مفاهيم التعليمية
مقدمة:
منذ تطور العلوم وتقدم الصناعات، أصبح الاهتمام بالنوعية وتحسين المردود صناعيا كان أم تربويا من اهتمام الباحثين في مختلف المجالات، و تأثر قطاع التربية كمثيله من القطاعات الأخرى (الاقتصادية و الصناعية …) بمفاهيم جديدة مسايرة للعصرنة، مع التركيز على الفعالية و العلمية و الموضوعية ، فأصبح ينظر لقطاع التعليم على أنه مؤسسة لاستثمار و إنتاج العنصر البشري ، و بدأ الاهتمام ينصب على كيف نكّون تلاميذ فعالين؟ وكيف نطبق أحسن الطرق و الوسائل من أجل هذا التلميذ الفعال ؟ و كيف نحقق الغايات و الأهداف ؟
ففي مجال التربية أصبح الاهتمام ينصب ليس على شحن الأذهان بالمعلومات والمعارف وتكوين تلاميذ "موسوعة" ، بل بدأ التركيز على كيفية تجاوز هذا الجانب إلى تمكين المتعلم من التفكير وحل المشكلات، وهذا الأمر جعله شخصا نشطا في الفعل التربوي، من هنا بدأت القفزة النوعية التي عرفتها مجالات التربية، وتطورت المفاهيم لتصبح أكثر دقة وعلمية، فمن التربية العامة إلى التربية الخاصة،ومن التربية (Education) إلى علوم التربية (Science de l’éducation) ومنها إلى البيداغوجيا الحديثة ، التي جعلت من التلميذ محور اهتمامها وركزت على نشاطه لتسهل التعلم (أنظر المدرسة الفعالة أو النشيطة (l école active) (1).
فتغير نظرتنا لمرحلة الطفولة قد أثر على الطريقة التي يتبعها المعلم في تصميمه للمرافق التعليمية داخل الفصل الدراسي.و كمثال لذلك فإن اعترافنا بالفروق الفردية و بأهميتها، قد أدى إلى إدراك أهمية تقديم المساعدة الفردية للتلاميذ كأحد البدائل التي يمكن استخدامها في التدريس، كما أن تغير نظرتنا لنمو الأطفال و تغير اتجاهاتنا نحو الصغار، قد أدى إلى ظهور طرق جديدة في التعلم.
فلم يعد التلميذ كائنا سلبيا متلقيا للمعلومات، بل أنه أصبح إيجابيا مشاركا في عمليات التعلم. (دنيس تشايلد ، 1983،ص372)
وبين هذا وذاك استعملت عدة اصطلاحات تداولها المربون والمختصون في علم النفس وعلوم التربية، ومن هذه المصطلحات نجد مصطلح التعليمية (Didactique ) الذي أصبحنا لا نقرأ مقالا عن التربية أو التعليم إلا ونجده ضمن المفاهيم الأساسية والمتداولة. فما معنى مصطلح التعليمية؟ ما هو الفرق بينه وبين البيداغوجيا ؟ ما هي أهم المفاهيم التي تستعملها التعليمية ؟
الديداكتيك (التعليمية) تطرح مشاكل معرفية (ابستمولوجية)(2) منها ما يرتبط بدلالة المصطلح، بينما يعود بعضها الآخر إلى المنزلة التي تحتلها أو التي ينبغي أن تحتلها في حقل المعرفة التربوية.
فقد عبر غاليسون (Galisson) في قاموسه 1976 عن وضعية التعليمية بقوله: من بين جميع المصطلحات الخاصة بالتعليم، تعد التعليمية (La didactique) الأكثر غموضا وإثارة الجدل.
وهذا الوصف للوضعية الغامضة لعلم التدريس Didactique ينطبق أساسا على فرنسا، فإذا ما رجعنا إلى صنافة ميلادي (Mialaret) نجد أن هناك غياب لهذا التخصص، أو على الأقل تهميشه، وهو غياب يشمل التقليد التربوي الفرنسي برمته، ولا يظهر في الأدبيات التربوية إلا باعتباره صفة دون أن يكون مصطلحا للدلالة على علم مستقل، في حين أن الديداكتيك في البلاد الأخرى مثل البلدان الجرمانية والأنجلوسكسونية على وجه الخصوص حظي بمنزلة متميزة ضمن الهياكل التعليمية الجامعية، وضمن الإنتاج العلمي .
هكذا فإن الديداكتيك حسب دولانشير(Delandsheere) تعني بالنسبة لمعظم المربين الفرنسيين طريقة في التدريس، وعلى وجه التحديد الطريقة الخاصة بتدريس مادة معينة أو مجموعة من المواد المتقاربة، مثل ديداكتيك اللغات الحية.
ويمكن أن نلاحظ نفس الوضعية المركبة لهذا العلم في العديد من الدول العربية، أو على الأقل غياب الوعي باستقلاله ووحدة موضوعه، فهو إما موضوع ضمن مقرر التربية العامة، أويتم اختزاله إما في "طرق التدريس" أو في "أصوله"، كما هو الأمر في السودان ومصر والسعودية على سبيل المثال. (محمد الدريج، 2000، ص.ص21-23).
بهذا يمكن أن نلخص ما سبق، ونقول أن الغموض الذي تعتريه التعليمية يرجع:
أولا:
لأن المصطلح قليل الشيوع في فرنسا ، بينما نجده شائعا في البلدان المجاورة لها ، وفي كندا نجده بمعان مختلفة مما يساهم في تشويش محتوياته.
ثانيا:
لأن التعليمية تدعو إلى إنشاء تخصص جديد ، وتبحث عن حصر لموضوعه في نقطة تقع بين التخصصات والمجالات المعروفة ، وفي بعض الدول تعتبر التعليمية مرادفا لمادة ترتبـط بعلم النفس وعلم اللغة (إيطاليا-سويسرا) ، وفي دول أخرى ، فإننا لا نميز بين التعليمية والبيداغوجيا (عبد الله قلي، التعليمية العامة والتعليمية الخاصة، عن مجلة المبرز، العدد 16 ،2002 ،ص117).
تطور مفهوم التعليمية:
لابد من الإشارة إلى أننا نجد في اللغة العربية عدة مصطلحات مقابلة للمصطلح الأجنبي الواحد، ولعل ذلك يرجع إلى تعدد مناهل الترجمة، وكذلك إلى ظاهرة الترادف في اللغة العربية، وحتى في لغة المصطلح الأصلية، إذا ترجم إلى لغة أخرى نقل الترادف إليها من ذلك: تعدد المصطلحات المستقاة من الإنجليزية في شقيها البريطاني والأمريكي، والشواهد على هذه الظاهرة كثيرة في العربية سواء تعلق الأمر بالإنجليزية أم بالفرنسية، وهما اللغتان اللتان يأخذ منهما الفكر العربي المعاصر على تنوع خطاباته والمعارف المتعلقة به، منها مصطلح (Didactique ) الذي يقابله في اللغة العربية عدة ألفاظ .
تعليمية تعليميات علم التدريس علم التعليم التدريسية الديداكتيك
تتفاوت هذه المصطلحات في الاستعمال، ففي الوقت الذي اختار بعض الباحثين استعمال "ديداكتيك" تجنبا لأي لبس في مفهوم المصطلح، نجد باحثين آخرين يستعملون علم التدريس، وعلم التعليم، وباحثين آخرين لكنهم قلائل يستعملون مصطلح تعليميات، أما مصطلح تدريسية، فهو استعمال عراقي غير شائع (مجلة الفيصل، ص42-43)
كلمة تعليمية(Didactique) اصطلاح قديم جديد ، قديم حيث استخدم في الأدبيات التربوية منذ بداية القرن 17 ، وهو جديد بالنظر إلى الدلالات التي ما انفك يكتسبها حتى وقتنا الراهن ، وفيما سيأتي نحاول تتبع التطور التاريخي لهذا المصطلح بداية من الاشتقاق اللغوي وصولا إلى الاستخدام الاصطلاحي .
يقول حنفي بن عيسى، كلمة تعليمية في اللغة العربية مصدر صناعي لكلمة تعليم ، وهذه الأخيرة مشتقة من علّم أي وضع علامة أو سمة من السمات للدلالة على الشيء دون إحضاره.
أما في اللغة الفرنسية فإن كلمة (Didactique) صفة اشتقت من الأصل اليوناني (Didaktikos)
وتعني فلنتعلم أي يعلم بعضنا بعضا، و(Didaskein) تعني التعليم ، وقد استخدمت هذه الكلمة في علم التربية أول مرةسنة 1613 من قبل كل من كشوف هيلفج (K. Helwig) وراتيش و(Ratich w.) في بحثهم حول نشاطات راتيش التعليمية، وقد استخدموا هذا المصطلح كمرادف لفن التعليم، وكانت تعني عندهم نوعا من المعارف التطبيقية و الخبرات، كما استخدمه كامنيسكي (Kamensky) سنة 1657 في كتابه "الديداكتيكا الكبرى" ، حيث يقول أنه يعرفنا بالفن العام للتعليم في جميع مختلف المواد التعليمية، ويضيف بأنها ليست فن فقط التعليم بل للتربية أيضا.
واستمر مفهوم التعليمية كفن للتعليم إلى أوائل القرن 19 حيث ظهر الفيلسوف الألماني فردريك هيرببارت(FHerbert 1770-1841)،الذي وضع الأسس العلمية للتعليمية كنظرية للتعليم ، تستهدف تربية الفرد ، فهي نظرية تخص النشاطات المتعلقة بالتعليم فقط ، أي كل ما يقوم به المعلم من نشاط ، فاهتم بذلك الهربرتيون بصورة أساسية بالأساليب الضرورية لتزويد المتعلمين بالمعارف، واعتبروا الوظيفة الأساسية للتعليمية هي تحليل نشاطات المعلم في المدرسة.
وفي القرن 19 وبداية القرن 20 ظهر تيار التربية الجديدة بزعامة جون ديوي(J. Dewey 1952-1959)، وقد أكد هذا التيار على أهمية النشاط الحي والفعال للمتعلم في العملية التعليمية واعتبروا بهذا التعليمية نظرية للتعلم (3) لا للتعليم
(عبد الله قلي، المرجع السابق، ص117-118).
ورغبة منا في شرح أكثر لمفهوم التعليمية ، نحاول في الفقرة الموالية ذكر التعاريف التي جاء بها بعض العلماء حول هذا المصطلح .
*الديداكتيك شق من البيداغوجيا موضوعه التدريس، وقد استخدمه لالاند 1988 (Lalande) كمرادف للبيداغوجيا أوللتعليم (معجم علوم التربية، مصطلحات البيداغوجيا و الديداكتيك، 1994، ط1، ص68).
*كما أن الديداكتيك علم تطبيقي موضوعه تحضير وتجريب استراتيجيات بيداغوجية لتسهيل إنجاز المشاريع، فهي علم تطبيقي يهدف لتحقيق هدف عملي لا يتم إلا بالاستعانة بالعلوم الأخرى كالسوسيولوجيا، والسيكولوجيا، والإبستمولوجيا، فهي علم إنساني مطبق موضوعه إعداد وتجريب وتقديم وتصحيح الاستراتيجيات البيداغوجية التي تتيح بلوغ الأهداف العامة والنوعية للأنظمة التربوية (Legendre R. 1988) (معجم علوم التربية، المرجع نفسه، ص69)
* فالديداكتيك نهج أو أسلوب معين لتحليل الظواهر التعليمية(Devolay M. 1991 & Lacomb M. 1968) فهو الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها المتربي لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حركي، كما تصب الدراسات الديداكتيكية على الوضعيات العلمية التي يلعب فيها المتعلم الدور الأساسي ، بمعنى أن دور المعلم هو تسهيل عملية تعلم التلميذ، بتصنيف المادة التعليمية بما يلائم حاجات المتعلم، وتحديد الطريقة الملائمة لتعلمه مع تحضير الأدوات المساعدة على هذا التعلم ، وهذه العملية ليست بالسهلة، إذ تتطلب مصادر معرفية متنوعة كالسيكولوجيا لمعرفة الطفل وحاجاته، و البيداغوجيا لاختيار الطرق الملائمة، وينبغي أن يقود هذا إلى تحقيق أهداف على مستوى السلوك، أي أن تتجلى نتائج التعلم على مستوى المعارف العقلية التي يكتسبها المتعلم وعلى مستوى المهارات الحسية التي تتجلى في الفنون والرياضيات وعلى المستوى الوجداني (Lavallé) (معجم علوم التربية، المرجع السابق، ص68-69 )
نستخلص من هذه التعاريف أن الديداكتيك تهتم بكل ما هو تعليمي تعلمي، أي كيف يعلم الأستاذ مع التركيز على:
كيف يتعلم التلميذ؟ ودراسة كيفية تسهيل عملية التعلم، وجعلها ممكنة لأكبر فئة، ثم اتخاذ الإجراءات المناسبة لفئة التلاميذ ذوي صعوبات في التعليم، وبالتالي فهي دراسة التفاعل التعليمي.
يمكن لنا أن نستعين بشكل وضعه (René Richterich) (4) لتفسير العملية التعليمية إذ يقول أنها عملية تفاعلية من خلال: متعلمون في علاقة مع معلم لكي يتعلموا محتويات داخل إطار مؤسسة من أجل تحقيق أهداف عن طريق أنشطة وبمساعدة وسائل تمكن من بلوغ النتائج. (عبد المؤمن يعقوبي، 1996، ص 22).
فالتعليمية بهذا تقنية شائعة، تعني تحديد طريقة ملائمة أو مناسبة للإقناع أو لإيصال المعرفة
(علي شريف بن حليمة ،تعليمية المواد العلمية،مجلة همزة وصل، ، عدد خاص، 1992، ص21) ، فهي كتخصص تجعل موضوعها مختصرا على الجوانب المتعلقة بتبليغ مضمون معين، بينما تكون الجوانب النفسية الاجتماعية من اهتمام علوم التربية.
(عبد المجيد بن الصغير ، لمحة عن تعليمية المواد ،مجلة همزة وصل، المرجع السابق، ص46)
وككل علم من العلوم انفردت التعليمية بمفاهيم خاصة بها، تستعملها كمفاتيح لتفسير مجال بحثها وحدوده رغم صلتها الوطيدة بالعلوم الأخرى، كعلوم التربية و البيداغوجيا وعلم النفس.
مفاهيم التعليمية:
إن قائمة المفاهيم التي سوف نعرضها هنا لا تغطي كل مجالات البحث عن التعليمية، لكننا اقتصرنا على أكثر المفاهيم شيوعا واستعمالا في مجالاتها.
لعقد الديداكتيكي
التصور- الإدراك
مستوى صياغة المفهوم
الهدف- العائق
الصراع الاجتماعي المعرفي
الوضعية المشكلة
البيئة المفاهيمية
النموذج الديداكتيكي
النقلة الديداكتيكية
1.2/العقد الديداكتيكي: (le contrat Didactique)
فرض هذا المفهوم نفسه من خلال أعمال بروسو (G. Brousseau 1986-1990)، وهو يشير إلى التفاعلات الشعورية واللاشعورية التي تكون بين المعلم والمتعلم، ولم يخلق هذا المفهوم من العدم، بل جاء نتيجة لمفاهيم سابقة كالحوار التربوي(Dialogue éducatif)،والاتفاق التربوي(Transaction éducatif)،والعقد البيداغوجي(Le contratpédagogique).
وقد وصف بوستيك Postic 1979 (الحوار التربوي بعدم التماثل والتوازن بين عناصره (المعلم والمتعلم)،لأن المعلم هو المتحكم في المعرفة، بينما قد يكون المتعلم جاهلا لها وإن فهمها ، فإن فيها الكثير من الغموض، ويرجع عدم التوازن هذا إلى وضعية الأستاذ الذي يتصرف حسب التصور الذي يملكه عن التلميذ، وإن كان من المستحسن تنظيم العلاقة بالانطلاق من تساؤلات التلميذ الذي يفترض أن يأخذ المبادرة في الحوار.
وفي أمريكا –في الستينات- أدخل برادفورد1961 (Bradford ) لفظ العقد التربوي للتعبير عن الوجهة الاقتصادية لهذا المصطلح، مؤكدا على أن هذه العلاقة البيداغوجية ، ترتكز على الإدراك والتقويم والاستغلال الأقصى لثروات كل أعضائها، مع ضرورة الاستعانة بالتقنيات اللازمة لتحليل الاتصال لضمان السير الحسن للحوار بهدف الوصول لعقلنة العلاقة البيداغوجية .
أما في فرنسا فقد رجعت فيلو ج.(Jeanine Filloux 1973- (1974) الى الإشكالية الأنجلوسكسونية ، واقترحت مفهوم "العقد التربوي"، والذي تعبر به عن مجموع المعايير(Normes)،التي تربط علاقة المعلم بتلاميذه في القسم، إذ أن التلاميذ بحكم تعايشهم مع المعلم، يتصرفون وفق المعايير التي يعرفونها عن معلمهم ويخضعون لمطالبه، لهذا فإننا نجد أن بعض الأقسام "حيوية" وتشارك، وبعضها الآخر غير حيوي.
إن تحليلات فيلو ج.(J. Filloux) توضح ميكانيزمات التنظيم أو الضبط (Régulation)، التي تمكن من السير الحسن للفعل التربوي(L’action pédagogique)،مع التحكم في العراقيل ومصادر الصراع، بصفة عامة فإن التلاميذ يقبلون المعايير التي يفرضها المعلم (طريقة العمل، التقييم، العلاقة داخل القسم)، ويتنازلون عن رغباتهم الخاصة، إذا أدركوا أن هذا سوف يؤدي إلى نجاحهم.
وقد أكدت الدراسات الأخيرة حول العقد الديداكتيكي لبروسو 1986 وجوزيا 1988 (Brousseau, Joshua) عما يربط علاقة المعلم والمتعلم، إضافة إلى المعرفة، ووجدت أن هناك رابط آخر بينهما، وهو ما يعرف بالعادات والتوقعات، أو الواجبات الاجتماعية وهو ما يمكن وصفه "بالعقد الثقافي" بلاشيف (Balacheff) 1988 )، فعلى سبيل المثال إذا قام أستاذ الرياضيات بسرد أحداث فيلم، أو مباراة كرة القدم بدلا من شرح الدرس، فإنه يكون هنا قد اقدم على فسخ العقد الذي يربطه بالتلاميذ، فالعقد الثقافي هنا يضبط علاقة المعلم بالمتعلم، والذي من خلاله يصبح العقد الديداكتيكي يهدف إلى المعرفة والتعلم لا غير.
كما أن بر وسو ركز على علاقة المعلم بالمتعلم وسلوكا تهم تجاه بعضهم البعض، فالتلاميذ عليهم أن يتدخلوا في مشروع الأستاذ، وهذا الأخير عليه أن يهيئ كل الشروط اللازمة للتعلم، وعليه أن يلتزم بقواعد هذا العقد وأن لا يتخطاها، فإذا ساعد المعلم تلاميذه أثناء الامتحان أو سهله لهم أو سمح باستعمال المعجم على غير المعتاد –حتى ينجحوا- هنا يمكن أن نقول أنه أبطل العقد الديداكتيكي .
فالتفكير في العقد الديداكتيكي يبعد التأويلات العاطفية ، ويصحح الأخطاء ، ويجعل المعلم يفكر في الطرق التي يستعملها. (L’aurance cornu, 1992, P 46-48)
فعلى مستوى القسم إذا العقد الديداكتيكي عبارة عن كل ما ينتظره المعلم من المتعلم ، و المتعلم من المعلم فيما يخص اكتساب المعرفة ، فهو يمثل كل ما يجب أن يقوم به كل واحد منهما، و قد تحدث جونار 1991-1992 (Jonnaert) عن المثلث الديداكتيكي الذي يربط علاقة المعلم والمتعلم و المعرفة ، فمن حق التلاميذ أن يقوم المعلم بتقييم ما تعلموه و يقدم لهم العون اللازم لتسهيل التعلم ، والمعلم من جهته ينتظر منهم الاحترام و الإصغاء أثناء الدرس.
(Michel Minder, ibid, pp18.19)
هكذا يمكن القول أن العقد الديداكتيكي يعمر عن كل ما يربط المعلم بالمتعلم في الموقف التعليمي من ضبط للمعرفة ومن احترام لشروط العقد لكلا الطرفين حتى نضمن عملية التعلم التي يسعى إليها النظام التعليمي.
(تابع)
مقدمة:
منذ تطور العلوم وتقدم الصناعات، أصبح الاهتمام بالنوعية وتحسين المردود صناعيا كان أم تربويا من اهتمام الباحثين في مختلف المجالات، و تأثر قطاع التربية كمثيله من القطاعات الأخرى (الاقتصادية و الصناعية …) بمفاهيم جديدة مسايرة للعصرنة، مع التركيز على الفعالية و العلمية و الموضوعية ، فأصبح ينظر لقطاع التعليم على أنه مؤسسة لاستثمار و إنتاج العنصر البشري ، و بدأ الاهتمام ينصب على كيف نكّون تلاميذ فعالين؟ وكيف نطبق أحسن الطرق و الوسائل من أجل هذا التلميذ الفعال ؟ و كيف نحقق الغايات و الأهداف ؟
ففي مجال التربية أصبح الاهتمام ينصب ليس على شحن الأذهان بالمعلومات والمعارف وتكوين تلاميذ "موسوعة" ، بل بدأ التركيز على كيفية تجاوز هذا الجانب إلى تمكين المتعلم من التفكير وحل المشكلات، وهذا الأمر جعله شخصا نشطا في الفعل التربوي، من هنا بدأت القفزة النوعية التي عرفتها مجالات التربية، وتطورت المفاهيم لتصبح أكثر دقة وعلمية، فمن التربية العامة إلى التربية الخاصة،ومن التربية (Education) إلى علوم التربية (Science de l’éducation) ومنها إلى البيداغوجيا الحديثة ، التي جعلت من التلميذ محور اهتمامها وركزت على نشاطه لتسهل التعلم (أنظر المدرسة الفعالة أو النشيطة (l école active) (1).
فتغير نظرتنا لمرحلة الطفولة قد أثر على الطريقة التي يتبعها المعلم في تصميمه للمرافق التعليمية داخل الفصل الدراسي.و كمثال لذلك فإن اعترافنا بالفروق الفردية و بأهميتها، قد أدى إلى إدراك أهمية تقديم المساعدة الفردية للتلاميذ كأحد البدائل التي يمكن استخدامها في التدريس، كما أن تغير نظرتنا لنمو الأطفال و تغير اتجاهاتنا نحو الصغار، قد أدى إلى ظهور طرق جديدة في التعلم.
فلم يعد التلميذ كائنا سلبيا متلقيا للمعلومات، بل أنه أصبح إيجابيا مشاركا في عمليات التعلم. (دنيس تشايلد ، 1983،ص372)
وبين هذا وذاك استعملت عدة اصطلاحات تداولها المربون والمختصون في علم النفس وعلوم التربية، ومن هذه المصطلحات نجد مصطلح التعليمية (Didactique ) الذي أصبحنا لا نقرأ مقالا عن التربية أو التعليم إلا ونجده ضمن المفاهيم الأساسية والمتداولة. فما معنى مصطلح التعليمية؟ ما هو الفرق بينه وبين البيداغوجيا ؟ ما هي أهم المفاهيم التي تستعملها التعليمية ؟
الديداكتيك (التعليمية) تطرح مشاكل معرفية (ابستمولوجية)(2) منها ما يرتبط بدلالة المصطلح، بينما يعود بعضها الآخر إلى المنزلة التي تحتلها أو التي ينبغي أن تحتلها في حقل المعرفة التربوية.
فقد عبر غاليسون (Galisson) في قاموسه 1976 عن وضعية التعليمية بقوله: من بين جميع المصطلحات الخاصة بالتعليم، تعد التعليمية (La didactique) الأكثر غموضا وإثارة الجدل.
وهذا الوصف للوضعية الغامضة لعلم التدريس Didactique ينطبق أساسا على فرنسا، فإذا ما رجعنا إلى صنافة ميلادي (Mialaret) نجد أن هناك غياب لهذا التخصص، أو على الأقل تهميشه، وهو غياب يشمل التقليد التربوي الفرنسي برمته، ولا يظهر في الأدبيات التربوية إلا باعتباره صفة دون أن يكون مصطلحا للدلالة على علم مستقل، في حين أن الديداكتيك في البلاد الأخرى مثل البلدان الجرمانية والأنجلوسكسونية على وجه الخصوص حظي بمنزلة متميزة ضمن الهياكل التعليمية الجامعية، وضمن الإنتاج العلمي .
هكذا فإن الديداكتيك حسب دولانشير(Delandsheere) تعني بالنسبة لمعظم المربين الفرنسيين طريقة في التدريس، وعلى وجه التحديد الطريقة الخاصة بتدريس مادة معينة أو مجموعة من المواد المتقاربة، مثل ديداكتيك اللغات الحية.
ويمكن أن نلاحظ نفس الوضعية المركبة لهذا العلم في العديد من الدول العربية، أو على الأقل غياب الوعي باستقلاله ووحدة موضوعه، فهو إما موضوع ضمن مقرر التربية العامة، أويتم اختزاله إما في "طرق التدريس" أو في "أصوله"، كما هو الأمر في السودان ومصر والسعودية على سبيل المثال. (محمد الدريج، 2000، ص.ص21-23).
بهذا يمكن أن نلخص ما سبق، ونقول أن الغموض الذي تعتريه التعليمية يرجع:
أولا:
لأن المصطلح قليل الشيوع في فرنسا ، بينما نجده شائعا في البلدان المجاورة لها ، وفي كندا نجده بمعان مختلفة مما يساهم في تشويش محتوياته.
ثانيا:
لأن التعليمية تدعو إلى إنشاء تخصص جديد ، وتبحث عن حصر لموضوعه في نقطة تقع بين التخصصات والمجالات المعروفة ، وفي بعض الدول تعتبر التعليمية مرادفا لمادة ترتبـط بعلم النفس وعلم اللغة (إيطاليا-سويسرا) ، وفي دول أخرى ، فإننا لا نميز بين التعليمية والبيداغوجيا (عبد الله قلي، التعليمية العامة والتعليمية الخاصة، عن مجلة المبرز، العدد 16 ،2002 ،ص117).
تطور مفهوم التعليمية:
لابد من الإشارة إلى أننا نجد في اللغة العربية عدة مصطلحات مقابلة للمصطلح الأجنبي الواحد، ولعل ذلك يرجع إلى تعدد مناهل الترجمة، وكذلك إلى ظاهرة الترادف في اللغة العربية، وحتى في لغة المصطلح الأصلية، إذا ترجم إلى لغة أخرى نقل الترادف إليها من ذلك: تعدد المصطلحات المستقاة من الإنجليزية في شقيها البريطاني والأمريكي، والشواهد على هذه الظاهرة كثيرة في العربية سواء تعلق الأمر بالإنجليزية أم بالفرنسية، وهما اللغتان اللتان يأخذ منهما الفكر العربي المعاصر على تنوع خطاباته والمعارف المتعلقة به، منها مصطلح (Didactique ) الذي يقابله في اللغة العربية عدة ألفاظ .
تعليمية تعليميات علم التدريس علم التعليم التدريسية الديداكتيك
تتفاوت هذه المصطلحات في الاستعمال، ففي الوقت الذي اختار بعض الباحثين استعمال "ديداكتيك" تجنبا لأي لبس في مفهوم المصطلح، نجد باحثين آخرين يستعملون علم التدريس، وعلم التعليم، وباحثين آخرين لكنهم قلائل يستعملون مصطلح تعليميات، أما مصطلح تدريسية، فهو استعمال عراقي غير شائع (مجلة الفيصل، ص42-43)
كلمة تعليمية(Didactique) اصطلاح قديم جديد ، قديم حيث استخدم في الأدبيات التربوية منذ بداية القرن 17 ، وهو جديد بالنظر إلى الدلالات التي ما انفك يكتسبها حتى وقتنا الراهن ، وفيما سيأتي نحاول تتبع التطور التاريخي لهذا المصطلح بداية من الاشتقاق اللغوي وصولا إلى الاستخدام الاصطلاحي .
يقول حنفي بن عيسى، كلمة تعليمية في اللغة العربية مصدر صناعي لكلمة تعليم ، وهذه الأخيرة مشتقة من علّم أي وضع علامة أو سمة من السمات للدلالة على الشيء دون إحضاره.
أما في اللغة الفرنسية فإن كلمة (Didactique) صفة اشتقت من الأصل اليوناني (Didaktikos)
وتعني فلنتعلم أي يعلم بعضنا بعضا، و(Didaskein) تعني التعليم ، وقد استخدمت هذه الكلمة في علم التربية أول مرةسنة 1613 من قبل كل من كشوف هيلفج (K. Helwig) وراتيش و(Ratich w.) في بحثهم حول نشاطات راتيش التعليمية، وقد استخدموا هذا المصطلح كمرادف لفن التعليم، وكانت تعني عندهم نوعا من المعارف التطبيقية و الخبرات، كما استخدمه كامنيسكي (Kamensky) سنة 1657 في كتابه "الديداكتيكا الكبرى" ، حيث يقول أنه يعرفنا بالفن العام للتعليم في جميع مختلف المواد التعليمية، ويضيف بأنها ليست فن فقط التعليم بل للتربية أيضا.
واستمر مفهوم التعليمية كفن للتعليم إلى أوائل القرن 19 حيث ظهر الفيلسوف الألماني فردريك هيرببارت(FHerbert 1770-1841)،الذي وضع الأسس العلمية للتعليمية كنظرية للتعليم ، تستهدف تربية الفرد ، فهي نظرية تخص النشاطات المتعلقة بالتعليم فقط ، أي كل ما يقوم به المعلم من نشاط ، فاهتم بذلك الهربرتيون بصورة أساسية بالأساليب الضرورية لتزويد المتعلمين بالمعارف، واعتبروا الوظيفة الأساسية للتعليمية هي تحليل نشاطات المعلم في المدرسة.
وفي القرن 19 وبداية القرن 20 ظهر تيار التربية الجديدة بزعامة جون ديوي(J. Dewey 1952-1959)، وقد أكد هذا التيار على أهمية النشاط الحي والفعال للمتعلم في العملية التعليمية واعتبروا بهذا التعليمية نظرية للتعلم (3) لا للتعليم
(عبد الله قلي، المرجع السابق، ص117-118).
ورغبة منا في شرح أكثر لمفهوم التعليمية ، نحاول في الفقرة الموالية ذكر التعاريف التي جاء بها بعض العلماء حول هذا المصطلح .
*الديداكتيك شق من البيداغوجيا موضوعه التدريس، وقد استخدمه لالاند 1988 (Lalande) كمرادف للبيداغوجيا أوللتعليم (معجم علوم التربية، مصطلحات البيداغوجيا و الديداكتيك، 1994، ط1، ص68).
*كما أن الديداكتيك علم تطبيقي موضوعه تحضير وتجريب استراتيجيات بيداغوجية لتسهيل إنجاز المشاريع، فهي علم تطبيقي يهدف لتحقيق هدف عملي لا يتم إلا بالاستعانة بالعلوم الأخرى كالسوسيولوجيا، والسيكولوجيا، والإبستمولوجيا، فهي علم إنساني مطبق موضوعه إعداد وتجريب وتقديم وتصحيح الاستراتيجيات البيداغوجية التي تتيح بلوغ الأهداف العامة والنوعية للأنظمة التربوية (Legendre R. 1988) (معجم علوم التربية، المرجع نفسه، ص69)
* فالديداكتيك نهج أو أسلوب معين لتحليل الظواهر التعليمية(Devolay M. 1991 & Lacomb M. 1968) فهو الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها المتربي لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حركي، كما تصب الدراسات الديداكتيكية على الوضعيات العلمية التي يلعب فيها المتعلم الدور الأساسي ، بمعنى أن دور المعلم هو تسهيل عملية تعلم التلميذ، بتصنيف المادة التعليمية بما يلائم حاجات المتعلم، وتحديد الطريقة الملائمة لتعلمه مع تحضير الأدوات المساعدة على هذا التعلم ، وهذه العملية ليست بالسهلة، إذ تتطلب مصادر معرفية متنوعة كالسيكولوجيا لمعرفة الطفل وحاجاته، و البيداغوجيا لاختيار الطرق الملائمة، وينبغي أن يقود هذا إلى تحقيق أهداف على مستوى السلوك، أي أن تتجلى نتائج التعلم على مستوى المعارف العقلية التي يكتسبها المتعلم وعلى مستوى المهارات الحسية التي تتجلى في الفنون والرياضيات وعلى المستوى الوجداني (Lavallé) (معجم علوم التربية، المرجع السابق، ص68-69 )
نستخلص من هذه التعاريف أن الديداكتيك تهتم بكل ما هو تعليمي تعلمي، أي كيف يعلم الأستاذ مع التركيز على:
كيف يتعلم التلميذ؟ ودراسة كيفية تسهيل عملية التعلم، وجعلها ممكنة لأكبر فئة، ثم اتخاذ الإجراءات المناسبة لفئة التلاميذ ذوي صعوبات في التعليم، وبالتالي فهي دراسة التفاعل التعليمي.
يمكن لنا أن نستعين بشكل وضعه (René Richterich) (4) لتفسير العملية التعليمية إذ يقول أنها عملية تفاعلية من خلال: متعلمون في علاقة مع معلم لكي يتعلموا محتويات داخل إطار مؤسسة من أجل تحقيق أهداف عن طريق أنشطة وبمساعدة وسائل تمكن من بلوغ النتائج. (عبد المؤمن يعقوبي، 1996، ص 22).
فالتعليمية بهذا تقنية شائعة، تعني تحديد طريقة ملائمة أو مناسبة للإقناع أو لإيصال المعرفة
(علي شريف بن حليمة ،تعليمية المواد العلمية،مجلة همزة وصل، ، عدد خاص، 1992، ص21) ، فهي كتخصص تجعل موضوعها مختصرا على الجوانب المتعلقة بتبليغ مضمون معين، بينما تكون الجوانب النفسية الاجتماعية من اهتمام علوم التربية.
(عبد المجيد بن الصغير ، لمحة عن تعليمية المواد ،مجلة همزة وصل، المرجع السابق، ص46)
وككل علم من العلوم انفردت التعليمية بمفاهيم خاصة بها، تستعملها كمفاتيح لتفسير مجال بحثها وحدوده رغم صلتها الوطيدة بالعلوم الأخرى، كعلوم التربية و البيداغوجيا وعلم النفس.
مفاهيم التعليمية:
إن قائمة المفاهيم التي سوف نعرضها هنا لا تغطي كل مجالات البحث عن التعليمية، لكننا اقتصرنا على أكثر المفاهيم شيوعا واستعمالا في مجالاتها.
لعقد الديداكتيكي
التصور- الإدراك
مستوى صياغة المفهوم
الهدف- العائق
الصراع الاجتماعي المعرفي
الوضعية المشكلة
البيئة المفاهيمية
النموذج الديداكتيكي
النقلة الديداكتيكية
1.2/العقد الديداكتيكي: (le contrat Didactique)
فرض هذا المفهوم نفسه من خلال أعمال بروسو (G. Brousseau 1986-1990)، وهو يشير إلى التفاعلات الشعورية واللاشعورية التي تكون بين المعلم والمتعلم، ولم يخلق هذا المفهوم من العدم، بل جاء نتيجة لمفاهيم سابقة كالحوار التربوي(Dialogue éducatif)،والاتفاق التربوي(Transaction éducatif)،والعقد البيداغوجي(Le contratpédagogique).
وقد وصف بوستيك Postic 1979 (الحوار التربوي بعدم التماثل والتوازن بين عناصره (المعلم والمتعلم)،لأن المعلم هو المتحكم في المعرفة، بينما قد يكون المتعلم جاهلا لها وإن فهمها ، فإن فيها الكثير من الغموض، ويرجع عدم التوازن هذا إلى وضعية الأستاذ الذي يتصرف حسب التصور الذي يملكه عن التلميذ، وإن كان من المستحسن تنظيم العلاقة بالانطلاق من تساؤلات التلميذ الذي يفترض أن يأخذ المبادرة في الحوار.
وفي أمريكا –في الستينات- أدخل برادفورد1961 (Bradford ) لفظ العقد التربوي للتعبير عن الوجهة الاقتصادية لهذا المصطلح، مؤكدا على أن هذه العلاقة البيداغوجية ، ترتكز على الإدراك والتقويم والاستغلال الأقصى لثروات كل أعضائها، مع ضرورة الاستعانة بالتقنيات اللازمة لتحليل الاتصال لضمان السير الحسن للحوار بهدف الوصول لعقلنة العلاقة البيداغوجية .
أما في فرنسا فقد رجعت فيلو ج.(Jeanine Filloux 1973- (1974) الى الإشكالية الأنجلوسكسونية ، واقترحت مفهوم "العقد التربوي"، والذي تعبر به عن مجموع المعايير(Normes)،التي تربط علاقة المعلم بتلاميذه في القسم، إذ أن التلاميذ بحكم تعايشهم مع المعلم، يتصرفون وفق المعايير التي يعرفونها عن معلمهم ويخضعون لمطالبه، لهذا فإننا نجد أن بعض الأقسام "حيوية" وتشارك، وبعضها الآخر غير حيوي.
إن تحليلات فيلو ج.(J. Filloux) توضح ميكانيزمات التنظيم أو الضبط (Régulation)، التي تمكن من السير الحسن للفعل التربوي(L’action pédagogique)،مع التحكم في العراقيل ومصادر الصراع، بصفة عامة فإن التلاميذ يقبلون المعايير التي يفرضها المعلم (طريقة العمل، التقييم، العلاقة داخل القسم)، ويتنازلون عن رغباتهم الخاصة، إذا أدركوا أن هذا سوف يؤدي إلى نجاحهم.
وقد أكدت الدراسات الأخيرة حول العقد الديداكتيكي لبروسو 1986 وجوزيا 1988 (Brousseau, Joshua) عما يربط علاقة المعلم والمتعلم، إضافة إلى المعرفة، ووجدت أن هناك رابط آخر بينهما، وهو ما يعرف بالعادات والتوقعات، أو الواجبات الاجتماعية وهو ما يمكن وصفه "بالعقد الثقافي" بلاشيف (Balacheff) 1988 )، فعلى سبيل المثال إذا قام أستاذ الرياضيات بسرد أحداث فيلم، أو مباراة كرة القدم بدلا من شرح الدرس، فإنه يكون هنا قد اقدم على فسخ العقد الذي يربطه بالتلاميذ، فالعقد الثقافي هنا يضبط علاقة المعلم بالمتعلم، والذي من خلاله يصبح العقد الديداكتيكي يهدف إلى المعرفة والتعلم لا غير.
كما أن بر وسو ركز على علاقة المعلم بالمتعلم وسلوكا تهم تجاه بعضهم البعض، فالتلاميذ عليهم أن يتدخلوا في مشروع الأستاذ، وهذا الأخير عليه أن يهيئ كل الشروط اللازمة للتعلم، وعليه أن يلتزم بقواعد هذا العقد وأن لا يتخطاها، فإذا ساعد المعلم تلاميذه أثناء الامتحان أو سهله لهم أو سمح باستعمال المعجم على غير المعتاد –حتى ينجحوا- هنا يمكن أن نقول أنه أبطل العقد الديداكتيكي .
فالتفكير في العقد الديداكتيكي يبعد التأويلات العاطفية ، ويصحح الأخطاء ، ويجعل المعلم يفكر في الطرق التي يستعملها. (L’aurance cornu, 1992, P 46-48)
فعلى مستوى القسم إذا العقد الديداكتيكي عبارة عن كل ما ينتظره المعلم من المتعلم ، و المتعلم من المعلم فيما يخص اكتساب المعرفة ، فهو يمثل كل ما يجب أن يقوم به كل واحد منهما، و قد تحدث جونار 1991-1992 (Jonnaert) عن المثلث الديداكتيكي الذي يربط علاقة المعلم والمتعلم و المعرفة ، فمن حق التلاميذ أن يقوم المعلم بتقييم ما تعلموه و يقدم لهم العون اللازم لتسهيل التعلم ، والمعلم من جهته ينتظر منهم الاحترام و الإصغاء أثناء الدرس.
(Michel Minder, ibid, pp18.19)
هكذا يمكن القول أن العقد الديداكتيكي يعمر عن كل ما يربط المعلم بالمتعلم في الموقف التعليمي من ضبط للمعرفة ومن احترام لشروط العقد لكلا الطرفين حتى نضمن عملية التعلم التي يسعى إليها النظام التعليمي.
(تابع)