.مقدمة
تؤكد كل المؤشرات ان التحديات التي يواجهها العالم في هذا القرن الجديد هي تحديات العولمة والعولمة تعني النظام الذي تفرضه المجتمعات المتقدمة علميا وتكنولوجيا واقتصاديا على الدول المتخلفة في نفس المجالات .وهو نظام يرتكز على المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصال التي جعلت من العالم قرية متقاربة الاطراف وقد يصبح في القريب العاجل التنقل بين الكواكب امر بسيط وعادي .والامي اليوم هو من لايعرف استخدام الاجهزة المعلوماتية وبالتالي يصبح من يمتلك هذه الوسائل ويحسن استخدامها يجد مكانا له بين مجتمعات المعمورة ومن يفتقر اليها يذوب كيانه وتضمحل مقوماته.
ولا يوجد افضل من المدرسة لمواجهة هذه الحتمية او التحديات المفرضة ،لانها الركيزة التي يعتمد عليها في بناء الاجيال ومنها ينطلق كل تغيير في بناء العقول والذوات وبها ينتقل المجتمع من منطق التصنيع الى منطق العلم والمعلوماتية.ومن هنا يصبح اصلاح المنظومة التربوية اكثر من ضرورة.
ان قطاع التربية والتعليم قطاع اساسي ومرجعي ومنبع للعديد من القطاعات الاجتماعية والاقتصادية الاخرى ،واننا اينما اتجهنا في العالم نجد الدول تحاول تحسين التعليم بالعديد من الطرق والوسائل وذلك بزيادة عدد سنوات التمدرس او بتغيير المناهج والمقررات الدراسية او بتقليص عدد التلاميذ في الحجرة الدراسية او بادخال تكنولوجيا التعليم او بمنح الاستقلالية وبعض الصلاحيات لاتخاذ القرارات على مستوى المدرسة الى غيرها من الطرق والوسائل.
ان المدرسة الجزائرية، مثل أية مدرسة في العالم ، تحتاج دائما الي مراجعة واعادة النظر وتطوير وهو ما يطلق عليه عادة الاصلاح، و النفوس مُهيأة فعلا منذ سنوات طويلة لادخال تعديلات وتغييرات تتماشي مع حقائق المجتمع المتغيرة والمتطورة .
لماذا الاصلاح؟
اصبح التعليم لصيق بقضايا التنمية الشاملة ووسيلة للحراك الاجتماعي والاقتصادي ،وعلى هذا الاساس ظهر وعي في دول كثيرة بضرورة مراجعة انظمة التعليم بها ،والبحث عن اجراءات فاعلة للنهوض بهذه الانظمة ،كما ازدادت حركة انفتاح الانظمة التعليمية على التجارب الدولية الناجحة سعيا الى الاقتباس منها في بعض جوانب القوة وسمات الفعالية واسباب الكفاية والكفاءة؟،ذلك ان تجارب تجارب الدول في تطوير التعليم واصلاح شؤونه هيتجارب انسانية تتعلق ببناء البشر واعداد الفرد الى المستقبل وتمكينه من التكييف مع ذا المستقبل المجهول ومايطرحه من تحديات بل السيطرة على مفجاته ومخاطره مما يتطلب الامر تنمية قدراته وتلبية حاجياته واشباع ميوله حتى يكون قادرا على تنمية مجتمعه وتحقيق مطالبه واهدافه.
مدخلات سياسية للاصلاح الجديد
الى جانب المدخلات الاجتماعية والمدخلات الاقتصادية نقدم بعض المدخلات السياسية من باب الانصاف لمجمل العوامل التي اثرت على تبني الاصلاح الجديد.
لقد شكل التعليم أحد الأولويات الأساسية في السياسة التنموية الشاملة التي اتبعتها الدولة مباشرة بعد حصولها على استقلالها في 5 جويلية 1962.
وكرس الدستور الجزائري الصادر سنة 1963 والمواثيق والنصوص الأساسية المرجعية التي تستمد منها السياسة التعليمية التعليم كعنصر اساسي لأي تغيير اقتصادي واجتماعي.
وتشكل الأمرية رقم 76 . 35 المؤرخ في 16 أفريل 1976 أول نص تشريعي على هذا المستوى بوضعه المعالم والأسس القانونية للنظام التعليمي الجزائري وشكل الإطار التشريعي لسياسة التربية التي ترتكز على :
1-تأصيل الروح الوطنية والهوية الثقافية لدى الشعب الجزائري ونشر قيمه الروحية وتقاليده الحضارية واختياراته الأساسية.
2-تثقيف الأمة، بتعميم التعليم والقضاء على الأميـة وفتح باب التكوين أمام جميع المواطنين على اختلاف أعمارهم و مستوياتهم الاجتماعية
3-تكريس مبادئ التعريب و الديمقراطية و التوجيه العلمي و التقني.
4-ضمان الحق في التعليم و مجانيته وإلزاميته
ولان مفهوم التعليم قد تطور تطورا عميقا منذ اكثر من عقدين،بفضل البحث في تعلمية المواد،تجربة المدارس النشطة، التربية الحديثة،بداغوجية المشاريع،المقاربة التفاعلية،التعاونية والتشاورية.ومن ثم فان تعليم اليوم لا يقتصر على صب المعلومات فحسب بل يعتمد اساس على جعل التلميذ في وضعيات تحفزه وتكسبه معنى للمعرفة والعمل المدرسي. ولقد شهدت الجزائر منذ فترة جدلا حادا حول اصلاح التعليم، وذلك منذ ان اختير السيد بن زاغو رئيسا للجنة اصلاح المنظومة التربوية ،وهو يقف بين التيار الوطني والاسلامي من جهة، والتيار اليساري والعلماني من جهة اخري، وارتفعت حرارة هذا الجدل مع تقديم اللجنة تقريرها النهائي، حيث تسربت انباء عن بداية تطبيق توصياته دون مروره عبر المؤسسات الدستورية، ومناقشته في البرلمان من طرف نواب الشعب.
ويتهم اعضاء من لجنة اصلاح المنظومة التربوية، المدرسة الجزائرية بانها مصدر لتخريج الارهابيين الذين شكلوا الجماعات المسلحة التي تمارس العنف والتقتيل منذ عشر سنوات، لان مناهجها ذات طابع عتيق وديني وكتبت باللغة العربية بينما الفرنسية مصدر للحداثة والتنوير.
ويفتح تقرير بن زاغو الباب واسعا امام اعادة فرنسة المدرسة الجزائرية، من جديد بعد تعريب كل مراحلها منذ استقلال البلاد عام 1962. ويريد التقرير بقرار اداري فرض الفرنسية علي الجزائريين واقصاء الانكليزية وغيرها من اللغات الاجنبية، علي الرغم من ان الفرنسية تعاني الكثير من المشاكل، بشهادة اهلها، وحتي الفرنسيين انفسهم عندما يريدون ان يكسبوا طابع العالمية يكتبون بالانكليزية.
وهناك نظرتان متطرفتان للمنظومة التربوية في الجزائر، فهناك نظرة الجماعة التي تري ان الجيل الجزائري الحالي منكوب لان المدرسة الجزائرية، عربته واعطته قيم دينه الاسلامي، وهنالك نظرة متطرفة أخرى مقابلة لها تماما وعلي النقيض منها تري ان الجيل الجزائري منكوب لانه لم يتلق في المدرسة قيم العروبة والاسلام.
ان كلا النظرتين فيها تطرف ومبالغ فيها، فالمدرسة الجزائرية ليست بالحد ولا بالقدر الذي ارادوا ان يصوروه، وهي مدرسة جزائرية نبتت في صلب المجتمع الجزائري، واستوعبت قيم المجتمع عقيدة ولغة ودينا وحاولت ان تتخطي الصعاب لان المدرسة الجزائرية نشأت من عدم، والمدرسة التي كانت موجودة قبل الاستقلال هي مدرسة فرنسية في الجزائر، فلا الجيل الجزائري الآن منكوب بعدم اسلاميته وعروبته، ولا الجيل الجزائري منكوب الآن باسلاميته وعروبته، فكلا النظرتين فيها تطرف ومبالغة، وموضوع المدرسة الجزائرية مطروح بشكل غير صحيح، وهنالك خلط واضح في ما يقال عن واقع المدرسة الآن، فهي حاليا مدرسة معربة من السنة الاولي الابتدائية الي البكالوريا، تعلم التاريخ العربي والاسلامي والامازيغي، وتعلم التربية الاسلامية وتحفظ القرآن .
ان المعركة الحقيقية هي تطوير المدرسة الجزائرية بحيث تكون قادرة على تحقيق التقدم والتغير ولكن من منظور ثوابتها الموجودة حاليا..
. الإصلاح التربوي في الجزائر اختيار أم حتمية ؟! اد/نادية بعيبع
.لمحة وجيزة عن تطور التربية في الجزائر
لقد مر تنظيم التربية و التعليم بعد الاستقلال بفترتين أساسيتين :
الفترة الأولى (1962-1976 :
و تعتبر هذه الفترة انتقالية، حيث كان لا بد لضمان انطلاق المدرسة من الاقتصار على إدخال تحويرات انتقالية تدريجية تمهيدا لتأسيس نظام تربوي يساير التوجهات التنموية الكبرى و من أولويات هذه الفترة :
- تعميم التعليم بإقامة المنشآت التعليمية ، و توسيعها إلى المناطق النائية.
- جزأرة إطارات التعليم.
- تكييف مضامين التعليم الموروثة عن النظام التعليمي الفرنسي.
- التعريب التدريجي للتعليم .
و كان من نتيجة ذلك الارتفاع في نسب التمدرس في صفوف الأطفال الذين بلغوا سن الدراسة إذ قفزت من %20 إبان الدخول المدرسي الأول بعد الاستقلال إلى%70 في نهاية المرحلة .
الفترة الثانية (ابتداء من سنة 1976 :
بدأت هذه الفترة بصدور الأمرية رقم 76-35 المؤرخ في 16 أفريل سنة 1976 المتضمن تنظيم التربية و التكوين في الجزائر. الذي أدخل إصلاحات عميقة وجذرية على نظام التعليم في الاتجاه الذي يكون فيه أكثر تماشيا مع التحولات العميقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
و قد كرس الأمر السابق الطابع الإلزامي للتعليم الأساسي ومجانيته و تأمينه لمدة 9 سنوات، وأرسى الاختيارات و التوجهات الأساسية للتربية الوطنية من حيث اعتبارها :
- منظومة وطنية أصيلة بمضامينها و إطاراتها و برامجها.
- ديمقراطية في إتاحتها فرصا متكاملة لجميع الأطفال الجزائريين.
متفتحة على العلوم و التكنولوجية.
كما تضمن الأمر السابق نوعين من الاهداف :
أهدافا وطنية :
وتتمثل في تنمية شخصية الأطفال و المواطنين وإعدادهم للعمل و الحياة وإكسابهم المعارف العامة العلمية و التكنولوجية التي تمكنهم من الاستجابة للتطلعات الشعبية التواقة إلى العدالة و التقدم وحق المواطن الجزائري في التربية و التكوين.
أهدافا دولية :
تتجسد في منـح التربيـة التي تساعـد على التفاهـم و التعـاون بين الشعوب و صيانة السلام في العالم على أساس احـترام سيادة الأمم و تلقـين مبدأ العدالـة والمساواة بين المواطنين و الشعوب، وإعدادهم لمكافحة كل شكل من أشكال التفرقة والتمييز، و تنمية تربية تتجاوب مع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
وصار التعليم بموجب هذا الأمر مهيكلا حسب المراحل التالية :
- تعليم تحضيري غير إجباري،
- تعليم أساسي إلزامي و مجاني لمدة 9 سنوات،
- تعليم ثانوي عام،
- تعليم ثانوي تقني.
وقد شـرع في تعميم تطبيـق أحكـام هـذا الأمر ابتداء من السنة الدراسية 1980-1981، و ما يزال إلى حد الآن يشكل الإطار المرجعي لأي مشروع يستهدف إدخال تحسينات و تحويرات على النظام التعليمي.
الفترة الثالثة ابتداءا من 1999
انطلاقا من نفس المبادئ السابقة والمتمثلة في ان التعليم اجباري الزامي مجاني يقوم اصلاح 1999 على:
-الهيكلة الكلية القطاع :ان كل تجديد في المناهج والاساليب يقتضي تجديدا في الهياكل والمنسآت والوسائل تتكيف وخطط التعليم المعاصر القائم على المدرسة خارج الجدران والمدرسة بدون صفوف والمدرسة ذات المعلم الواحد والتعليم بالاساليب الميكروتقنية.
-اصلاح المناهج والبرامج :ان تبني فكرة المنهاج التربوية الجديدةعلى اساس المقاربة بالكفاءات تاتي ضمن عملية التقييم الدوري للبرامج والكتب المدرسية نشاط ضروري ومهم نظرا للتغيرات والتطورات الت تحدث في مختلف الميادين ونظرا كذلك للحاجات الجديدة التي تظهر في المجتمع والتي يجب تلبيتها من ناحية اخرى
-تكوين الاساتذة: ان التكوين الجيد للمعلم يتطلب انشاء مراكز اقليمية يمكن للمعلمين من خلالها الحصةل على الخدمات التدريبية والانشطة والممارسة في ورشات للعمل خاصة فيما يتعلق باساليب التدريس الحديثة واساليب التقويم.ان اعادة تاهيل المعلمين اثناء الخدمة يقتضي توفير الخلفية الادبيةلمختلف العلوم العلمية والانسانية حتى يتمكن هذا الاخير من امتلاك وحدة المعرفة والعمل في اطارها.
- التقويم : تبني التقويم المستمر في النظام التربوي المخصص على تنظيم اختباريين كتابيين في كل فصل ينص المنشور رقم253/0.0.6/2000
-التكفل بتدريس اللغة الامازغية
الترتيب العالمي للانظمة التعليمية ذات الاداء الافضل:
لقد توصلت مجموعة من الدراسات حول الانظمة التعليمية ذات الاداء الافضل الى ترتيب الدول كالتالي:
1-مقاطعة البرنا بكندا
2-استرليا
3-بلجيكا
4-فنلند
5-اسنغافورة
6-هنغ كونغ
7-اليابان
ملمح النظام التربوي الفعال
يحدد ملمح النظام التربوي الفعال بمجموعة من المؤشرات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصرذ:
1- الاهتمام الكبير ومنذ البداية بتكوين المكونين وبتطوير قدراتهم وتجويد مماراستهم التربوية
2-التركيز على عملية انتقاء المعلم واعتماد معايير وشروط دقيقة عند توظيفهم
2-دفع مرتبات عالية ومجزية للمعلمين
3-زيادة التوعية باهمية المعلم ودوره في التدريس
4-تحسين ورفع مستوى عملية التدريس في حد ذاتها لما له من اثر ايجابي على المعلم والمتعلم
5-تبني شعار النجاح للجميع وتوفير الاليات اللازمة لذلك كالحصص الاضافية او الاستدراكية للتلاميذ ذوي الاداء الضعيف او مايعرف ايضا ببداغوجيا الدعم
6-تعيين القائد الممتاز لان كل مدرسة ناجحة تحتاج الى قائد ومشرف واداري على مستوى عال
7-توفير اليات قياس وتقويم جيدة للمعلمين والمتعلمين التي تمكن من تحقيق الاصلاح الفعلي الذي يتضمن التعديل والتطوير والتحسين
خاتمة
للاجابة على التساؤل المطروح في بداية هذه الورقة البحثية نقول ان الاصلاح التربوي فكرة طموحة ومشروعة جدا وكل الدول سواء كانت نامية او متقدمة لها الحق في تبني ماتراه مناسبا من خطط اصلاحية تحقق لها التحسين والتطوير والتغيير
ان مدرستنا الحالية مدرسة تعاني مشاكل موضوعية وتعاني ضعفا ونقصا، ونحن في اشد الحاجة الي البحث عن علاج موضوعي ملائم لمسائل تعيشها الآن معظم المدارس ومعظم المنظومات التربوية في العالم ونحتاج في مطالع القرن الحادي والعشرين الي منظومة تربوية لا تكتفي بان تتكيف مع واقع المجتمع بل ينبغي ان تعده ذهنيا ونفسيا لتقبل التغييرات الكبري التي تحدث فيه.
ان العولمة اضحت حتمية وامر واقع نتعايش معه في حياتنا اليومية سواءا على الصعيد الاجتماعي او الاقتصادي او المعرفي او التكنولوجي
ان رفع التحدي يبقى وارد وعلى الدول النامية ان توفر الامكانيات المادية والحضارية والتكنولوجية لمسايرة ركب الحداثة.
المراجع
1-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 28-اكتوبر2000 -وزارة التربية الوطنية-الجزائر
2-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 31-جانفي2001 - وزارة التربية الوطنية-الجزائر
3-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 43 –فيفري 2002- وزارة التربية الوطنية-الجزائر
4-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 56-اكتوبر2003- وزارة التربية الوطنية-الجزائر
5-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 53-ماي جوان 2003 - وزارة التربية الوطنية-الجزائر
6-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 58 -ديسمبر 2003- وزارة التربية الوطنية-الجزائر
7-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 60 –فيفري 2004 - وزارة التربية الوطنية-الجزائر
8-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 61-مارس2004 - وزارة التربية الوطنية-الجزائر
9-Xavier roegirs présente par Boubaker benbouzid -l'aproche par competences dans l'ecole algerienne- japonaise fuds-in-trust- novembre 2006- japan.
.
تؤكد كل المؤشرات ان التحديات التي يواجهها العالم في هذا القرن الجديد هي تحديات العولمة والعولمة تعني النظام الذي تفرضه المجتمعات المتقدمة علميا وتكنولوجيا واقتصاديا على الدول المتخلفة في نفس المجالات .وهو نظام يرتكز على المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصال التي جعلت من العالم قرية متقاربة الاطراف وقد يصبح في القريب العاجل التنقل بين الكواكب امر بسيط وعادي .والامي اليوم هو من لايعرف استخدام الاجهزة المعلوماتية وبالتالي يصبح من يمتلك هذه الوسائل ويحسن استخدامها يجد مكانا له بين مجتمعات المعمورة ومن يفتقر اليها يذوب كيانه وتضمحل مقوماته.
ولا يوجد افضل من المدرسة لمواجهة هذه الحتمية او التحديات المفرضة ،لانها الركيزة التي يعتمد عليها في بناء الاجيال ومنها ينطلق كل تغيير في بناء العقول والذوات وبها ينتقل المجتمع من منطق التصنيع الى منطق العلم والمعلوماتية.ومن هنا يصبح اصلاح المنظومة التربوية اكثر من ضرورة.
ان قطاع التربية والتعليم قطاع اساسي ومرجعي ومنبع للعديد من القطاعات الاجتماعية والاقتصادية الاخرى ،واننا اينما اتجهنا في العالم نجد الدول تحاول تحسين التعليم بالعديد من الطرق والوسائل وذلك بزيادة عدد سنوات التمدرس او بتغيير المناهج والمقررات الدراسية او بتقليص عدد التلاميذ في الحجرة الدراسية او بادخال تكنولوجيا التعليم او بمنح الاستقلالية وبعض الصلاحيات لاتخاذ القرارات على مستوى المدرسة الى غيرها من الطرق والوسائل.
ان المدرسة الجزائرية، مثل أية مدرسة في العالم ، تحتاج دائما الي مراجعة واعادة النظر وتطوير وهو ما يطلق عليه عادة الاصلاح، و النفوس مُهيأة فعلا منذ سنوات طويلة لادخال تعديلات وتغييرات تتماشي مع حقائق المجتمع المتغيرة والمتطورة .
لماذا الاصلاح؟
اصبح التعليم لصيق بقضايا التنمية الشاملة ووسيلة للحراك الاجتماعي والاقتصادي ،وعلى هذا الاساس ظهر وعي في دول كثيرة بضرورة مراجعة انظمة التعليم بها ،والبحث عن اجراءات فاعلة للنهوض بهذه الانظمة ،كما ازدادت حركة انفتاح الانظمة التعليمية على التجارب الدولية الناجحة سعيا الى الاقتباس منها في بعض جوانب القوة وسمات الفعالية واسباب الكفاية والكفاءة؟،ذلك ان تجارب تجارب الدول في تطوير التعليم واصلاح شؤونه هيتجارب انسانية تتعلق ببناء البشر واعداد الفرد الى المستقبل وتمكينه من التكييف مع ذا المستقبل المجهول ومايطرحه من تحديات بل السيطرة على مفجاته ومخاطره مما يتطلب الامر تنمية قدراته وتلبية حاجياته واشباع ميوله حتى يكون قادرا على تنمية مجتمعه وتحقيق مطالبه واهدافه.
مدخلات سياسية للاصلاح الجديد
الى جانب المدخلات الاجتماعية والمدخلات الاقتصادية نقدم بعض المدخلات السياسية من باب الانصاف لمجمل العوامل التي اثرت على تبني الاصلاح الجديد.
لقد شكل التعليم أحد الأولويات الأساسية في السياسة التنموية الشاملة التي اتبعتها الدولة مباشرة بعد حصولها على استقلالها في 5 جويلية 1962.
وكرس الدستور الجزائري الصادر سنة 1963 والمواثيق والنصوص الأساسية المرجعية التي تستمد منها السياسة التعليمية التعليم كعنصر اساسي لأي تغيير اقتصادي واجتماعي.
وتشكل الأمرية رقم 76 . 35 المؤرخ في 16 أفريل 1976 أول نص تشريعي على هذا المستوى بوضعه المعالم والأسس القانونية للنظام التعليمي الجزائري وشكل الإطار التشريعي لسياسة التربية التي ترتكز على :
1-تأصيل الروح الوطنية والهوية الثقافية لدى الشعب الجزائري ونشر قيمه الروحية وتقاليده الحضارية واختياراته الأساسية.
2-تثقيف الأمة، بتعميم التعليم والقضاء على الأميـة وفتح باب التكوين أمام جميع المواطنين على اختلاف أعمارهم و مستوياتهم الاجتماعية
3-تكريس مبادئ التعريب و الديمقراطية و التوجيه العلمي و التقني.
4-ضمان الحق في التعليم و مجانيته وإلزاميته
ولان مفهوم التعليم قد تطور تطورا عميقا منذ اكثر من عقدين،بفضل البحث في تعلمية المواد،تجربة المدارس النشطة، التربية الحديثة،بداغوجية المشاريع،المقاربة التفاعلية،التعاونية والتشاورية.ومن ثم فان تعليم اليوم لا يقتصر على صب المعلومات فحسب بل يعتمد اساس على جعل التلميذ في وضعيات تحفزه وتكسبه معنى للمعرفة والعمل المدرسي. ولقد شهدت الجزائر منذ فترة جدلا حادا حول اصلاح التعليم، وذلك منذ ان اختير السيد بن زاغو رئيسا للجنة اصلاح المنظومة التربوية ،وهو يقف بين التيار الوطني والاسلامي من جهة، والتيار اليساري والعلماني من جهة اخري، وارتفعت حرارة هذا الجدل مع تقديم اللجنة تقريرها النهائي، حيث تسربت انباء عن بداية تطبيق توصياته دون مروره عبر المؤسسات الدستورية، ومناقشته في البرلمان من طرف نواب الشعب.
ويتهم اعضاء من لجنة اصلاح المنظومة التربوية، المدرسة الجزائرية بانها مصدر لتخريج الارهابيين الذين شكلوا الجماعات المسلحة التي تمارس العنف والتقتيل منذ عشر سنوات، لان مناهجها ذات طابع عتيق وديني وكتبت باللغة العربية بينما الفرنسية مصدر للحداثة والتنوير.
ويفتح تقرير بن زاغو الباب واسعا امام اعادة فرنسة المدرسة الجزائرية، من جديد بعد تعريب كل مراحلها منذ استقلال البلاد عام 1962. ويريد التقرير بقرار اداري فرض الفرنسية علي الجزائريين واقصاء الانكليزية وغيرها من اللغات الاجنبية، علي الرغم من ان الفرنسية تعاني الكثير من المشاكل، بشهادة اهلها، وحتي الفرنسيين انفسهم عندما يريدون ان يكسبوا طابع العالمية يكتبون بالانكليزية.
وهناك نظرتان متطرفتان للمنظومة التربوية في الجزائر، فهناك نظرة الجماعة التي تري ان الجيل الجزائري الحالي منكوب لان المدرسة الجزائرية، عربته واعطته قيم دينه الاسلامي، وهنالك نظرة متطرفة أخرى مقابلة لها تماما وعلي النقيض منها تري ان الجيل الجزائري منكوب لانه لم يتلق في المدرسة قيم العروبة والاسلام.
ان كلا النظرتين فيها تطرف ومبالغ فيها، فالمدرسة الجزائرية ليست بالحد ولا بالقدر الذي ارادوا ان يصوروه، وهي مدرسة جزائرية نبتت في صلب المجتمع الجزائري، واستوعبت قيم المجتمع عقيدة ولغة ودينا وحاولت ان تتخطي الصعاب لان المدرسة الجزائرية نشأت من عدم، والمدرسة التي كانت موجودة قبل الاستقلال هي مدرسة فرنسية في الجزائر، فلا الجيل الجزائري الآن منكوب بعدم اسلاميته وعروبته، ولا الجيل الجزائري منكوب الآن باسلاميته وعروبته، فكلا النظرتين فيها تطرف ومبالغة، وموضوع المدرسة الجزائرية مطروح بشكل غير صحيح، وهنالك خلط واضح في ما يقال عن واقع المدرسة الآن، فهي حاليا مدرسة معربة من السنة الاولي الابتدائية الي البكالوريا، تعلم التاريخ العربي والاسلامي والامازيغي، وتعلم التربية الاسلامية وتحفظ القرآن .
ان المعركة الحقيقية هي تطوير المدرسة الجزائرية بحيث تكون قادرة على تحقيق التقدم والتغير ولكن من منظور ثوابتها الموجودة حاليا..
. الإصلاح التربوي في الجزائر اختيار أم حتمية ؟! اد/نادية بعيبع
.لمحة وجيزة عن تطور التربية في الجزائر
لقد مر تنظيم التربية و التعليم بعد الاستقلال بفترتين أساسيتين :
الفترة الأولى (1962-1976 :
و تعتبر هذه الفترة انتقالية، حيث كان لا بد لضمان انطلاق المدرسة من الاقتصار على إدخال تحويرات انتقالية تدريجية تمهيدا لتأسيس نظام تربوي يساير التوجهات التنموية الكبرى و من أولويات هذه الفترة :
- تعميم التعليم بإقامة المنشآت التعليمية ، و توسيعها إلى المناطق النائية.
- جزأرة إطارات التعليم.
- تكييف مضامين التعليم الموروثة عن النظام التعليمي الفرنسي.
- التعريب التدريجي للتعليم .
و كان من نتيجة ذلك الارتفاع في نسب التمدرس في صفوف الأطفال الذين بلغوا سن الدراسة إذ قفزت من %20 إبان الدخول المدرسي الأول بعد الاستقلال إلى%70 في نهاية المرحلة .
الفترة الثانية (ابتداء من سنة 1976 :
بدأت هذه الفترة بصدور الأمرية رقم 76-35 المؤرخ في 16 أفريل سنة 1976 المتضمن تنظيم التربية و التكوين في الجزائر. الذي أدخل إصلاحات عميقة وجذرية على نظام التعليم في الاتجاه الذي يكون فيه أكثر تماشيا مع التحولات العميقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
و قد كرس الأمر السابق الطابع الإلزامي للتعليم الأساسي ومجانيته و تأمينه لمدة 9 سنوات، وأرسى الاختيارات و التوجهات الأساسية للتربية الوطنية من حيث اعتبارها :
- منظومة وطنية أصيلة بمضامينها و إطاراتها و برامجها.
- ديمقراطية في إتاحتها فرصا متكاملة لجميع الأطفال الجزائريين.
متفتحة على العلوم و التكنولوجية.
كما تضمن الأمر السابق نوعين من الاهداف :
أهدافا وطنية :
وتتمثل في تنمية شخصية الأطفال و المواطنين وإعدادهم للعمل و الحياة وإكسابهم المعارف العامة العلمية و التكنولوجية التي تمكنهم من الاستجابة للتطلعات الشعبية التواقة إلى العدالة و التقدم وحق المواطن الجزائري في التربية و التكوين.
أهدافا دولية :
تتجسد في منـح التربيـة التي تساعـد على التفاهـم و التعـاون بين الشعوب و صيانة السلام في العالم على أساس احـترام سيادة الأمم و تلقـين مبدأ العدالـة والمساواة بين المواطنين و الشعوب، وإعدادهم لمكافحة كل شكل من أشكال التفرقة والتمييز، و تنمية تربية تتجاوب مع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
وصار التعليم بموجب هذا الأمر مهيكلا حسب المراحل التالية :
- تعليم تحضيري غير إجباري،
- تعليم أساسي إلزامي و مجاني لمدة 9 سنوات،
- تعليم ثانوي عام،
- تعليم ثانوي تقني.
وقد شـرع في تعميم تطبيـق أحكـام هـذا الأمر ابتداء من السنة الدراسية 1980-1981، و ما يزال إلى حد الآن يشكل الإطار المرجعي لأي مشروع يستهدف إدخال تحسينات و تحويرات على النظام التعليمي.
الفترة الثالثة ابتداءا من 1999
انطلاقا من نفس المبادئ السابقة والمتمثلة في ان التعليم اجباري الزامي مجاني يقوم اصلاح 1999 على:
-الهيكلة الكلية القطاع :ان كل تجديد في المناهج والاساليب يقتضي تجديدا في الهياكل والمنسآت والوسائل تتكيف وخطط التعليم المعاصر القائم على المدرسة خارج الجدران والمدرسة بدون صفوف والمدرسة ذات المعلم الواحد والتعليم بالاساليب الميكروتقنية.
-اصلاح المناهج والبرامج :ان تبني فكرة المنهاج التربوية الجديدةعلى اساس المقاربة بالكفاءات تاتي ضمن عملية التقييم الدوري للبرامج والكتب المدرسية نشاط ضروري ومهم نظرا للتغيرات والتطورات الت تحدث في مختلف الميادين ونظرا كذلك للحاجات الجديدة التي تظهر في المجتمع والتي يجب تلبيتها من ناحية اخرى
-تكوين الاساتذة: ان التكوين الجيد للمعلم يتطلب انشاء مراكز اقليمية يمكن للمعلمين من خلالها الحصةل على الخدمات التدريبية والانشطة والممارسة في ورشات للعمل خاصة فيما يتعلق باساليب التدريس الحديثة واساليب التقويم.ان اعادة تاهيل المعلمين اثناء الخدمة يقتضي توفير الخلفية الادبيةلمختلف العلوم العلمية والانسانية حتى يتمكن هذا الاخير من امتلاك وحدة المعرفة والعمل في اطارها.
- التقويم : تبني التقويم المستمر في النظام التربوي المخصص على تنظيم اختباريين كتابيين في كل فصل ينص المنشور رقم253/0.0.6/2000
-التكفل بتدريس اللغة الامازغية
الترتيب العالمي للانظمة التعليمية ذات الاداء الافضل:
لقد توصلت مجموعة من الدراسات حول الانظمة التعليمية ذات الاداء الافضل الى ترتيب الدول كالتالي:
1-مقاطعة البرنا بكندا
2-استرليا
3-بلجيكا
4-فنلند
5-اسنغافورة
6-هنغ كونغ
7-اليابان
ملمح النظام التربوي الفعال
يحدد ملمح النظام التربوي الفعال بمجموعة من المؤشرات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصرذ:
1- الاهتمام الكبير ومنذ البداية بتكوين المكونين وبتطوير قدراتهم وتجويد مماراستهم التربوية
2-التركيز على عملية انتقاء المعلم واعتماد معايير وشروط دقيقة عند توظيفهم
2-دفع مرتبات عالية ومجزية للمعلمين
3-زيادة التوعية باهمية المعلم ودوره في التدريس
4-تحسين ورفع مستوى عملية التدريس في حد ذاتها لما له من اثر ايجابي على المعلم والمتعلم
5-تبني شعار النجاح للجميع وتوفير الاليات اللازمة لذلك كالحصص الاضافية او الاستدراكية للتلاميذ ذوي الاداء الضعيف او مايعرف ايضا ببداغوجيا الدعم
6-تعيين القائد الممتاز لان كل مدرسة ناجحة تحتاج الى قائد ومشرف واداري على مستوى عال
7-توفير اليات قياس وتقويم جيدة للمعلمين والمتعلمين التي تمكن من تحقيق الاصلاح الفعلي الذي يتضمن التعديل والتطوير والتحسين
خاتمة
للاجابة على التساؤل المطروح في بداية هذه الورقة البحثية نقول ان الاصلاح التربوي فكرة طموحة ومشروعة جدا وكل الدول سواء كانت نامية او متقدمة لها الحق في تبني ماتراه مناسبا من خطط اصلاحية تحقق لها التحسين والتطوير والتغيير
ان مدرستنا الحالية مدرسة تعاني مشاكل موضوعية وتعاني ضعفا ونقصا، ونحن في اشد الحاجة الي البحث عن علاج موضوعي ملائم لمسائل تعيشها الآن معظم المدارس ومعظم المنظومات التربوية في العالم ونحتاج في مطالع القرن الحادي والعشرين الي منظومة تربوية لا تكتفي بان تتكيف مع واقع المجتمع بل ينبغي ان تعده ذهنيا ونفسيا لتقبل التغييرات الكبري التي تحدث فيه.
ان العولمة اضحت حتمية وامر واقع نتعايش معه في حياتنا اليومية سواءا على الصعيد الاجتماعي او الاقتصادي او المعرفي او التكنولوجي
ان رفع التحدي يبقى وارد وعلى الدول النامية ان توفر الامكانيات المادية والحضارية والتكنولوجية لمسايرة ركب الحداثة.
المراجع
1-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 28-اكتوبر2000 -وزارة التربية الوطنية-الجزائر
2-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 31-جانفي2001 - وزارة التربية الوطنية-الجزائر
3-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 43 –فيفري 2002- وزارة التربية الوطنية-الجزائر
4-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 56-اكتوبر2003- وزارة التربية الوطنية-الجزائر
5-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 53-ماي جوان 2003 - وزارة التربية الوطنية-الجزائر
6-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 58 -ديسمبر 2003- وزارة التربية الوطنية-الجزائر
7-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 60 –فيفري 2004 - وزارة التربية الوطنية-الجزائر
8-نافذة على التربية-نشرة اعلامية يصدرها المركز الوطني للوثائق التربوية –العدد 61-مارس2004 - وزارة التربية الوطنية-الجزائر
9-Xavier roegirs présente par Boubaker benbouzid -l'aproche par competences dans l'ecole algerienne- japonaise fuds-in-trust- novembre 2006- japan.
.