النشر الالكتروني العربي بين المصادرة وتحقيق الذات -العنف السيليكونيعبد النور إدريس
هذه الدراسة قُدمت بمناسبة الذكرى الأولى لميلاد اتحاد كتاب الأنترنت العرب بمدينة سلا المغربية بتاريخ 24/03/2006 .
يعيش العالم تحولا تكنولوجيا مهما أعاد تشطير الكرة الأرضية إلى ثنائية جددت تشكيل استراتيجيتها من جديد بعد أن استنفذت إمكانية خلقها للإبدال المعرفي السابق ، ففي تقسيم القرية الكونية إلى شمال وجنوب تعمقت الفجوة الثقافية باحتلال الجنوب مكان خارج الرقمية وذلك بسبب هيمنة المركزية الثقافية لدول الشمال وخاصة أمريكا حيث توجد أكبر شركة عملاقة لإنتاج الالكترونيات microsofte والتي تحتكر سوقا عالمية فاردة جناحيها على إنتاج وتوزيع الذكاء الصناعي في نطاق غير متكافئ يجعل أمريكا جاهدة بحق لبلورة الذات في إطار تصورات احتلالها لنهاية عالم فوكويامي 'نسبة لفرنسيس فوكوياما) قصد احتلال مركز الصدارة بتفعيل مفهوم نهاية التاريخ. وقد نتج عن تمثلات هذا المفهوم أن كيفت أمريكا مفهوم القطب الواحد عبر الخطاب المتمركز على الثورة الإعلامية والالكترونية، وقد تعمق هذا التوجه بنهجها صناعة الهيمنة والمحافظة على تميزها في الاستحواذ على الشبكة العنكبوتية ووضع باقي العالم في صف الاستهلاك انطلاقا من وجهة نظر تسلطية محكومة بهاجس المركز والمحيط . الثقافة العربية والعصر الالكتروني خارج سلطة امتلاك الثورة الرقمية وخارج ضبط مسارات التداول السليم لسلطة هذه المعرفة المتجددة يستقبل العالم العربي الإرغامات الرقمية للآخر مع بداية التشكل العام لذات عربية بدأت في خلق خصوصية تحقيقها لكينونة رقمية لم تتخلص بعد من مضامينها الأيديولوجية والمحلية . ففي انتقال العالم العربي نحو النشر الالكتروني جر معه كل القيم الثقافية الورقية والتي وسمت الثقافة العربية بالديوانية لزمن طويل ، ولهذا عرف النسق الثقافي العربي انشطارا في آلياته التي كانت تمنحه صفة الوجود وبذلك كان للإنفجار الثقافي الالكتروني دورا في توسيع امكانية الحصول على الكتاب العربي وتحيينه وجعله في متناول القارئ ،فأصبح التواصل الثقافي عبر الأنترنت والأقراص المدمجة أفقا للتداول بين المثقفين العرب والترويج المادي-الافتراضي والرمزي لهذا المنتوج.إن توفر عناوين الكتب العربية على شبكة الأنترنت أو على الأقراص المدمجة يحقق الانتشار المعرفي بسرعة يضيق فيها الحاجز الزمني الذي كانت تستغرقه عملية النشر سابقا. وقد يحقق النشر الالكتروني دمقرطة المعرفة حيث أصبح محكوما باختراق الحواجز بين البلدان العربية المتعددة المرجعيات السياسية والثقافية مع اختلاف بعدها أو قربها من حرية التعبير. إن النشر الالكتروني الحالي ونظرا لسهولة الانوجاد ضمنه قد أضر بالحمولة الرمزية لمحتوياته مما جعل بعض المكرسين ورقيا ينشئون حول النص الالكتروني تصورات مسبقة لم تزدهم إلا ابتعادا ونفورا من النشر عبر هذه الوسيلة الالكترونية وبالتالي الدفع بهم إلى التقوقع والانزواء بين دفتي كتاب . إن تراجع المقروئية بالنسبة للكتاب الورقي والناتج عن عوامل عدة من بينها الدخل الفردي المنخفض بالإضافة إلى السياسة التعليمية التي تزكي التبادل الثقافي حول التركيز على الشهادة قد أضاع فرصة العالم العربي لمواكبة الحجم الهائل للمعلومة الصادرة عن الشبكة ، وبالرغم من الصورة الكالحة التي قد ننتجها حول النشر الالكتروني العربي هناك إضاءات إيجابية تساهم في تراكم الخبرات المعلوماتية والتي ستساهم في ترويج المنتوج الثقافي العربي قديمه وحديثة ، لكن ما يلاحظ الآن هو ذلك الاهتمام الفردي بمؤسسة ثقافية في حجم الثقافة العربية حيث يغلب الهاجس الترويجي الفج والذي تحتل معه الثقافة الرصينة المستوى الثاني في الصف المعرفي الشيء الذي جعل ذهنية النشاط المعلومياتي لا تختلف عن ذهنية النشاط الورقي. وقد حدد د.سعيد يقطين آثار هذه الذهنية في ثلاثة نقط "1- الخلفية الأمنية المبالغ فيها2- التراكم الكمي للنصوص3- بساطة الانجاز وضعف الوظائفوإذ ينسحب هذا الرأي على البرمجيات والأقراص المدمجة السريعة التحديث يمكن أن نجد نفس الذهنية بالمجلات والملتقيات والمواقع الالكترونية التي لا تستثمر الامكانيات المعلوماتية القصوى من أجل تقديم نص عربي إلكتروني يعكس غنى المكتبة العربية الورقية ويجعل المجال الرقمي أداتا للتواصل والمعرفة . النشر الالكتروني العربي إكراهات البداية. لقد طرحت قمة تونس العالمية لمجتمع المعلومات والتي نظمتها الأمم المتحدة في شهر نونبر 2005 قضية مستقبل التحكم بالانترنت الموجود تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة التي تستحكم قبضتها عليها وقد خرجت القمة " بوثيقة التزام تونس" التي توصي باحترام حرية التعبير وتحديد الخطوط العريضة للبرنامج التنفيذي للحد من الفجوة الرقمية بين بلدان الشمال والجنوب حيث نصت هذه الوثيقة على أن "حرية التعبير وحرية تنقل المعلومات والأفكار والعلم ضرورية لمجتمع الإعلام". و بالرغم من الانتشار النسبي جدا لمستخدمي الانترنت في العالم العربي حيث لا يتجاوز عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي 11 مليونا و755 ألف شخص بحسب إحصاءات الاتحاد الدولي للاتصالات، فقد أكد المشاركون في المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات 2006 الذي اختتم أشغاله بالدوحة بتاريخ 15 مارس (آذار)" ان العالم العربي لا يزال من بين المناطق الأقل حظا في الثورة الرقمية العالمية، اذ لا تزيد نسبة مستخدمي الانترنت فيه على 3.7 في المئة رغم الإمكانات المادية المهمة." ( )وقد جاء في تبيان أسباب هذه النسبة الهزيلة والتي تتفاوت من بلد إلى آخر مع الاستثناء الذي تحتله الدول الخليجية التي تتقدم بسرعة ملحوظة، أنها ترجع بالأساس إلى أسباب تقنية وخاصة ارتفاع تكلفة احتضان المواقع الالكترونية وضرورة المرور عبر مخدم (سيرفر) يتمركز بأوربا أو أمريكا أما العائق الثاني فيتمثل في غياب الإطار التشريعي المنظم للقطاع والمحفز للاستثمارات في هذا الباب.هذا بالإضافة إلى مشاكل هيكلية تتجلى في ضعف أو انعدام البنيات التحتية ببعض البلدان العربية بالإضافة إلى العامل البشري الذي يرزح تحت أمية مزدوجة تتوزع مابين الأمية الأبجدية والأمية المعرفية - الالكترونية،الشيء الذي يعطي الانطباع القوي على أن الهوة الرقمية التي يعيشها العالم العربي يمكن تجسيرها ، أما ردمها الأكيد فمرتبط بوعي الأنظمة الحاكمة وإرادتها في معالجة الإشكالية التنموية التي تعيشها دول الجنوب بشكل عام، والبنى التحتية المرتبطة بالأنترنت بشكل خاص حيث أن " بلوغ البنى التحتية الأساسية يبقى حكرا على الدول ذات الدخول المرتفعة ليس فقط فيما يخص الخطوط الهاتفية والكوابل العابرة للمحيطات والأقمار الصناعية للاتصالات ، بل وأيضا فيما يتعلق بالشبكات المعلوماتية (أجهزة حواسيب ومطارف وقواعد معطيات وغيرها )ناهيك عن الأعتدة الجديدة الموفرة لسبل الإبحار بالشبكات كما بشبكة الأنترنت " ( ) ازدواجية مصادرة الحق في المعرفة لقد توسعت وتطورت رقابة الدول العربية للنص العربي المنشور ورقيا ولم نعد نجد في سوق الكتاب سوى ما يرضى عنه النظام السياسي ،وإذا كان هذا يتطابق مع هاجسها الأمني فقد ساهم ذلك في تأجيل تطرو المجتمعات العربية نحو انفتاح أكبر وبذلك لم ترق خدمات النشر الورقي إلى المستوى الذي يحافظ فيه فعلا على دوره الريادي السابق. وقد جاء النشر الالكتروني ليساهم في تذويب الحواجز وتخطي كل أشكال الرقابة وبالتالي شكلت المعرفة الالكترونية عمودا أساسيا في تشكيل السلطة الجديدة. لقد تطرق آلن توفلر في كتابه "تحول السلطة" إلى مصادر السلطة الثلاث ( القوة- الثروة- المعرفة) حيث يقع تتبادل الأدوار فيما بينها بحسب التركيز على جانب دون آخر لخلق الانسجام بين أطراف المعادلة الثلاثة لكن تبقى المعرفة هي " الأكثر تنوعا من حيث الفعالية بين المصادر الرئيسية الثلاث للسلطة الاجتماعية، إذ يمكن استعمالها للعقاب والمكافأة والاقناع، بل وللتحويل من النقيض إلى النقيض" ( )إن الفضاء الالكتروني هو الكفيل بتفعيل وتحقيق تحول المعرفة من المجال الخام إلى سلطة..إلى فعل للمعرفة ،وإذ يمكن للمعرفة أن تكون صادرة عن الضعيف والفقير تحتاج في تبادلها إلى وسائل وآليات تقنية وفنية كي تتحول إلى سلطة فاعلة ، إلى وقائع وأنشطة معرفية. ومن الاشكال الميتامورفوزية للمعرفة التي تقترن بفعل السلطة أنها تصبح لعبة "لعبة سلطة المعرفة "، وككل لعبة لها إيجابياتها وسلبياتها في منحنيات استغلالها فقد تصبح المعرفة أداة متسلطة في يد محتكرها للخرق غير القانوني لحقوق الآخر كالتجسس والتنصت والتلاعب بالأسرار الشخصية للآخر واستعمالها في إخضاعه وتركيعه ، ويتجلى هذا السطو المعرفي واضحا في عالم الأنترنت الآن من حيث التصور العام للسلطة من جانب القوى العظمى العالمية (خاصة أمريكا) التي تسيطر من خلال مركزكالفورنيا إيكن icann 1998 على مصادر المعلومة في اتجاه الجنوب ،فهي تدير الشبكة العنكبوتية بيد حديدية وعدم رغبتها في توزيع هذه السلطة الجديدة على باقي الدول وقد ظهر ذلك التمنع في مؤتمري القمة المعلوماتية جنيف 2003 وتونس نونبر 2005. إن المعرفة السيبرنتية والتحكم الآلي في جزيئات المعرفة تحقق لأمريكا بديلا للسيطرة والاستعمار الرقمي وبالتالي مراقبة كل ما يتحرك في دائرة الفضاء الرقمي، تلك الرقابة التي تتدخل في سياسة الدول ، بالمعلومات وعصر القوى السيليكونية في أول الأمر، ثم لا تلبث أن تهيمن بشكل آخر على كل مقدراتنا"( ). فما هو مستقبل الرقابة وطموحها على النص العربي؟ هذا السؤال الكبير يطرح سؤالا آخر أكثر قلقا يتعلق بالجهة أو الجهات المسؤولة فعلا عن الفضاء الرقمي. إن ما نعيشه اليوم من اكتساح رقمي للولايات المتحدة ومن مساعيها العلمية لرقمنة العولمة اقتصاديا وثقافيا ، ومن مساعيها الأمنية لاحتكار الصناعة المعلوماتية ليؤكد بالملموس مدى وحشية المراقبة ومدى تتبعها المتواصل لمختلف جزئيات ما يجري على الشبكة الرقمية على المستوى الدولي ، حتى أن د.مصطفى عبد الغني في كتابه القيم " الرقابة المركزية الأمريكية على الأنترنت في الوطن العربي" يذكر خبر معلومة تسليم شركة ما يكروسوفت للسلطات الأمريكية ، الكود الأمني الخاص بكل جهاز أو برنامج كمبيوتر تبيعه. فأصبح واضحا مدى تخيلنا للتوسع الأمبريالي على العوالم الافتراضية الرمزية مستقبلا. العنف السيليكوني وآليات الرقابة والمصادرة الرقمية . تتنوع صور وأشكال الرقابة ومصادرة المعلومة الرقمية مابين صورتين يعيدان للحرب الباردة "الرقمية" صيغة للتحقق من جديد.-أ- فمن بين صور المراقبة الأمريكية نجد تدمير المواقع وخدام المستخدمين وحجب الرسائل والسيطرة على محركات البحث بالاضافة إلى تزوير أسماء النطاقات والدومينات وترويج عدد من الفيروسات من نوع طروادة أو تروجان والتحكم فيها عن بعد وقد يصل الأمر بالهاجس الأمني حد انتهاك خصوصية الأفراد والمؤسسات التي تستخدم الشبكة العنكبوتية بإطلاق دودة كورجو التي تستخدم عند الحاجة حيث تكمن قوتها في السيطرة على الموقع المسلطة عليه، ومن ضمن صور الرقابة التي لا يمكن حصر مجالات تدخلها وحجم اختراقها والتي تتجاوز مسألة الفيروسات يحتل التشويش المعلومياتي مجالا خصبا في تفريخ البرامج المجانية والمواقع المشبوهة لإثارة فضول المتصفحين ولإغرائهم بالمتابعة وتشتيت استفادتهم من الشبكة بشكل جاد ورصين.- ب- أما الصورة النقيض لمراقبة الأنترنت فتتجلى في تخصص مركز مراقبة الأنترنت بالصين في ملاحقة المنشقين عبر أيقونات جينغ جينغ وتشا تشا، وقد أذعنت كل من ياهو yahoo و ميكروسوفت Microsoft وجوجل Google وبدرجات متفاوتة لأجهزة مراقبة حزب بيكين ولم يكن لهذا الإذعان أن يمر دون أن يثير حفيظة أعضاء الكونجرس الأمريكي. [ ويعمل أيقون جينغ جينغ وتشا تشا بالتواجد على صفحة الأنترنت كشخصيتين إعلانيتين قابلتين للحركة على مواقع إلكترونية محلية ، وكمستخدمين فعليين لنظام الرسائل الفورية الشاسع QQ الذي تديره شركة تانسانت Tencent المدرجة بوصلة ناسداك Nasdak ] ويقول المسؤولون عن شرطة الصين الإلكترونية أن مجرد ظهور الأيقونات يجعل المستخدمين على علم بأنهم مراقبين من طرف الشرطة.( )وبذلك شهد عالم الأنترنت بالصين تخليقا أدبيا أنزل محتوى المشاكسة الرقمية بنسبة 60 في المئة عما كانت عليه قبل التحكم الأمني -الرقمي.، وبالتالي ساهم في إضعاف معارضة الحكم على شبكة الأنترنت التي كان يتنفس فيها الشعب الصيني الصعداء إلى حدود 100 في المئة، حيث أصبح المستخدمون الصينيون ممنوعون من إرسال أو حتى مناقشة محتوى ينزل منزلة تحدي النظام السياسي أو يحرض على الانفصال، أو يعزز المعتقدات الاقطاعية أو يؤدي "شرف المؤسسات الوطنية" حتى أن إحصائيات شرطة الصين لم تتحدث سوى عن خمسين شخصا من مستخدمي الأنترنت تحدوهم الرغبة في خرق القانون. أخيرا لقد بات واضحا أن طرفي المعادلة السياسية (حكومة /شعب) يعملان كلا على حدة لخلق موقع ما على خريطة النفوذ السياسي وقد تتشابه كل من السلطة السياسية والدينية بالعالم العربي في سلوك الرقابة والمصادرة إمعانا في الإحاطة المنيعة بقدسية الطابو من الانتهاك ولذلك مُنعت العديد من الكتب الورقية سابقا وما تزال من تخطي حدود الدول التي تخضع لنزعة الهاجس الأمني وبذلك فلا نستغرب منع استعمال شبكة الأنترنت في العراق السابق ولا حجم العنف السيلكوني والحجب الذي يطال مواقع الأنترنت بالمملكة العربية السعودية التي حجبت في شهر غشت من سنة 2001 وبعد سنة من تشغيل خدمة الأنترنت ما يقرب من 200 ألف موقع ، كما لا نستغرب سياسة الحجر والوصاية الالكترونية التي تختار للمشاركين عدد المواقع التي " تناسبهم" بل و التي تتناسب في حقيقة الأمر مع سياستها الداخلية.
الهوامش1- سعيد يقطين "من النص إلى النص المترابط ،مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي" المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 2005 الدار البيضاء ص" 45. 2- فيصل البعطوط موقع ميدل إيست أون لاين الرابط : http://middle-east-online.com/ 3- ذ.يحيى اليحياوي " الفجوة الرقمية الكبرى: مجلة دفاتر الاختلاف السنة الأولى ،العدد الأول شتاء 2005 الصفحة ، : 23. 4- آلفن توفلر" تحول السلطة" ترجمة د.فتحي بن شتوان وعثمان نبيل الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان مصراته 1992 ص: 29. 5- أحمد فضل شبلول" الرقابة المركزية الأمريكية والعربية على شبكة الأنترنت" http://www.arab-ewriters.com/ 6- عن موقع الركن الأخضر http://www.grenc.com