جنـــــــــــــــــــون الأنتـــــــــرنيت
الإنترنت تقنية عصرية عالية الجودة، وقد سهلت ويسرت وفسرت للناس الكثير من المعلومات، وأتاحت الفرص لمن يريد أن يتصفح معلومات هائلة في مختلف العلوم
والآداب، وفسحت المجال لمن يريد أن يبحث ويحرث في ترب الحياة، واستطاع هذا
الجهاز أن يمكن الدارسين والباحثين من العثور على المعلومة بكل سهولة،
بدلاً من مشقة البحث في بطون الكتب المعقدة والمسهبة في الشرح والتفصيل..
هذا لمن يريد أن يستفيد ويفيد، ولكن في الجانب الآخر أصبح الإنترنت معضلة
أخلاقية واجتماعية وثقافية عندما يقع بين العابثين، واللاهين والباحثين عن
العبث، وكل ما هو رث وخبيث.
مثال ذلك الزوجان الصينيان اللذان باعا أبناءهم الثلاثة بعشرة آلاف دولار مقابل الإنفاق على إدمانهما اللعب في الإنترنت.
هذه هي أخلاق الآلة التي تنتزع الروح من الجسد، وتجتث الأخلاق الإنسانية من
منابعها وتجفف العاطفة الأبوية من سموها ورفقها.. فلا يمكن أن يفرط أب وأم
بأبنائهما، إلا إذا انحلت الأخلاق، وبعثرت المشاعر، واستوطن الفراغ
العاطفي مكان القلب، ما يجعل الإنسان أقل مستوى من فطرته وأدنى مقداراً من
كينونته التي فطره الله بها.. موقف الزوجين الصينيين يثير في النفس الفزع،
ويشير إلى حالة عصرية راهنة تحول فيها الإنسان إلى كائن متوحش يبحث عن
ملذاته ورغباته على حساب رسالته الإنسانية السامية التي جبل عليها، وهذه
الحال ليست فريدة، وإنما هُناك أمثلة كثيرة يعيشها إنسان العصر بعد أن
تمكنت الآلة من عقليته، واستولت على مشاعره، واحتلت مكاناً واسعاً من همومه
وطموحاته، فالإنسان الذي استغرق زمناً طويلاً يبحث عن أداة الراحة، ويسأل
عن مكونات الطبيعة التي تتيح له فرص الحياة السعيدة، أصبح هو الآن عبداً من
عبيد الآلة، بل مرجلاً حديدياً يدار بإرادة التقنية الحديثة، ولا حول له
ولا إرادة في إيقاف هذا التيار الجارف.. إذاً بعد كل هذا اللغط وهذا الغلط
يحتاج الإنسان إلى لحظة تأمل في الذات المستلبة ويحتاج إلى قراءة واقعية
لما يحيط به من مجريات الحداثة المتوحشة، ويحتاج إلى عقلية تستطيع أن تصنع
الموازنة وتضع الحدود اللازمة لإيقاف التهور للحفاظ على النوع البشري من
الاندثار والضياع في أتون هذه الفورة المجنونة.
الإنسان بحاجة إلى مشاعر إضافية تحصنه من هذا الانصياع الأعمى للآلة،
ويحتاج إلى تنقية الشوائب التي لحقت بنفسه جراء الغوص في العميق دون حساب
العواقب وما تورثه السباحة في بحار التقنية المتوحشة.