة 7 أيام متواصلة" والذي بسببه أصبحت الأسواق المركزية ومحلات البضائع مفتوحة للزبائن لمدة 24 ساعة في اليوم ولمدة 7 أيام في الأسبوع أنتقل الآن إلى التربية(Miller, 2002) . فالطفرة التكنولوجية يسرت ظهور أسلوب التعلم عن بعد الذي جعل التعليم بدوره متوافرا للراغبين فيه في أي مكان وفي أي وقت من اليوم من دون حاجة إلى مغادرة المنزل للالتحاق بالمؤسسة التعليمية التي تقدم التعليم النظامي.
وتشير الأدبيــات العالمية المتعلقة بموضوع الورقة(Kanwar & Taplin, 2001; Miller, 2002; May, 2004) إلى الكثير من النجاحات التي تحققت للعديد من النساء بسبب التعلم عن بعد وما جلبه لهن من فرص ما كانت ستتوافر لهن بدونه. حيث ترصد كل من (Kanwar & Taplin, 2001) تجربتهن وتجربة مجموعة من الباحثات في كتاب يتضمن قصص نجاح لثلاثة وعشرين حالة لنساء من ست دول في آسيا في أن كيف التعلم عن بعد غير حياتهن للأفضل. كما تؤكد الباحثات في كتابهن على أن الغرض من نشره كان تشجيع النساء في العالم على المشاركة في نظام التعلم عن بعد.
وتبين (May, 2004)في دراستها المستمدة من رسالتها للدكتوراه حول نفس الموضوع قصص نجاح تسعة نساء من كندا ساهم التعلم عن بعد في تحقيق أهدافهن في التعليم وتعويضهن عن ما فاتهن من فرص بسبب ظروفهن الاجتماعية. بل تروي في دراستها عن كيف أن التعلم عن بعد ساهم في أن تصل إحدى هؤلاء النساء إلى الحصول على شهادة الدكتوراه.
كما تشير كل من (Kanwar & Taplin, 2001) إلى أن من أبرز الفرص والمزايا التي يمكن أن يتيحها التعلم عن بعد للمرأة الآتي:
1 بقاء المرأة في منزلها سواء كانت زوجة أو أم ودون أن يأخذها هذا النوع من التعليم بعيدا عن الزوج أو الأطفال.
2 الاستفادة الذاتية للمرأة من خلال تحقيق ما تصبو إليه من نمو وتطلعات وزيادة الثقة بالنفس عند التعامل مع الآخرين.
3 استفادة أطفال الأسرة في كون الأم قدوة يمكن أن يحتذى بها في تنظيم عاداتها الدراسية.
4 تبادل الخبرات مع نساء أخريات والاستفادة من تجاربهن المماثلة في الحياة.
5 يمكن أن تعين خبرة التعلم عن بعد المرأة في التخلص من القلق والمخاوف التي تساورها في أن تكون طالبة علم تعود مرة أخرى لمقاعد الدراسية.
كما أن هناك مزايا أخرى يمكن أن تستفيد منها المرأة حتى بعد استكمال تعليمها بالإضافة إلى ما سبق ذكره من مزايا يمكن أن يحققها التعلم عن بعد للمرأة أثناء فترة تعليمها. ومن أبرز تلك المزايا استفادتها من التعامل مع التكنولوجيا وما يمكن أن توفره لها من الالتحاق بمهن تكنولوجية يمكن أن تدر عليها عائد مالي مجزي. فيمكن للمرأة ومن خلال تواجدها في منزلها وتعاملها مع حاسوبها الشخصي أن تمارس مهن متعددة كالطباعة والإخراج الفني وبناء المواقع الإلكترونية وغيرها من المهن التي لا تتطلب التواجد الدائم للموظف في مكتب معين والتزامه بساعات عمل محددة.
المرأة العربية والتعلم عن بعد
تظهر العديد من الأدبيات التربوية الخاصة بالمجال بأن هناك جهود متناثرة للدول العربية منذ الستينيات للولوج إلى عالم التعليم المفتوح والتعليم عن بعد. ورغم أن هذه الجهود تعتبر متواضعة إذا ما قورنت بما يدور على الساحة العالمية إلا أن العديد من هذه الدول تحاول اللحاق بركب الدول المتقدمة فيما يتعلق بتبني فلسفة التعليم المفتوح والتعلم عن بعد.
يأخذ التعلم عن بعد أنماطا متنوعة في العالم العربي. فهناك جامعات متخصصة في التعليم المفتوح مثل جامعة القدس المفتوحة والجامعة المفتوحة بليبيا وجامعة السودان المفتوحة وكذلك الجامعة العربية المفتوحة بفروعها المتعددة والتي مقرها الرئيس دولة الكويت. وتماثل الدراسة في جميع هذه الجامعات نمط الجامعة المفتوحة في بريطانيا.
كما أن هناك الجامعات التقليدية التي أخذت بالنموذج المختلط أو المتآلف للتعلم عن بعد والذي يمزج بين التعلم عن بعد والتعليم التقليدي. ويقصد هنا التعلم عن بعد بنماذجه المختلفة من استخدام مؤتمرات الفيديو التعليمية إلى التعلم الإلكتروني الذي يوفر المرونة التامة للمعلم في استكمال تعليمه. فيوجد في جامعة الكويت مثلا مركز التعلم عن بعد الذي يشرف على توظيف الفيديو بشكل أساسي لنقل المحاضرات لكليات الجامعة المتناثرة، مما ساهم في توفير الوقت والجهد والمال بالإضافة إلى مساهمته في تطبيق قانون منع الاختلاط الذي تسعى جامعة الكويت إلى تعميمه على جميع الكليات (المهندسون، 2000). كما يستخدم العديد من أساتذة جامعة الكويت التقنيات الحديثة في التواصل مع طلبتهم. وأحدث تجربة يمكن تناولها هي ما رصده الدكتور سالم الطحيح (2004) في كتابه عن تجربته مع التعلم عن بعد وخاصة التعلم الإلكتروني. حيث يوضح فيه تجربته التي استمرت أكثر من سبع سنوات واستخدم فيها التقنيات المتطورة في الاتصال بينه وبين طلبته سواء كان الاتصال المتزامن مثل برامج المحادثة أو الاتصال غير المتزامن مثل برامج الحوار والمنتديات الإلكترونية والبريد الإلكتروني. ويؤكد كيف أن تجربته كانت ناجحة إلى أبعد الحدود مع طلبته من ذكور وإناث على حد سواء من حيث إقبالهم على هذا النوع من التعلم وطلب الاستفادة العلمية منه. غير أنه يشير في موقع معين من الكتاب إلى أن أحد المعوقات التي واجهها والمتعلقة بالطالبات خصوصا والتي يعتبرها من أغرب ما واجهه هو أن بعض أولياء أمور الطالبات يمنع دخول الإنترنت إلى المنزل وقد تمكن من حل هذه المشكلة بتوفير أجهزة الحاسوب في الكلية. وفي واقع الأمر فقد تم اختيار جامعة الكويت كمقر للأمانة العامة للجنة التعليم عن بعد في دول مجلس التعاون الخليجي (المهندسون، 2000).
وهناك النمط الثالث الذي يرتكز برمته على التكنولوجيا والذي يعتبر نموذج مثالي لتوظيف التعلم الإلكتروني في التعليم والتدريب والمتمثل في الجامعات الافتراضية والتي من أبرز أمثلتها في العالم العربي جامعة آل لوتاه في دولة الإمارات العربية المتحدة (آفاق، 2004).
ولمنظمة اليونسكو جهود واضحة في هذا الشأن ممثلة في الدعم الذي يقدمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالنسبة لبعض البلاد العربية. حيث بدأ البرنامج(UNDP, 2004) جهوده بمشروع تمهيدي في ثلاثة مواقع بالمملكة العربية السعودية هي الرياض والدمام وجدة. وظهر المشروع تحت مسمى "التدريب عن بعد للنساء السعوديات المهنيات"(Distance Training for Saudi Professional Women) للاستفادة من التطورات السريعة للإنترنت كوسيط للتعلم. وكان مدة المشروع سنة وموجه على وجه الخصوص لمجموعة معينة من المتعلمات وهن النساء المهنيات المنخرطات في قوة العمل السعودية. ويهدف المشروع إلى تزويد المشاركات باحتياجاتهن من المهارات الإدارية وفي مجال تقنية المعلومات لتطوير أدائهن في العمل بما ينعكس بشكل إيجابي على المؤسسات التي يعملن بهن. وسوف تمدهن تلك المهارات بسمات تجعلهن قادرات على المنافسة في بيئات عمل تنافسية ساهمت العولمة في ظهورها. وموقع المشروع على الإنترنت يدعو كل من لديها الرغبة إلى المشاركة ويوجهها إلى كيفية الاشتراك في المشروع واختيار المقررات المناسبة. ويمكن للمشروع إن سار وفقا لما هو مخطط له أن يستخدم كإطار عمل يمكن تبنيه لتحقيق الاحتياجات التدريبية في الوطن العربي خاصة مع توافر محتواه باللغة العربية.
كما افتتح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي(UNDP, 1999) في مارس 1999 بجمهورية مصر العربية ثلاثة مراكز لتعليم تقنية المعلومــات في محافظة الشرقية كجزء من برنامجه التنموي المعنون (التطــوير بوساطة تــقنية المعلومــاتIT for Development- ) والذي يستخدم تقنية المعلومات كأداة تطويرية فاعلة لدعم التنمية البشرية المستديمة. وتلك المراكز موجهة لخدمة مؤسسات المجتمع المدني والأفراد من ذوي الدخل المحدود بما فيهم النساء لتمكينهن من التعامل مع تقنية المعلومات مما سيوفر لهن حق التعليم مدى الحياة والحصول على العمل المناسب الذي يمدهن بالحياة الكريمة.
وحيث أن هذه الورقة تهدف إلى تعرف دور التعلم عن بعد بأنماطه المختلفة في تنمية المرأة العربية ما دامت تسمح لها هذه الأنماط بتحقيق التوازن فيما يتعلق بمسئولياتها والتزاماتها الشخصية وتطلعاتها المستقبلية، فقد تم إجراء بعض المقابلات مع مجموعة من النساء العربيات الدارسات بأسلوب التعلم المفتوح والتعلم عن بعد. وكان جهاز الهاتف وسيلة الاتصال بهؤلاء النسوة المتواجدات بدولة الكويت للتعرف على بعض جوانب تجربتهن في استكمال تعليمهن باستخدام أسلوب التعلم عن بعد.
فما أبرز ما قالته هؤلاء النسوة فيما يتعلق بتجربتهن باستخدام أسلوب التعلم المفتوح والتعلم عن بعد؟
التكنولوجيا أداة المجتمع للنهوض بالمرأة العربية
يؤكد مارك مالوك براون، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في مقدمة تقرير التنمية البشرية لعام 2001 الصادر بعنوان "جعل التقنيات الجديدة تعمل لصالح التنمية البشرية" أن "الوقت قد حان لبناء شراكة جديدة بين التكنولوجيا والتنمية" (UNDP, 2001). فالتنمية حسب تعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تعني خلق بيئة يستطيع الأفراد من خلالها تطوير ذاتهم إلى أقصى ما تسمح به قدراتهم ليعيشوا حياتهم وفقا لاهتماماتهم واحتياجاتهم (UNDP, 2004). فالأفراد هم الثروة الحقيقة للأمم. فالتنمية تعني تقديم خيارات واسعة للأفراد ليعيشوا حياة يقدرونها. أما التكنولوجيا وما تحمل من مزايا تطويرية فإنها يمكن أن تكون البوابة الواسعة التي من خلالها يستطيع الأفراد بشكل عام والمرأة بشكل خاص تطوير قدراتهم بالقدر الذي يتيح لهم الفرص المتعددة التي تمكنهم من المساهمة في تطوير مجتمعاتهم والعيش في حياة يقدرونها وتحفظ كرامتهم.
إن التعلم عن بعد -إذا أحسن تطبيقه- بأنماطه المختلفة يمكن أن يلعب دورا جوهريا في تنمية وتطوير قدرات المرأة العربية، خاصة وأنها تنتمي إلى شريحة عادة ما تكون منسية عندما يتصل الأمر بموضوع التنمية البشرية. غير أن هذه التنمية لا يمكن أن تحدث دون أن يكون هناك استراتيجية واضحة وخطة شاملة للتعلم عن بعد بالعالم العربي ويكون للمرأة النصيب الأوفر منها، خاصة لمن لم تخدمها الفرص في إتمام تعليمها. إن الاهتمام بالمرأة يعني الاهتمام بالأسرة برمتها فهي أي المرأة تعتبر المحور الرئيس التي تتمركز حوله الأسرة وتستمد منه قوتها واستمرارها المتماسك. فوجود تلك الإستراتيجية أصبح ضرورة حتمية لمساعدة النساء على عبور الفجوة الرقمية وتسخير التكنولوجيا لخدمتهن. فغرض التكنولوجيا دعم الأفراد من خلال تقديم الفرص لهم في حياتهم اليومية(Nasir, 2001).
غير أن هناك وجه آخر للتكنولوجيا يجب أن لا يغيب عن بال المخططين من متخذي قرار وتربويين والمتعلق بالجوانب السلبية التي قد يكون لها تأثير عكسي على المرأة والأسرة على حد سواء. ومن تلك الجوانب ما يرتبط بخلق أنواع جديدة للتنشئة الاجتماعية وما يترتب عليه من ظهور مفاهيم جديدة للذاتية الفردية والجماعية. فمن المآخذ الكثيرة على التكنولوجيا أنها قد تجلب العزلة الفردية والتي بدورها تقود إلى الانفتاح اللامحدود على المعلومات واكتساب المعرفة خارج نطاق التعليم النظامي بما يحمله من آثار خطيرة على هوية المجتمع وقيمه. كما أن البعض يشير إلى أن التعامل مع الواقع الافتراضي (Virtual Reality) قد يؤدي إلى فقدان الإحساس بالواقع الفعلي. بينما البعض الآخر يؤكد أن التكنولوجيا تعمل على تعزيز الفوارق بين شرائح المجتمع (الفريح، 2002).
إن كل ما سبق ذكره من محاذير تتعلق بالتعامل مع التكنولوجيا تعتبر ولا شك تحديا كبيرا لصناع القرار عند التخطيط لتعليم المرأة بأسلوب التعلم عن بعد. فالهدف يجب أن لا يكون منصبا فقط على تزويد المرأة بالمؤهلات العلمية لتلبية الاحتياجات الاقتصادية فقط، وإنما الاهتمام بالمرأة يجب أن يكون منصبا على تنميتها وجعلها قادرة على التكيف مع مجتمع المعلومات. ويؤكد تقرير الأمم المتحدة (1996) على أنه مع ظهور "مجتمع المعلومات" والتغيرات التي يشهدها طبيعة العمل فإن النظم التعليمية لم تعد مطالبة "بإعداد أيد عاملة لوظائف صناعية مستقرة. فالمقصود بالأحرى هو تأمين الإعداد من أجل التجديد لأفراد يكونون قادرين على التطور وعلى التكيف لعالم يشهد تحولا سريعا، وعلى الإمساك بزمام التغيير" (ص 65).
وتؤكد هذه الورقة على مجموعة من الاعتبارات الضرورية التي يجب تبنيها لتوظيف نظام التعلم عن بعد بفاعلية ليكون في خدمة المرأة. ومن أبرز تلك الاعتبارات الآتي:
7 أن تتضمن الاستراتيجية الشاملة الخاصة بالتعلم عن بعد في العالم العربي والتي تزمع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إصدارها قريبا محورا يتعلق بكيفية توظيف هذا النوع من التعلم لتنمية المرأة العربية (الصايدي، 2004).
8 أن تتواصل جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالمرأة مع المنظمات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة ممثلة ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتوفير برامج إنمائية للمرأة في مجال التكنولوجيا في كل البلاد العربية بما يتناسب واحتياجات سوق العمل فيها.
9 توفير الدعم المادي والمعنوي للمرأة سواء من الجهات الحكومية أو مؤسسات القطاع الخاص في كل البلاد العربية لاستكمال تعليمها العالي في المؤسسات التعليمية التي تتبنى فلسفة التعلم عن بعد.
10 تطوير برامج دراسية وتدريبية تقدم بأسلوب التعلم عن بعد بالتعاون مع مراكز خدمة المجتمع والتعليم المستمر في الجامعات موجهة لشريحة النساء ومستنبطة من احتياجاتهم الفعلية أو احتياجات سوق العمل للمساهمة في توفير المهن الإلكترونية التي تؤهلهن للعمل من منازلهن.
11 تشجيع مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالمرأة على بناء منتديات إلكترونية ثقافية خاصة بالنساء تدعمهن في شئونهن الحياتية وتهيئ لهن فرصة المشاركة بمجتمع المعلومات بما يكفل حمايتهن من الاستغلال وتبصيرهن بكيفية حماية أبنائهن من مساوئ التكنولوجيا.
12 توفير الدعم والإشراف الحكومي بمختلف أشكاله سواء كان ماليا أو إداريا أو علميا لتأمين الاعتراف بالشهادات العلمية الصادرة من المؤسسات التعليمية التي تتبنى فلسفة التعليم المفتوح أو التعلم عن بعد كنظام تعليمي سواء كانت من مؤسسات عربية أو أجنبية.ويمكنأنيتمذلكمنخلالوضعقواعدلاعتمادالبرامجالتعليميةوالمقرراتالدراسيةوالشهاداتالتعليميةالتييتماجتيازهاأوالحصولعليهاوفقالنظامالتعليمالمفتوحأوالتعلمعنبعدبمافيهاالتعلمالإلكتروني.
13 وضع خطط إعلامية فاعلة للمساهمة في تغيير الاتجاهات نحو تعليم المرأة في المناطق التي تعاني فيها من التسلط الأسري عبر نشر سبل إقناع ترتبط بما تيسره التكنولوجيا من مرونة في التعليم ولتوضيح أهمية أن يكون للمرأة دخلها الخاص الذي يمكنها من دعم دخل العائلة.
[b][center]