كلمة "تربية" من حيث مدلولها اللغوي تنتمي إلى الجذر الثلاثي " رَ بَ وَ" والفعل منه "ربى" وهو في جميع تصاريفه يدل على معاني النمو والزيادة، يقول الله تعالى:"وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله" (الروم 39) أي ليزيد في أموال الناس فإنه لا يزيد عند الله. وسمي الربا ربا لما فيه من الزيادة على رأس المال.
ويقول الله تعالى: "يمحق الله الربا ويربي الصدقات" (البقرة276) أي ينمي الصدقات ويزيدها بمضاعفة أجرها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف كما ورد في الحديث الصحيح. والربوة ما ارتفع من الأرض، وسميت بذلك لما فيها من الزيادة التي بها ارتفعت عما جاورها.
والفعل "ربّى" مضعّف يتضمن معنى التدرج والتعهّد المستمر؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاَ يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إِلاَّ أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ حَتَّكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ " (مسلم239وتربية الفلو إنما تكون بتعهّده بما يصلحه في غذائه وصحته ورياضته على ما يريده منه مربيه حتى يصل في نموه وإتقانه إلى منتهاه، يقول أبو الطيب واصفا موافقة جواده لمراده:
رجلاه في الركض رجل واليدان يدٌ وفعله ما تريد الكف والقدمُ
وتربية الإنسان بتعهّده بالرعاية بكل ما من شأنه أن يحقق نموه في كل مجالات النمو، وقد ورد ذكر التربية بهذا المعنى في القرآن الكريم؛ يقول الله تعالى على لسان فرعون مخاطبا موسى عليه السلام: " أَلم نربِّك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين؟" (الشعراء18)
ويقول الله تعالى أيضاً: "وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا" (الإسراء 24)
أما التربية في اصطلاح التربويين فقد عرّفت بتعريفات كثيرة بينها تقارب وتباعد، وليس هذا مقام تتبع تلك التعريفات، غير أن التعريف الذي أراه هو أنها "عملية يتم بها الانتقال بالفرد من الواقع الذي هو عليه إلى المثل الأعلى الذي ينبغي أن يكون عليه" ولنا مع هذا التعريف عدد من الوقفات:
الأولى: أن التربية "عملية" تتضمن مجموعة من الإجراءات المتداخلة، ومن ثم فإنها ليست محصلة لعامل واحد بحيث يمكن التحكم فيها إذا أمكن التحكّم فيه، وإنما تتفاعل فيها عناصر متعددة ( عناصر الموقف التربوي) من مثل خصائص متلقي التربية العمرية وخصائصه الفردية، والسياق النفسي والاجتماعي الذي يقدّم فيه المحتوى التربوي ومدى مناسبة ذلك السياق لمتلقي التربية من جانب وللمحتوى التربوي من جانب آخر ومدى مناسبة المحتوى التربوي ذاته لمتلقي التربية، ومن مثل شخصية المربي و مدى قبول متلقي التربية له ... إلى غير ذلك مما له علاقة بالموقف التربوي وعناصره.
الثانية: أنها عملية "انتقال" وهذا يتضمن أنها عملية "تغيير"، وهذا التغيير يتمثّل في النمو المتحصل في متلقي التربية نتيجة لمروره بالخبرات المتضمنة في عملية التربية.
الثالثة: أن "الواقع" الذي عليه متلقي التربية عند بداية تلقيه لها له أهمية كبيرة، وإدراك المربي له ضروري لمعرفة أين يقع متلقي التربية مما يراد الوصول به إليه، وما احتياجاته التربوية؟ وكيف يمكن ترتيبها من حيث أولويتها أو كون بعضها سابقا بالضرورة لبعض لكونه شرطا له أو نحو ذلك؟
الرابعة: أن هذا الانتقال هادف وليس عفويّا، وبهذا تختلف التربية عن كثير من صور التنشئة الاجتماعية تلك التي يتشرب فيها الناشئ مفاهيمه وتصوراته وأنماط سلوكه من المجتمع المحيط به بصورة تلقائية كما تتشرب الاسفنجة ما يحيط بها من بلل. التربية عملية هادفة توجهها إرادة وقصد؛ يعي فيها المربي أين يقف متلقي التربية الآن وإلى أين ينبغي أن يصير.
الخامسة: أن هذا الانتقال يسير باتجاه "المثل الأعلى" الذي ينبغي أن يكون عليه متلقي التربية، والمقصود بالمثل الأعلى هنا الإنسان في حالته المثلى، وهي تختلف من مجتمع إلى مجتمع ومن أمة إلى أمة ومن فلسفة إلى أخرى، وتحديد "المثل الأعلى" للإنسان هو الذي يعطي للتربية هويتها. ولكل أمة من الأمم مصادرها التي تستمد منها رؤيتها للإنسان في وضعه الأمثل، ونحن المسلمين إنما نستمد الصورة المثلى للإنسان من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. والإنسان الأمثل عندنا هو من تحققت فيه غاية وجوده وهي العبودية لله سبحانه وتعالى؛ إذ هي حكمة خلق الله للجن والإنس، يقول الله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات56)، وهي المهمة التي جاء الإنسان إلى هذا الوجود من أجل إنجازها، و خروجه من هذه الحياة دون أن ينجزها هو الخسران الحقيقي كما قال تعالى: "قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين" (الزمر15)
السادسة: أن الانتقال بمتلقي التربية إلى هذه الغاية انتقال منظم؛ يتعامل مع واقع متلقي التربية ويدرك فيه المربي المسافة بين الواقع وما ينبغي أن يصار إليه، ومن ثم فإنه يدرك أيضا أن الغاية القصوى للتربية ينبغي أن يشتق منها أهداف متدرّجة تمثّل سلّما يترقى فيه متلقي التربية من الواقع الذي هو عليه باتجاه "المثل الأعلى" الذي ينبغي أن يكون عليه، ويمثّل المحتوى التربوي والمناشط التربوية جسورا تربط أهداف التربية بعضها ببعض..
ويقول الله تعالى: "يمحق الله الربا ويربي الصدقات" (البقرة276) أي ينمي الصدقات ويزيدها بمضاعفة أجرها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف كما ورد في الحديث الصحيح. والربوة ما ارتفع من الأرض، وسميت بذلك لما فيها من الزيادة التي بها ارتفعت عما جاورها.
والفعل "ربّى" مضعّف يتضمن معنى التدرج والتعهّد المستمر؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاَ يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إِلاَّ أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ حَتَّكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ " (مسلم239وتربية الفلو إنما تكون بتعهّده بما يصلحه في غذائه وصحته ورياضته على ما يريده منه مربيه حتى يصل في نموه وإتقانه إلى منتهاه، يقول أبو الطيب واصفا موافقة جواده لمراده:
رجلاه في الركض رجل واليدان يدٌ وفعله ما تريد الكف والقدمُ
وتربية الإنسان بتعهّده بالرعاية بكل ما من شأنه أن يحقق نموه في كل مجالات النمو، وقد ورد ذكر التربية بهذا المعنى في القرآن الكريم؛ يقول الله تعالى على لسان فرعون مخاطبا موسى عليه السلام: " أَلم نربِّك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين؟" (الشعراء18)
ويقول الله تعالى أيضاً: "وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا" (الإسراء 24)
أما التربية في اصطلاح التربويين فقد عرّفت بتعريفات كثيرة بينها تقارب وتباعد، وليس هذا مقام تتبع تلك التعريفات، غير أن التعريف الذي أراه هو أنها "عملية يتم بها الانتقال بالفرد من الواقع الذي هو عليه إلى المثل الأعلى الذي ينبغي أن يكون عليه" ولنا مع هذا التعريف عدد من الوقفات:
الأولى: أن التربية "عملية" تتضمن مجموعة من الإجراءات المتداخلة، ومن ثم فإنها ليست محصلة لعامل واحد بحيث يمكن التحكم فيها إذا أمكن التحكّم فيه، وإنما تتفاعل فيها عناصر متعددة ( عناصر الموقف التربوي) من مثل خصائص متلقي التربية العمرية وخصائصه الفردية، والسياق النفسي والاجتماعي الذي يقدّم فيه المحتوى التربوي ومدى مناسبة ذلك السياق لمتلقي التربية من جانب وللمحتوى التربوي من جانب آخر ومدى مناسبة المحتوى التربوي ذاته لمتلقي التربية، ومن مثل شخصية المربي و مدى قبول متلقي التربية له ... إلى غير ذلك مما له علاقة بالموقف التربوي وعناصره.
الثانية: أنها عملية "انتقال" وهذا يتضمن أنها عملية "تغيير"، وهذا التغيير يتمثّل في النمو المتحصل في متلقي التربية نتيجة لمروره بالخبرات المتضمنة في عملية التربية.
الثالثة: أن "الواقع" الذي عليه متلقي التربية عند بداية تلقيه لها له أهمية كبيرة، وإدراك المربي له ضروري لمعرفة أين يقع متلقي التربية مما يراد الوصول به إليه، وما احتياجاته التربوية؟ وكيف يمكن ترتيبها من حيث أولويتها أو كون بعضها سابقا بالضرورة لبعض لكونه شرطا له أو نحو ذلك؟
الرابعة: أن هذا الانتقال هادف وليس عفويّا، وبهذا تختلف التربية عن كثير من صور التنشئة الاجتماعية تلك التي يتشرب فيها الناشئ مفاهيمه وتصوراته وأنماط سلوكه من المجتمع المحيط به بصورة تلقائية كما تتشرب الاسفنجة ما يحيط بها من بلل. التربية عملية هادفة توجهها إرادة وقصد؛ يعي فيها المربي أين يقف متلقي التربية الآن وإلى أين ينبغي أن يصير.
الخامسة: أن هذا الانتقال يسير باتجاه "المثل الأعلى" الذي ينبغي أن يكون عليه متلقي التربية، والمقصود بالمثل الأعلى هنا الإنسان في حالته المثلى، وهي تختلف من مجتمع إلى مجتمع ومن أمة إلى أمة ومن فلسفة إلى أخرى، وتحديد "المثل الأعلى" للإنسان هو الذي يعطي للتربية هويتها. ولكل أمة من الأمم مصادرها التي تستمد منها رؤيتها للإنسان في وضعه الأمثل، ونحن المسلمين إنما نستمد الصورة المثلى للإنسان من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. والإنسان الأمثل عندنا هو من تحققت فيه غاية وجوده وهي العبودية لله سبحانه وتعالى؛ إذ هي حكمة خلق الله للجن والإنس، يقول الله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات56)، وهي المهمة التي جاء الإنسان إلى هذا الوجود من أجل إنجازها، و خروجه من هذه الحياة دون أن ينجزها هو الخسران الحقيقي كما قال تعالى: "قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين" (الزمر15)
السادسة: أن الانتقال بمتلقي التربية إلى هذه الغاية انتقال منظم؛ يتعامل مع واقع متلقي التربية ويدرك فيه المربي المسافة بين الواقع وما ينبغي أن يصار إليه، ومن ثم فإنه يدرك أيضا أن الغاية القصوى للتربية ينبغي أن يشتق منها أهداف متدرّجة تمثّل سلّما يترقى فيه متلقي التربية من الواقع الذي هو عليه باتجاه "المثل الأعلى" الذي ينبغي أن يكون عليه، ويمثّل المحتوى التربوي والمناشط التربوية جسورا تربط أهداف التربية بعضها ببعض..