يقرأ الطفل الأميركي نحو 6 دقائق في اليوم بينما يقرأ الطفل العربي 7 دقائق في العام
حسب تقرير اليونسكو تتراجع معدلات القراءة الحرة (الاطلاعية) بين صغار السن على نحو يعتبر مخيبا للآمال (إ.ب.أ)
الكويت: محمد النغيمش
يقرأ الطفل الأميركي نحو 6 دقائق في اليوم، بينما يقرأ الطفل العربي 7 دقائق في السنة. لعل هذه المفارقة الواضحة توضح لماذا يتخلف العرب بينما يتقدم الآخرون، ولماذا يظل العالم العربي بعيدا عن منافسة الدول الكبرى، علماً وأداءً.
إلا انه لا بد من رصد مفارقة، على الجانب الآخر من المحيط، وهي أن الولايات المتحدة التي ينطلق منها الاحتفال العالمي للكتاب، الذي يصادف اليوم 23 أبريل (نيسان)، تتراجع فيها معدلات القراءة الحرة (الاطلاعية) بين صغار السن على نحو يعتبر مخيبا للآمال. كما أظهرت دراسة «عادات القراءة لدى الأميركيين» الصادرة عن المنظمة الوقفية للفنون (NEA)، علما أن أحد الأهداف الرئيسية التي طرحتها منظمة اليونسكو لهذا الاحتفال العالمي هو تشجيع القراءة بين الناس، وخاصة الشباب. حيث أظهرت الدراسة أن الأطفال الأميركيين يشاهدون التلفاز يوميا لمدة ساعتين تقريبا، أضعاف مدة القراءة. لكن ماذا عن حال العرب في اليوم العالمي للكتاب؟ الأرقام تظهر هوة كبيرة بين العرب أجمع وأميركا، إذ يقدر ما يصدر في الوطن العربي من كتب جديدة بعدد 5000 كتاب بينما يصدر في أميركا ما يزيد على 290 ألف كتاب جديد سنوياً، وذلك بسبب «عدم وجود كتب مشجعة، وغياب ثقافة القراءة قبل النوم المنتشرة في العالم الغربي»، كما يقول ناشر دار اقرأ، جمال الدين سليمان.
ومن واقع خبرته التي تربو على 20 عاما ومشاهداته السنوية في معظم معارض الكتب العربية، يرى سليمان أن الإقبال على كتاب الطفل «بدأ يلقى رواجا ملحوظا، لكنه يقتصر على الكتب الإبداعية التي تمتاز بموضوع جيد وعرض جذاب»، مضيفا أن السبب يكمن في ان «طبيعة الطفل تميل نحو الإخراج اللافت والموضوعات الشائقة».
ويرى د. مصطفى أبو سعد، أستاذ علم النفس التربوي، صاحب سلسلة من كتب تربية الأطفال، أن «القراءة قبل النوم مهمة، لأن الطفل لديه قدرة كبيرة جدا على التخيل، ولذا نجد الأطفال عندما نروي لهم قصة من كتاب خيالي فإنهم يندمجون ويستخدمون جميع حواسهم أثناء الاستماع إلى القصة، وهو أمر أساسي يغرس في نفس الطفل حب الكتاب والمطالعة».
ويعتقد أبو سعد أن «اصطحاب الوالدين لكتب القراءة الممتعة والمجلات إلى قاعات الانتظار عند مراجعة الطبيب أو أثناء السفر يشجع الأطفال على تقليد والديهم»، لكنه حذر من أن «إجبار الأطفال على القراءة يؤدي إلى نتائج عكسية ولا تأتي بأجيال تحب القراءة».
ويقول مؤلف كتاب «القراءة الذكية» ورئيس عدد من مجموعات القراءة في دولة الكويت د. ساجد العبدلي إن السبب في عزوف الصغار في السن عن القراءة يعود إلى «المناهج التعليمية التي لا تحض على القراءة بل تركز على المادة العلمية فقط»، مضيفا أن «أساليب تنمية مهارة القراءة في جميع المراحل لا تتغير حتى المرحلة الثانوية وتدعو إلى الملل وعزوف الطفل عن القراءة»، مذكرا إلى أن حضارة كل الأمم «انهارت عندما ابتعدت عن العلم والتعلم». ويشير الدكتور العبدلي إلى أن «دور الحكومات يجب أن يبتعد عن الأنشطة الإعلامية الإنشائية ووإيجاد برامج عملية مؤثرة في الناشئة». والسؤال المطروح لماذا لا يقرأ العرب رغم ما لديهم من مخزون ثقافي يشجعهم على القراءة، إذ كانت أول كلمة نزلت من القرآن الكريم فعل الأمر الشهير «اقرأ»، فضلا عن جملة من الأحاديث النبوية مثل: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة» و«ساعة علم خير من سبعين ساعة عبادة».
يرد على هذا التساؤل د. العبدلي، الذي ألقى باللائمة على «الوالدين الذين لا يوفرون مكتبة في البيت ويتدرجون بالقراءة لأطفالهم، كتقديم الكتب المصورة التي تناسب اهتماماتهم، مثلا عن الشخصيات الكارتونية التي يحبونها»، محذرا من الأخطاء الشائعة عبر «إجبار الأطفال على قراءة ما لا يحبونه، كقراءة أمور دينية محضة لا تتناسب مع مداركهم».
أما د. طارق السويدان مؤلف ثلاثية «صناعة الثقافة»؛ ومنها كتاب «الطفل القارئ»، فيقول لـ«الشرق الأوسط» «إن أمة اقرأ لا تقرأ، مرجعا السبب الرئيسي إلى عدم إلمام الوالدين بأهمية القراءة للأطفال، فهي تنمي اللغة بقوة، وتهذب السلوك، توسع مدارك التفكير والمعرفة، وتساعد على حل المشكلات، وكسب خبرات الآخرين، واكتساب المهارات، وغرس القيم، فضلا عن متعة الإثارة، فخير جليس في الزمان كتاب».
وبدا د. إبراهيم الخليفي أستاذ علم النفس التربوي في جامعة الكويت، ومشرف عام عددٍ من المدارس الخاصة متشائماً. وقال إنه «فاقد الأمل في المدارس الحكومية» لأنها «لن تستطيع تنمية عادات القراءة لدى الأطفال لأن أمين المكتبة لا يمارس دوره الحقيقي في تهيئة البيئة الجاذبة للطفل في المكتبة كما يحدث في العالم الغربي»، مضيفا أن«معظم أمناء المكتبات العربية ليسوا متخصصين في علم المكتبات، بل ربما لا يحبون القراءة أصلا!». بينما لاحظ أن أمين المكتبة في المدارس الخاصة الناجحة يدرك ما يسمى شجرة الكتب، والتي تعرض تصنيف الكتب التي يتناسب بناؤها اللغوي مع عمر الطفل، حيث يختار أفضلها للطفل ويشجعه على الاطلاع بطرق إبداعية». ويؤمن د. الخليفي أن شيئين سيحدثان «نقلة كبيرة جدا في حياة العرب» من ناحية تنمية عادات القراءة وهما «المدارس الخاصة والتجمعات الفكرية (الوطنية أو الدينية)، لأنهما بطبيعة الحال يحثان الأفراد على القراءة والتطور». وفي محاولة للخروج من مأزق عزوف الأجيال القادمة عن القراءة؛ المنبع الأول للمعرفة، تسعى جاهدة بعض الجهات العربية الفاعلة للترويج للكتاب وتقريبه إلى نفوس الناشئة، ومنها «أنيس»، وهو نادٍ للقارئ الصغير أنشِئَ من قبل الصندوق الوقفي للثقافة والفكر في الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت. وتقوم فكرته على وضع صندوق جميل على منزل المشتركين الأطفال من سن 7 حتى 10 يشبه صندوق الصحف، يجد فيه كتابا جديدا يناسب عمره واهتماماته.
ومنذ انطلاق المشروع، صار يلقى اهتماما كبيرا من قبل الأطفال، وهو الأول بنوعه في الوطن العربي، ولو تعممت فكرة «أنيس» في 22 دولة عربية فربما تخرج أجيال ينطبق عليها الشعار الجميل للنادي: «رواد الغد قراء اليوم».
ويقول جمال الدين سليمان «ليس الحل بصرف أطفالنا عن التلفزيون والفيديو والكومبيوتر وإنما الحل في إيجاد التوازن بين الكتاب وهؤلاء المنافسين، ولتحقيق النجاح لا بد أن يقدم الكتاب العربي بطريقة إبداعية جاذبة لعين الطفل وقلبه». ويضيف «الكتاب مثل أي سلعة تحتاج إلى حسن الترويج». ويبدو أن هذه الأمور هي محاولات عملية وواقعية لتهيئة أطفالنا حتى يصبحوا قراء نهمين، فالقراءة «عنوان تحضر الشعوب وتقدمها في ركب المعرفة المتسارع» على حد تعبيره. ومن يدري ربما نحتفل وأطفالنا يوما من الأيام باليوم العالمي للكتاب ونحن في المقدمة.
المرجع جريدة الشرق الأوسط :http://www.aawsat.com/details.asp?section=54&issueno=10739&article=468006&feature=