مقدمـة
لقد أصبحت مهمة المنظومة التربوية في جميع دول العالم تهتم أكثر بمكتسبات التكوين التي تجعل المتكون قادرا على مواجهة مختلف مواقف الحياة ، العامة ،الوظيفية،وتتماشى مع متطلبات الشغل. لذا فكر المهتمون بأنظمة الشغل والتكوين بتنمية الكفاءات المهنية بمعاهد التكوين المهني. مما أدى إلى ارتباط مفهوم الكفاءة في البداية بمفهوم الكفاءة المهنية في ميدان الشغل.
حيث أدى إلى مزيد من التخصص المفرط في العمل ، وجعل الحركة المؤيدة للكفاءات تتعرض إلى نقد شديد في الولايات المتحدة الأمريكية،الآمر الذي أدى إلى الاستغناء عنها في أوائل الثمانينيات.
وبعد ذلك انتقل مفهوم الكفاءة إلى ميدان التعليم الذي يختلف من حيث المحتويات والأهداف التعليمية التي لا ترمي مباشرة إلى اكتساب الكفاءات المهنية للمتخرجين من المدرسة .
إن تحديات القرن الواحد والعشرين والمتمثلة في الزوال التدريجي للحواجز الاقتصادية والتكنولوجية والإعلامية التي جعلتنا في تنافس بين الأنظمة المتقدمة في العالم ،تتطلب منا أن نتزود بسرعة بوسائل تسمح أولا بالصمود في هذه المواجهة ، وثانيا بالالتحاق في نهاية المطاف بركب الدول المتقدمة .
إن المنظومة التربوية في مجملها ،وليس التكوين المهني فحسب مطالبة اليوم برفع مستواها في التعليم والتكوين ، وتحقيق النوعية والأداء الفعال ،فبالرغم من المنجزات الكبرى التي حققتها منظومتنا التربوية والتي تستحق كل الفخر والاعتزاز ،فإنها تعاني من عدة نقائص منها :
● ضعف المر دودية التي تتجلى في ارتفاع نسبة الرسوب والتسرب .
● قلة الفعالية التي يبرزها انعدام التوازن بين ما تنفقه الدولة ( الكلفة ) والنتائج المدرسية .
● نقص النجاعة البيداغوجية المتمثلة في نوعية المكتسبات لدى المتخرجين .
إن تحقيق النوعية والفعالية والمردودية الجيدة للمنظومة التربوية ،يحتاج إلى بيداغوجية تضع المتعلم في صلب نشاط التعلم ،إنها بيداغوجيا لبناء الكفاءات التي تهدف إلى تزويد المتعلم بوسائل التعلم التي تسمح له بان يتعلم كيف يفعل وكيف يكون .أي أن الكفاءات التي تهم الفرد هي التي تسمح له بالتكيف مع الأوضاع الجديدة .
1. تعريف الكفاءة :
إن كلمة كفاءة مستعملة في عدة ميادين ومشتركة بين تخصصات مختلفة .فالكفاءة مستعملة في ميدان علم النفس الذي يهتم بدراسة السلوك الداخلي والخارجي للشخص ، (الكفاءات المعرفية والعقلية والحركية .. ) ومستعملة في تحليل الوظائف والأفراد ( تحديد الكفاءات المتوفرة في وظيفة معينة و الكفاءات اللازمة لشغلها )ومستعملة كطريقة للتكوين المهني والتعليم والتعلم .ولهذا فان تعاريف الكفاءة متنوعة ومختلفة باختلاف المفاهيم و السياقات المستعملة من طرف الباحثين .
وفيما يلي أهم التعاريف التي توضح معنى الكفاءة :
إن مفهوم الكفاءة استعمل في البداية في ميدان العمل عندما كان الاهتمام منصب على تحقيق أحسن وأكثر إنتاج ،باختيار العمال الذين تتوفر فيهم الكفاءات التي تناسب وظائف معينة( العامل المناسب في المكان المناسب ) .
وفيما يلي تعريفين اثنين مرتبطين بمفهوم الكفاءة المهنية :
الكفاءة المهنية هي قدرة شخص ما على استعمال مكتسبا ته من اجل ممارسة وظيفة .حرفة أو مهنة حسب متطلبات محددة ومعترف بها في عالم الشغل .
الكفاءة مفهوم عام يشمل القدرة على استعمال المهارات والمعارف الشخصية في وضعيات جديدة داخل إطار حقله المهني.كما تتضمن أيضا تنظيم العمل وتخطيطه وكذا الابتكار والقدرة على التكيف مع نشاطات غير عادية .كما أن الكفاءة تتضمن المزايا الفردية الضرورية للتعامل مع الزملاء، الإدارة ،والزبائن بنجاعة .
إن التعريف الأول يحصر مفهوم الكفاءة في القدرة على ممارسة وظيفة معينة ومحددة ، وهذا يعطي مفهوما ضيقا للكفاءة ، بحصره في مجال إنجاز العمل فقط .
أما التعريف الثاني وبالرغم من ارتباطه بالمجال المهني فهو يعطي مفهوما أوسع لكلمة كفاءة ، يتعدى الإنجاز فقط إلى :
● تنظيم وتخطيط العمل
● ابتكار الحلول
● التكيف مع الأوضاع الجديدة المفاجئة
● الاهتمام بالعلاقات الإنسانية مع الزملاء والإدارة والمتعاملين الآخرين
● كما تجدر الإشارة إلى أن التعريف يفرق بين الكفاءة والمهارة والمعارف ،فالمعارف ترتبط بالتكوين النظري ، في حين أن المهارة تتصل بالجانب التطبيقي ، وهما عاملان أساسيان لاكتساب الكفاءة .
قامت المديرية العامة للتعليم الكمالي الكندي بتقديم تعريف واسع للكفاءة ،حينما عرفت الإطار الجديد لا عداد البرامج لصالح المقاربة بالكفاءات عام 1990 ويتعلق الأمر ببرامج القطاع المهني الذي أجريت فيه التجارب الأولى ،ولم تعلن المديرية العامة للتعليم ألا كمالي الكندي عن نية تطبيقها لهذه المقاربة في ميادين التكوين العام والتكوين ما قبل الجامعي (الثانوي) إلا مؤخرا سنة 1993 . ويتمثل مفهوم التعريف في أن :
الكفاءة هي القدرة على القيام بالأدوار والمهام المتعلقة بوظيفة عمل ،وبالمعنى الضيق في مجال إعداد البرنامج تشتمل كفاءة ما على مجموعة من التصرفات الاجتماعية العاطفية ، المهارات المعرفية ،المهارات النفسية ،والحسية الحركية التي تمكن من ممارسة وظيفة ، نشاط ،أو مهمة بدرجة من الإتقان تناسب أدنى متطلبات سوق العمل .
وقد تضمنت الوثيقة المرسلة إلى الاكماليات ما يأتي :
" في سياق إعداد وتقديم البرامج، يقدم كل هدف من أهداف البرنامج الصيغة المشتركة التي تجعل الكفاءات التي يستهدفها البرنامج قابلة للملاحظة والقيا س .وتتضمن صياغة هدف من الأهداف منطوق الكفاءة وعناصر منها ،ويتمخض منطوق الكفاءة عن تحليل وضعية العمل أو تحليل حاجات التكوين العام ما قبل الجامعي ."
● الكفاءة كلمة عامة تستعمل في مجالات متنوعة وليست مرتبطة فقط بالمجال المهني . كم أن معظم برامج التكوين المهني والتعليم التقني تتضمن موادا لها علاقة بالتعليم العام ، وهي ضرورية لاكتساب الكفاءات التي يحتاج إليها الإنسان في مختلف مجالات حياته .فهو يحتاج إلى الكفاءة في القراءة ،الكتابة ، التعبير ،الرياضيات ،العلوم الفيزيائية والطبيعية ..الخ .
إننا لا نتعلم القراءة والكتابة من اجل اكتساب القدرة على أداء العمل فقط كما أننا لا نتعلم كيف نتصل بالآخرين ،وإتقان العمليات الحسابية المعقدة، والمعارف العلمية لنفس السبب.(أداء العمل ) بل نتعلم ذلك لتحقيق ما هو أوسع واشمل من ذلك ، وهو النجاح في ممارسة مختلف الأدوار على مدى الحياة .
وفيما يلي بعض التعاريف التي تحدد الكفاءة كمفهوم عام :
الكفاءة هي مجموعة من التصرفات الاجتماعية الوجدانية والمهارات المعرفية ، والنفسية الحركية التي تمكن من ممارسة نشاط ، وظيفة ،دور ، مهمة ،أو عمل معقد على اكمل وجه (لوي دينو ،بتصرف )
الكفاءة هي مجموعة من المعارف والقدرات الدائمة ، والمهارات المكتسبة عن طريف استيعاب معارف وخبرات مرتبطة فيما بينها في مجال معين (دي كيتل وآخرون ) .
يلاحظ من هذين التعريفين أن :
● مفهوم الكفاءة لم يرتبط بمفهوم ممارسة العمل ، بل يشمل كل النشاطات والميادين المختلفة .
● أن مفهوم الكفاءة أوسع واشمل من مفهوم المهارات،القدرات،المعارف التي تعتبر جزء من الكفاءة.
● الكفاءة تتصف بالثبات والاستمرارية ، نقول عن الشخص انه كفء إذا كانت صفة الكفاءة ثابتة ودائمة عنده .
المهارة تقدم نفس الأهمية على مستوى التعليم والتعلم ،تتمثل في جعل الطالب يستخدم معارفه ومهاراته وقدراته للقيام بنشاطات على مستواه الشخصي والاجتماعي أو على المستوى المهني .
وخلاصة القول أن التعريف المقبول للكفاءة يتضمن العناصر آلاتية :
● تشتمل الكفاءة على العديد من المهارات .
● يعبر عن كفاءة ما عن طريق تحقيق نشاطات قابلة للملاحظة .
● من الممكن أن تطبق كفاءة ما في سياقات مختلقة سواء كانت شخصية ، اجتماعية أو مهنية .
● لا نتعلم بالضرورة لنعرف ، ولكن نتعلم خاصة لنتصرف ولابد أن يتجلى هذا قدر الإمكان وبوضوح في كل تعريف لمفهوم الكفاءة .وهذه الخاصية يتضمنها التعريف الآتي :
●تستند الكفاءة إلى إنجاز نشاط يستدعي مهارات معرفية, نفس / حركية أ و اجتماعية/وجدانية ، ضرورية لإنجاز هذا النشاط ،سواء كان ذا طابع شخصي أو اجتماعي أو مهني .
وحسب هذا التعريف فإننا لا نطلب من الطلبة في سياق التعليم بالكفاءات" القدرة على إنجاز نشاط" بل سنطلب منهم بكل بساطة إنجاز هذا النشاط ، بعد مساعدتهم على اكتساب المهارات اللازمة مسبقا لإنجاز النشاط المرتبط بالكفاءة .
إن الكفاءة هي قدرة مكتسبة يبرهن عليها شخص وتتضمن :
الجانب الكامن أو الخفي : ويتمثل في مجموعة مدمجة من المعارف والمدركات والمواقف والقدرات العقلية والمهارات (المعرفية، الحركية ، الحسية ) وهذا الجانب غير خاضع للملاحظة المباشرة ،فهو سلوك داخلي ،نستدل عليه بواسطة السلوك الخارجي .
الجانب الإجرائي أو العملي : ويتمثل في الإنجاز الملائم لمهمة أو نشاط عمل أو حياة مهنية .
الجانب التكاملي أو الاندماجي : ويتمثل في تكامل أو اندماج كل المعارف والمدركات والمواقف والمهارات، وعناصر إنجاز المهمة أو نشاط عمل أو حياة مهنية .
مميزات الكفاءة :
لا يمكن لأي تعريف مهما كانت دقته بالتعرف على الكفاءات أو تحديدها بسهولة ،ولهذا فان التعرف على الكفاءة يحتاج إلى تدريب بواسطة نشاطات وتطبيقات عملية ،نذكر البعض منها لكي تساعدنا على التعرف على مميزات الكفاءة .
هل يمكنك التعرف على العبارات الدالة على الكفاءة في العبارات الآتية ؟
● تسمية الأجزاء المكونة للحنفية .
● شرح كيفية اشتغال الأجزاء .
● إصلاح الحنفية .
إذا اخترت العبارة الأخيرة فان أجابتك صحيحة ،لان تسمية الأجزاء المكونة للحنفية أو شرح كيفية الاشتغال ، لا يعتبر نشاطا عمليا، ولا يدخل ضمن التعاريف التي تحدد معنى أو مفهوم الكفاءة ،ولكن تدخل ضمن المعارف والمهارات (التسمية والشرح) التي هي أساسية لبناء أو تكوين الكفاءة .
أما إصلاح الحنفية فهو نشاط عملي قابل للملاحظة .وبهذا تكون قد فهمت إذا ، انه لكي يكون النشاط مناسبا مع الكفاءة لابد أن يظهر في نتيجة قابلة للملاحظة .
وخلاصة القول أن العبارتين الأوليتين تمثل مهارات أو معارف تسمح بإنجاز النشاط الذي يؤدي إلى نتيجة يمكن ملاحظتها وهي إصلاح الحنفية .
ما هي العبارة الدالة على الكفاءة في العبارات الآتية ؟
● اكتساب اللغة
● استعمال اللغة
● التمكن من قواعدها
إن العبارة التي تمثل الكفاءة هي العبارة الثانية ،لان اكتساب اللغة أو التمكن من قواعدها ، لا يعتبر كفاءة ،بل هي مهارات تساهم قي إبراز الكفاءة ، كما أن اكتساب اللغة لوحدها أو التمكن من قواعدها يحتاج إلى معارف ومهارات أخرى متعددة ، قد تكون حسية حركية ،معرفية ، عقلية ..الخ .ولهذا لا يمكن أن نحكم بصفة مؤكدة أن الشخص القادر على اكتساب اللغة أو التمكن من قواعدها ، قادر بالفعل على استعمال اللغة ،ولهذا فان الكفاءة تتطلب العديد من المهارات التي تعطيها معنى ، وبهذا الصدد يقال بان الكفاءة مدمجة ولها قيمة خفية أو باطنية ،وتنفع من يملكها ،وتجيب على السؤال :
لماذا ؟
ومن خلال ما تقدم يمكن تحديد المميزات التي يمكن الاعتماد عليها كمعالم للتعرف على الكفاءة :
● تتحدد الكفاءة من خلال نتائج يمكن ملاحظتها
● تتكون الكفاءة من عدة مهارات
● الكفاءة لها قيمة على المستوى الشخصي والاجتماعي والمهني
● الكفاءة مرتبطة بإنجاز نشاطات عملية
1 .1 . تحديد بعض المفاهيم :
حتى نتمكن من تحديد وتوضيح أكثر لمفهوم الكفاءة ، نورد بعض الملاحظات الخاصة ببعض المفاهيم :
● ليس ثمة ترادف بين امتلاك الكفاءة واكتساب المعارف ، ولكن عبارتان متكاملتان تكاملا جيدا .
● لا ترادف بين امتلاك الكفاءة وامتلاك المهارات ،فالكفاءة تفوق مجموع المهارات . مثلا
ﻹصلاح محرك يجب على الشخص أن :
● يحدد مكوناته
● معرفة وظيفة كل مكون
● تركيب وتفكيك القطع
● استعمال الأدوات
● التدريب على حركات معينة ..الخ
عندما يكتسب الشخص هذه المهارات ، يجب عليه مع ذلك أن يتعلم كيف يصلح محركا. ولهذا فمن الخطا أن نظن بان الشخص الذي يمتلك كل المهارات المطلوبة ، يمتلك بالضرورة الكفاءة.فعموما فالقضية لا تكون كذلك لان الكفاءة والمهارة ليستا من نفس المستوى
وكذلك الشأن بالنسبة لكتابة مقالا فلسفيا ، أو تحليل نص أدبي ، أو حل مسالة رياضية أو فيزيائية أو إجراء تجربة معينة في المخبر ..فبالإضافة إلي معرفة الطريقة والمراحل والخطوات والتقنيات والنظريات والفرضيات والمعارف المتعلقة بهذه المواد ، يبقى الطالب في حاجة ماسة إلى إتقان توظيف هذه المهارات في إنجاز موضوع ما من مواضيع المواد المذكورة ،حتى نقول عنه بأنه كفء في الفلسفة أو الرياضيات أو أي مادة من المواد الدراسية .
● يجب تجنب التفريق بين الكفاءة والمهارة بالاعتماد على الفعل المستعمل فقط . فمثلا (إنجاز) عقدة ليس كإنجاز تصميم منزل أو آلة أو محرك .فالفعل أنجز في الحالة الأولى يتناسب مع مهارة
نفسية حركية .أما في الحالة الثانية يتناسب اكثر مع كفاءة. لماذا ؟
لأن مستوى التعقيد أو الصعوبة ليس هو نفسه .فإنجاز تصميم منزل يتطلب عدة مهارات .
مثال آخر :استعمال آلة حاسبة واستعمال جهاز الإعلام الآلي لمعالجة نص .فالفعل (استعمل ) في الحالة الأولى يناسب مهارة نفس / حركية أما في الحالة الثانية يناسب الكفاءة .لان مستوى التعقيد ليس هو نفسه .
وخلاصة القول أن الفعل المستعمل لإنجاز نشاط أو مهمة ، لا يفرق وحده بين الكفاءة والمهارة ، لان الكفاءة تشمل عدة مهارات سواء كانت من المجال المعرفي ، النفس / حركي أو الاجتماعي/ الوجداني . إنها متعددة الأبعاد .
● يجب التفريق بين الكفاءة والمهارات الاجتماعية : بالرغم من التداخل الكبير بين الكفاءة والمهارات الاجتماعية الوجدانية ،مثل :الدقة المعرفية ،المبادرة ،الحكم الذاتي ،الاستقرار الانفعالي ،القدرة على التمييز ،الإبداع ،الثقة في النفس ، الانبساط ، التحكم الانفعالي ..وغيرها من السمات التي يعتبرها البعض كفاءات يتصف بها شخص معين . والحقيقة إنها لا تنطبق مع التعريف الذي يحدد مفهوم الكفاءة . فالمهارات الاجتماعية / الوجدانية جزء من الكفاءة كما هو الحال بالنسبة للمهارات المعرفية والمهارات النفس/حركية .إنها تمثل البعد الوجداني للكفاءة ، وهي في اغلب الأحيان مهارات وردود أفعال يكون لها في بعض الحالات تأثير دال على درجة النجاح أو الرسوب بالنسبة للشخص .إنها تدخل في معايير حسن الأداء التي تحدد مكونات الكفاءة ،وتشكل جزءا من شخصية الأفراد .وتجدر الإشارة إلى أن مكونات الكفاءة يمكن أن تحمل تسميات مختلفة حسب الأوساط ،وكذلك شأن درجة الدقة المستعملة في وصف الكفاءات التي يمكن أن تتغير أيضا من وسط إلى آخر .
1 .1 . تحديد بعض المفاهيم :
حتى نتمكن من تحديد وتوضيح أكثر لمفهوم الكفاءة ، نورد بعض الملاحظات الخاصة ببعض المفاهيم :
● ليس ثمة ترادف بين امتلاك الكفاءة واكتساب المعارف ، ولكن عبارتان متكاملتان تكاملا جيدا .
● لا ترادف بين امتلاك الكفاءة وامتلاك المهارات ،فالكفاءة تفوق مجموع المهارات . مثلا
ﻹصلاح محرك يجب على الشخص أن :
● يحدد مكوناته
● معرفة وظيفة كل مكون
● تركيب وتفكيك القطع
● استعمال الأدوات
● التدريب على حركات معينة ..الخ
عندما يكتسب الشخص هذه المهارات ، يجب عليه مع ذلك أن يتعلم كيف يصلح محركا. ولهذا فمن الخطا أن نظن بان الشخص الذي يمتلك كل المهارات المطلوبة ، يمتلك بالضرورة الكفاءة.فعموما فالقضية لا تكون كذلك لان الكفاءة والمهارة ليستا من نفس المستوى
وكذلك الشأن بالنسبة لكتابة مقالا فلسفيا ، أو تحليل نص أدبي ، أو حل مسالة رياضية أو فيزيائية أو إجراء تجربة معينة في المخبر ..فبالإضافة إلي معرفة الطريقة والمراحل والخطوات والتقنيات والنظريات والفرضيات والمعارف المتعلقة بهذه المواد ، يبقى الطالب في حاجة ماسة إلى إتقان توظيف هذه المهارات في إنجاز موضوع ما من مواضيع المواد المذكورة ،حتى نقول عنه بأنه كفء في الفلسفة أو الرياضيات أو أي مادة من المواد الدراسية .
● يجب تجنب التفريق بين الكفاءة والمهارة بالاعتماد على الفعل المستعمل فقط . فمثلا (إنجاز) عقدة ليس كإنجاز تصميم منزل أو آلة أو محرك .فالفعل أنجز في الحالة الأولى يتناسب مع مهارة
نفسية حركية .أما في الحالة الثانية يتناسب اكثر مع كفاءة. لماذا ؟
لأن مستوى التعقيد أو الصعوبة ليس هو نفسه .فإنجاز تصميم منزل يتطلب عدة مهارات .
مثال آخر :استعمال آلة حاسبة واستعمال جهاز الإعلام الآلي لمعالجة نص .فالفعل (استعمل ) في الحالة الأولى يناسب مهارة نفس / حركية أما في الحالة الثانية يناسب الكفاءة .لان مستوى التعقيد ليس هو نفسه .
وخلاصة القول أن الفعل المستعمل لإنجاز نشاط أو مهمة ، لا يفرق وحده بين الكفاءة والمهارة ، لان الكفاءة تشمل عدة مهارات سواء كانت من المجال المعرفي ، النفس / حركي أو الاجتماعي/ الوجداني . إنها متعددة الأبعاد .
● يجب التفريق بين الكفاءة والمهارات الاجتماعية : بالرغم من التداخل الكبير بين الكفاءة والمهارات الاجتماعية الوجدانية ،مثل :الدقة المعرفية ،المبادرة ،الحكم الذاتي ،الاستقرار الانفعالي ،القدرة على التمييز ،الإبداع ،الثقة في النفس ، الانبساط ، التحكم الانفعالي ..وغيرها من السمات التي يعتبرها البعض كفاءات يتصف بها شخص معين . والحقيقة إنها لا تنطبق مع التعريف الذي يحدد مفهوم الكفاءة . فالمهارات الاجتماعية / الوجدانية جزء من الكفاءة كما هو الحال بالنسبة للمهارات المعرفية والمهارات النفس/حركية .إنها تمثل البعد الوجداني للكفاءة ، وهي في اغلب الأحيان مهارات وردود أفعال يكون لها في بعض الحالات تأثير دال على درجة النجاح أو الرسوب بالنسبة للشخص .إنها تدخل في معايير حسن الأداء التي تحدد مكونات الكفاءة ،وتشكل جزءا من شخصية الأفراد .وتجدر الإشارة إلى أن مكونات الكفاءة يمكن أن تحمل تسميات مختلفة حسب الأوساط ،وكذلك شأن درجة الدقة المستعملة في وصف الكفاءات التي يمكن أن تتغير أيضا من وسط إلى آخر .
2 . أهمية الكفاءات في العملية التعليمية ؟
إن المقاربة بالكفاءات تستجيب لمشكلة قديمة للمدرسة الجزائرية ،فالوضع الذي تعرفه كثير من الأنظمة التربوية ، والذي جعلت الآن تفكر في معالجته بجدية هو أن المتعلمين عند تخرجهم من المدرسة بنجاح كما يقال عنهم : علماء إلا أنه لا يمكن أن نقول عنهم بالضرورة أكفاء ، لأنهم عندما يواجهون الحياة العملية ويمارسون نشاطهم الاجتماعي ،يجدون أنفسهم بأنهم لم يتعلموا في المدرسة كيف يوظفون معارفهم خارج وضعيات الامتحان .فالمعارف ينبغي أن تكتسب من اجل الاستفادة منها في وضعيات غير الوسط المدرسي .وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا استطاعوا التحكم في معارفهم العلمية ،وتفعيلها وتنسيقها ، بل وتجاوز هذه المكتسبات كلما اقتضى الوضع تجاوزها ، والبحث عن حلول مبتكرة .
لقد ذكرنا سابقا بأن التمرن على الممارسة كان دائما هو الرهان الأساسي في التكوين المهني . إلا أننا أصبحنا ندرك جيدا أن هذا التمرن والإعداد للحياة ضروري بدءا بالتعليم القاعدي في المراحل التعليمية الأولى .ولهذا فان إصلاح المنظومة التربوية فرصة للتفكير في بناء مناهجنا التعليمية على أساس المقاربة بالكفاءات ابتداء من السنة الأولى من التعليم الابتدائي ،بل من مدارس التعليم التحضيري .فنحن نلاحظ منذ زمن طويل أن المدرسة تستقبل عددا كبيرا من الأطفال ، وتبذل مجهودات متعددة على مدى سنوات طويلة من التعليم الإلزامي الذي يقدر ب (16) سنة ، على أساس أن المكتسبات التي سيتخرجون بها سوف تفيدهم في حياتهم العملية ،إلا أنه كلما أطلنا مدة الدراسة كلما لاحظنا النتيجة لم تتغير من حيث إعدادهم للحياة . وقد أدى بنا هذا إلى التساؤل حول ما إذا كان ما يتعلمه الشباب في المدرسة يبرّر السنوات الطوال التي يقضونها في الدراسة ؟
هذا التساؤل يطرح خاصة حول العدد الأكبر من المتعلمين الذين لا يحسنون القراءة بالمعنى البيداغوجي لهذا النشاط بعد أن قضوا سنوات طويلة على مقاعد الدراسة ، في حين أصبح الناس في مجتمعنا في حاجة ماسة إلى التحكم في المعارف واكتساب الكفاءات .
كما أن التلاميذ الذين نجحوا في الامتحانات بتفوق ، لم يكتسبوا القدرة على الاستفادة من معارفهم في الحياة .معنى ذلك أنه يتعين أن نفكر في أحسن السبل ، لتحقق المدرسة أهدافها لصالح الجميع .إن المقاربة بالكفاءات قد تشكل علاجا ناجعا إذا نحن نجحنا في إعداد مناهجنا على أساسها ، وقمنا في نفس الوقت بإحداث تغيير جذري في الممارسات البيداغوجية بتجديد تكوين المعلمين على أساس نفس المقاربة
3 . الكفاءة بالمفهوم المدرسي :
إن المقاربة بالكفاءات ليست مفهوما جديدا ، إلا أنها تختلف تماما في قطاع التعليم ، لأنه إذا كانت الكفاءة في التكوين المهني هي دائما في خدمة المؤسسة والشغل ، حيث ينظر إليها على أنها وظيفة إنتاجية ملزمة بالنتيجة ، فإنها في التعليم تعني المعلم كما تعني المتعلم الذي ينبغي أن تكون الكفاءة بالإضافة إلى المعرفة في خدمته .
بالنسبة للمعلم ، فلكي يكون كفء وبالإضافة إلى مختلف المعارف ، يجب عليه أن يوظف عددا من القدرات . كتحليل وضعية ، توقع ردود أفعال المتعلمين ، التعبير بوضوح ،التعمق في تناول بعض الوضعيات إذا لزم الأمر ،التواصل مع زملائه حول ما يقوم به من الأعمال ، القدرة على مراجعة نفسه عندما يتعين التكيف مع الأوضاع ..والمعلم الكفء ليس ذلك الذي يستطيع أن يذكر كيف ينظم قسمه الدراسي ، بل ذلك الذي يقدر على تنظيمه بكيفية ملموسة . فإذا كانت الكفاءة تستلزم تجنيد القدرات والمحتويات، فان هذا التجنيد لا يكفي ،بل يجب أن يتم في وضعية ما.من الوضعيات المتمثلة في القيام بمتعلمات في القسم الدراسي . إن تنظيم وضعية تعليمية بالنسبة للمعلم ، لا يقتصر على تعيين حدود محتوى المادة وتبليغها للتلاميذ، بل التأكد أيضا من مكتسبا تهم القبلية قبل الشروع في الدرس الجديد ،والقدرة على التعامل البيداغوجي مع الفروق الفردية الموجودة في القسم الواحد بحيث يأخذ في الحسبان مستويات المتعلمين المتفرقة ، والأخذ في الاعتبار بعض الجوانب الوجدانية والنفس حركية للمتعلمين ، وتقييم مكتسبا تهم ومساعدتهم على استيعاب هذه المكتسبات ، وغيرها من المطالب والشروط التي يجب إن تتوفر في المعلم الكفء الذي يتعامل مع المناهج ذات المقاربة بالكفاءات .
أما بالنسبة للمتعلمين ،فالمطلوب منهم أن يتعلموا كيف يستخدمون مختلف المعارف والقدرات في وضعية ما ،فلا ينبغي الاكتفاء في تعليمهم كتابة الكلمات المختلفة ، بل يجب أن يتمكنوا من كتابة نصوص من مختلف الأنواع ذات دلالة معنوية قصد تبليغ رسالة معينة ، كما لا يمكن في التربية الرياضية الاكتفاء بإجراء العمليات الأربعة (الجمع ، الطرح، الضرب، القسمة ) بل تمكين التلاميذ من اكتساب القدرة على إيجاد الحلول المناسبة لمختلف الإشكاليات الرياضية التي تواجههم في الحيات المدرسية والعملية .وكذا بالنسبة للمعارف الجغرافية والعلمية فانه لا يكتفي باكتساب عدد من المعارف المتعلقة بالبيئة، بل أن يقدر المتعلم على العمل من اجل صيانة هذه البيئة بعد فهمه لأهميتها في الحياة .
معنى ذلك أن ممارسة أي كفاءة بالمفهوم المدرسي لابد أن تتم في وضعية من الاندماج له دلالة معنوية ، أي أن الكفاءة تتجلى في استعمال عدة معارف ومهارات في نسق يؤدي إلى نتيجة معينة.كالإجابة عن رسالة صديق ، أو التعبير عن علاقة منطقية بين السبب والنتيجة ، أو حل مشكلة مطروحة بكيفية ملموسة ..إن وضعية الاندماج لعدد من عناصر التعلم ،تمنح التلميذ فرصة البرهنة على انه قادر على استعمال هذه العناصر بكيفية فعالة وإجرائية ، وتهدف إلى إعطاء التعليمات دلالات معنوية بالنسبة للمتعلم . مثلا .كتابة رسالة تحتاج إلى عناصر منها ( القراءة ، الكتابة ،مفردات متنوعة ، جمل متعدد ،قواعد اللغة ، الأسلوب ،النسج اللغوي بين المفردات والجمل .. هذه العناصر كلها وهي متكاملة أو كما يقال وهي مدمجة تؤدي إلى معنى أو دلالة معينة يسعى المرسل إلى توصيلها إلى المرسل إليه .فالكفاءة اللغوية تحتاج إلى تعلم اللغة كوحدة كاملة متكاملة من حيث العبارات والمعاني والأسلوب الذي يؤدي إلى معنى كاملا ، وليس كأجزاء منفصلة من العبارات والمعاني ، كما هو الشأن بالنسبة لتعلم اللغة في المدرسة الأساسية ،الأمر الذي أدى إلى ضعف التلاميذ في التعبير عن أفكارهم بأسلوب متكامل من حيث العبارات والمعاني ،كما اثر هذا الأسلوب سلبا في فهم وإدراك العلاقات القائمة بين الوضعيات والإشكاليات المختلفة التي تواجه التلاميذ على مستوى المواد الدراسية ، وخاصة في الامتحانات الرسمية التي تحتاج إلى إدراك العلاقات بين مختلف المفاهيم والمعارف والطرق التي تؤدي إلى النتائج المطلوبة .
هذه الميزة التي تتميز بها الكفاءة بالمفهوم المدرسي ، تعني انه عوض الاكتفاء بتعليم المتعلمين عدد من المعارف المنفصلة عن بعضها البعض ، يعمل المعلم على جعلهم قادرين على استعمال هذه المعارف في وضعيات اندماجية ذات دلالة معنوية .
مفهوم الكفاءة بالمعنى المدرسي ، هو مفهوم إدماجي يأخذ في الحسبان كلا من المحتويات المعرفية والأنشطة التعليمية والمواقف التي تمارس فيها هذه الأنشطة .ويؤكد الأستاذ رو جرس أكثر على ميزة الكفاءة بالمفهوم المدرسي حين يشير إلى ضرورة اعتبارها مكسبا كامنا لدى صاحبها بحيث يلجا إلى ممارستها كلما كان في حاجة إليها فهو يقول :
"أنا كفء إذا كنت أستطيع في كل وقت أن أبرهن على أنني كفء "
هذه الميزة مهمة أيضا في قطاع التربية والتعليم ، حيث يجب أن تكون الكفاءة دائما في خدمة الفرد ، وفي خدمة ما يريد القيام به كفرد .الشيء الذي يجعل الكفاءة المدرسية ، ابعد ما تكون عن مفهومها في التكوين المهني .
ويعرف (بيرنو Perrenoud )الكفاءة من النوع الذي تعد به المدرسة المتعلمين للحياة بقوله :
"هي قدرة عمل فاعلة لمواجهة مجال مشترك من المواقف التي يمكن التحكم فيها بفضل توفر كلا من المعارف الضرورية والقدرة على توظيفها عن دراية في الوقت المناسب ، من اجل التعرف على المشاكل الحقيقية وحلها "
لنأخذ كمثال على ذلك كفاءة البرهنة كمجال مشترك لعدة مواقف وهي :
● الدفاع عن فكرة أو رأي
● الحصول على المعلومات
● تبرير سلوك معين
● شرح الاختيارات
● العمل على إقناع الغير باختيارات معينة
● الدفاع عن حقوقه واستقلاله الذاتي
خلاصة القول عن الكفاءة في المدرسة : إنها ليست شيئا نعرفه فحسب ، بل هي شيء نحسن القيام به . وعليه لنقترح في مناهجنا ما يجعل المتعلمين قادرين على القيام بالنشاطات . وهم يوظفون من اجل ذلك معارفهم المكتسبة في المدرسة ومن التجربة المعاشة .
***إعداد الأستاذ : سايل سعدي***
(تـــــــــــــــابع)
لقد أصبحت مهمة المنظومة التربوية في جميع دول العالم تهتم أكثر بمكتسبات التكوين التي تجعل المتكون قادرا على مواجهة مختلف مواقف الحياة ، العامة ،الوظيفية،وتتماشى مع متطلبات الشغل. لذا فكر المهتمون بأنظمة الشغل والتكوين بتنمية الكفاءات المهنية بمعاهد التكوين المهني. مما أدى إلى ارتباط مفهوم الكفاءة في البداية بمفهوم الكفاءة المهنية في ميدان الشغل.
حيث أدى إلى مزيد من التخصص المفرط في العمل ، وجعل الحركة المؤيدة للكفاءات تتعرض إلى نقد شديد في الولايات المتحدة الأمريكية،الآمر الذي أدى إلى الاستغناء عنها في أوائل الثمانينيات.
وبعد ذلك انتقل مفهوم الكفاءة إلى ميدان التعليم الذي يختلف من حيث المحتويات والأهداف التعليمية التي لا ترمي مباشرة إلى اكتساب الكفاءات المهنية للمتخرجين من المدرسة .
إن تحديات القرن الواحد والعشرين والمتمثلة في الزوال التدريجي للحواجز الاقتصادية والتكنولوجية والإعلامية التي جعلتنا في تنافس بين الأنظمة المتقدمة في العالم ،تتطلب منا أن نتزود بسرعة بوسائل تسمح أولا بالصمود في هذه المواجهة ، وثانيا بالالتحاق في نهاية المطاف بركب الدول المتقدمة .
إن المنظومة التربوية في مجملها ،وليس التكوين المهني فحسب مطالبة اليوم برفع مستواها في التعليم والتكوين ، وتحقيق النوعية والأداء الفعال ،فبالرغم من المنجزات الكبرى التي حققتها منظومتنا التربوية والتي تستحق كل الفخر والاعتزاز ،فإنها تعاني من عدة نقائص منها :
● ضعف المر دودية التي تتجلى في ارتفاع نسبة الرسوب والتسرب .
● قلة الفعالية التي يبرزها انعدام التوازن بين ما تنفقه الدولة ( الكلفة ) والنتائج المدرسية .
● نقص النجاعة البيداغوجية المتمثلة في نوعية المكتسبات لدى المتخرجين .
إن تحقيق النوعية والفعالية والمردودية الجيدة للمنظومة التربوية ،يحتاج إلى بيداغوجية تضع المتعلم في صلب نشاط التعلم ،إنها بيداغوجيا لبناء الكفاءات التي تهدف إلى تزويد المتعلم بوسائل التعلم التي تسمح له بان يتعلم كيف يفعل وكيف يكون .أي أن الكفاءات التي تهم الفرد هي التي تسمح له بالتكيف مع الأوضاع الجديدة .
1. تعريف الكفاءة :
إن كلمة كفاءة مستعملة في عدة ميادين ومشتركة بين تخصصات مختلفة .فالكفاءة مستعملة في ميدان علم النفس الذي يهتم بدراسة السلوك الداخلي والخارجي للشخص ، (الكفاءات المعرفية والعقلية والحركية .. ) ومستعملة في تحليل الوظائف والأفراد ( تحديد الكفاءات المتوفرة في وظيفة معينة و الكفاءات اللازمة لشغلها )ومستعملة كطريقة للتكوين المهني والتعليم والتعلم .ولهذا فان تعاريف الكفاءة متنوعة ومختلفة باختلاف المفاهيم و السياقات المستعملة من طرف الباحثين .
وفيما يلي أهم التعاريف التي توضح معنى الكفاءة :
إن مفهوم الكفاءة استعمل في البداية في ميدان العمل عندما كان الاهتمام منصب على تحقيق أحسن وأكثر إنتاج ،باختيار العمال الذين تتوفر فيهم الكفاءات التي تناسب وظائف معينة( العامل المناسب في المكان المناسب ) .
وفيما يلي تعريفين اثنين مرتبطين بمفهوم الكفاءة المهنية :
الكفاءة المهنية هي قدرة شخص ما على استعمال مكتسبا ته من اجل ممارسة وظيفة .حرفة أو مهنة حسب متطلبات محددة ومعترف بها في عالم الشغل .
الكفاءة مفهوم عام يشمل القدرة على استعمال المهارات والمعارف الشخصية في وضعيات جديدة داخل إطار حقله المهني.كما تتضمن أيضا تنظيم العمل وتخطيطه وكذا الابتكار والقدرة على التكيف مع نشاطات غير عادية .كما أن الكفاءة تتضمن المزايا الفردية الضرورية للتعامل مع الزملاء، الإدارة ،والزبائن بنجاعة .
إن التعريف الأول يحصر مفهوم الكفاءة في القدرة على ممارسة وظيفة معينة ومحددة ، وهذا يعطي مفهوما ضيقا للكفاءة ، بحصره في مجال إنجاز العمل فقط .
أما التعريف الثاني وبالرغم من ارتباطه بالمجال المهني فهو يعطي مفهوما أوسع لكلمة كفاءة ، يتعدى الإنجاز فقط إلى :
● تنظيم وتخطيط العمل
● ابتكار الحلول
● التكيف مع الأوضاع الجديدة المفاجئة
● الاهتمام بالعلاقات الإنسانية مع الزملاء والإدارة والمتعاملين الآخرين
● كما تجدر الإشارة إلى أن التعريف يفرق بين الكفاءة والمهارة والمعارف ،فالمعارف ترتبط بالتكوين النظري ، في حين أن المهارة تتصل بالجانب التطبيقي ، وهما عاملان أساسيان لاكتساب الكفاءة .
قامت المديرية العامة للتعليم الكمالي الكندي بتقديم تعريف واسع للكفاءة ،حينما عرفت الإطار الجديد لا عداد البرامج لصالح المقاربة بالكفاءات عام 1990 ويتعلق الأمر ببرامج القطاع المهني الذي أجريت فيه التجارب الأولى ،ولم تعلن المديرية العامة للتعليم ألا كمالي الكندي عن نية تطبيقها لهذه المقاربة في ميادين التكوين العام والتكوين ما قبل الجامعي (الثانوي) إلا مؤخرا سنة 1993 . ويتمثل مفهوم التعريف في أن :
الكفاءة هي القدرة على القيام بالأدوار والمهام المتعلقة بوظيفة عمل ،وبالمعنى الضيق في مجال إعداد البرنامج تشتمل كفاءة ما على مجموعة من التصرفات الاجتماعية العاطفية ، المهارات المعرفية ،المهارات النفسية ،والحسية الحركية التي تمكن من ممارسة وظيفة ، نشاط ،أو مهمة بدرجة من الإتقان تناسب أدنى متطلبات سوق العمل .
وقد تضمنت الوثيقة المرسلة إلى الاكماليات ما يأتي :
" في سياق إعداد وتقديم البرامج، يقدم كل هدف من أهداف البرنامج الصيغة المشتركة التي تجعل الكفاءات التي يستهدفها البرنامج قابلة للملاحظة والقيا س .وتتضمن صياغة هدف من الأهداف منطوق الكفاءة وعناصر منها ،ويتمخض منطوق الكفاءة عن تحليل وضعية العمل أو تحليل حاجات التكوين العام ما قبل الجامعي ."
● الكفاءة كلمة عامة تستعمل في مجالات متنوعة وليست مرتبطة فقط بالمجال المهني . كم أن معظم برامج التكوين المهني والتعليم التقني تتضمن موادا لها علاقة بالتعليم العام ، وهي ضرورية لاكتساب الكفاءات التي يحتاج إليها الإنسان في مختلف مجالات حياته .فهو يحتاج إلى الكفاءة في القراءة ،الكتابة ، التعبير ،الرياضيات ،العلوم الفيزيائية والطبيعية ..الخ .
إننا لا نتعلم القراءة والكتابة من اجل اكتساب القدرة على أداء العمل فقط كما أننا لا نتعلم كيف نتصل بالآخرين ،وإتقان العمليات الحسابية المعقدة، والمعارف العلمية لنفس السبب.(أداء العمل ) بل نتعلم ذلك لتحقيق ما هو أوسع واشمل من ذلك ، وهو النجاح في ممارسة مختلف الأدوار على مدى الحياة .
وفيما يلي بعض التعاريف التي تحدد الكفاءة كمفهوم عام :
الكفاءة هي مجموعة من التصرفات الاجتماعية الوجدانية والمهارات المعرفية ، والنفسية الحركية التي تمكن من ممارسة نشاط ، وظيفة ،دور ، مهمة ،أو عمل معقد على اكمل وجه (لوي دينو ،بتصرف )
الكفاءة هي مجموعة من المعارف والقدرات الدائمة ، والمهارات المكتسبة عن طريف استيعاب معارف وخبرات مرتبطة فيما بينها في مجال معين (دي كيتل وآخرون ) .
يلاحظ من هذين التعريفين أن :
● مفهوم الكفاءة لم يرتبط بمفهوم ممارسة العمل ، بل يشمل كل النشاطات والميادين المختلفة .
● أن مفهوم الكفاءة أوسع واشمل من مفهوم المهارات،القدرات،المعارف التي تعتبر جزء من الكفاءة.
● الكفاءة تتصف بالثبات والاستمرارية ، نقول عن الشخص انه كفء إذا كانت صفة الكفاءة ثابتة ودائمة عنده .
المهارة تقدم نفس الأهمية على مستوى التعليم والتعلم ،تتمثل في جعل الطالب يستخدم معارفه ومهاراته وقدراته للقيام بنشاطات على مستواه الشخصي والاجتماعي أو على المستوى المهني .
وخلاصة القول أن التعريف المقبول للكفاءة يتضمن العناصر آلاتية :
● تشتمل الكفاءة على العديد من المهارات .
● يعبر عن كفاءة ما عن طريق تحقيق نشاطات قابلة للملاحظة .
● من الممكن أن تطبق كفاءة ما في سياقات مختلقة سواء كانت شخصية ، اجتماعية أو مهنية .
● لا نتعلم بالضرورة لنعرف ، ولكن نتعلم خاصة لنتصرف ولابد أن يتجلى هذا قدر الإمكان وبوضوح في كل تعريف لمفهوم الكفاءة .وهذه الخاصية يتضمنها التعريف الآتي :
●تستند الكفاءة إلى إنجاز نشاط يستدعي مهارات معرفية, نفس / حركية أ و اجتماعية/وجدانية ، ضرورية لإنجاز هذا النشاط ،سواء كان ذا طابع شخصي أو اجتماعي أو مهني .
وحسب هذا التعريف فإننا لا نطلب من الطلبة في سياق التعليم بالكفاءات" القدرة على إنجاز نشاط" بل سنطلب منهم بكل بساطة إنجاز هذا النشاط ، بعد مساعدتهم على اكتساب المهارات اللازمة مسبقا لإنجاز النشاط المرتبط بالكفاءة .
إن الكفاءة هي قدرة مكتسبة يبرهن عليها شخص وتتضمن :
الجانب الكامن أو الخفي : ويتمثل في مجموعة مدمجة من المعارف والمدركات والمواقف والقدرات العقلية والمهارات (المعرفية، الحركية ، الحسية ) وهذا الجانب غير خاضع للملاحظة المباشرة ،فهو سلوك داخلي ،نستدل عليه بواسطة السلوك الخارجي .
الجانب الإجرائي أو العملي : ويتمثل في الإنجاز الملائم لمهمة أو نشاط عمل أو حياة مهنية .
الجانب التكاملي أو الاندماجي : ويتمثل في تكامل أو اندماج كل المعارف والمدركات والمواقف والمهارات، وعناصر إنجاز المهمة أو نشاط عمل أو حياة مهنية .
مميزات الكفاءة :
لا يمكن لأي تعريف مهما كانت دقته بالتعرف على الكفاءات أو تحديدها بسهولة ،ولهذا فان التعرف على الكفاءة يحتاج إلى تدريب بواسطة نشاطات وتطبيقات عملية ،نذكر البعض منها لكي تساعدنا على التعرف على مميزات الكفاءة .
هل يمكنك التعرف على العبارات الدالة على الكفاءة في العبارات الآتية ؟
● تسمية الأجزاء المكونة للحنفية .
● شرح كيفية اشتغال الأجزاء .
● إصلاح الحنفية .
إذا اخترت العبارة الأخيرة فان أجابتك صحيحة ،لان تسمية الأجزاء المكونة للحنفية أو شرح كيفية الاشتغال ، لا يعتبر نشاطا عمليا، ولا يدخل ضمن التعاريف التي تحدد معنى أو مفهوم الكفاءة ،ولكن تدخل ضمن المعارف والمهارات (التسمية والشرح) التي هي أساسية لبناء أو تكوين الكفاءة .
أما إصلاح الحنفية فهو نشاط عملي قابل للملاحظة .وبهذا تكون قد فهمت إذا ، انه لكي يكون النشاط مناسبا مع الكفاءة لابد أن يظهر في نتيجة قابلة للملاحظة .
وخلاصة القول أن العبارتين الأوليتين تمثل مهارات أو معارف تسمح بإنجاز النشاط الذي يؤدي إلى نتيجة يمكن ملاحظتها وهي إصلاح الحنفية .
ما هي العبارة الدالة على الكفاءة في العبارات الآتية ؟
● اكتساب اللغة
● استعمال اللغة
● التمكن من قواعدها
إن العبارة التي تمثل الكفاءة هي العبارة الثانية ،لان اكتساب اللغة أو التمكن من قواعدها ، لا يعتبر كفاءة ،بل هي مهارات تساهم قي إبراز الكفاءة ، كما أن اكتساب اللغة لوحدها أو التمكن من قواعدها يحتاج إلى معارف ومهارات أخرى متعددة ، قد تكون حسية حركية ،معرفية ، عقلية ..الخ .ولهذا لا يمكن أن نحكم بصفة مؤكدة أن الشخص القادر على اكتساب اللغة أو التمكن من قواعدها ، قادر بالفعل على استعمال اللغة ،ولهذا فان الكفاءة تتطلب العديد من المهارات التي تعطيها معنى ، وبهذا الصدد يقال بان الكفاءة مدمجة ولها قيمة خفية أو باطنية ،وتنفع من يملكها ،وتجيب على السؤال :
لماذا ؟
ومن خلال ما تقدم يمكن تحديد المميزات التي يمكن الاعتماد عليها كمعالم للتعرف على الكفاءة :
● تتحدد الكفاءة من خلال نتائج يمكن ملاحظتها
● تتكون الكفاءة من عدة مهارات
● الكفاءة لها قيمة على المستوى الشخصي والاجتماعي والمهني
● الكفاءة مرتبطة بإنجاز نشاطات عملية
1 .1 . تحديد بعض المفاهيم :
حتى نتمكن من تحديد وتوضيح أكثر لمفهوم الكفاءة ، نورد بعض الملاحظات الخاصة ببعض المفاهيم :
● ليس ثمة ترادف بين امتلاك الكفاءة واكتساب المعارف ، ولكن عبارتان متكاملتان تكاملا جيدا .
● لا ترادف بين امتلاك الكفاءة وامتلاك المهارات ،فالكفاءة تفوق مجموع المهارات . مثلا
ﻹصلاح محرك يجب على الشخص أن :
● يحدد مكوناته
● معرفة وظيفة كل مكون
● تركيب وتفكيك القطع
● استعمال الأدوات
● التدريب على حركات معينة ..الخ
عندما يكتسب الشخص هذه المهارات ، يجب عليه مع ذلك أن يتعلم كيف يصلح محركا. ولهذا فمن الخطا أن نظن بان الشخص الذي يمتلك كل المهارات المطلوبة ، يمتلك بالضرورة الكفاءة.فعموما فالقضية لا تكون كذلك لان الكفاءة والمهارة ليستا من نفس المستوى
وكذلك الشأن بالنسبة لكتابة مقالا فلسفيا ، أو تحليل نص أدبي ، أو حل مسالة رياضية أو فيزيائية أو إجراء تجربة معينة في المخبر ..فبالإضافة إلي معرفة الطريقة والمراحل والخطوات والتقنيات والنظريات والفرضيات والمعارف المتعلقة بهذه المواد ، يبقى الطالب في حاجة ماسة إلى إتقان توظيف هذه المهارات في إنجاز موضوع ما من مواضيع المواد المذكورة ،حتى نقول عنه بأنه كفء في الفلسفة أو الرياضيات أو أي مادة من المواد الدراسية .
● يجب تجنب التفريق بين الكفاءة والمهارة بالاعتماد على الفعل المستعمل فقط . فمثلا (إنجاز) عقدة ليس كإنجاز تصميم منزل أو آلة أو محرك .فالفعل أنجز في الحالة الأولى يتناسب مع مهارة
نفسية حركية .أما في الحالة الثانية يتناسب اكثر مع كفاءة. لماذا ؟
لأن مستوى التعقيد أو الصعوبة ليس هو نفسه .فإنجاز تصميم منزل يتطلب عدة مهارات .
مثال آخر :استعمال آلة حاسبة واستعمال جهاز الإعلام الآلي لمعالجة نص .فالفعل (استعمل ) في الحالة الأولى يناسب مهارة نفس / حركية أما في الحالة الثانية يناسب الكفاءة .لان مستوى التعقيد ليس هو نفسه .
وخلاصة القول أن الفعل المستعمل لإنجاز نشاط أو مهمة ، لا يفرق وحده بين الكفاءة والمهارة ، لان الكفاءة تشمل عدة مهارات سواء كانت من المجال المعرفي ، النفس / حركي أو الاجتماعي/ الوجداني . إنها متعددة الأبعاد .
● يجب التفريق بين الكفاءة والمهارات الاجتماعية : بالرغم من التداخل الكبير بين الكفاءة والمهارات الاجتماعية الوجدانية ،مثل :الدقة المعرفية ،المبادرة ،الحكم الذاتي ،الاستقرار الانفعالي ،القدرة على التمييز ،الإبداع ،الثقة في النفس ، الانبساط ، التحكم الانفعالي ..وغيرها من السمات التي يعتبرها البعض كفاءات يتصف بها شخص معين . والحقيقة إنها لا تنطبق مع التعريف الذي يحدد مفهوم الكفاءة . فالمهارات الاجتماعية / الوجدانية جزء من الكفاءة كما هو الحال بالنسبة للمهارات المعرفية والمهارات النفس/حركية .إنها تمثل البعد الوجداني للكفاءة ، وهي في اغلب الأحيان مهارات وردود أفعال يكون لها في بعض الحالات تأثير دال على درجة النجاح أو الرسوب بالنسبة للشخص .إنها تدخل في معايير حسن الأداء التي تحدد مكونات الكفاءة ،وتشكل جزءا من شخصية الأفراد .وتجدر الإشارة إلى أن مكونات الكفاءة يمكن أن تحمل تسميات مختلفة حسب الأوساط ،وكذلك شأن درجة الدقة المستعملة في وصف الكفاءات التي يمكن أن تتغير أيضا من وسط إلى آخر .
1 .1 . تحديد بعض المفاهيم :
حتى نتمكن من تحديد وتوضيح أكثر لمفهوم الكفاءة ، نورد بعض الملاحظات الخاصة ببعض المفاهيم :
● ليس ثمة ترادف بين امتلاك الكفاءة واكتساب المعارف ، ولكن عبارتان متكاملتان تكاملا جيدا .
● لا ترادف بين امتلاك الكفاءة وامتلاك المهارات ،فالكفاءة تفوق مجموع المهارات . مثلا
ﻹصلاح محرك يجب على الشخص أن :
● يحدد مكوناته
● معرفة وظيفة كل مكون
● تركيب وتفكيك القطع
● استعمال الأدوات
● التدريب على حركات معينة ..الخ
عندما يكتسب الشخص هذه المهارات ، يجب عليه مع ذلك أن يتعلم كيف يصلح محركا. ولهذا فمن الخطا أن نظن بان الشخص الذي يمتلك كل المهارات المطلوبة ، يمتلك بالضرورة الكفاءة.فعموما فالقضية لا تكون كذلك لان الكفاءة والمهارة ليستا من نفس المستوى
وكذلك الشأن بالنسبة لكتابة مقالا فلسفيا ، أو تحليل نص أدبي ، أو حل مسالة رياضية أو فيزيائية أو إجراء تجربة معينة في المخبر ..فبالإضافة إلي معرفة الطريقة والمراحل والخطوات والتقنيات والنظريات والفرضيات والمعارف المتعلقة بهذه المواد ، يبقى الطالب في حاجة ماسة إلى إتقان توظيف هذه المهارات في إنجاز موضوع ما من مواضيع المواد المذكورة ،حتى نقول عنه بأنه كفء في الفلسفة أو الرياضيات أو أي مادة من المواد الدراسية .
● يجب تجنب التفريق بين الكفاءة والمهارة بالاعتماد على الفعل المستعمل فقط . فمثلا (إنجاز) عقدة ليس كإنجاز تصميم منزل أو آلة أو محرك .فالفعل أنجز في الحالة الأولى يتناسب مع مهارة
نفسية حركية .أما في الحالة الثانية يتناسب اكثر مع كفاءة. لماذا ؟
لأن مستوى التعقيد أو الصعوبة ليس هو نفسه .فإنجاز تصميم منزل يتطلب عدة مهارات .
مثال آخر :استعمال آلة حاسبة واستعمال جهاز الإعلام الآلي لمعالجة نص .فالفعل (استعمل ) في الحالة الأولى يناسب مهارة نفس / حركية أما في الحالة الثانية يناسب الكفاءة .لان مستوى التعقيد ليس هو نفسه .
وخلاصة القول أن الفعل المستعمل لإنجاز نشاط أو مهمة ، لا يفرق وحده بين الكفاءة والمهارة ، لان الكفاءة تشمل عدة مهارات سواء كانت من المجال المعرفي ، النفس / حركي أو الاجتماعي/ الوجداني . إنها متعددة الأبعاد .
● يجب التفريق بين الكفاءة والمهارات الاجتماعية : بالرغم من التداخل الكبير بين الكفاءة والمهارات الاجتماعية الوجدانية ،مثل :الدقة المعرفية ،المبادرة ،الحكم الذاتي ،الاستقرار الانفعالي ،القدرة على التمييز ،الإبداع ،الثقة في النفس ، الانبساط ، التحكم الانفعالي ..وغيرها من السمات التي يعتبرها البعض كفاءات يتصف بها شخص معين . والحقيقة إنها لا تنطبق مع التعريف الذي يحدد مفهوم الكفاءة . فالمهارات الاجتماعية / الوجدانية جزء من الكفاءة كما هو الحال بالنسبة للمهارات المعرفية والمهارات النفس/حركية .إنها تمثل البعد الوجداني للكفاءة ، وهي في اغلب الأحيان مهارات وردود أفعال يكون لها في بعض الحالات تأثير دال على درجة النجاح أو الرسوب بالنسبة للشخص .إنها تدخل في معايير حسن الأداء التي تحدد مكونات الكفاءة ،وتشكل جزءا من شخصية الأفراد .وتجدر الإشارة إلى أن مكونات الكفاءة يمكن أن تحمل تسميات مختلفة حسب الأوساط ،وكذلك شأن درجة الدقة المستعملة في وصف الكفاءات التي يمكن أن تتغير أيضا من وسط إلى آخر .
2 . أهمية الكفاءات في العملية التعليمية ؟
إن المقاربة بالكفاءات تستجيب لمشكلة قديمة للمدرسة الجزائرية ،فالوضع الذي تعرفه كثير من الأنظمة التربوية ، والذي جعلت الآن تفكر في معالجته بجدية هو أن المتعلمين عند تخرجهم من المدرسة بنجاح كما يقال عنهم : علماء إلا أنه لا يمكن أن نقول عنهم بالضرورة أكفاء ، لأنهم عندما يواجهون الحياة العملية ويمارسون نشاطهم الاجتماعي ،يجدون أنفسهم بأنهم لم يتعلموا في المدرسة كيف يوظفون معارفهم خارج وضعيات الامتحان .فالمعارف ينبغي أن تكتسب من اجل الاستفادة منها في وضعيات غير الوسط المدرسي .وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا استطاعوا التحكم في معارفهم العلمية ،وتفعيلها وتنسيقها ، بل وتجاوز هذه المكتسبات كلما اقتضى الوضع تجاوزها ، والبحث عن حلول مبتكرة .
لقد ذكرنا سابقا بأن التمرن على الممارسة كان دائما هو الرهان الأساسي في التكوين المهني . إلا أننا أصبحنا ندرك جيدا أن هذا التمرن والإعداد للحياة ضروري بدءا بالتعليم القاعدي في المراحل التعليمية الأولى .ولهذا فان إصلاح المنظومة التربوية فرصة للتفكير في بناء مناهجنا التعليمية على أساس المقاربة بالكفاءات ابتداء من السنة الأولى من التعليم الابتدائي ،بل من مدارس التعليم التحضيري .فنحن نلاحظ منذ زمن طويل أن المدرسة تستقبل عددا كبيرا من الأطفال ، وتبذل مجهودات متعددة على مدى سنوات طويلة من التعليم الإلزامي الذي يقدر ب (16) سنة ، على أساس أن المكتسبات التي سيتخرجون بها سوف تفيدهم في حياتهم العملية ،إلا أنه كلما أطلنا مدة الدراسة كلما لاحظنا النتيجة لم تتغير من حيث إعدادهم للحياة . وقد أدى بنا هذا إلى التساؤل حول ما إذا كان ما يتعلمه الشباب في المدرسة يبرّر السنوات الطوال التي يقضونها في الدراسة ؟
هذا التساؤل يطرح خاصة حول العدد الأكبر من المتعلمين الذين لا يحسنون القراءة بالمعنى البيداغوجي لهذا النشاط بعد أن قضوا سنوات طويلة على مقاعد الدراسة ، في حين أصبح الناس في مجتمعنا في حاجة ماسة إلى التحكم في المعارف واكتساب الكفاءات .
كما أن التلاميذ الذين نجحوا في الامتحانات بتفوق ، لم يكتسبوا القدرة على الاستفادة من معارفهم في الحياة .معنى ذلك أنه يتعين أن نفكر في أحسن السبل ، لتحقق المدرسة أهدافها لصالح الجميع .إن المقاربة بالكفاءات قد تشكل علاجا ناجعا إذا نحن نجحنا في إعداد مناهجنا على أساسها ، وقمنا في نفس الوقت بإحداث تغيير جذري في الممارسات البيداغوجية بتجديد تكوين المعلمين على أساس نفس المقاربة
3 . الكفاءة بالمفهوم المدرسي :
إن المقاربة بالكفاءات ليست مفهوما جديدا ، إلا أنها تختلف تماما في قطاع التعليم ، لأنه إذا كانت الكفاءة في التكوين المهني هي دائما في خدمة المؤسسة والشغل ، حيث ينظر إليها على أنها وظيفة إنتاجية ملزمة بالنتيجة ، فإنها في التعليم تعني المعلم كما تعني المتعلم الذي ينبغي أن تكون الكفاءة بالإضافة إلى المعرفة في خدمته .
بالنسبة للمعلم ، فلكي يكون كفء وبالإضافة إلى مختلف المعارف ، يجب عليه أن يوظف عددا من القدرات . كتحليل وضعية ، توقع ردود أفعال المتعلمين ، التعبير بوضوح ،التعمق في تناول بعض الوضعيات إذا لزم الأمر ،التواصل مع زملائه حول ما يقوم به من الأعمال ، القدرة على مراجعة نفسه عندما يتعين التكيف مع الأوضاع ..والمعلم الكفء ليس ذلك الذي يستطيع أن يذكر كيف ينظم قسمه الدراسي ، بل ذلك الذي يقدر على تنظيمه بكيفية ملموسة . فإذا كانت الكفاءة تستلزم تجنيد القدرات والمحتويات، فان هذا التجنيد لا يكفي ،بل يجب أن يتم في وضعية ما.من الوضعيات المتمثلة في القيام بمتعلمات في القسم الدراسي . إن تنظيم وضعية تعليمية بالنسبة للمعلم ، لا يقتصر على تعيين حدود محتوى المادة وتبليغها للتلاميذ، بل التأكد أيضا من مكتسبا تهم القبلية قبل الشروع في الدرس الجديد ،والقدرة على التعامل البيداغوجي مع الفروق الفردية الموجودة في القسم الواحد بحيث يأخذ في الحسبان مستويات المتعلمين المتفرقة ، والأخذ في الاعتبار بعض الجوانب الوجدانية والنفس حركية للمتعلمين ، وتقييم مكتسبا تهم ومساعدتهم على استيعاب هذه المكتسبات ، وغيرها من المطالب والشروط التي يجب إن تتوفر في المعلم الكفء الذي يتعامل مع المناهج ذات المقاربة بالكفاءات .
أما بالنسبة للمتعلمين ،فالمطلوب منهم أن يتعلموا كيف يستخدمون مختلف المعارف والقدرات في وضعية ما ،فلا ينبغي الاكتفاء في تعليمهم كتابة الكلمات المختلفة ، بل يجب أن يتمكنوا من كتابة نصوص من مختلف الأنواع ذات دلالة معنوية قصد تبليغ رسالة معينة ، كما لا يمكن في التربية الرياضية الاكتفاء بإجراء العمليات الأربعة (الجمع ، الطرح، الضرب، القسمة ) بل تمكين التلاميذ من اكتساب القدرة على إيجاد الحلول المناسبة لمختلف الإشكاليات الرياضية التي تواجههم في الحيات المدرسية والعملية .وكذا بالنسبة للمعارف الجغرافية والعلمية فانه لا يكتفي باكتساب عدد من المعارف المتعلقة بالبيئة، بل أن يقدر المتعلم على العمل من اجل صيانة هذه البيئة بعد فهمه لأهميتها في الحياة .
معنى ذلك أن ممارسة أي كفاءة بالمفهوم المدرسي لابد أن تتم في وضعية من الاندماج له دلالة معنوية ، أي أن الكفاءة تتجلى في استعمال عدة معارف ومهارات في نسق يؤدي إلى نتيجة معينة.كالإجابة عن رسالة صديق ، أو التعبير عن علاقة منطقية بين السبب والنتيجة ، أو حل مشكلة مطروحة بكيفية ملموسة ..إن وضعية الاندماج لعدد من عناصر التعلم ،تمنح التلميذ فرصة البرهنة على انه قادر على استعمال هذه العناصر بكيفية فعالة وإجرائية ، وتهدف إلى إعطاء التعليمات دلالات معنوية بالنسبة للمتعلم . مثلا .كتابة رسالة تحتاج إلى عناصر منها ( القراءة ، الكتابة ،مفردات متنوعة ، جمل متعدد ،قواعد اللغة ، الأسلوب ،النسج اللغوي بين المفردات والجمل .. هذه العناصر كلها وهي متكاملة أو كما يقال وهي مدمجة تؤدي إلى معنى أو دلالة معينة يسعى المرسل إلى توصيلها إلى المرسل إليه .فالكفاءة اللغوية تحتاج إلى تعلم اللغة كوحدة كاملة متكاملة من حيث العبارات والمعاني والأسلوب الذي يؤدي إلى معنى كاملا ، وليس كأجزاء منفصلة من العبارات والمعاني ، كما هو الشأن بالنسبة لتعلم اللغة في المدرسة الأساسية ،الأمر الذي أدى إلى ضعف التلاميذ في التعبير عن أفكارهم بأسلوب متكامل من حيث العبارات والمعاني ،كما اثر هذا الأسلوب سلبا في فهم وإدراك العلاقات القائمة بين الوضعيات والإشكاليات المختلفة التي تواجه التلاميذ على مستوى المواد الدراسية ، وخاصة في الامتحانات الرسمية التي تحتاج إلى إدراك العلاقات بين مختلف المفاهيم والمعارف والطرق التي تؤدي إلى النتائج المطلوبة .
هذه الميزة التي تتميز بها الكفاءة بالمفهوم المدرسي ، تعني انه عوض الاكتفاء بتعليم المتعلمين عدد من المعارف المنفصلة عن بعضها البعض ، يعمل المعلم على جعلهم قادرين على استعمال هذه المعارف في وضعيات اندماجية ذات دلالة معنوية .
مفهوم الكفاءة بالمعنى المدرسي ، هو مفهوم إدماجي يأخذ في الحسبان كلا من المحتويات المعرفية والأنشطة التعليمية والمواقف التي تمارس فيها هذه الأنشطة .ويؤكد الأستاذ رو جرس أكثر على ميزة الكفاءة بالمفهوم المدرسي حين يشير إلى ضرورة اعتبارها مكسبا كامنا لدى صاحبها بحيث يلجا إلى ممارستها كلما كان في حاجة إليها فهو يقول :
"أنا كفء إذا كنت أستطيع في كل وقت أن أبرهن على أنني كفء "
هذه الميزة مهمة أيضا في قطاع التربية والتعليم ، حيث يجب أن تكون الكفاءة دائما في خدمة الفرد ، وفي خدمة ما يريد القيام به كفرد .الشيء الذي يجعل الكفاءة المدرسية ، ابعد ما تكون عن مفهومها في التكوين المهني .
ويعرف (بيرنو Perrenoud )الكفاءة من النوع الذي تعد به المدرسة المتعلمين للحياة بقوله :
"هي قدرة عمل فاعلة لمواجهة مجال مشترك من المواقف التي يمكن التحكم فيها بفضل توفر كلا من المعارف الضرورية والقدرة على توظيفها عن دراية في الوقت المناسب ، من اجل التعرف على المشاكل الحقيقية وحلها "
لنأخذ كمثال على ذلك كفاءة البرهنة كمجال مشترك لعدة مواقف وهي :
● الدفاع عن فكرة أو رأي
● الحصول على المعلومات
● تبرير سلوك معين
● شرح الاختيارات
● العمل على إقناع الغير باختيارات معينة
● الدفاع عن حقوقه واستقلاله الذاتي
خلاصة القول عن الكفاءة في المدرسة : إنها ليست شيئا نعرفه فحسب ، بل هي شيء نحسن القيام به . وعليه لنقترح في مناهجنا ما يجعل المتعلمين قادرين على القيام بالنشاطات . وهم يوظفون من اجل ذلك معارفهم المكتسبة في المدرسة ومن التجربة المعاشة .
***إعداد الأستاذ : سايل سعدي***
(تـــــــــــــــابع)